مقالات ودراسات

لينا أبيض تصرخ في عرضها الجديد.. “لن ندفع! لن ندفع!” (1974) لداريو فو: استعدوا لثورة الجياع!


المسرح نيوز ـ لبنان| جنى نخال

ـ

عن نص «لن ندفع! لن ندفع!» (1974) لداريو فو، تقدّم المخرجة اللبنانية عرضاً مسرحياً بذكاء وخفّة ورقص على خشبة «مسرح إروين». رغم أن النص سياسي بامتياز، استطاع المعلم الإيطالي تحويله إلى حدث يومي قريب من المشاهد/ة. وفي النسخة اللبنانية، عملت الممثلتان والممثلون على شدّ الجمهور عبر المشاهد والحوارات والسينوغرافيا

حيث يفشل الخطاب السياسي الثقيل والمعقّد في تفسير الواقع السياسي بكل تفاصيله، ينجح المسرح في إيصال الرسالة وتقريبها من الناس: إن لم نستطع الحصول على الطعام، سنسرقكم. في بداية هذا الأسبوع، يوم الاثنين صباحاً، تمّت سرقة مصرف شرقي بيروت.

30 مليون ليرة لبنانية، سرقها شبان يظهر هزل أجسامهم على كاميرات المراقبة. يوم السبت، تظاهرت النساء في بيروت مطالبات بكسر النظام البطريركي. يوم الأحد والاثنين، اعتصم العشرات رفضاً لسرقة رملة البيضاء. يوم الأربعاء، تظاهر الأساتذة الثانويون مطالبين بسلسلة الرتب والرواتب، كما تظاهر المستأجرون ضد قانون الإيجارات الجديد: الوضع ليس طبيعياً، والناس يتحركون رغم انسداد أفق الحلول. وهذا ما تتكلّم عنه مسرحية «ما فينا ندفع! ما لح ندفع!». انطلق العرض (جزء من الإنتاج السنوي لصف المسرح في LAU) في «قاعة إروين». لكن في محاولة لتقريب المسرحية من الناس وكسر مركزية بيروت، سيعرض بعدها في «مسرح الحمرا» في النبطية، و«مسرح العزم» في طرابلس.

تقدّم لينا أبيض «لن ندفع! لن ندفع!» (1974) لداريو فو من تمثيل دارين شمس الدين، وهبة سليمان، وباسل ماضي، وساني عبدالباقي، وياسين عبّود وعلاء عيتاني. الملفت في المسرحية أيضاً، هو كاتبها داريو فو. أخذ المعلّم الإيطالي الحكاية من القاصّين من فلاّحين وصيادين ونافخي الزجاج في قريته والقرى التي تنقّل بينها في حياته، فاستطاع أن يصنع مسرحاً قريباً من الناس لغة ومضموناً وشكلاً. استخدم (كما في هذه المسرحية) الـcommedia dell’arte، وهي تقليد مسرحي شعبي تعوّدته الطبقة العاملة. تحوّل عنوان المسرحية من الإيطالية Non Si Paga! Non Si Paga! (لن ندفع! لن ندفع!) إلى We can›t pay? We won’t pay بالإنكليزية، أي «لن نستطيع أن ندفع؟ لن ندفع!»… جملة تعلن بدء ثورة الجياع على الدولة التي لا تؤمن لهم ما يكفي لإطعامهم.

منحت السينوغرافيا حياة للنص ودعمت تطوّر الشخصيات

عبر قصة زوجين من الطبقة العاملة الفقيرة، يتناول العرض مسألة الاستهلاك في ضوء تدني المعاشات وارتفاع الأسعار. يقفز المشاهد/ة مع إيقاع حركات امرأتين تتقاسمان الخشبة مع زوجيهما والشرطي، تسرق إحداهما الأكل بسبب غلاء المعيشة، وتخبئه تحت ثياب الأخرى التي تحاول إخفاء جريمة صديقتها بحمل فجائي. ثم نكتشف أن «كل نسوان الحي حبالى» فجأة، يسرقن الأكل ويخبئنه من عيون الشرطة.

يُطرح السؤال سريعاً في المسرحية: ما هي الجريمة الحقيقية، أن يجوع مجتمع بكامله أو أن يسرق هذا المجتمع ما يسدّ جوعه؟ لا تحدّ المسرحية المشكلة بالزوجين فحسب، إذ أنها ليست استعراضاً لمشكلة أربعة أشخاص «فقراء» بمعزل عن مجتمعهم. إنها تطرح المشكلة كأزمة عامّة يعانيها كل المجتمع: الأزمة عامّة، والثورة عليها أن تكون كذلك.

يتقاسم الممثلون والممثلتان الخشبة في كوريغرافيا ممتعة تدور خلالها أجسام النساء المنتفخة أحياناً، وتدور بينها أكياس الخضار والمعلبات المخبأة والمهرّبة. أسهمت السينوغرافيا في خلق أجواء مشوقة ومسلية ومضحكة أحياناً أو بسيطة تتماشى مع النص وشخصيات المشهد أحياناً أخرى: منحت السينوغرافيا حياة للنص، ودعمت تطوّر الشخصيات وتغيّرها، من حيث تغيّر أجسام النساء وحركتهن بين غير حامل وحامل، أو تطوّر شخصيات الأزواج من غير موافقين على السرقة إلى سارقين يخبئون السرقة من زوجاتهم. تتنقّل الأغراض والأجسام والنصوص على الخشبة بشكل خفيف ومضحك وذكي، فتشد المشاهد/ة معها إلى موقع سياسي داعم للعاملات والعمال.
المسرحية التي تعتبر ماركسية، هي كوميديا سياسية نسوية بامتياز، تطرح علاقة تآمر بين المرأتين من جهة، وتولّي نساء الحي قيادة «الثورة» من جهة أخرى. في البدء، تبدو النساء هن الواعيات لأزمة الغلاء المعيشي: مسؤولات عن مصروف المنزل، هن اللواتي يحاولن إدارة المصروف والأولويات، بينما لا يعرف الرجال شيئاً عن الغلاء… ولا عن عجزهم عن دفع الإيجار أو مصاريف الكهرباء والماء.

منذ أسابيع قليلة، وبعد احتفال الأوسكار في هوليوود، كتب هاميلتون نولان في مدوّنة «غوكر» (Gawker)، مقالاً يدعو فيه إلى سرقة بيوت مشاهير هوليوود، بدلاً من الاستماع إلى خطاباتهم عن محبة الفقراء. في هذه الليلة، يقول نولان: «نحن نعلم أين يسهر أغنياء هوليوود اليوم: إنهم ليسوا في بيوتهم. وبينما يتنافسون في إظهار مواقف عاطفية لدعم الملونين والفقراء والمحرومين… تتكدّس ثرواتهم/ ن».

كما تطرح المسرحية السؤال الصعب: أيهما الأسوأ: سرقة عائلة جائعة بضعة أغراض؟ أم سرقة الدولة للطبقة العاملة؟ والسرقة هنا ليست هدفاً بحد ذاته، بل اعتراض فاقع على ما يقوم به النظام. إنها صرخة مَن سُرقت حقوقهم، وأصواتهم، فلم يبق لديهم سوى استرجاع جزء من حقوقهم/ن بيدهم. في هذا العرض، نرى شكلاً من أشكال البروباغندا الذكية والممتعة… البروباغاندا التي لا تعتبر المشاهد/ة مسانداً لها a) priori)، بل تجعله/ا خطوة، خطوة، متآمراً/ة معها.

«مافينا ندفع! ما لح ندفع!»: حتى 19 آذار (مارس) ـــ «مسرح إروين»LAU (قريطم ــ بيروت).

ـــــــــــــــــ

الأخبار


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock