حوارات

« الهروب من التوبة » عمل تونسي عراقي جديد.. فلّاح شاكر متحدّثا عن العمل للمسرح نيوز


المسرح نيوز ـ القاهرة| حوارات

ـ

 

« الهروب من التوبة » عمل تونسي عراقي جديد.

فلّاح شاكر متحدّثا عن العمل للمسرح نيوز

الناقد حامد محضاوي
الناقد حامد محضاوي

* حامد محضاوي

كاتب وناقد تونسي

 

 

تحتضن قاعة الفن الرّابع بالعاصمة تونس يوم السبت 22 جويلية 2023 العرض ما قبل الأوّل لمسرحيّة « الهروب من التوبة » عمل من إنتاج مركز الفنون الدراميّة والركحيّة بتوزر وبدعم من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي والفنّي.

إخراج الأستاذ عبد الواحد مبروك ونص الكاتب العراقي فلّاح شاكر، أداء كلّ من عبد الواحد مبروك، بلقيس جوّادي، حليمة عيساوي، تصميم موسيقى: رياض البدوي، تصميم ملابس: جليلة مدّاني، إضاءة: رمزي النبيلي، قيافة: رازي الرويسي، توظيب الركح: يوسف النعماني.

عمل جديد يأتي في سياق سلسلة أعمال دأب عليها مركز الفنون الدراميّة والركحيّة بتوزر بإدارة الفنان عبد الواحد مبروك وأخرها عرض « 18 أكتوبر ».

العمل الجديد « الهروب من التوبة » فتح باب صياغة الرهان الإنساني المشترك والتفكّر المسرحي العربي عبر نص الكاتب العراقي

« فلّاح شاكر » الذي تمتدّ مساحة حضوره في تونس إلى سنوات ماضية وتواريخ فارقة من خلال جوائز ومنجزات مهمّة.

في هذه المساحة يفتح لنا « فلّاح شاكر » قلبه للحديث عن ذكرياته في تونس وعن هذا المشروع المسرحي الجديد، وعن مشاغل المسرحيّات العربيّة المشتركة.

 

– تونس وفلّاح شاكر علاقة مميّزة، لو توضّح لنا تاريخيّة هذه العلاقة وأثرها؟

 

تونس، وأنا بالكاد أُصلّي للمسرح، كانت خطوة الحجّ الاُولى هي تونس. تونس عانقتها في 1991 بعد أشهر قليلة من حرب أكلت جرف نهر الحياة والرغبة في معانقة خشبة ربّما نهمش فيها بحب وسط الخراب. تونس كانت إعادة بناء الروح، كانت شهقة من أوكسجين، بعد دمار لا يمكن أن نتخيّل في يوم ما أنّ أرواحنا ستستعيد عافية الكتابة بعده. لأوّل مرة أُغادر العراق مررت بالأردن بعد سفر تجاوز أكثر من 20 ساعة، وكنّا وفدا كبيرا جدّا في مسرحيّة « قصّة حب معاصرة » وكانت هذه المسرحيّة – لأوّل مرة – تتناول الحرب بطريقة هامسة، دون طبول حرب ودون قرع أجراس نصر، لا، كانت همسة شعريّة لفكرة: هل نرحل عن البلد أم نبقى؟ كانت فكرة حسّاسة جدّا. سافرنا بوفد كبير فيه أساتذة من الطراز الرفيع – لم يكونوا مشاركين بالعمل – لكن أُرسلوا كواجهة إعلاميّة للتواصل مع بقية الفنانين العرب وشرح القضيّة العراقيّة. كانت المسرحيّة أعظم لقاء ممكن أن ألتقيه مع حبيبة، من خلال الجمهور التونسي والعربي الذي كان متواجدا؛ حتى أنّ أحد المحكّمين كان أعتقد من إسبانيا سألوه: كيف فهمت النص؟ قال: من صمت القاعة. تونس هي التي منحتني أوّل الجوائز الكبرى، منحتني قبلة الحياة كي أعود إلى العراق وأنا محمّل بقدرة على الإبداع من جديد. تونس الخضراء جعلت دمي وحبر روحي أخضر؛ فبدافع منها كتبت الكثير وعدت إليها كثيرا وتوّجتني كثيرا، بل أعطتني ما عجز وطني عنه، أعطتني الشعور بأنّ الحياة أوسع من العراق وإن كان العراق مركزها.

وغبت عنها طويلا، رغم أنّي نلت الجوائز الكثيرة منها، وأخرها كانت سنة 1999 « جنة تفتح أبوابها » في جائزة أفضل عمل متكامل. ثمّ عدت إليها محكّما، وجدت أنّها لازالت تونس التي تحارب مآسيها بالياسمين والإبداع والمسرح.

هي تونس التي مهما تغيّرت الظروف يبقى أُناسها يعشقون الجمال، يعشقون الحياة، يعشقون المسرح… شعب طيّب ومثقّف، لا أملك إلّا أن أتمنّى أن أحجّ إليه كلّ سنة.

 

– نص الهروب من التوبة، أهميّة هذا النص في مستوى الرهانات المسرحيّة الحاليّة وكيفيّة اللقاء حوله مع المخرج التونسي عبد الواحد مبروك

 

إلتقيت بالأستاذ عبد الواحد وكان مقرّرا في لجنة التحكيم، وكنّا نتّفق في الكثير من الأفكار، وشعرته صديقا نشترك بالوعي. كانت لديه فكرة لعمل مسرحي، حاولت في البداية أن أساعد ولكن حينما عدت إلى العراق بدأت المسرحيّة تأخذ شكلا أخر غير الذي في ذهننا. كتبت هذه المسرحيّة في فترة قياسيّة، بالقياس لأنّني متعوّد أكتب خلال سنوات عمل مسرحي، فهذه خلال أشهر كتبتها.

الفكرة بشكل فلسفي هي شعورنا بالذنب منذ نزولنا من الجنة من خلال تفاحة حواء في الأساطير أو الديانات إلى لحظات الولادة والظروف التي تجعلنا نرتكب أخطاء. هذه الأخطاء سواء كنّا مسؤولين عنها أو مفعولين فيها من خلال أخرين. هذه الأخطاء التي لا نستطيع تجاوزها من خلال الشعور بالذنب. وهذا الشعور بالذنب يقود إلى أخطاء أخرى بالتصحيح، وبالتالي يزداد الذنب وتزداد وطئة الضمير فنعجز تماما عن ممارسة حياتنا بشكل طبيعي أو على الأقل بشكل سوي.

لم نجد مساحة لمسامحة الذات، لأنّ الذات نفسها تعيش دوامة الذنب فيكون اللجوء إلى المخلّص بغضّ النظر عن من هو، ربّما يكون دينيّا أو معاقرة خمر، أي كان المسمّى، المخلّصات فرديّة في هذا المجال بالذات، يعني الشعور بالذنب نتيجة لفعل قمت أو وقع عليك. لهذا كنا متجانسين أنا والمبدع عبدالواحد في أن يكون العمل فردي وشمولي في آن واحد، لا ندين ولكن نشرح العذابات، لا نقول أن المخلّص مخلّصا ولا نقول أنّه وهم أو خرافة. هي حلول فرديّة قد نتشابه بها جميعا، ولكن في كلّ الأحوال هي حلول موجعة ومتعبة وربّما تكون أكثر وطئة من الذّنب نفسه. هذه المسرحيّة من المسرحيّات النادرة التي لم أحضر تمارينها؛  لأنّني عادة أحضر تمارين النصوص واُعيد وأكتب وأحذف. وهذه المسرحيّة تركتها كما هي لنرى كيف سنصل، وأنا أثق بفريق العمل حتى وإن كانوا غير محترفين لكن بالتأكيد تبنّيهم للعمل سيوصل رسالتنا.

 

– ما مدى أهمية هذه المشاريع العربية المشتركة ودورها في تغذية المآل الجمالي والمضموني؟

 

العمل العربي المشترك في المسرح تكتنفه الكثير من الصعوبات؛ لأنّ تجميع عدد من الناس أو المبدعين في مكان واحد يحتاج إلى إنتاج ومكان إقامة ومصاريف وتفاصيل، عكس مثلا التليفزيون أو السينما، الفترة تكون محدودة أو الأعداد تكون قليلة ربّما. المسرح مردوده المادي ضعيف وعمليّة الإنتاج مشترك مكلفة، وإلّا ما أجمل أن تلتقي الخبرات العربيّة في عمل معيّن؛ بحيث تتزاوج الكثير من المدارس مع بعضها، مثلا المدرسة التونسيّة العريقة تهتمّ كثيرا بتكنيك الممثّل والسينوغرافيا، ويكون النصّ من ضمن الاهتمامات الثانويّة بعكس المسرح العراقي. أقصد المسرح العراقي ليس صفة كليّة ولا على تونس صفة كليّة ولكن كظاهرة عامّة. تجد المسرح العراقي يهتمّ بعض الشيء بالنص أكثر وبكثير، وإن وجد شباب الآن يحاولون تجاوز النصّ لكن لازالت ميزات المسرح العراقي أن يكون النص جزء مهمّ غير قابل للتهميش مثل المسرح التونسي، وكذلك بقية المسارح كلّ مسرح عربي يمتاز بصفات معيّنة. فعمليّة الإنتاج المشترك بغضّ النظر عن الهويّة سواء عربيّا أو من دول أخرى، فمجرّد وجود فريق من عدّة دول يمثّل عدّة ثقافات سيشكل إثراء حقيقي للعاملين في كلّ بلد، وأبارك مثل هذه الخطوات. كنت أتمنّي فعلا أن أحضر التمارين لولا الظروف الخاصّة.

سعيد جدّا بهذه التجربة رغم أنّي لم أحضر التمارين. لكن الأستاذ عبد الواحد الصديق الجميل كان يرسل لي بين حين ولاخر بعض المشاهد الفيديويّة وكنّا نتبادل الملاحظات. أتمنى أن نجد عرضا يليق بتونس والعراق معا، وشكرا على فريق العمل الذي بذل جهود هائلة أنا على اطّلاع عليها.

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock