نشاز .. مونودراما للكاتبة العراقية إيمان الكبيسي
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
مونودراما
نشاز
تأليف: إيمان الكبيسي
العراق
المنظر العام
(أرض المسرح يوضع عليها كؤوس فارغة… فزّاعات معاقة او مجموعة اجساد حسب رؤية المخرج، واحدة بدون يد وأخرى عمياء وثالثة بلا رأس يرتدين حمالات صدر … في أعلى وسط المسرح صورة لعود كبير دون أوتار، على أحد جانبي المسرح سرير منفرد بثلاثة عمدان والركن الرابع يرتكز على طابوق، وسادة تتدلى من الأعلى في وسط المسرح، وعلى الجانب الآخر ستارة لخيال الظل، ساعة جدارية معطلة عند الرقم واحد بعد أن كانت تشير إلى ( 12) بداية العمل بعقرب واحد، تفتح الستارة، طاولة متحركة فوقها آلة طابعة، تتحرك الفزاعات بعشوائية تتوقف مع دخل الشخصية).
اللوحة الاولى/ الدخول
(رجل يرتدي ملابس رسمية يدخل المسرح محاولا التعاطي مع الموجودات عبر الحركة والايماءة،أنغام موسيقى إسبانية صاخبة يرقص عليها بالتناوب مع كل واحدة من الفزّاعات وهن في مكانهن يرفضن الحركة،بإنزياحات عنه إلى أماكن اخرى، يلجأ إلى رقص هستيري بمفرده، يتوقف مع توقف الموسيقى وهو يصرخ باكياً وهو يخاطب الموسيقى ركضا متتبعا مكانها):
# توقفي لا تهربي مني، أنتِأنيسي وسط غابات الصمت الموحشة. (يتحدث إلى الفزّاعات) الحياة تغادر كل مكان انتن فيه، شمسنا تحرق كل شيء إلا ذلك العبوس بين الأعين فهو يلازمني كل صباح، (يذهب إلى الفزّاعات بحركات يحاول اضحاكهن، ثم يتحدث إلى إحداهن) لا عليكِ… ها أنا الان متفرغ لكِ…ولكِ… ولكِأنتِأيضاً (يشير إلى كل واحدة) …صباح الخير …صباح الخير…(يلوح بيده كإيماءة للتحية دون جواب، يتجه نحو جانب المسرح القريب من الفزّاعات ويمد يده للحائط وكأنّه يصافحه ويتحدث إلى شخصية نسائية) وعليكم السلام كيف حالكِ، أهلا بكِ، بصراحة يا صديقتي أنا لست بخير، كل صباح أعيشُ المشهد ذاته، أموات، هدوء، لا حياة لهم سوى وقت الطعام، كأنّ على رؤوسهم الطير.
(يعود للآلة الطابعة وكأنّه يعودلعمله، يغني نوحي نوحي على العافوج يا روحي نوحي).أحلام غاب عنها المطر لسبع عجاف، هجرتها ابتسامة الأرض المروية، صباحات حزينة ترطبها أوتار الحسرة تطل من شحوب يصاحب البرتقال قبل النضج بقليل(يتوجه نحو إحدى الفزّاعات) كفاكِ صمتاً، اطلقي زفيركِ، اقرعي طبول الحربك الشعواء(تتحرك إحدى الفزاعات بحركة موضعية كأنّها ترتجف)، ربما يولد تحت وقع السيوف فجر جديد
اللوحة الثانية/ التحول الى انثى
( اضطرابات في الإضاءة مع أصوات متداخلة لطبول وصهيل ورعد وبرق، يستبدل اثناءها سترته مع الفزاعة المتحركة بحمالة الصدر، ثم تسليط بقعة ضوء حمراء نحو الفتاة وهي ترقص رقص تعبيري على صوت قرع طبول للحرب، تترنح في مشيتها كالأفعى، وهي تحاول ترتيب شعرها وتتحسس جسدها بنشوة).
