مقالات ودراسات

د. مينا مراح تقدم قراءة في نص “مريم والبهلوان” لكاتبها محمد الكامل بن زيد

المسرحية التي تحدثت عن " ظاهرة عزوف الطفل عن المسرح"


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ 

 

د. مينا مراح

ناقدة جزائرية

 

مريم والبهلوان نص مسرحي موجه للأطفال يحاول مؤلفه محمد الكامل بن زيد أن ينقل لنا فيه قصة بهلوان حزن عند اكتشافه لعزوف جمهور الأطفال عن عرضه وغيابهم عن المسرح، والدمية مريم التي تحاول أن تساعده لاستعادة جمهوره فيعيشان سوية مجموعة أحداث بين ركح المسرح والغابة حيث يقومان بإنقاذ صغار الحيوانات التي تتعرض للأذى من طرف الثعلب والحرباء، في غياب الأسد ملك الغابة. يكتشف البهلوان في نهاية المسرحية ان كل تلك الأحداث ما كانت في الحقيقة إلا مقلبا قام به الأطفال للاحتفال معه بعيد ميلاده، بالتواطؤ مع مريم، وقد قام أولياء هؤلاء الأطفال بتمثيل حكاية الثعلب والحرباء وصغار الحيوانات، حتى يبرهنوا له عن مدى حبهم للمسرح والتمثيل وموافقتهم على إقبال أبنائهم على هذا الفن وانهم لم يعزفوا عن عروضه الجميلة. لتنتهي المسرحية بفرحة تعم الركح يشارك فيها البهلوان ومريم والأطفال وأولياءَهم حيث يعبّر الجميع عن أسمى عبارات الحب والعرفان لبهلوانهم المحبوب.

ويشير المؤلف الى أن نصَّه موجه الى الأطفال من فئة تسع سنوات فما فوق وكنا نفضل ان تُحدَّد الفئة العمرية بسن التاسعة الى الثانية عشر(9-12) وذلك بسبب نوعية الأحداث والشخصيات التي جاءت في المسرحية، وهذا لا يمنع باي حال من الأحوال أن يقرأ هذا النص أو يتابع عرضه من هم خارج هذه الفئة طبعا، إلا أننا نرى بأنه من الأنسب أن تُحدّد سن الجمهور المتلقي حسب مستوى ما ورد في المسرحية من احداث وحسب نوعية الشخصيات التي وظّفها الكاتبُ في صنع الأحداث وتطوّرها.

وقد رأينا أن نقوم بقراءة لهذا النص لما لمسنا فيه من عناصرفنية تستحق التحليل والدراسة وسنتوقف بداية عند الحكاية التي اعتمدها المؤلف في تشكيل نصه المسرحي، وهي حكاية البهلوان الذي يحضر الى المسرح ليقدّم عرضا لكنه يتفاجأ بعدم حضور الجمهور ويلتقي وهو في أشد حالاته حزنا بدمية تعرّفه بنفسها مزهوة وتقترح عليه حلا لمشكلته بأن تطلب منه تقديم عرضه لأصدقائها ” الصغار“المتواجدين في الغابة ليكتشف فيما بعد بأن ما هؤلاء الا مجموعة من الحيوانات. يوافق البهلوان على عرض الدمية ويرافقها الى الغابة وهناك يتبين لهما أن أمرا غريبا ألمّ بالحيوانات الصغيرة إذ يلاحظان سكونا غريبا -لم تعهده الدمية مريم من قبلُ- قد ساد أرجاء الغابة.                          يلج بنا المؤلف إثر ذلك عوالم جديدة تجري فيها أحداث حكاية أخرى هي حكاية الثعلب الذي المتضوّر جوعا بسبب معاقبة الأسد له والحرباء التي يطلب منها أن تساعده ببعض ما يسدّ رمقه، إلا أنها تلومه لأنه تعدّى على قوانين الغابة واجترأ على حقوق صغار الحيوانات مما عرّضه لهذا العقاب جزاءً على فعلته الشنيعة. لكنها رغم هذا تحاول مساعدته بخبث فتخبره بغياب الأسد وحاشيته عن الغابة وقد خلّفوا صغار الحيوانات وحدها اعتقادا منهم أنه قد كبرت ووجب عليها الاعتماد على نفسها كما جاء في النص، وهذا ما جعل الثعلب ينتهز الفرصة ويهجم عليها ويضعها في أكياس ويعلقها في أغصان الأشجار، ثم يدّعي لنفسه المُلكَ رغم تحذيرات الحرباء له مما سينجر عن فعلته التي ستكلّفه غاليا، حين يعود الأسد ويكتشف ما آلت إليه الحيوانات الصغيرة في غيابه. هنا تتدخل مريم الدمية وصديقها البهلوان وينقضّان على الثعلب والحرباء – والتي يتضح بأنها في الحقيقة ساحرة شريرة وأنها هي التي قامت بتحويل مريم الى دمية ، كما قالت مريم نفسها للبهلوان- فينهالان عليهما ضربا بالعصيّ والحجارة …وفي هذه اللحظة يعود الأسد ومرافقوه فتهوله الفوضى التي حلت بالمكان ويستغرب لما يحدث في الغابة فيشير البهلوان الى صغار الحيوانات المعلقة في الأكياس ويخبره بأن الثعلب قد خان الأمانة وتضيف  مريم بأن الحرباء قد ساعدته فيأمر حاشيته باقتياد الخائنين (الثعلب والحرباء) الى السجن في انتظار محاكمتهما بتهمة الخيانة العظمى، ويشكر الأسدُ البهلوانَ والدميةَ على صنيعهما ومساعدتهما لصغار الحيوانات وهنا تنتهز مريم الفرصة وتطلب من الأسد أن يسمح لصديقها البهلوان أن يقدّم عرضه للحيوانات فيقبل بعد استشارة الحيوانات التي توافق بكل فرح وسرور وينتقل الجميع لمشاهدة العرض مبتهجين.                                                                                       يعود الصديقان الى المسرح ويعود بنا المؤلف الى الحكاية الأصلية وهنا نشير الى استعمال ما يعرف بالميتامسرح (أي وجود مسرحية داخل مسرحية ) و يكتشف البهلوان بأن كل ما جرى هو في الحقيقة مقلب قام به الأطفال وأولياؤهم احتفالا بعيد ميلاده وهنا تعم الفرحةُ الركحَ ويبدأ الاحتفال ويدوّي صوت مقدم البرامج معلنا بداية العرض البهلواني.

