نصوص

عذرا همينغوي “مونودراما” للكاتب العراقي: حامد شهاب الجيزناوي


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

 

(يمكن ان تدمر الانسان ولكن لا يمكن ان تهزمه 

ارنست همنغواي)1

 

عذرا همينغوي  

 

(مسرحية مونودراما)

تأليف حامد شهاب الجيزناوي

 

المسرح. هناك اشرطة سوداء وملونة تتدلى من اطرافه. يدخل

س الى المسرح يسحب وراءه عربة على شكل قبر. شعره أشعث

ملابسه رثة. خائف ومرتبك. يدور في المسرح وكأنه يبحث

عن مكان للاختباء).

س: انه يتبعني منذ الصباح الباكر. لا دري من هو وماذا يريد.

(يدعك صدره متألما)

ربما وشي بي أحدهم. هذا يحدث على الدوام. او ربما قلت

شيئا لم يرضهم.. اللعنة الم تتعلم الحذر. هم.. هم..

(يهز راسه ويتلفت ويكررها همسا)

ليس هناك مكان للاختباء. سيعثر علي حتى وان كنت في

جحر فار.

(تتحرك الاشرطة. اصوات مختلفة جلبة مع ومضات

س يدور في مكانه مع العربة القبر. يدعك صدره ثم يحرك

يديه وكان هناك من يمسك به ويطرحه ارضا وهو يحاول

الدفاع عن نفسه).

لا يمكنني الهرب. انه يخنقني. النجدة. لا استطيع ان

اتنفس وهذا يجثم على صدري النجدة يا ويلي.

(صوت ضحك وجلبة وحركة في الاشرطة)

ماذا؟؟ انتم جماعة كانَ؟ (ينهض وهو منهك) اذهب معك طوعا

او كره؟ الى اين؟ لم افعل ما يخالف التعليمات. لم التق باحد. لم

اتكلم مع احد ولم اذهب الى مكان بعيد . انا هنا مع قبر امي

فقط اذهب به اينما ذهبت. (يدعك صدره متالما)

دعني وشاني ارجوك. ان اذهب معك وانظم الى جماعة كانَ

هذا مستحيل. انا لست مع احد او ضد احد. انا حتى لا اعرفك

ولا اعرف جماعتك

( يهلوس )

كانَ هم.. هم كانَ .. من هم..

(يشير الى القبر ثم الى الاشرطة وهو يدعك

 صدره متالما وكانه يصغي الى احد ما)

ماذا؟ سارتاح  واتخلص من اوهامي ومشاكلي وهواجسي

وهذا العذاب الذي انا فيه؟ انا سعيد وليس لدي أي مشاكل.

اجل المشاكل وضعتها وراء ظهري منذ زمن بعيد. انا سعيد

ولدي ما يكفيني حتى انظر.

(يفرغ الكيس. ملابس. حذاء. ابريق اناء

عباءة سوداء يلقيها على القبر).

ارجوك دعني مع قبر امي في هذا المكان الموحش ها …

ماذا تقول؟

(ينظر يمينا وشمالا لا جواب يتحرك نحو الاشرطة).

هل تستطيع ان تحتفظ بسر؟ وتقسم على ذلك. حسنا.

لدي حلم بسيط. لم تاذن لي امي ان احققه لا في حياتها

ولا حتى وهي في قبرها.. لم تاذن لي رغم كونه حلما

سخيفا وتافها. (يقترب من احد الأشرطة).

انت اقسمت الا تشي بي عند احد .

حسنا حلمي ان ابصق على وجهي في المرآة .

(ضحك مجلجل ومضات وحركة على الاشرطة)

تضحك ها. تضحك.. امي منعتني. قالت اياك ان

تفعلها.. فالإنسان مرآة الانسان. اجل هكذا قالت

واصرت على الا افعلها وتلك مأساتي التي اعيش فيها.

(يلتفت نحو الاشرطة).