# احتسي الصبر الرتيب، استعذبه، استيأست من منقذ يقتلع السهام من صدري وأنا في الخامسة والثلاثين، (أغنيةيا بياع الخواتم لفيروز، تعتيم المسرح إلا منبقعتين إضاءة إحداهما مسلطة على العود…والاخرى على الشخصية وهي تحمل إشارة مرور حمراء مع أصوات سيارات مسرعة تحاول ايقافها دون جدوى تنتهي بموسيقى مواكب الاعراس التي تُسقط الفتاة أرضاً وهي باكية). لا جدوى لا جدوى…
اللوحة الثالثة/ بوح وارهاصات
(أصوات أطفال من خارج المسرح) :
#عنّوسة بنتي كل البنات تزوّجوا بقيتي انتِ …عنّوسة بنتي كل البنات تزوجوا بقيتي انتِ(تنتفض هائجة)كفى …كفّوا عن هذا …لا أريد الزواج (تنثر بعض الأوراق المحترقة وهي تتحرك على جنبات المسرح تحاول تحطيم الفزّاعات)، الزواج قلعة يروم قاطنيها الهروب منها…فراش وثير للقتال…لا أريد الزواج(تلتفت يميناًويساراً)
# لا …أريد الزواج (بصوت خافت) أريد الزواج، (تعود للرقص وهي تتحسّس تفاصيل جسدها وأنوثتها المهجورة)أنا لست بعانسٍ(تبكي، ومن ثم تتحسّس في جيبها مرآة واحمر شفاه وتخرجها) من تمتلك كل هذه الجاذبية لا…لا يمكن أن تكون عانساً(ترمي المرآة) ربما أكون سفينة أحتاج لدفةأو رشفة قهوة تحتاج لمن يتذوقها(تنظر إلى الأعلى وكأنّها تقرأ عبارة) إذا جاءكم من ترتضون دينه وخلقه فزوّجوه، وها أنا أنتظر رضا والدي بكبرياء متوحش يفترس انوثتي، ربما سأكون يوما ما عروساً.
(اصوات سيارات مسرعة، وهي تتطلع بانتظار)
# وتشرق شمسي الطاردة للشتاء القارص، المغتصب لفصولي الثلاثة…اشعر بالبرد(ترتجف، مع اصوات رياح عاتية) اغربي عن وجهي ايتها القشعريرة لماذا تسكنين فراشي كل ليلة، انك تشعريني بالجوع، بالعطش(تهرول لاهثةإلى الكؤوس الفارغة في سعي منها لشرب الماء)أنهض من مضجعي عطشى كل صباح، لاهثة ابحث عن ما يخفف غزو التصحر المعتري لمثاباتي … جيراني قطّعوا انهارهم عني، السماء شحت بعطائها…ربما علي أن ُطيل الانتظار اكثر او أن اسقي ذاتي بذاتي (تضع رأسها على الوسادة، اظلام المسرح، مشهد لخيال الظل يعرض رقصات ايحائية ايروتيكية للفتاة،أنفاس هائجة، مع موسيقى واغنية عمر وتعدى الثلاثين لا يافلان عمر وتعدى وتعديت لا يفلان).
اللوحة الرابعة/ خيال الظل
# (تستيقظ مضطربة): لازال يلازمني العطش…(في شرود) قبل سنين (تعتيم المسرح إلا من بقعة ضوء نحو وجهها، وأخرى نحو ستارة خيال الظل وهي تعرض مشهد حميمي لولديها بحركات تعبيرية)كنت أروي ظمئي عبر اختلاس النظر من ثقب روحي المتهالكة إلى الصراع الليلي الذي يهز اركان البيت، أسمع تنهدات المتصارعيَن، (مؤثر صوتي للتنهد يتصاعد مع الحوار) أرقب وصول الحدث إلى ذروته ثم النهاية الحتمية لأخلد بعدها إلى امنيات تحيلني إلى أنّ اكون طرفا للصراع، أمّا اليوم بعد أن أنهى القدر صراعهما فقد بدأوباء الوحدة وعاد العطش مرة اخرى (أغنية مثل خيط السمج روحي حلاوة روح محروكة، روحي لا تكلها شبيج وأنت الماي، تنظر إلى المرآة المكسورة وتتحسس وجهها وجسدها) هل ذبل جمالي؟ خفت توهجي؟ هل أصبحتُ عانساً حقا؟(تنتفض ثائرة )لا لست كذلك … وإنْ لقبني به أبي!…(تحاول مخاطبة والدها، وهي تخرج من حقيبتها صورا كثيرة للعرسان الذين تقدموا لخطبتها) لما ابقيتني انتظر رضاك عمّن يتقّدم لي؟(تقلد صوت والدها)طبيب لا لا سينشغل عنك بجمع المال فالأطباء لاهمّ لهم سوى المال،(وهي تنثر الصور)مهندس يكلمك بحساب، يبتسم بحساب ويمضي عمرك دون حساب،(ترمي صورة اخرى) ضابط لا لالا كلها إلا الضابط فحروبنا مستمرة ومن لم يمت بهذه الحرب يُفنى بغيرها، وعندها تعودين اليّ فابقي هاهنا أفضل لك ولي (تعود لطبيعتها) عيوب الخُطّاب جاهزة تختلف في كل مرة لتكون ذريعة للرفض، كي لا أعلم السبب من وراء ذلك، ربما كان يعجبك هذا الواقع…عشت طوال حياتك مرتوياًبين خمر ونساء(ضحكات ماجنة)لاهم لك سواهما. مرّتْ حياتك بلا غاية،ألم تكن عاطلاً تتلقى لقمةعيشك من انثى تقضي النهارفي الخدمة في البيوت والليل في متعة شهريار مخمور؟روافدك كثيرة ومياهك وفيرة دون استصلاح، مصب مياهك الى النفايات، وحين غادرت أمي كنت أنا نافذتك التي لا غنى لك عنها،ومع كل هذا لم يلقبك أحد بالعانس!!!!لأنكذكر والذكور يمتلكون حصانة إلهية…حتىالرب لا ينتخب أنبياؤه من الإناث (إلىالجمهور ) خذوا عني ما أقول لاتفرحوا بالمولود الذكر حتى يبلغ العشرين عندها تأكدوا من رجولته…(مع نفسها) مع أنّأبي تعدى عتبة الثلاثين عند إقترانه بأرضه، ولم تظهر عليه ملامح الرجولة، حتى في ليلة حرث الارض وغرسها…كان ذكرا عانس قضى ليلة حمراء مع عانس أخرى أجبرها العرف على الزواج ممن لا ترغب به، ظلتقابعة في محطات أبناء العم وهم يسافرون دون أنّ ينتبه اليها احد، لم يكن امامها إلّا أنّ تنتظر ارذلهم ربما يعطف عليها ببعض الماء وان كان اسناً. (صوت دقة واحدة للساعة تعلن أن الوقت هو الواحدة) ليرمي بذرته في أرضٍ مُنتجة للعنوسة وولدت أنا مشوهة، من نطفة لا رَحِم لها، ضاعت أنوثتي بين الضوء والعتمة …عود بلا اوتار، أبحث عن أمطار تغسل شوارعي تروي مثابات جسدي المتعطش…روحي أصابها الصدأ(صوت باب يفتح مع حركتها، تغلق اذانها).
اللوحة الخامسة/ صراعاتها مع الاشياء
#لمأعد أطيق سماع خطواتي المتحجرة(تنظر إلى الساعة، مع ضوء مسلط نحو الساعة، تمسك بهاوتذهب بها إلى الفراش)متوقفّة!!! متعطلة!!! ربمّا تشعرين بما اشعر، كلانا يشعر بالوحدة، لماذا لا يسلي وحدتنا الشيطان؟لماذا ينزاحإلى أنّيكون أنيسا للمتسامرين…(ترمي الساعة على الارض وتتحرك في المسرح باحثة عن الشيطان)أيّها الشيطان لقد افحمني الحرمان، في كل ليلة تُنحر أنوثتي، أوراقي بيضاء تنتظر حبراً يلوثها (صورة على خلفية المسرح لجذوع نخل مقطعة السعف، عادت ترتجف)أبحث عن نيران تلتهم عروقي …لا أريد كفنا لشخص واحد.ربما ادفن كما دفنت أمي العانس التي عجزت عن قول …لا …إني متعبة…ضعفت أمام فزاعة سلطه المجتمع سيداً عليها… (تتحدث مع نفسها بسخرية)تتبطرين على الفزاعة هو وينه شوصاير عملة صعبة(اغنية ياهويلكياهويدلي نارك ولا جنة هلي، وهي تلطلم، تعود أصوات السيارات، تذهب نحو فزاعة الرجل) لو كنتَ مكاني كيف سيكون صباحك؟ هل كانت فراشات السعادة تُقلكصباحا إلى العمل، أم تشرق شمسك مثقلة بأنين الليل ووحشته؟ (ضحكات نسائية ساخرةواصوات متمازجة تستهزئ بها، تنظر يميناً وشمالاً وتحاول ترتيب هيئتها) كفاكن سخرية حالكن ليس بأفضل حال مني(ترتدي نظارةأحدى الفزاعات، ترقصعلى أنغام حزينة، تستلقي على السرير مع حركات تعبيرية) مملكتك لا تتجاوز محيط هذا السرير بينما أنت تقبعين في بئر العبودية ليلك دافئ لكنه شاحب، لا ملمح فيه إلا ما يراه سيدك…وبعد أنّ يمر بك العمر سيكون قدرك، قبراً تحت الارض أو قبراً فوق الارض، سُيلقى عليك التراب أو السواد، وستحالين على التقاعد حتى لو كنت قادرة على الانتاج وتستمر العنوسة…أمّا أنا طير يحلق في السماء رغم عطشه لكنه طليق(موسيقى صباحية مفرحة)لا يرتدي الاسود صحيح أنّ كائنات زاحفة تحاول التهامي…تعيق اجنحتي تكريسا للعنوسة، لكني اجاهدفي سبيل مساحة للتحليق…(تسحب السير الى وسط المسرح وتقف عليه وهو غير مستقر، وتتخذ هيئة المشنوق بعد ان تلقي بالوسادة ارضا، اظلام المسرح الا من بقعة ضوء نحوها) تتهموني بالعنوسة والعنوسة في كل مكان عنوسة في السياسة عنوسة في الثقافة في الرياضة، في التربية، في الصحة، في التجارة، في المسرح نعم حتى المسرح، فتى احلامكم قوي ،عادل (ضحكات ساخرة) انسوا، تلقبوني بالعانس وانتم الهتها… رجال بلا عمل، نساء بلا ارادة،تفكيركم لا يتعدى منتصف الجسد… واقعكم مرير…وتحاسبوني لان قطاركم اعمى … مشوه … ممسوخ…حاكموني واصدروا احكامكم كما تشاؤون لأنكمتعوضون عجزكم عن التغيير، صامتون عن حق مستلب، خانعون في ذل من تنصبونه سيدا وآلها…فمن لم يكن منكم عانسا فليرمني بحجر(إلى الجمهور) من لم يكن منكم عانسا فليرمني بحجر.(هدوء للحظات مع ظلام، ومن ثم اصوات رعد وبرق توحي واضطراب في الاضاءة، يتغير عبرهموقع الفزاعات فتكون الفزاعة الفتاة وهي مشنوقة مكان الشخصية، الرجل الموظفالتي تنسحب بتردد وقلق مع اضاءة المسرحبحركات راقصة يخلع معها ملابسه تدريجياويعري نفسه اثناء الرقص والحركة على كل جهات المسرح حتى يكون عار الجسد ويلف جسده بالقماش الابيض، مع خفوت تدريجي للضوء والصوت والمؤثرات ينتهي بالعتمة التامة.
يضاء المسرح مع صورة جديدة لسينوغرافيا العرض تتكون من سرير مكسور وسط المسرح تقف عليه فزاعة مشنوقة، مرايا مكسورة على الارض، ساعة محطمة، كوؤس مرفوعة بحبال، وسادة منثورة الريش، ملابس متناثرة على الارض، الفزاعات مرمية على الارض، امام السرير ملقى عليه الرجل الملفوف بالأبيض وكانه متجه نحو القبلة.
النهاية