ممثلو “جزيرة الماعز”.. يتألقون على مسرح مكتبة الإسكندرية وفق رؤية إخراجية حداثية ويحققون طموح المخرج د. محمد عبدالمنعم
مقال بالصور..
المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات
ـ
نور مطاوع
(جريمة فى جزيرة الماعز) هو العرض المسرحى الذى تم تقديمه على مسرح مكتبة الإسكندرية من إخراج د.محمـد عبد المنعم المخرج المسرحى الشاب وأستاذ التمثيل والإخراج بقسم المسـرح جامعة الإسكندرية. والذي يناقش المخرج من خلالة جدلية العلاقة بين الرجل والمرأة فى كل زمان ومكان.
وقد قام بأداء الشخصيات الدرامية أربعة من طلاب قسم المسرح الدارسين والمتميزين وهم: فيولا فايز فى دور الأرملة “أجاتا”، وأميرة على فى دور العمة “بيا”، وباسنت فتحى فى دور الإبنة “سلفيا”، ووائل لاشين فى دور الوافد الغريب “أنجلو”.
لقد قدموا جميعهم صورة جيدة للمثل الشامل الذى يمثل ويغنى ويرقص خلال دوره؛ ؛ إذ كان كل منهم يؤدى الجملة الحوارية جمباً إلى جمب مع الجملة الغنائية، والجملة الاستعراضية الراقصة بمهارة لاتتوافر إلا فى الممثل المعاصر المدرب حيداً على توظيف مهارات متعددة لخدمة الدور الذى يلعبه. وقدانتهج الجميع أسلوب استانسلافسكى فى الأداء التمثيلى الذى يُعرف بالواقعية النفسية أو الواقعية السيكولوجية، والقائم على التقمص والاندماج.
لقد انطلقوا جميعهم من قاعدة “لو السحرية” التى تفتح أفق الخيال فى عمل الممثل وتتيح له خلق صور بصرية حركية وجدانية عن تاريخ الشخصية عبر تحولاتها المختلفة وانتقالاتها الشعورية المتعددة فى سياق الأحداث. لقد أمسك كل ممثل بتلاليب شخصيته المسرحية فكنت ترى فيولا فايز وكأنها بالفعل أجاتا، وترى باسنت فتحى وكأنها بالفعل الإبنة سلفيا، وترى وائل لاشين وكأنه بالفعل المتشرد البوهيمى أنجلو.
فترى أميرة على وكأنها بالفعل بيا السيدة التعيسة التى تتلهف على رجل. لقد تمكن الممثلون من التخلى عن شخصياتهم الحقيقية وتلبسوا جلد الشخصية الدرامية فى صوتها وحركاتها وانفعالاتها ومظهرها؛ إنها حالة من التقمص العاطفى والوجدانى أدهشت الجمهور الذى ظل مشدوهاً متيقظاً طوال مدة العرض من جودة أدء الممثلين وإتقانهم، لقد شكلوا ضفيرة أدائية حركية مدهشة تتموج وتتقاطع وتلتقى وتشتبك وتفترق؛ لتجسد معاناة المرأة المأزومة فى علاقتها بالرجل وانسياقها وراء نداء الجسد لتلبى احتياجاته.
لقد بدت فيولا فايز فى دور الأرملة “أجاتا ” كممثلة متقنة، فاستطاعت فى بداية العرض أن تؤدى دور إمرأة حازمة صارمة أقرب فى شكلها وتصرفاتها إلى طبيعة الرجال، تقود ابنتها وأخت زوجها بحزم شديد ولا تسمح بأى انفلات، وقد شكلت ذلك عبر تعبيرات الوجه التى تعبر عن الغضب والشراسة والتمرد، فضلاً عن طبقة صوتية رصينة ونبرات قوية توحى بقوة الشخصية وخشونتها.
وفى النص الآخر من العرض حين عاش أنجلو معهن وداعب رغباتهم الأنثوية استطاعت أن تتحول إلى إمرأة مكتملة الأنوثة تقوم بجميع خدماتها تجاه الرجل وقد توسلت فى تجسيد ذلك بطبقة صوتية ناعمة يغلب عليها الطابع الأنثوى، فضلاً عن بعض الجيستات والإيماءات التى عبرت بوساطتها عن ميلها لأنجلو وخوفها على مشاعره ورغبتها فى استمراره معهن فى البيت. لقد نجحت بذكاء ووعى فى بداية لقائها بأنجلو أن تخفى اشتياقها له بشكل هش متهاوى يكشف عن رغبتها الحقيقية تجاهه واحتياجها لأحضانه، وكانت بين حين وآخر تبدى ضعفها الذى يغالبها؛ فنذكر لها المشهد المدهش الذى تحكى فيه لأنجلو عن ثقتها فى زوجها التى انهارت بسبب خياناته المتكررة لها وآلاعيبه الكاذبة عليها.