انه حلم غريب؟؟ لا لا لاني لم استطع ان احقق لها أي

شيء لا في حياتها ولا بعد موتها. وبما اني هكذا علي ان

احقق حلمي ولو لمرة واحدة. (الى احد الاشرطة)

هل تستطيع اقناعها؟؟ ارجوك ان اقنعتها ووافقت فساحقق

حلمي واذهب معك.

(يدعك صدره متألما).

قل عني مجنونا او اي شيء.. انا لا ادري ان كنت

مجنونا ام لا.

كل الذي اعرفه انني من بقايا تلك المصائب والمهازل

والحروب

(يهذي)

وصراخ امي اشبه بمطرقة تضرب جمجمتي وبكاؤها

مثل شفرة تمزق نياط القلب. ونواحها مثل غناء حزين

ينخر العظام الما ولوعة.

(ومضة وحركة في الاشرطة).

انا اهلوس؟ لا لا (بعصبية) انك لا تشعر بما اشعر به

وانك لا تعرف الحزن والالم ولا حتى الغناء. بالمناسبة

ما اسمك؟ ها؟. حسنا لا شان لي باسمك (يتحرك وكأن هناك

من يحاول ان يضربه.. ينتبه).

وتريدني ان احدثك عن الغناء.. الغناء مثل تغريد الطيور.

وكل الذي في الطبيعة يغني ويغني غناءً جميلا. المصيبة في غنائِنا.

الكلمات حزينة والموسيقى حزينة والمغني حزين والسامع

حزين. اغانينا جروح دُعكت بالملح. المفارقة عندما اخذوني

من امام مقهى ام كلثوم كانت تغني اغنية حزينة.. نعم.. تصور

عندنا مقهى يذهب اليها العشاق الصغار والكبار ويطلبون اغاني

حزينة. يجلسون مثل التماثيل بعيون دامعة وقلوب يعصرها

الالم. أهكذا اراد الله لنا ان نعيش؟

(يدعك صدره ويهلوس).

وصوت امي الذي يمنعني وينهرني من ان… وانت تراني

مجنونا.

(يلتفت نحو احد الشرطة ويقترب منه).

انا اختفي وراء جنوني خوفا من جنون قادم. كما انهم أخفوا

وجه امي وراء تلك الاقنة التي اوهموها بها.. اتوسل اليك..

اقنعها وساذهب معك.

(حركة في الاشرطة. س وكانه يصغي).

لا تستطيع ؟ وانا لا استطيع ان اذهب معك واشك بصدق

نواياك و( ساتنحر) نعم ساتنحر مثل حمار.

(وكانه يصغي)

ماذا الحمير تتنحر؟ طبعا وكانك لم تشاهد حمارا واقفا في

منتصف الشارع في ظهيرة يوم صيفي قائض وقد تدلت اذناه

كانه يسمع موسيقى رومانسية ولا تزحزحه من مكانه اصوات

المنبهات وصراخ المارة. ابي كان يقول لي انك تتنحر مثل

حمار. هذا قبل ان تاخذه احدى تلك الحروب العبثية. الحروب

الحروب اكبر الكوارث التي يصنعها الانسان. تلك الحروب

لم تدعني ان اشاهد امي وهي مبتسمة في يوم من الايام .

(يهلوس).

الوطن الذي لا تبتسم فيه الامهات لا يسمى وطن. اللعنة على

تلك الاقنعة التي وضعوها على وجهك. (يتجه نحو قبر امه)

امي حرريني من قيدك امنيتي تسخر من عجزي.

اوليس لكل انسان امنية يسعى طوال حياته متمنيا تحقيقها. انا

اريد ان احقق امنيتي المجنونة.

(يتجه نحو الشريط الاخر).

قل ما شئت اليس ما نحن فيه جنونا ايضا.. انا انسان مسالم ووديع

ليس لدي اماني كبيرة. احب الناس من حولي. عندما كانوا ينادونني

(وينك يا ابن الملحه) انتفض مثل بغل واهرول نحوهم واتحمل حمولة

بغلين وانا ابتسم واضحك عن رضا. لانني فعلا ابن الملحة. (ينتبه).

اجل ابن الملحة.. المسكينة امي لم يجدوا لونا يشبهها فقالوا عنها

ملحة او مليحة لا ادري ( يضحك ويلتفت نحو احد الاشرطة) اسمع اسمع

تلك الملحة كانت تعاني من مرض الخصوبة الوراثي .. منذ الاف

السنين كل تسعة اشهر( والبيدي والبلكاع والعلى امتوني)2

(يمثل الولادة)

المسكينة بعد ان تنجب عشرة او اكثر تراها في اخر العمر وحيدة

ومفجوعة بعينين حزينتين غادرهما الدمع منذ زمن طويل. وغلف

الحزن الوجه بقناع ثقيل تحته قناع وقناع. قناع باسم الوطنية وقناع

باسم القومية والاممية والإنسانية. مسميات لا ناقة لها فيها ولا جمل.

تراها على مر العصور مسربلة بحزنها وفجيعتها.. اسال نفسي هل

خلقت المرأة للحزن والبكاء. وانا الذي كنت اقول لم يخلق الله شيئا

اجمل منها. واعود وانظر الى وجه امي ووجوه الامهات فلا ارى الا

حطاما عمره الاف السنين. قالوا عني مجنون المقابر لاني لا زلت

الوذ بقبرها كلما ضاق صدري واناجيها بصوت عال. اللعنة على

زمن فقدت فيه خارطة الطرقات..

(يدعك صدره متالما)

ووقتي ليس فيه متسع. وهذا يتبعني مثل ظلي ويريد ان يضمني

الى جماعة كانَ.. ماذا جماعة كانَ. (يدور حول القبر)

من هم هؤلاء اين هم ماذا يعملون ما هي افكارهم. مشاريعهم.

اهم سعداء تعساء. امي (يضع راسه على القبر)

يقول لي اطمئن انهم في بحبوحة وسعادة ولا يحتاجون للعمل. كيف

يكون الانسان في بحبوحة وسعادة وهو لا يعمل؟

(حوار مع مبعوث جماعة كانَ المتخيل).

– عندما تذهب معي سترى.                                  

– ولكنك لم تنفذ شرطي.

– جماعة كانَ لا يتحدثون معي هكذا ولكن بما انك مجنون المقابر

كما يسمونك والمجنون ليس عليه حرج. اني اسامحك.

– وان رفضت؟

– اخذك قسرا.. ليس لدي خيار.

– ما هذه المصيبة التي وقعت على راسي. حتى الذي يحكم عليه

بالإعدام يلبون له طلبا اخيرا. وانا لم اطلب اكثر من ذلك.. طلبي

بسيط اليس لديك رحمة

( يلتفت نحو احد الاشرطة )

لا تريد ان تتصل بامي. ولا تستطيع اقناعها.. حسنا لم لا تذهب

وكانك لم ترني ولم تلتق بي. وانا ليس من طبعي الوشاية

– مستحيل الامر ليس بيدي. فكر في شيء اخر.

(س يضرع المسرح ذهابا وايابا وهو يفكر يتوقف).

– حسنا اريد ان القي خطابا الى هؤلاء الجالسين على مقاعدهم انظر

– لست مخولا بالنظر اليهم.

– ولكنك مخول على (ابن الخايبة).

– لديك دقائق معدودة.

– كم هو عنيد.. (يدعك صدره متألما) ايتها السيدات واسادة في هذه

اللحظات العصيبة والتي لا ادري كيف ستكون نهايتها مع مبعوث

جماعة كانَ (يسمع نحنحه ينظر الى الاشرطة ثم الى الجمهور)

حسنا ساسرع وامري لله. سيداتي سادتي لدي سؤال مهم هل نحن

نعيش وهما صنعته خيالات مريضة ومجنونة وامنا به لغبائنا.

هل نحن الأفضل والاحسن واننا واننا. هل ترون هذا صحيحا ؟

انا اراه عكس ذلك والواقع يقول عكس ذلك. ووجه امي التي

ماتت كمدا يقول عكس ذلك. وتابوت ابي الذي عثرنا فيه على خرقة

وقطعة حجر يقول عكس ذلك.. انا اريد ان اذهب وفي جعبتي

اجابات صحيحة. جماعة كانَ لا ادري من هم . وانا اريد ان

اكون دقيقا في اجاباتي.. تعلمت ذلك من كثرة ما اجبت عن

اسئلة الاجهزة الامنية. في كل المرات ياتون بالقائمة نفسها

وبالحقول ذاتها ويطلبون منك ان تملاها كما في المرات

السابقة. انهم لا يحتاجون تكرار المعلومات لانهم يعرفون

كل شيء عنك. ولكن يريدونك ان تُخطئ كي يكون لهم عذرا

لحفلات جديدة كما كانوا يسمون اوقات

التعذيب .يحاولون تدمير الروح باي ثمن الا الموت لانه

يحرر الضحية من العذاب لذا لا يسمحون بذلك .اية لعنة

تلك التي يتحول فيها المجرمون الى ابطال .هل نحن مخدرون

راضون . رافضون . الكل يقول اننا على حق .اذا من المخطئ

يعتبرونني ومن على شاكلتي مصدر تهديد . ارقام واشياء زائدة

لا تصلح الا وقودا للحرائق . ايعقل ( اننا فقدنا المناعة لنمرض

بهذه الامراض الخبيثة ). جلاد وضحية ضحية

وجلاد . متى سينتهي هذا الحال . متى نضع روية (شرق

المتوسط ) على الرف كي يعلوها الغبار وياكلها العث .

متى سينتهي هذا التاريخ الارعن من جنونه . حروب دمار

جرائم حرائق فقر جهل امية ذمم تباع وتشترى صناعة

الهة جدد. على مر العصور ياخذون

الابناء الى مسالخ الحروب وفي النهاية لا غالب ولا مغلوب

ويا دار ما دخلك شر. وكان شيئا لم يكن. وتعيشون وتخلفون غيرهم .

(ومضة ونحنحة وحركة في الاشرطة يلتفت س نحوها ثم الى الجهور)

انا استعجل لم يبق الا القليل . ثقوا اني اراه رحيما لانه يتعامل

معي بصدق (يدعك صدره متالما) رغم انني اعرف . اجل

اعرف اين سيذهب بي . اما اولئك الذين سلبوا مني حق

الارادة والاختيار لم يتركوا لي أي مهرب الا الخنوع او

الجنون . اخترت الجنون رغم انه ليس حلا . انه الوضع

الوحيد الذي اتيح لي . لانقذ ما يمكن انقاذه من ادميتي خفت

نعم خفت حتى الشلل . عذرا همنغواي عندما سحقت عظامي

استسلمت.. خفت من الموت والفضيحة فهربت الى الجنون..

(ومضة وحركة في الاشرطة .يدعك صدره متألما).

وها انت تلاحقني ( ايها الموت ) اين العدل في ذلك

ام هو الخلاص المحتوم (يهلوس) امي كبلوني بسلاسل من

حديد والاشد منها قساوة سلاسل الخوف والرعب والمهانة

كيف لا اجن وقد انتزعوا مني كرامتي كما ينتزع الزيت

من الزيتون . امي البصاق على وجهي ووجوه الظلمة

سيحررني من الخوف عندها استطيع ان اصرخ ..اصرخ

امي اتوسل اليك دعيني امزق كل الاقنعة التي وسخوا وجهك

الجميل بها . امي وانت في قبرك اعطني الاشارة كي اتحرر

فلا خلاص لي ولكم الا البصاق على تلك الوجوه التي شوهتنا

وشوهت وجوه الامهات .

(ومضة مع حركة في الاشرطة ورنة جرس يتالم وينهار على القبر)

 

النهاية

1\ من رواية الشيخ والبحر لهمينغواي.

2\ مثل عراقي (الأطفال الذين في حظنها والذي تمسكه بيدها والذي على كتفها)

 

( ارتكز النص على مفاهيم الدكتور مصطفى حجازي في علم النفس )

 

العراق

حامد شهاب الجيزناوي

30 \ 1 \ 2019


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock