كمال سلطان يكتب: روح .. دعوة للاستمتاع بالحياة حتى آخر لحظة
كمال سلطان
ـ
ما أن تدلف إلى قاعة “صلاح عبد الصبور” بمسرح الطليعة حتى تشعر وكأنك قد انتقلت إلى إحدى الحانات الانجليزية القديمة في عشرينيات القرن الماضي .. فقد استغل مهندس الديكور الشاب محمد جابر كل سنتيمتر لتحويل القاعة إلى تلك الحانة بكل ما تحويه من تفاصيل صغيرة حيث نرى البار وزجاجات الخمر وبراميل البيرة وكؤوس متراصة بعناية ، حتى أن المشاهد ليشعر أنه زبون فى تلك الحانة لا متفرج فى عرض مسرحي ومما يزيد من ذلك الشعور هو تحويل مكان جلوس المتفرجين إلى مقاعد متراصة تتوسطها منضدة عليها زجاجة من البيرة فيما يؤدى الممثلون بعض مشاهدهم على منضدة مجاورة للمشاهدين .
تبدأ أحداث العرض بدخول “النادل” ليبدأ عمله اليومي المعتاد فى تنظيف المكان وتلميع الكؤوس .. تدخل بعده “مسز ريد” التى نعرف فيما بعد أنها مطربة تعانى من البطالة ولم يطلبها أحد لإحياء حفل غنائي منذ فترة طويلة ، لتتجه مباشرة إلى الميكرفون وتبدأ في الغناء بالانجليزية .
ثم يتوالى دخول زبائن القاعة المعتادين بدءا بالسيد “ستون” الذى يبدأ فى حوار حاد مع مسز ريد نعرف من خلاله أنه يعمل “سباكا” ويبدو من خلال الحوار أنهما دائما الشجار والمشاكسة.
ثم تدخل السيدة العجوز ساخرة من “ريد” وهى تغنى ويبدأ بينهما شجارا يصبح ستون طرفا فيه ، ويدخل الزوجين “بيرثى” و”ايفى” وهما شابين فى بداية حياتهما الزوجية يدخل “هارى” الشاب المنطلق المحب للحياة على عكس الجميع الذين يتذمرون دائما ويتمنون أن تنتهى حياتهم بأي شكل .. ويدعو هارى الجميع إلى الشراب محاولا إنهاء الخلافات الناشبة بين الجميع .. وحين يكتمل الجمع يدخل ذلك الزائر الغامض المتشح بالسواد ، والذى نعرف أنه غريب عن البلدة وبعد تعارف قصير بينه وبين رواد البار يعلن لهم عن شخصيته لنعرف أنه “ملك الموت” الذى أتى ليأخذ روح شخص منهم ، لكنه بعد ان رأى سخطهم جميعا على الحياة وتمنيهم الموت فإنه يمنحهم فرصة اختيار شخص منهم ليذهب معه ، فيبدأ الكل فى التمسك بالحياة وعلى رأسهم تلك السيدة العجوز التى كانت تردد منذ قليل انها تتمنى اللحاق بأفراد عائلتها الذين رحلوا واحدا تلو الآخر وتركوها تعانى من الوحدة والأمراض ، يتراجع الجميع ولا يوافق أى منهم على مرافقة “ملك الموت” حتى يخرج الشاب “هاري” ويقدم روحه طواعية فداءا لأرواحهم جميعا.
الدراماتورج ياسر أبو العنين استطاع ان يقدم لنا رؤية متميزة للنص الأصلي وعلى الرغم من احتفاظه بالأسماء الانجليزية ، الا أننا شعرنا أننا أمام أناس نقابلهم ونتعامل معهم فى حياتنا اليومية .
المخرج باسم قناوى كان موفقا لأقصى درجة فى اختيار الكاست وتسكين الأدوار وقدم لنا عرضا يدرس فى المعاهد الفنية المتخصصة.
موسيقى حاتم عزت وديكور وملابس محمد جابر ساعدا كثيرا على نقلنا من زمننا الحالى إلى زمن العرض فى القرن الماضى.
التمثيل: ياسر عزت فنان قدير يذكرنا بنجوم الزمن الجميل ، درس الشخصية جيدا وقدمها باحترافية شديدة وهو ممثل قوى لم يسعدنى حظى بمشاهدة أعماله السابقة لذا سأحرص على ألا يفوتنى عرض يشارك فيه مستقبلا.
فاطمة محمد على: تبهرنا من جديد بدور صعب لايمكن أن تتصدى له سوى ممثلة بنفس ثقلها ، كما تغنى بصوتها العذب اكثر من أغنية باللغة العربية ولانجليزية وهى ممثلة ومطربة قادرة على ابهار جمهورها فى كل مرة تطل عليهم , وهناك رأى للموسيقار محمد عبد الوهاب بان وردة هى المطربة الأكثر سيطرة على جمهورها وأنا أرى أن فاطمة محمد على هى وردة هذا الجيل كمطربة وكممثلة.
لبنى ونس: فنانة قديرة قدمت دور السيدة العجوز ببراعة تحسد عليها وأثارت ضحكات الجمهور رغم جدية العرض والأداء.
محمد يوسف: فنان مجتهد تبرز موهبته بقوة فى الأدوار الكوميدية ، وتتأكد تلك الموهبة عندما يتصدى لدور تراجيدى مثل دوره فى هذا العرض وهو أحد أبناء “الدالى” الموهوبين والذين رشحهم الجمهور والنقاد لاحتلال الساحة الفنية خلال الفترة المقبلة ومنهم من حقق ذلك ومنهم من ينتظر.
فتحى سالم: فنان شاب يمثل دوره بمنتهى التلقائية وبمنتهى الثبات ودونما تعصب او تشنج فى الأداء ، ل
ديه موهبة فطرية وثقة كاملة فى تلك الموهبة حتى لكأنك تراه يملأ جميع جنبات المسرح دونما ان يتحرك من مكانه .
سماح سليم: موهبة جديدة تعلن عن نفسها من خلال دور قوى فى عرض متميز.
أحمد الرافعى: جسد دور “ملك الموت” بعبقرية ودونما افتعال حيث اعتمد في أدائه على نظرات عينيه وملامحه الجامدة كرد فعل على ما أصاب الجميع من رعب حين أعلن لهم عن شخصيته .
وختاما فإن عرض روح هو دعوة صريحة للاستمتاع بالحياة حتى آخر لحظة فكما يجئ فى أغنية العرض الأخيرة .. لا بديل عن الحياة إلا الحياة.