لقد تحولت بإتقان من إمرأة قوية تعبر عن كرهها للرجال إلى إنسانة ضعيفة تنهار مرتمية على أرضية المنصة بصوت يكاد أن يجهش بالبكاء ونبرات شجية تبرز مدى معاناتها، ثم تحولت من حالة الضعف هذه إلى إمراة تلهبها الرغبة الجنسية تجاه أنجلو فجسدت ذلك بمهارة؛ إذ نراها تتمسح فى أرضية المنصة بإغراء جسدى واضح وفى لحظة مفاجئةا تسير على أربع فى حركة دائرية لتبحث عن مبتغاها، ثم تشمشم أرضية المسرح وتمأمئ كاماعز تماماً وتكمل مسيرة سيرها وبحثها بحركات إغراء تعبرعن مطلبها؛ حتى تصل إلى أنجلو الممدد على الرامب فى الجانب المقابل لها فى يسار المسرح، وما أن تصل إليه تتمسح فى أقدمه وتعضعض فى يديه بحنو واشتياق ولهفة ثم تقرض العشب الذى يمسكه بيده، وفى لحظة وعى مفاجئة منها تنهض واقفة وتبصق العشب من فمها لتعرب عن ندمها على مافعلته أمام أنجلو من تصرفات مثل هذه تجعله يدرك نقطة ضعفها؛ إنه مشهد تمثيلى بارع استطاعت الممثلة أن تتحول خلاله وتتنقل بين أكثر من حالة شعورية متناقضة، وقد فعلت ذلك بسلاسة ونعومة باهرة تكشف عن قدرات ممثلة متمكنة مدربة جيداً خلال سنوات دراستها بقسم المسرح.
وإذا تأملنا أداء أميرة فى دور العمة بيا نلاحظ أنها وضعت لنفسها نسقاً أدائياً مميزاً لها منذ بدية المسرحية؛ إذ نجحت منذ بداية ظهورها فى الفصل الأول أن تؤدى شخصية المرأة المحبطة المكبوتة التى تتحمل خدمة أجاتا وخدمة إبنة أخيها سلفيا؛ فكانت عبر أحداث هذا الفصل تضفى على صوتها نبرات السخرية المازحة تارة، ونبرات الشجن تارة ثانية، ونبرات المعاناة والتأسى تارة ثالثة، ونبرات الغضب والتمرد على حالها ووضعها تارة رابعة. ونتذكر لها هنا المشهد الافتتاحى الذى كانت تسخر فيه من حالها بصخب ومزاح حين أمرتها أجاتا أن تجلب لها قطعة جلد الماعز التى سقطت فى البئر؛ فكانت نبرات صوتها متعالية فى صخب ساخر مصحوبة بضحكات تهكمية واضحة.
كما نذكر لها المشهد الذى تتمنى فيه أن يعود المزارعون إلى الجزيرة مرة أخرى ليملؤوها صوتاً وبهجة وحياة؛ فقد توسلت فى التعبير عن ذلك بنبرات شجية توحى بالتأسى على مافات والحزن على العزلة التى يعيشونها فى الجزيرة. كما نذكر لها المشهد الذى صرخت فيه فى وجه أجاتا وأخبرتها أنها سترحل إلى المدينة وترفض أن تكون خادمة بينهم؛ ففى هذا المشهد توسلت بنبرة صوت قوية غاضبة مشحونة بانفعال الغضب ودعمت ذلك بأن اقتلعت عن نفسها مريلة المطبخ وألقت بها على الأرض فى وجه الجميع تعبيراً عن عدم الرضا عن حالها والتمرد على حالة العزلة والهوان التى تحياها. وقد تكررت عبر الأحداث تلك اللحظات التى تعبر فيها عن اشتياقها لعبق الرجال؛ فنجدها بين حين وآخر تتفرس فى فحولة أنجلو، وتتشمم رائحة ملابسه، كما تضعف أمام لمسات يديه وأصابعه لجسدها، وغيرها من الإيماءات والانفعالات وتعبيرات الوجه المعبرة والتى نجحت بوساطتها فى رسم ملامح الشخصية وتطورتها الانفعالية.
أما فى الفصل الثانى حين عاش أنجلو بينهم استطاعت أن تبرز ملامح الأنوثة بداخلها شكلاً ومضموناً فتلونت فى طبقات صوتها واستعانت بنبرات ناعمة حنونة، وحرصت على إبراز اهتمامها بأنجلو فوجدناها تقترب منه فى لحظة ما وهو ممدداً على الأرض وتمرر يدها على شعر رأسه بحنو يكشف عن عاطفتها تجاهه. وحين تعلم بما فعله مع ابنة أخيها تغضب غضب شديد وتحاول أن تصفعه على وجهه بقوة وصوت صارخ، وحين يستميلها إليه وتناشدها أجاتا أن تسامحه حتى لايرحل تحاول أن تتمالك نفسها وتصفح عنه وتعامله بحنو ورقة كما كانت تعامله من قبل. لقد أثبتت أميرة على أنها ممثلة دارسة واعية تعى أدواتها وإمكاناتها الأدائية، وتعرف كيف توظفها فى خدمة الشخصية التى تلعبها.
وبالنسبة لأداء باسنت فتحى فى دور الفتاة الشابة “سلفيا” نلاحظ أننا أمام حالة أدائية مميزة ومتفردة بكل المقاييس، ممثلة شقية معجونة برحيق التمثيل، أقل مايمكن أن نصفها به أنها عفريتة على المسرح تعرف كيف تأسر عقل وقلب المتفرج بسهولة ويسر وتكسب تعاطفه معها. لقد عرفت باسنت أن تملاْ أجوأء المسرح بهجة وإشراقة تبعث على الأمل خلال الفصل الأول من العرض وذلك حين جسدت المرحلة الأولى من الشخصية بوصفها الفتاة الجامعية التى تعيش فى بداية عمرها المزهر وقد تملكها الأمل وحب الانطلاق والحياة؛
لقد جسدت هذه المرحلة بذكاء يحسب لها فكانت نبرات صوتها وطبقاتها الصوتية رشيقة متلونة تعبر عن البهجة والانطلاق والإشراق؛ فنذكر لها أدائها الهازل المازح حين كانت تلبى أوامر أمها وكأنها جندى يستجيب فى صرامة لأوامر قائده. كما حرصت على إبراز طبيعة العلاقة بينها وبين عمتها “بيا”، وعلاقتها بأمها “أجاتا”؛ فبينما كانت سلفيا صديقة لعمتها “بيا” فكانت تستعين ببعض الإيماءات والجستات الحركية التى توجهها إلى عمتها كى تتدخل لتعينها على صرامة أمها وتنقذها من لوم الأم لها؛ وهى إيماءات معبرة ذكية لاتصدر إلا عن ممثل بارع فاستطاعت بذلك أن تدلل بها على مدى قربها ومحبتها لعمتها. وبينما كانت علاقتها بأمها يشوبها شيئ من الخوف والاحترام باعتبار الأم هى الرقيب عليها والتى تتولى أمرها فقد حرصت أن تبرز هذا البعد عبر صوتها وحركاتها وإيماءتها. كذلك حين فضح أنجلو أمرها أمام أسرتها وكشف أنها ارتمت فى أحضانه؛ فقد توجهت الفتاة إلى أمها التى صدتها فارتمت على الفور فى حضن عمتها التى تحنو عليها وتطيب خاطرها.
وفى بداية الفصل الثانى قدمت رقصة صولو برشاقة مدهشة ومعبرة وقد تناولت عبر رقصتها هذه فستانها الأحمر لترقص معه تارة؛ كى تعبر عن مدى تحرك عواطفها الأنثوية تجاه أنجلو بوصفه أول رجل يحرك مشاعرها فى هذا المكان، ثم تتناول كذلك عبر رقصتها هذه “الزنط” الذى كان يرتديه أنجلو حين وفد إليهن من السجن وكانت تتراقص مع هذا “الزنط” وكأنها تتخيل أنها ترقص بين ذراعى أنجلو نفسه؛ لقد استطاعت باسنت فتحى عبر هذه الرقصة بدلالاتها الباهرة أن تكشف عن مرور الزمن وتعبر عن نضجها العاطفى وأنوثتها الطاغية، وليس أدل على ذلك من أنها تعود فى الفصل الثانى وقد ارتدت الفستان الأحمر الدموى اللون وتثور على أنجلو حين تراه مرتمياً على أرضية المنصة بين يدى “أجاتا” و”بيا”؛ فإذا بها تلقى بشنطتها بعنف على الأرض لتلفت الأنظار وتعبر عن غضبها ورفضها لما رأت وشاهدت.
وقد استطاعت باسنت فتحى أن تتحول عبر مسارات الشخصية من فتاة بريئة ساذجة، إلى فتاة حالمة رومانسية تحلم بالحب، ومن امرأة أنضجها العشق وامتلئت بطنها بطفل، إلى أنثى غاضبة تثور لكرامتها وتغضب لخداع أنجلو لها؛ لذلك توسلت فى الفصل الأول بنبرات صوتية رشيقة توحى بالبراءة، كما توسلت فى بداية الفصل الثانى بأداء حركى راقص حالم يوحى بالحب والعاطفة، لكنها مع نهايات الأحداث تحولت لإمرأة حزينة تارة يغمرها الألم بسبب خداع أنجلو وبسبب ماعرفته عن علاقة أمها وعمتها بأنجلو؛ لقد عبرت عن حزنها العميق هذا بنبرات صوتية مكبوتة تُنبئ بإنفجارها وقوة غضبها، ثم مع قرب العرض على النهاية تتحول لإمرأة شرسة تصرخ فى وجه أنجلو وتجعله يركع أما مسدسها التى تصوبه تجاه رأ سه؛ فتوسلت بنبرات صوتية قوية وصرخات مكبوتة غاضبة تعبر عن تمردها ورغبتها فى الانتقام منه، وما أن انتشل المسدس من يدها وفضح أمرها وجسد أمام أسرتها واقعة اغتصابه لها رأيناها تحولت إلى إمرأة ضعيفة منهارة يغلب عليها الهذيان فى براعة مدهشة.
أما وائل لاشين فى دور “أنجلو” الوافد الغريب الذى يقتحم خصوصية هؤلاء النسوة الثلاثة، فقد عرف كيف يرسم ملامح شخصيته الدرامية ببراعة منذ أول ظهور له بحكم دراسته الأكاديمية لفن التمثيل بقسم المسرح خلال أربع سنوات، فبمجرد أن يطالعك على المسرح تستشعر أنك أمام صعلوك متشرد ذميم الشكل والهيئة لكنه يتمتع فى الوقت نفسه بفحولة وجاذبية غير مسبوقة. لقد وظف طوله الفارع، وجسده الممشوق المعضل، وأكتافه العريضة وغيرها من ملامح تكوينه الجسدى فى تحقيق أبعاد الشخصية المسرحية بإتقان، وصنع لنفسه بعض اللزمات الحركية والصوتية التى حافظ عليها طوال مدة العرض دون أن تفلت منه؛ فتمكن من أن يوهم المتفرج بشخصيته البوهيمية الطاغية وطابعها الانتهازى الاستغلالى.
لقد اهتم وائل لاشين بكل تفصلة دقيقة فى الدور الذى لعبه فنلاحظ شعره المبعثر عن عمد، ورسومات التاتو المطبوعة على أكتافه ورقبته، والخاتم الملفت الذى يزين يده، والإيشارب الأحمر الطويل الذى لم يفارقه طوال مده العرض وينسدل حول رقبته وينتهى بشراشيب تدل على رعونته وانتهازيته، فضلاً عن زجاجة الويسكى التى تلازمه طوال الأحداث، وحذائه المتهالك المكعوب الذى كان يرتديه مع أول ظهور له. كما يتضح لنا مدى اهتمامه بممارسة بعض التدريبات الرياضية الحركية طوال مدة التدريب على العرض؛
مما أكسبه رشاقة الحركة فوق خشبة المسرح فاستطاع أن يلبى مايتطلبه منه دوره من قفز ات من فوق مستويات مرتفعة، وحركات سريعة أو عنيفة مفاجئة يلاحق بها النساء الثلاثة وهذا ما يحسب له؛ إذ يجب أن يتحلى الممثل المعاصر بالرشاقة والمرونة الحركية والمهارات المميزة الأخرى حتى يفى بمتطلبات دوره. فنذكر له أول ظهور له بشكله المشرد وهويقف على مستوى مرتفع بجوار البئر يتلصص على النساء الثلاث ثم يتراجع فى توجس ويقفز من فوق هذا المستوى إلى أرضية خشبة المسرح محاولاً الاختباء خلف التكوين الحجرى الذى يقبع فوقه البئر حتى لاتلحظه العمة “بيا”، ثم يتقدم إلى منتصف خشبة المسرح يتأمل المكان بدهشة وإعجاب فى خطوط دائرية متداخلة، وسرعان مايلحظ الخبز الموضوع داخل مشنة من الخوص فوق الكتلة الخشبية بجوار مدخل العشة فيختطف منه مايرغب ويأكله بنهم يدل على مدى سوقيته، ثم يتفرس بعينه السيدة “بيا” وهى تننظف المكان حتى تلاحظه وتصرخ فى وجهه قيحتضنها بقوة من وسطها لكنها تدفعه بعيداً عنها وتختطف منه الخبز وتضعه فى المشنة؛