 

إن أهم ما يشدّ انتباهنا ونحن نقرأ هذا النص هو بساطة الأحداث وسلاسة الأفكار حيث نلاحظ بأن المؤلف قد ركّز على هذا الجانب وعليه وضع الشكل العام للمسرحية.    فالبهلوان شخصية معروفة ومحبوبة لدى الأطفال مما يجعلهم يتعاطفون معه ويبتهجون عندما يجد حلا لمشكلته وهم يميلون كثيرا لعالم الدمى واللعب مما يجعل ظهور مريم الدمية الناطقة عنصرا عجائبيا يبعث فيهم الفضول لمعرفة ما تحمله إليهم أحداث المسرحية من مفاجآت. والأطفال في سن ما بين التاسعة والثانية عشر يميلون الى القصص التي يكون أبطالها حيوانات لأن هاته الكائنات – في أذهانهم –  خير من يمثّل قيم الخير والشر والمحبة والكراهية والأمانة والخيانة، وذلك لشدة ارتباطهم بعوالم الرسوم المتحركة وأفلام الكرتون. ضف الى ذلك الصورة النمطية الموجودة في التراث القصصي حيث يحتفظ بها خيال الطفل مع بداياته الأولى في اكتشاف فن القص. فصورة الثعلب مثلا كانت دائما ترتبط في قصص الأطفال والحكايات القديمة، بالمكر والحيلة والنملة بالنشاط والجد والصرصور بالكسل والتواكل أما الحرباء فصورتها مرتبطة دائما بالنفاق والتلوّن والأسد بالقوة والغراب بالنحس وهلم جرا… وهي صور لا تكاد تخلو منها حكايا الجدة وقصص المطالعة سواء في البيت أو في المدرسة وقد لازمت الى وقت ليس ببعيـد ما يُعرض في التلفزة من أفلام ورسوم متحركة، وإن كنا قد لمسنا عند بعض المبدعين نزوعا نحو تغيير هذه الصور النمطية والإيحاءات السلبية التي لم تُبنَ على أسس موضوعية أو علمية وإنما هي – حسب رأينا – وليدة ”خرافات“ توارثناها جيلا عن جيل والتي قد تؤثّر سلبا على الطفل. فمن غير المعقول أن تبقى صفةُ الغباء تلازم الحمارَ في حين أن الأبحاث قد اثبتت بأنه يتمتع بذكاء كبير وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من الحيوانات التي قد نظلمها بأحكام جائرة وقد تكون الحرباء والثعلب من بينها.

نرى كذلك أن للبهلوان دورا محوريّا في العملية التربوية التي يتلقّاها الطفل وفي غرس بعض المبادئ والقيم الإنسانية والفنية في كثير من الدول المتقدمة، إذ أنه وبواسطته يستطيع المُربي أن يمرّر هذه القيم والمبادئ دون أن يقع في المباشَرة والتلقين لما تتمتع به شخصية البهلوان من مرح وبشاشة وللمواقف الساخرة التي يتعرّض لها مرارا وتكرارا ولحركاته الأكروباتية الرشيقة التي تبعث دوما على الضحك.

ومؤلف كاتب نص «مريم والبهلوان» قد تفطّن للكثير من هذه النقاط واستطاع أن يُحسن استغلالها مما جعله يُوفَّق في اختيار شخصيات مسرحيته. فمريم الطفلة أو الدمية شخصية تكاد تكون عجائبية إذ أنها تتكلم وتفكّر وتقوم بألعاب بهلوانية وتحاول مساعدة البهلوان على استعادة جمهوره وتقديم عَرضه. وشخصية البهلوان خدمت الموضوع كثيرا إذ أن الكاتب استطاع من خلالها أن يمرر بعض القيم والمثُل. باقي الشخصيات كذلك، وجميعها من الحيوانات، استطاعت وبأشكال متفاوتة أن تحمل العديد من الأفكار التي تساعد الطفل على الوصول الى ما رامه المؤلف.

 

مريم الطفلة الدمية بين جمالية الخيال وبساطة الواقع

لقد ذكر مؤلف النص في قائمة الشخصيات مريم على أنها دمية وهذا ما ظهر لنا جليا في بداية المسرحية حيث أننا نجد الديداسكالية التالية: (فتاةٌ صغيرةٌ علَى هيئةِ دميةٍ تخرجُ منَ الصّندوقِ) وذلك مباشرة بعد ذكر شخصية مريم ولتوجه بعد ذلك كلامها الى البهلوان فتقول له:”لم تحدّث نفْسكَ ولمَ يُخيّلُ إليكَ ..إنكَ تحدثُ دميةً أيّها البهلوانُ الطّيبُ .. “

ويؤكد البهلوان ذلك فيقول:” هذاَ صَحِيحٌ أنا أحدثُ دميةً “ليتعجّب بعدها من رؤية دمية تتكلم ويؤكد على أنها تحمل اسم مريم ” يا الهي.. دميةٌ تتكَلمُ واسمُهَا مريمُ ..جميلٌ و رائعٌ..“

وهنا نجد أنفسنا مجبرين على طرح سؤال نراه على قدر من الأهمية: هل مريم دمية حقيقية؟                                                                                                         لأول وهلة يبدو لنا انها كذلك فنكون أمام شخصية عجائبية آتية من الخيال اختارها المؤلف ليمزج فيها  بين الحقيقي والخيالي وبين الغريب والممكن ويعزو ذلك كله إلى المسرح الذي  يجْعَلُ خيالنَا وأمنياتِنَا حقيقةً.. كما جاء على لسان مريم في حوارها مع البهلوان و  كنا نتوقع أن مريم ستبقى على حالها تلك أي دمية عجيبة حتى نهاية المسرحية ليترك للخيال فسحة تمتد حتى نهاية النص خاصة وأننا نلاحظ بانه يجعل البهلوان يتعامل معها كذلك إذ أنه يحملها ويضعها فوق كتفيه ويخرجان (نهاية المشهد الثالث ) إلا أننا نكتشف في المشهد الرابع بأنها تقول للبهلوان بأن الحرباء الساحرة هي التي حولتها الى دمية .

مريم: يَا صَدِيقِي الطَّيِّبُ..أنَا فِي الْأَصْلِ لَسْتُ دَمِيَّةً..

البهلوان: (فِي ذُهُولٍ) مَاذَا..لسْتِ دُمْيةً ..؟

مريم: نَعَمْ..لَسْتُ دُمْيَةً أَنَا فَتَاةٌ صَغِيرَةٌ حَوَّلَتْنِي ساحرةٌ مُنْذُ سنوَاتِ إِرْضَاءً  لِغَرِيزَتِهَا  الشِّرِّيرَةِ ثُمَّ اِخْتَفَتْ فِي مَكَانٍ مَجْهُولِ بَعْدَ أَنْ لَعَنَهَا الْجَمِيعُ.. الْإشَاعَاتُ  تَقَولُ  أَنَّهَا  تَنَكَّرَتْ فِي شَكْلِ حَيَوَانٍ..

وكان الأمر سيبدو منطقيا لو أننا لم نكتشف في نهاية المسرحية بأن الحرباء ليست شخصية حقيقية وبالتالي فهي لم تقم بتحويل الطفلة الى دمية.                                           فهل مريم طفلة حقيقية تعمّدت تمثيل دور الدمية للمشاركة في المقلب أم أنها دمية وادعت بأنها طفلة حقيقية في مشهد الهجوم على الثعلب والحرباء؟                                ومثل هذا الغموض قد يشوّش على ذهن المتلقي خاصة وأنه هنا طفل قد لا يتمكن من فهم الحكاية إن اختلطت عليه الأمور بين الدمية والطفلة. فكل المؤشرات في النص تقودنا الى أن مريم دمية خارقة ومثل هذه الشخصيات تستهوي الأطفال كثيرا وقد استعملت كثيرا في مسرحيات متعددة نذكر منها الدمية صديقة حورية بطلة مسرحية إنقاذ الفزاعة ليوسف بعلوج والتي كانت تتكلم وترقص وتغني. وهذا ما يمكنه أن يفسّر الكثير من الأحداث ضف الى ذلك أن مريم نفسها تشير في بداية لقائها مع البهلوان الى أنها تفعل الكثير من الأشياء الجميلة …

البهلوان:(يحك رأسه بحركة سريعة). يا الهي.. دميةٌ تتكَلمُ واسمُهَا مريمُ ..جميلٌ و رائعٌ..

مريم: (مزهوةً)..وأغنيّ وألعَبُ وأفعلُ الكَثيرَ ..الكَثيرَ مِنَ الأشياءِ الجَميلةِ بَعضُهَا لا يمكنُ أنْ تتخيلَهُ..أبْسَطُهَا الحركاتُ البهْلوانيةُ (تضحكُ)..مِثلُكَ يا صَدِيقِي (تقومُ ببعضِ الحركاتِ البهْلوانيةِ)

لكن كل هذا يصبح لا أساس له حين تدّعي مريم بأن الحرباء قامت بسحرها وتحويلها الى دمية ويخيب أفق انتظار المتلقي خاصة حين يكتشف بأن الحرباء كذلك ليست شخصية حقيقية أي ليست ساحرة فتختفي عناصر العجائبية في المسرحية وتصبح مجرد سرد لواقع خال من كل عناصر التشويق قصد تمرير مواعظ ونصائح بطريقة مباشرة وهذا ما لا يحبذه الطفل عموما وفي هذه المرحلة من حياته خاصة حيث يميل الى الخيال ويجنح الى كل ما يحفل بالسحرية والعجائبية.

لقد اختار المؤلف  لبطلته اسم مريم – وهو على الأرجح اسم ابنته كما ورد في الإهداء- ولعل هذا من الأسباب التي جعلته يحاول أن يظهرها في صورة مثالية مما دفعه الى أن  يحمّلها خطابا يتعدى مستوى طفلة صغيرة، في حين كان يُنتظر منها أن تحمل صوت الطفل الذي بدا شبه مُغيّب في النص حيث نلاحظ بأنه لا وجود للأطفال بين الشخصيات الموجودة في المسرحية، اللهم ذلك المرور السريع لبعض الأطفال الذين ظهروا في آخر النص – مجرد مرور باهت – للاحتفال بالبهلوان، في حين كنا نفضّل أن يقوموا هم أنفسهم بالأدوار التي قام بها أولياؤهم – أدوار الحيوانات – أو دور مريم التي نراها أقرب الى حمل صوت البالغين منها الى حملض صوت الأطفال الصغار بمستوى خطابها الذي أشرنا إليه . وقد يبدو ذلك جليا في حوارها مع البهلوان حين يتحدثان عن سبب عدم حضور جمهور الأطفال الى المسرح وترجع ذلك الى انشغالهم بأشياء اخرى:

مريم: (في صوت حزين) إنهمْ لمْ يأتُوا إلى المسْرحِ اليومَ لأنهـــم عزفُوا عنهُ وانشَغَلُوا بأشْياءَ أخْرى ..

البهلوان: أشياءٌ أخرى ؟!

مريم: (في أسفٍ) نعمْ ..نعَمْ

البهلوان: وماذَا تعنينَ بأشياءَ أخْرى ؟

مريم: أشياءٌ أخْرَى..كانْغِمَاسِهِمْ في ألعَابِ  الهَواتِفِ النّقّالة..وألعابِ البلايْستيشنْ وغيْرِهَا ..فَـمَاعَادَ المسْرحُ يسْتَهْويهمْ ..

وفي هذا الكلام لمريم نوع من الأحكام المسبقة والجزافية التي لا يقرّها الطفل الصغير ولايعترف بها إذ انه يفهمها، ومن الخطأ -حسب رأينا كمُربّين وأولياء -اعتبار هذا النوع من الألعاب ووسائل التواصل التكنولوجية غريما أو منافسا للمسرح عند الطفل، لأسباب عديدة نذكر منها ما يلي:

  • يمكننا اعتبار هذه الوسائل رافدا من الروافد التربوية المساهمة في العملية التعليمية والتعلمية وكذا التثقيفية للطفل.
  • يمكننا الاستعانة بها في استلهام مواضيع تستهوي الطفل وتجلب نظره ولما لا اختيار بعض الشخصيات المرتبطة ببعض الألعاب الالكترونية واستثمارها بالاشتغال عليها وتقديمها في نصوص مسرحية مما سيجعل هذه النصوص مواكبة لميولات الطفل وصيرورة نموه العقلي.
  • من إيجابيات التكنولوجيا الحديثة ظهور ما يعرف بالأدب التفاعلي فلما لا نفكر مثلا في إدماج الطفل في هذه الأجواء واستغلالها لتقريبه من المسرح حتى يبقى هذا الفن في مكانته التي عرف بها وهي :أبو الفنون؟؟

هذه المكانة التي ذكرها المؤلف على لسان البهلوان وأكدت مريم علمها بها وجعل منها سببا لعدم إمكانية الابتعاد عنه:

البهلوان: مَاذَا ..ماذَا ..غَيرُ معْقُولٍ ..هَذَا لاَ يُصَدّقُ ..إنهَا  الكَارثةُ إذَا مَا عَزفُوا عَنهُ فالمسْرحُ هوَ أبُ الفنُونِ ..فَمنْ يحبهُ ويبتهجُ بأجْوائهِ سَيتعلمُ الكثيرَ في هذهِ الحَياةِ . .

مريم: أعلمُ ..أعلمُ “

وتستمر مريم”الدمية “ في إصدار أحكامها فنجدها في سياق حديثها الى البهلوان تتهم الأولياء بكونهم السبب في عدم حضور الأطفال العرضَ لأنهم قد انشغلوا عنهم:

مريم: يحدثُ هَذا حينَ يتغَافلُ الآباءُ عَنْ أبنائِهِمْ وتُصبحُ همُومُهم اليوميّةُ أعظمَ مشَاغِلِهِم..

وهذا الحكم فيه الكثير من القسوة على الأولياء لأن ابتعاد الأطفال عن المسرح -في بلادنا خاصة -سببه الأول والأخير هو عدم برمجة عروض كثيرة من طرف القائمين على شؤون الثقافة -والمسرح خاصة- هذا من جهة ومن جهة أخرى نلاحظ بأنه لم تعد مثل هذه النشاطات التربوية تولَى كبيرَ اهتمام، بعد أن كانت تُقام في زمن مضى تظاهرات ثقافية يحضر من خلالها المُهرّج الى المدرسة و البهلوان مع السيرك الى المدينة وتبرمج عروضا يستمتع بها الأطفال-وحتى الكبار- أيما استمتاع. وقد نتعجب أن يصدر مثل هذا الكلام عن طفلة صغيرة – مهما كانت ذكية وواعية كما يحاول المؤلف أن يصورها لنا –

وهنا نجد أنفسنا امام سؤال يطرح نفسه بإلحاح: هل يمكن لمثل هذا الكلام أن يشكّل خطابا صادرا عن طفلة صغيرة أم أنه صادر عن بالغ الذي هو المؤلف ذاته ؟

ونحن نجد أنه لا ضير في استعمال المؤلف شخصياته لتمرير أفكاره من خلالها وليحمّلها خطابَه لكن عليه أن يختار الشخصية الأنسب لذلك مراعيا المتلقي وأفق انتظاره ومستواه الفكري والثقافي، ولَإن كان يشفع للمؤلف هنا أن كل هذا الكلام الذي قالته مريم ما هو في الحقيقة الا محض ادعاء أرادت مريم أن تُقوي به حبكة مقلبها خاصة وأنه سيفنّده موقفُ الآباء الإيجابي من المسرح في نهاية المسرحية حين يتّضح لنا الأمر ونكتشف حقيقة ما جرى.

 

 لماذا يلجأ البهلوان رمز المحبة والتسامح الى العنف…؟

 

شخصية البهلوان (أو المهرج كما يفضل البعض أن يطلق عليها لأن شخصية البهلوان ترتبط أكثر بعالم السيرك وألعاب الخفة) هي الشخصية الرئيسية الثانية في المسرحية وهي تحمل خطابا مسالما ملؤه المحبة والسعادة. فالبهلوان – والذي وخلافا لشخصية مريم لم يمنح له المؤلف اسما من الأسماء التي اعتدناها (مثل حديدوان أو ميمو أو زينو…) وقد يكون ذلك راجع الى أنه أرادها شخصية رمزية وبالتالي فهي تنطبق على كل رجال المسرح والعاملين في حقله، فالبهلوان حسب النص قد يرمز الى الممثل المسرحي الذي بدأ يفقد جمهوره لكنه قد يرمز كذلك الى المؤلف والمخرج والسينوغراف الذين قد يقاسمون البهلوان والممثل في مسرح الأطفال عموما الإحساس بالحزن ذاته حين يعزف جمهور الصغار عن متابعة عروض تعبوا كثيرا في تحضيرها، وقد يعيشون لحظات الحزن ذاتها حين يجدون المسرح خاليا فيمنعون من تقديم الأعمال التي أرادوا أن يتقاسموا متعتها مع جمهور يحبونه كثيرا ألا وهو جمهور الأطفال.