فهذا مشهد استهلالى لظهور أنجلو فوق خشبة المسرح يحمل الكثير من التفاصيل التى تؤكد مدى اهتمام المخرج بتوجيه الممثل لخلق صورة مناسبة تمهد لتركيبة الدور وملامحه الاجتماعية والنفسية. كذلك لم يغفل وائل لاشين الأداء الكوميدى الذى يخفف من حدة المعاناة التى يخلقها الصراع المتلاحق بين الشخصيات، ونذكر له هنا أدائه الكوميدى فى المشهد الذى صعد فيه من البئر يحمل بعض الأشياء فيفاجئ بوجود الأرملة “أجاتا” أمامه ويحاول أن يهرب منها لكنها تلاحقة؛ فقد أدى هذا المشهد فى حركة كوميدية تحمل طابع تكمى ساخر يثير ضحك المتفرج. كما نذكر له مشهد اغتصاب الفتاة “سلفيا” فقد استطاع أن يوهمنا بوحشيته وتجرده من الآدمية التى دفعتنا للتعاطف مع سلفيا. وكل اللحظات التى كان يداعب فيها أنوثة كل واحدة من النساء الثلاثة كان واعياً لما يقوم به خضوعاً للمبرر الدرامى للدور.
لقد لعب دوراً صعباً للغاية، دوراً بلورى له أكثر من جانب؛ فهو صديق الزوج المبعوث برسالة للنساء الثلاثة، وهو المتشرد الصعلوك خريج السجون، وهو الوافد الغازى الذى يخطط أن يقيم مع النساء الثلاثة ليصرفن عليه، وهو الرجل الانتهازى الاستغلالى الذى يستغل ضعف هؤلاء النسوة، وهو الرجل اللعوب المخادع الذى يتلاعب بمشاعر المرأة، وهو الرجل المكتمل الفحولة والذى تقع النساء فى شرك حباله، وهو الإنسان المتغطرس العنيف الذى يمعن فى إذلال المرأة وخضوعها لرغباته؛ إنها شخصية مركبة تحمل أكثر من ملمح درامى استطاع الممثل أن يفى كل جانب حقه بإجادة وإتقان، كما استطاع أن يتنقل بين تحولات الدور بمهارة شديدة وليس أدل على ذلك من قدرته على التدرج فى إبراز ملامح دوره،
فأداؤه فى بداية العرض كرجل متشرد انتهازى اختلف فى نبرات الصوت وإيماءت الحركة وتعبيرات الوجه عن أدائه للحظات المواجهة ومحاولة السيطرة على النساء الثلاثة، كما اختلف أدائه فى لجظات الحب الزائف والاهتمام المزيف الذى يبادله للأرملة والعمة، كذلك اختلف أدائه فى لحظات العنف والغضب التى عامل بها “سلفيا” متوسلاً بالغضب المكتوم العارم، وفوق هذا وذاك استطاع أن يتحول فى النهاية إلى إنسان شيطانى بوهيمى شديد الغلظة المغلفه بابتسامات باهتة أحياناً، وضحكات شريرة أحياناً أخرى، وصوت متلون يتموج بين الطبقة الصوتية الوسطى وطبقات القرار فى مشهد تعبيرى بديع يقود فيه قطيع من النساء قد تحولن على يديه إلى عنزات تمأمئ؛ فالحق يقال إن وائل لاشين فى هذا العرض كان ممثلاً من العيار الثقيل.
العرض دراماتورج وأشعار/ ياسر أبو العينين، رؤية تشكيلية/ م. وليد السباعى، إضاءة/ إبراهيم الفرن، موسيقى وألحان/ محمـد شحاتة، كوريجراف/ محمـد صلاح، إعداد موسيقى وتنفيذ/ محمود فيشر، تصميم بوسترات ودعاية / أحمد نوفل، إدارة مسرحية / محمود سعيد ومحمـد خميس طلاب قسم المسرح، مخرج مساعد/ محمـد الجوهرى وأحمـد فهمى طلاب قسم المسرح، العرض من إخراج أ.د/ محمـد عبد المنعم.