وهذا ما حدث لبهلواننا الذي يحزن كثيرا حين يكتشف ألا أحد حضر الى عرضه الذي كان مبرمجا في المسرح، يفكر في البداية أن الأمر لا يعدو ان يكون مقلبا مُدبّرا : ( يحادثُ نفسَه ويخمّن)..رُبما هُوَ مَقْلَبٌ ..نَعَمْ هُوَ مَقلَبٌ..اعْتَدْناَ هَاتِه الأَيّامَ عَلَى المقَالبِ.. (يضْحكُ ثم ينادي بصوتٍ عالٍ) يا صَاحِبَ المسرْحِ.. يا مُقَدّمَ البَرامِجِ.. هيّا.. هيّا أدْخِلُوا الأطْفَالَ..مِن فَضْلِكُمْ..لا تَعْبثُوا مَعِي..لقَدْ حَانَ وقْتُ العَرْضِويقول في مقطع آخر :” ..لا يمكنُ أنْ يكونَ هَذا إلا مقلبٌ (يحركُ شعرهُ بحركةٍ سريعةٍ) نعمْ..نعمْ.. أكيدٌ هذا مقلبٌ.. لكنه حين يكتشف بأن صوت مقدم البرامج ما هو في الحقيقة الا صوتا مسجلا يحزن ويتأسف، و هنا تظهر الدمية مريم تَعرض عليه الدمية المساعدة بأن يقدّم عرضه في الغابة فيقبل ويرافقها إلى هناك حيث يوجد أصدقاؤها الصغار الذين سيقدّم لهم عرضه. يكتشف بعد ذلك بأنهم صغار الحيوانات ويبدو له الأمر غريبا بعض الشيء لكنها تقنعه وتذكره بأن المسرح للجميع. يغادر البهلوان المسرح مع صديقته الجديدة بعد أن يكتب رسالة يتركها للأطفال يخبرهم فيها بأنه سيعود ولن يتأخّر طويلا لأنه مشتاق إليهم وهو متيقن بأنه سيجدهم وفي هذا دليل على تفاؤله وكبير ثقته في الأطفال مما يجعلنا نرى بأن المؤلف قد حمّل هذه الشخصية الكثير من الإيجابية مثل الحب والتفاؤل وحسن الظن. إلا أننا نلاحظ بأنه وضعها في موقف غريب نوعا ما حيث يصبح البهلوان عنيفا جدا في مشهد من المشاهد حين يهجم و مريمَ على الثعلب والحرباء بالعصيّ والحجارة ويتشابك معهما في شجار عنيف ينتهي بهزيمة الأشرار. وهذا ما لم نستطع استساغته حيث أننا نلاحظ بأن البهلوان قد قام فعلا بضرب الثعلب والحرباء على أساس أنهما شريران لأنه يجهل حقيقتهما ولكن ما هو تفسير موقف مريم التي كانت تعلم بأنهما وليّا طفلين متنكران في زي ثعلب وحرباء -كما يتضح لنا فيما بعد-؟ وما الذي جعله ينساق وراء تصرف الدمية العنيف في حين كان بإمكانه أن يلجأ الى تصرف أكثر حكمة – وذلك في سياق البناء العام لشخصية البهلوان- لتفادي العنف المجاني في المسرحية خاصة وأن من تعرض لهذا العنف شخصيات غير حقيقية؟ وقد نجد الإجابة في النص ذاته :

مريم: قُلْتُ لَكَ أَنَّ حَدَسِي لَا يُخْطِئُ أَبَدًا..أُجْزِمُ أَنَّهَا هِي..السَّاحِرَةُ الشِّرِّيرَةُ فَجَوَارِحِي  اِسْتَشَاطَتْ غَضَبًا حِينَ  تَذَكَّرْتُهَا وَتَذَكَّرْتُ مَا فَعَلَتْهُ بِي..

البهلوان: وَمَاذَا نَنْتظِرُ الآنَ ..؟

مريم: تَقْصِدُ ..

البهلوان: نَهْجُمُ عَلَيْهِمَا وَنُخَلِّصُ الْغَابَةَ مِنْ شَرِّهِمَا..

 

مريم: ونُخَلِّصُ صَغَارَ الْحَيَوَانَاتِ

البهلوان: وَتَسْتَعِيدِينَ شَكْلَكِ الْحَقِيقِي..أَكِيدٌ حِينَ نَقْضِيّ عَلَيْهَا تزولُ اللَّعْنَةُ

مريم: هيّا ..هَيّا  مَاذَا نَنتَظِرُ

(يَقْفِزُ الْبَهْلَوَانُ وَمَعَهُ الدُّمِيَّةُ مَريمُ مِنْ خَلْفِ الْأَشْجَارِ..حَامِلِينَ  مَعَهُمَا عِصِيًّا  وَحِجَارَة  ثُمَّ يُسْرِعَانِ بِالْهُجُومِ عَلَى الثَّعْلَبِ وَالْحِرْبَاءِ..الْلَذَيْنِ فُوجِئَا

يتضح لنا من هذا المقطع الحواري بأن مريم هي التي قامت بتحريض البهلوان على ضربهما رغم أنها كانت تعلم بأنهما كانا يمثلان شخصية الحرباء والثعلب

فكيف يمكن للمؤلف تبرير هذه النقطة خاصة وأنها نقطة مفصلية في المسرحية، فكيف يجعل شخصيته الرئيسية والتي أرادها إيجابية الى أبعد الحدود تقع في هذا الخطأ الذي يتنافى والهدف الذي كان ينشده من النص وتدفع البهلوان المسكين الى ضرب الحرباء والثعلب بهذه الطريقة الخشنة والعنيفة؟؟

 

 

 

 

 

  توظيف الشخصيات الحيوانية بين الصور النمطية والقيم التربوية:

 

استعمل المؤلف شخصيات حيوانية للدلالة على قيم مختلفة وذلك وفق الصور النمطية المعروفة عنها في التراث السردي والمسرحي. فاستعمل الثعلب للدلالة على الحيلة والخيانة والحرباء على النفاق والتلون والأسد على القوة والملك والسلطة. وهو بذلك استعمل صورا مستهلكة لم تعد تشكّل في مخيال الطفل المعاصر ما كانت تشكّله لديه على مدى حقب تاريخية مختلفة فالثعلب لم يعد في الكثير من الأعمال الأدبية والمسرحية رمزا للحيلة والخداع لأن ذلك لم يعد مثبتا علميا ولأن الطفل لم تعد تنطلي عليه مثل هذه الأفكار في ظل ظهور كتابات وإبداعات وفق تيارات جديدة تمنح دلالات غير ثابتة للكثير من الكائنات والأشياء وذلك حسب الظروف والسياقات التي توجد فيها. هذا الى جانب توجّهات جديدة في العالم تنظر نظرة مختلفة الى الحيوانات وتسعى الى الدفاع عن حقوقها وحمايتها من كل ما قد يسيء إليها ومن ذلك النظرة السلبية التي ننظر بها الى بعض الحيوانات أو الحشرات.

وكنا نتمنى من المؤلف أن يستغل هذا الجانب ليضفي على نصه المسرحيّ لمسة من العصرنة والحداثة بان يختار شخصيات يوكل لها أدوارا تنزاح عما ألفناه فيكون بذلك قد أثبت بأن المسرح مواكب لكل ما هو جديد وعصريّ بما في ذلك ما تعلق بالرؤى. خاصة وأن هذه الحكاية هي ثانوية بالنسبة للحكاية الأصلية وكان سيثبت من خلال هذا التجديد الذي ألحقه بالشخصيات ما يؤكد عناية واهتمام المسرح بذائقة وتوجهات المتلقي.

إلا أن استعمال هذه الشخصيات وإن لم يضف للنص من الناحية الجمالية إلا أنه حمّله مجموعة من القيم التي بإمكانها أن تسهم لامحالة في تربية الطفل مثل:محاربة الطمع والجشع وخيانة الأمانة التي مثّلها الثعلب والنفاق وعدم الثبات على موقف مثلما ظهر عند الحرباء وما يترتب عن ذلك من تبعات ومآسي. لكننا نشير الى هفوة سجلناها فيما يخص الأسد والذي نرى بأن النص حافظ له على مكانته المعهودة وهي ملك الغابة إلا أننا نلاحظ بأنه قد وقع في خطإ ما كان ينبغي له أن يقع فيه وهو سوء التقدير حيث أنه أقدم هو وحاشيته على ترك صغار الحيوانات دون حارس للذهاب الى حفل عرس خارج الغابة بدعوى تعليم هذه المخلوقات الضعيفة الاعتماد على نفسها وكاد هذا التهاون يكلّفها غاليا.  قد يعتبر المتلقي أو الطفل هذا التصرف خطأ لا يُغتفر وكان على النص أن يشير على الأقل الى ندم الأسد أو اعتذاره من صغار الحيوانات قبل أن يأمر بمعاقبة الثعلب والحرباء الخائنين. وإن كان الكاتب قد استدرك الأمر حيث جعله يلجأ للشورى حين تعلق الأمر بالموافقة على عرض البهلوان.

 

 

شعرية اللغة في نص مريم والبهلوان.

 

 الاهتمام باللغة في مسرح الطفل ضروري جدّا حيث أن اللغة تعتبر إحدى الوسائل التي يستعملها كاتب النص في إيصال أفكاره من جهة ولأنها تُسهم في إكساب الطفل رصيدا لغويا يعمل على تنشئة ملكته اللغوية عن طريق قنوات تربوية وثقافية خارج المدرسة من جهة أخرى، لذا لابدّ من اختيار اللغة المناسبة التي تخدم الموضوع وتتماشى ومستوى الطفل(المتلقي). ومحمد الكامل بن زيد وُفّقَ توفيقا كبيرا في اختيار اللغة التي تحمل فكرته بكل سهولة. فقد اختار لغة فصحى بسيطة دون أن يلجأ الى التكلف والتصنع. لقد اختار من الألفاظ ما يناسب موضوعه وشخصياته وسياقاتها المختلفة. وقد دأب الكاتب على أن تكون لغة النص خالية من كل تعقيد او غموض كما سعى الى أن تثري مفرداته القاموس اللغوي للطفل، فلم يلجأ إلى تلك التراكيب المبسطة الى درجة السذاجة ولا على كلمات عارية من المعاني لعدم استهانته بالرصيد اللغوي للطفل لما يُشهد له من غنى في غالب الحالات.

ولعل من اهم العبارات التي تدل على اهتمام الكاتب بلغة نصه الانزياح الذي نجده في عبارة و”من الجوع ما أذل“ والتي تحيلنا على المثل القائل ومن الحب ما قتل.

يمكن كذلك أن نستشف هذا الاهتمام باللغة في استعمال الكاتب لمفردات كالسُحنة في وصفه للبهلوان بقوله تكدّرت سحنته، والطامة الكبرى ..وانغماس..الخطر المحدّقترمقه في حدّة..متذمّرا ..متهكمة

 

النص الموازي المسرحي في مريم والبهلوان:

 

لقد اهتم مؤلف نص مريم والبهلوان بالنص الموازي المسرحي اهتماما بليغا، وذلك من خلال غنى هذا النص بالديداسكاليات التي جعلته يستوفي تقنيات الكتابة المسرحية. فالنص المسرحي يكتب أساسا ليعرض – و لو افتراضيا من خلال تخيّل القارئ لمختلف المشاهد – ويكون ذلك عن طريق مختلف الإرشادات والتعليمات التي يضعها كاتب النص ليطلع القارئ والمخرج على نظرته الإخراجية المقترحة للنص. والنص الموازي المسرحي بمختلف تمظهراته هو الذي يميّز النص المسرحي عن النصوص الأخرى مثل الرواية والقصة.

وحسب الباحث السيميائي المسرحي الفرنسي جان ماري طوماسوJEAN-MARIE THOMASSEAU فإن النص الموازي المسرحي Paratexte théâtral يتكون أساسا من العنوان والاهداء وقائمة الشخصيات والديداسكالية الأولية وتلك التي تبيّن كل ما يتعلق بأسماء الشخصيات وصفاتها والديداسكاليات المتعلقة بالسينوغرافيا كالديكور والإضاءة والموسيقى وديداسكاليات الفضاء والزمن وأخيرا الديداسكالية الختامية أو النهائية. والملاحظ أن النص الذي بين أيدينا حافل بالكثير من هذه الديداسكاليات سنحاول التطرق الى أهمها.

 

 

 

   العنوان:

  يُعد العنوان من العتبات النصية المهمة لولوج النص حيث أنه وبما يمتلكه من خصائص تعبيرية وجمالية كبساطة العبارة وكثافة الدلالة يحتل الصدارة في الفضاء النصي. إنه علامة دالّة على النّص، وهو يكتسي أهمية خاصة في الدراسات السيميائية للوظائف الأساسية المرجعية الإفهامية  والتناصية التي تربطه بالنص والقارئ، كما يشير الى ذلك الباحث المغربي جميل الحمداوي في إحدى دراساته.

والعنوان يساهم في كشف مفاتيح النص، فإلى أي مدى وُفّق العنوان الذي اختاره محمد الكامل بن زيد لنصه في ذلك؟

إنه يحيلنا منذ البداية إلى الشخصيتين الرئيسيتين التي تدور حولهما أحداث المسرحية وهما مريم والبهلوان وقد جمع بين اسم مريم وهواسم علم مؤنث والبهلوان وهو شخصية فنية يطلق عليها اسم وظيفتها أي البهلوان وهذا ما جعلنا نتوقع منذ البداية رحلة في عوالم هاتين الشخصيتين حيث نعيش رفقتهما أحداثا مختلفة. ونرى بأنه سبق ذكر مريم ولعل في ذلك دلالة على دورها المحوري في المسرحية، لأنها هي صاحبة السبق في توجيه أحداث النص وتطوّرها، وهي من تجد الحلول وتنفذها، هي الشخصية الملمة بمراحل تشكيل الحبكة التي تجمعها بشخصية البهلوان هذه الشخصية التي وإن كانت هي الشخصية الرئيسية التي تدور حولها أحداث المسرحية إلا أنها لم يكن لها أي يد في تشكلها وتطورها. واستطاع الكاتب منذ البداية أي من عنوان نصه ان يبعث فينا الفضول لنكتشف نوع العلاقة التي ستربط بين هاتين الشخصيتين المميزتين وهذا ما يدفعنا الى القول منذ البداية بأن للعنوان في هذه المسرحية علاقة مباشرة بالمتن الحكائي.

الإهداء:

إهداء المؤلف جاء مختصرا جدا حيث أنه لم يتجاوز الجملة الواحدة:

إلى آلاء ماريا “مريم” .. زوليخة وعلي…/ محمد الكامل

وهي مجموعة أسماء لشخصيات لابدّ أنها لأعضاء من اسرة المؤلف والأرجح أن معظمها –او كلها – لأطفال أي لأبنائه، واللافت للنظر أن من بين هذه الأسماء نجد اسم مريم مما يجعلنا نربط بينها وبين الشخصية الرئيسية في النص. ونفسّر بذلك الكثير من المواقف التي اتخذها كاتب النص من الشخصية.

قائمة الشخصيات:

يقول طوماسو : ” والطريقة التي يضع بها المؤلف قائمة الشخصيات على   رأس المسرحية وفي بداية كل مشهد ليست دائما بريئة.“  رغم أن قائمة الشخصيات جاءت بسيطة اكتفى فيها كاتب النص بذكر الشخصيات دون ذكر أسمائها ماعدا شخصية مريم التي – إضافة إلى إخبارنا بأنها دمية ذكر لها اسما- أما بقية الشخصيات  والتي هي البهلوان ومجموعة الحيوانات فالكاتب لم يسمها واكتفى بتحديد أنواع الحيوانات وبوظيفة البهلوان.

 

الديداسكالية الأولية:

 

وقد أطلق عليها الكاتب” المنظر “وهو ماي ُقصد به الديكور أحيانا، حيث صوّر فيها بداية المسرحية بأن ذكر الديكور بكثير من التفصيل وهذا ما ينم عن نزوع الكاتب الى توضيح الظروف التي يراها ملائمة لمسرحيته. فهو يذكر في الديداسكالية الأولية مكان وزمان المسرحية وهذا ما يشيع عند معظم كُتّاب النصوص المسرحية.  ما تطرق للمؤثرات الصوتية وذكر نوع الموسيقى التي يرتئي ان يتتح بها العرض وهي موسيقى ترحيبية:

« قَاعَةُ عَرْضٍ لِمَسْرحٍ صَغِير..تُزيّنُ حَواشِيَهَا سِلسِلةُ مَصَابيحَ مُختَلِفةِ الأحْجَامِ والألوَانِ تتَلأْلأُ بِشَكْلٍ مُبْهِرٍ وَجَمِيلٍ.. أَعْلَى أعْمِدَةِ القَاعَةِ عُلّقَتْ أرْبَعةُ مَصَابيحَ عِمْلاَقة تتَرَاقَصُ فِي انْسِجَامٍ مَعَ المُوسِيقَى التّرحِيبيةِ ..مُوحِيّةً بأنّ العَرضَ المَسْرحِيَّ سَيكونُ ممتعًا.. فيمَا بَدتْ الكَرَاسِي المُصْطَفَّةُ خَاليةً مِنَ المُشاهِدينَ.. لَحَظَاتٌ قَلِيلَةٌ يُسْمَعُ بَعدهَا صوتُ مقدّمِ البرامِجِ مِنْ خَلفِ الكَوَاليسِ ..»

وقد نجح الكاتب في إدخالنا أجواء العرض من خلال هذه الديداسكالية وبدأ في سرد وقائع الحكاية حين أشار الى الكراسي الخالي من المشاهدين، مما جعلنا نتساءل منذ البداية عن سبب شغور هذه الكراسي.

الشخصيات:

لقد نوّع الكاتب في شخصياته فكان منها الدمية والبهلوان والحيوانات باختلاف أنواعها واستخدم كذلك الأطفال وأولياؤهم الذين يتنكرون في زي الحيوانات. ونلاحظ كما سبقت الإشارة إليه أنه لم يمنح أسماء لشخصياته واكتفى بذكر نوعها أو وظيفتها ماعدا الدمية مريم. وقد استعمل في حواره هذه الشخصيات ليدل عن المتكلم قبل كل جملة. وهنا نلاحظ تركيز الكاتب على ذكر هيئة شخصياته وأحوالها، فنجده مثلا يصف البهلوان وصوته بدقة في مشهده وهويبحث عن الأطفال :

( في صَوْتٍ مُضْطَربٍ)

(يَضَعْ يَدِيْهِ في ذُهُولٍ فَوْقَ جَبِينِهِ كَمَنْ يَبْحَثُ عَنْ شَيءٍ مَفْقُودِ.. مْشِي  فِي  أَرْجَاءِ  الْمَكَانِ  يَتَفَقَّدُهُ)..

(  يحادثُ نفسَه ويخمّن)

(يذهبُ إلى الستارةِ وينظرُ خلفَها  .. يضربُ كفّيهِ ببعضهِمَا مذهولاً)

(يحركُ شعرهُ بحركةٍ سريعةٍ)

وكذلك حين ييأس من حضورهم، ويغضب من صوت مقدم البرامج وهو يدعو الأطفال الى الاستمتاع:

(غَاضِبًا)..

( مُتَذَمِّرَا)

ثم يصوّره لنا حين يحس بالحزن متتبعا حركاته وهمساته:

(يذْهَبُ خلفَ الكواليسِ مرةً أخْرَى ثمّ يعُودُ حَزينًا )

(جلسُ بالقرْبِ من صُندوقٍ كبيرٍ خَشَبِيٍّ فيهِ ألعابٌ و دُمًى.. يُطأطئُ رأسَهُ حُزنًا و أسَفا )

وكذلك الأمر بالنسبة الى شخصية مريم التي يصف حركاتها ونبرة صوتها بكل دقة حتى لكأننا نراها تروح وتجيء أمامنا. فيصفها بداية حين تخرج من الصندوق:

(فتاةٌ صغيرةٌ علَى هيئةِ دميةٍ تخرجُ منَ الصّندوقِ)

ثم وهي تحدث البهلوان: (مزهوةً)… (تبتسمُ)… (تشيرُ إلى نَفسِها) … (تفتحُ ذِرَاعَيهَا فِي انْشِراحٍ)… (تلتزمُ الصمتَ قليلاً  وتخفضُ رأسَهاكأنهَا تُخفِي شيئًا وتخشَى البوحَ به ).. (في تعلثمٍ واضحٍ وجليّ) … (في صوت حزين)… (في أسفٍ).. (مترددةً)

و نرى بأن الديداسكاليات المتعلقة بمريم موجودة بإسهاب في النص عموما وهي تتنوع بين ما يُبيّن حركتها وما يصف نبرة صوتها، وهذا ما يدلّ على اشتغال النص حول بناء هذه الشخصية مما سيعمل على مساعدة المخرج والممثل -الذي سيقوم بالدور-على معرفة أهم خصائص ومميزات هذه الشخصية.

 

هناك ديداسكاليات أخرى نتوقف عندها وهي خاصة بالثعلب الذي يحاول الكاتب أن يصوّر لنا درجة معاناته من الجوع :

(في الغَابةِ ..يظهرُ ثَعلبٌ عَجُوزٌ هزيلُ الجسدِ ..منهكُ القِوى يمْشِي بِصُعُوبةٍ كبيرةٍ متكئًا عَلى عصاهُ الخَشَبيةِ..)

(يئنّ بِصَوتٍ حَزينٍ)

(يتعثرُ كثيرًا في مِشيتهِ حتّى يكادُأنْ يسقطَ ..يُسْرعُ جَاهِدًا إلَى أقربِ شجرةٍ مُحَاولاً استِرجَاعَ أنفاسِهِ ..)

وكذلك الأمر حين يقوم الثعلب بالقبض على صغار الحيوانات حيث يصف لنا الكاتب حالته ويبدأ المشهد الرابع بالديداسكالية التالية:

(بَيْنَ أَشْجَارِ الْغَابَةِ..يَظْهَرُ الثَّعْلَبُ مَزْهُوًّا..يَمْشِي فِي خُيَلَاَءٍ..تَارَةً يَرْقُصُ وَيَقْفِزُ..وَتَارَةً يُمَرِّرُ عَصَاهُ الْخَشَبِيَّة فَوْقَ الْأَكْيَاسِ الْمُعَلِّقَةِ عَلَى أَغْصَانِ الْأَشْجَارِ..يَسْمَعُ مِنْ دَاخِلِ الْأَكْيَاسِ أَصْوات صِغَارِ الْحَيَوَانَاتِ..وهي تَئِنُّ وَتَبْكِي بِحُرْقَةٍ..)

وهذا ما يجعلنا أمام موقفين متباينين للثعلب، موقف الضعف والإذلال وموقف القوة والغطرسة. وقد أحسن الكاتب الوصف في الحالتين حتى أننا كدنا نتعاطف معه في الأولى ولمناه وأغضبنا تصرفه في الثانية.

 

الإضاءة والموسيقى:

لقد استعمل الكاتب الإرشادات الدّالة على الإضاءة والموسيقى لكنه لم يستعملها بشكل مكثف حيث أنه فضّل أن يترك ذلك لمخرج النص وللسينوغراف، فاكتفى بتحديد نهاية مشاهده عن طريق الإضاءة وباستعمال كلمة إظلام (وهي كلمة تقنية في المسرح تستعمل للدلالة على نهاية المشهد). وقد وردت في نهاية المشاهد الأربع الأولى في حين استغنى عنها في نهاية المشهد الخامس -نهاية المسرحية – وفضّل أن تكون عن طريق حصر الأضواء فوق البهلوان.

أما عن الموسيقى والمؤثرات الصوتية فقد أشار في مواطن قليلة من المسرحية الى أنواع الموسيقى التي يراها ملائمة كأن ذكر الموسيقى الترحيبية في بداية المسرحية، وكذلك إشارته الى انعدام التصفيق في المشهد ذاته:

(لا تصفيق )..فَقطْ موسيقَى ترْحِيبيّةٌ

كما أنه يشير في نهاية المشهد الرابع الى موسيقى احتفائية:

(يخْرجُونَ جميعًا ترافقُهمْ موسيقَى احْتفَائيّة)..

ويختم المسرحية بالإشارة الى الموسيقى الترحيبية من جديد:

(يَرْتَفِعُ صَوْتُ الْمُوسِيقَى التَّرْحِيبِيَّةِ)

ولا شك أن الكاتب ترك أمر الاهتمام بالموسيقى بجزئياتها لمن يراهم أهل لذلك من ملحنين وكتاب كلمات حين إخراج النص.

في النهاية نخلص الى الكاتب محمد الكامل بن زيد قد أدرك الاهتمام بالكتابة الدرامية للطفل والتي تختلف عن باقي الكتابات الأدبية. وقد وُفّق في ذلك أّيما توفيق حيث أحسن استعمال تقنيات الكتابة المسرحية التي يبدو متمكنا منها من خلال تجربته في الكتابة للكبار

 

يجب ان نذكر في النهاية بان ما ذكرناه لا يعدو أن يكون مجرد قراءة انطباعية فرضها سياق معين. ولا يمكننا باي حال من الحوال أن نعدّ هذه الملاحظات التي أوردناها في قراءتنا انتقاصا من مستوى هذه المسرحية والتي لمسنا فيها الكثير من مواطن الجدة والتميز والتي تنم عن روح مبدعة أضافت لبنة لصرح نروم ان نراه عاليا هو مسرح الطفل في بلادنا وفي العالم العربي.

 

 

 

مينا مراح الجزائر العاصمة 04/02/2021

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock