ننشر النص المسرحي “إعدام” للكاتب: عمار نعمه جابر
المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص
ـ
إعدام
عمار نعمه جابر
…..
الاب : هل فعلا ، مات طفلنا الوحيد !
الام : كان يجب ان تمنع حدوث ذلك .
الاب : ولكنك كنت معي ، حين اتخذت القرار .
الام : اذن لماذا لم تمنعني عن مجاراتك في قتل طفلنا الوحيد ، لماذا !
الاب : أنا لم أقدر ان أمنع حدوث ذلك ، لم يكن باستطاعتي أن أوقف حدوث هذه المجزرة !
الام : ( تتحرك ) لا اصدق نفسي ، كيف وافقتك على قتل طفلنا الوحيد !
الاب : يا الهي ، أبوان يقتلان ولدهما باختيارهما ، وبكامل قواهم العقلية ، هل يعقل ذلك !
الام : لقد نطقت بكلمة الموافقة على قتل ابن بطني . كيف وافقني قلبي على فعل ذلك ، هل يعقل هذا !
الاب : لا ادري ماذا أقول ، ولكنني في حينها ، كنت أفكر في مصلحته ، نعم ، لقد كان يتألم كثيرا ، لقد طالت آلامه كثيرا ، حتى دخل في الغيبوبة لأيام طويلة ، وهو يرقد في المستشفى .
الام : نعم ، فعلا ، انت على حق ، لقد دفعنا حبنا له كي نفعل ذلك ، لم نقصد ايذاءه ، كنا نريد له أن تتوقف آلامه .
الاب : نعم ، صدقيني ، لقد تعب من طول الألم ، تعب لكثرة الاوجاع والسهر والخوف . عيونه كانت خائفة ، ثم خارت قواه شيئا فشيئا ، حتى استسلم أخيرا ، وراح في غيبوبته الطويلة .
الأم : ( تتحرك ) لا ، لا ، نحن نكذب على انفسنا !
الاب : يا الهي ( يتحرك ) ماذا يحدث لنا ، نحن نحاول ان نبرئ انفسنا من جريمة قتل طفلنا .
الام : يا الهي ، نحن نحاول ان نصدق كذبة أن الموت لصالح الطفل ، كيف يكون الموت كذلك ، الموت لا يمكن ان يكون لصالح أحد .
الاب : ولكن ، لو أننا لم نفعل ذلك ، فربما سيلومنا حين يكبر معوقا أو مشوها ، كوننا لم نتخذ قرار موته الآن ، ربما سيموت بسبب ما فيه من عاهات ، سيموت الاف المرات ، عندها سنندم لأننا لم نفعل .
الام : ولكن ، ربما سيحدث عكس ذلك تماما .
الاب : وماذا قد يحدث في رأيك ؟
الام : قد يتماثل للشفاء تماما ، من كل أمراضه ، ويصبح معافى .
الاب : نعم ربما ، وربما يكبر ، يصبح شابا وسيما .
الام : نعم ربما ، وربما سيعشق ابنة الجيران ، وتعشقه .
الاب : نعم ربما ، وربما سيساق الى الجيش ، ويموت شهيدا في احدى معارك الوطن الكثيرة .
الام : نعم ربما ، وربما سينجو من هذه الحرب .
الاب : نعم ربما ، وربما سيستشهد في الحرب الثانية
الام : نعم ربما ، وربما سينجو من الحرب الثانية أيضا .
الاب : نعم ربما ، وربما سيستشهد في الحرب الثالثة او السادسة او الحرب المائة والثمانون .
الام : انت على حق ، سيموت حتما في احداها .
الاب : مؤكد جدا ، سيموت في احداها فهي كثيرة جدا .
الام : ولكن ، ماذا لو قدر له أن ينجو منها جميعا ، نعم قد يحدث ذلك .
الاب : ها ، نعم فعلا ، قد يحدث ذلك ، ولكن حتما سيموت ، بسبب آخر .
الام : سبب آخر !
الاب : نعم ، قد تقتله سيارة مسرعة ، يقودها شاب طائش .
الام : ربما يحدث ذلك ، وربما يحدث وهو في ريعان شبابه ، يا الهي ، سيكون حجم حزني عليه حينها ، لا يحتمل ، وجع فقد الشباب لا يحتمل .
الاب : شاب ، ووحيد ابويه ، أي ألم سيأكلنا في حينها ، الافضل لنا ، أن يموت الان طفلا صغيرا ، ولا يموت وهو في ربيع العمر ، موته الان أخف حزنا لنا .
الام : نعم ، ربما أنت على حق ( تفكر ) ولكن ماذا لو مر كل شيء في حياته بسلام ؟
الاب : تقصدين أن الحروب المائة والثمانون لم تقتله ؟
الام : نعم ، تحدث المعجزة وينجو من الحروب المائة والثمانين .
الاب : وينجو من الاف الحوادث في الطرقات .
الام : نعم .
الاب : وتقصدين أنه سينجو ، من كل الحوادث ، والمصائب ، والنزاعات ، والاعتداءات ، ومن كل المفخخات والكاتمات ، وينجو أيضا من الكره ، والحقد ، والخيانة التي تحيط بنا ، ولن يصيبه أي شيء منها ؟
الام : نعم ، تكتمل كل خيوط المعجزة ( تتحرك ) وينجو ابننا الوحيد من كل ما في هذه المدينة .
الاب : حسنا ( يفكر ) ولكن !
الام : ولكن ماذا !
الاب : ولكن ، ربما سيقتله مرضا خطير .
الام : مرض !
الاب : نعم ، مرض .
الام : يا الهي ، يال غبائي ، لم افكر في الامراض !
الاب : انت تعرفين كمية الامراض الهائلة التي تعشعش في هذه المدينة .
الام : نعم ، أعرف .
الاب : قد يفتك به مرضا لا علاج له ، ويقتله سريعا ، دون أن نستطيع إنقاذه .
الام : يا الهي ، مسكين ولدي الحبيب ، وفي أي عمر سيقتله هذا المرض ؟
الاب : لا ادري ( يفكر ) ولكن ربما بعمر الخامسة .
الام : تقصد بعد سنة من الان ؟
الاب : نعم ، بعد سنة ، فهو اليوم بعمر الرابعة مع بضعة أيام .
الام : حينها لا يستحق الامر ، عام واحد فقط ، ثم يموت ، قليل جدا .
الاب : ليس هناك فرق ، يموت اليوم ، أو بعد عام ، الفرق هو اشهر قليلة فقط !
الام : ( تتحرك ) يا الهي ، لقد احتفلت بعيد ميلاده قبل أيام قليلة ، اتذكر ، لقد تمنيت له أن يعيش مائة عام ، أن يبقى في هذه الحياة مائة عام .
الاب : يوه ، مائة عام ، اليس هذا كثير جدا على ولدي المسكين ؟
الام : لا أدري كيف وصلت بخيالي للبعيد ، البعيد جدا ، وصلت به الى عمر المائة عام .
الاب : حتما سيكون حينها شيخا ، طاعنا في السن .
الام : وفي آخر يوم من حياته ، سيكون ملقى على فراش الموت ، ويجلس من حوله ، كل احفاده الكثيرين جدا .
الاب : ربما سيبلغ عددهم العشرين فردا .
الام : ماذا تقول ، أي عشرين ، اقول لك بعمر المائة ، وأنت تقول عشرين فردا !
الاب : وكم سيكون عددهم حينها ؟
الام : أعتقد أنهم ليس أقل من اربعين حفيدا .
الاب : اربعين ! هذا رقم كبير جدا ، ماذا تظنين في ولدنا الوحيد ، هل سينجب أكثر من ستة ابناء ، هل جننت !
الام : ربما سيكون مثل خاله ، يحب انجاب الاطفال ، وربما سينجب مثله ، خمسة أولاد ، وخمسة بنات ، وكل واحد من أولاده العشرة ، ربما سينجب اربعة اولاد .
الاب : ولكنهم اصبحوا بهذه الحسبة خمسين ، وأنت تقولين أن الجالسين حول فراش موت ولدنا أربعين فردا ، وهؤلاء خمسين وليس اربعين !
الام : لا ، انت لم تفهمني ، انا اعتقد ان كل اولاده العشرة سيموتون قبله ، لأنه بقي بعمر المائة ، جميع اولاده ماتوا وهم في الستين من العمر . أحفاده الأربعين يجلسون حوله فقط .
الاب : مسكين جدا .
الام : ولماذا تقول عنه مسكين ، هل لأنه سيكون لابننا عمر طويل جدا ؟
الاب : لا ، هذه المرة انت لم تفهمي ما أقصد !
الام : وماذا تقصد اذن ؟
الاب : أقصد أنه مسكين لأنه سيشاهد بعينه ، كل أولاده وبناته يموتون أمامه ، وهو لازال حيا ، سيتألم كثيرا ، سيتألم عشرة أضعاف ما نتألمه أنا وأنت على ولدنا الوحيد .
الام : انت على حق ، سيحزن كثيرا ، ويبكي كثيرا ، ينبغي على الابوين أن يموتا قبل أطفالهم ، لماذا يحدث للآباء ان يبقوا أحياء ، بعد موت اطفالهم ، يجب أن يحسبوا حسابهم لذلك ، موت الابناء هو موت الاباء بشكل آخر ، لماذا يجب أن يعيش هؤلاء الثكالى .
الاب : ما كان ينبغي ان نسمح لأنفسنا أن نترك أبننا يموت ، ونحن أحياء .
الام : نحن لم نتركه يموت فقط ، بل نحن وقعنا على وثيقة موته بأيدينا ، وبشكل اختياري .
الاب : ولكن أنت تعلمين أن ابننا كان يعيش على دعم الاجهزة فقط ، هو بحساب الميت اصلا .
الام : ولكنه كان يتنفس ، وكان قلبه ينبض ، وقلوب الموتى لا تنبض !
الاب : لقد كان شبه ميت ، نحن فقط اوقفنا رحلة الامه ، لقد كان معلقا بين السماء والارض . الموت ارحم له مما كان فيه .
الام : لقد كنت انتظره ان يصحو من غيبوبته كل يوم ، كل ليلة كنت أنتظر أن يصحو صباح اليوم الثاني ، وكل صباح أقول ربما سيصحو في المساء . ولكن بعد أن وقعنا وثيقة موته ، ماذا سأنتظر بعد اليوم ؟
الاب : ( يتحرك ) اسمعي ، لقد كان ينتظرنا لوقت طويل ، ينتظر لكي نمنحه الراحة ، كان ينتظر أن يموت ويرتاح ، كنت أسمعه كل يوم ، صباحا ومساءا ، أسمعه وهو يتوسل الينا أن لا يبقى هنا في هذا المستشفى الفظيع ، كان يريد ان يذهب الى مكان آخر .
الام : هل تقصد أنه قد ذهب الى مكان آخر ؟
الاب : نعم ، بكل تأكيد ، ذهب لمكان آخر .
الام : وما الذي يجعلك متأكدا من ذلك ؟
الاب : لأنه ، لأنه يجب ان يحدث ذلك .
الام : وما لذي يجعلك متأكدا هكذا !
الاب : أقول لك أنه يجب أن تجري الامور بهذا الشكل ، فلم يكن ما حدث لهذا الطفل عادلا ، كلا يجب أن يكون هناك ، في مكان ما من هذا الوجود ، مكانا قد ذهب اليه ، أفضل من هذا المستشفى ، وربما قد يكون حظي هناك ، بأبوين آخرين .
الام : هل تقصد أنه سيحصل على عائلة تتبناه ؟
الاب : شيء من هذا القبيل .
الام : أتمنى ان يحبونه أكثر منا .
الاب : ( بغضب ) نحن نحبه أكثر من أي شخص في هذا العالم ، نحن أبواه ، ما لذي يجعلك تظنين أن هناك شخص يحبه اكثر منا !
الام : نعم ، أنا متأكدة أنهم سيحبونه اكثر منا بألف مرة .
الاب : لماذا تقولين ذلك في وجهي ، لماذا !
الام : لأننا لسنا سوى ابوين بائسين ، قد وقعا بكل برودة أعصاب ، على وثيقة موته قبل قليل .
الاب : ( ينهار ) أقسم لك أنني احبه أكثر من روحي .
الام : تحبه وتوقع ورقة للمستشفى ، تقول لهم بكل وحشية ، لو سمحتم أيها السادة ، لو تكرمتم ، لو تفضلتم ، اقتلوا ابني الوحيد ، أقتلوا ابني ذو الأربعة أعوام من العمر !
الاب : يا الهي ، أرجوك ، لقد كان ميتا سريريا ، هو ميت في كل الاحوال ، لقد مات منذ زمن .
الأم : أقول لك كنت أسمع نبضات قلبه ، وارى صدره يتحرك ، يرتفع ويهبط ، كان يتنفس .!
الاب : ولكن !
الام. : لقد كان أملنا الوحيد ، وربما لن نقدر أن ننجب أطفالا آخرين .
الاب : ربما ..
الام : أكاد أجن اذا فكرت بهذا الامر ، كيف ضاع من بين أيدينا .
الاب : احاول أن أقول لك ..
الام. : اذا كان لا يريد أن يبقى معنا طوال العمر ، لماذا جاءنا ورحل !
الاب : جاء اربع سنوات فقط !
الام : سنوات قليلة جدا ، لا تكاد تعني شيئا ( تتحرك ) ولكن ، ربما ، قد تعني اشياء لم ننتبه اليها جيدا .
الاب : أشياء ، أية أشياء !
الام : أشياء قد لا تحسب بحساب الوقت ، ولا تحسب بالطول والقصر ، ولكنها قد تحسب بالحجم .
الاب : لا يمكنني أن أفهمك اليوم ، أصبحت كتلة من الالغاز يا عزيزتي .
الام : أليس ما يحدث لنا ، أنا وأنت ، لغزا محير .
الاب : ما حدث لنا ، شيء فضيع .
الام : ما حدث لنا يشبه كفا كبيرة ، أوسعت باب بيتنا طرقا ، طرق قوي ومفزع ، كف تتقصد حتما أن تفزعنا ، تهزنا من الداخل ، توقظ فينا مشاعر كانت غائبة عنا . ما حدث لنا يشبه تماما ، كون كل هذا العالم بدأ يمطر عليك بغزارة ، وبوحشية ، رغم أنك جالس في داخل بيتك ، وسقف البيت موجود في مكانه . ولكن ! رغم ذلك المطر سقط علينا كالحمم ، وقع على رؤوسنا كالصخر ، لقد أوجعنا هذا المطر المجنون ، قطراته حاقدة تتعمد أن تؤذيك وتوجعك ، كبيرة وثقيلة ، وتعرفك جيدا ، تحاول أن تفزعك ، فهي تشعرك بأنها حميم متقاذف ، وليس قطرات ماء .
الاب : شعور رهيب بالوحشة ، بالرهبة ، لماذا رزقنا بهذا الطفل لأربع سنوات فقط ، من فعل بنا ذلك ، ماذا يريد أن يقول لنا ! أنا وزوجتي لم نؤذ احدا ، لم نشعر أي كائن بالحزن ، لماذا نسقى كل هذه الجرعة من الحزن ، من يريد لنا أن نتقطع من الداخل ، نذوب من الألم !
الام : اسمع ( تتحرك ) نحن ربما ، نساق بشكل مقصود الى الجنون !
الاب : لقد اصبنا بالجنون فعلا حين وقعنا سويا وثيقة اعدام طفلنا الوحيد ، نحن مجانين بشكل رسمي . كيف يعقل أن نفعل ذلك !
الام : من قد يفعل ذلك بطفل بعمر الرابعة ، من قد يقتل طفلا بهذا العمر !
الاب : نحن التعساء فعلنا ذلك ، نحن فعلنا ذلك يا عزيزتي .
الام : ارجوك يا عزيزي ، ارجوك .
الاب : ماذا تريدين يا عزيزتي ؟
الام : ارجوك جد لي حلا ، حاول ان تخلصني من هذا الإحتراق ، هذا الوجع ، أنا أم قامت بتوقيع وثيقة قتل طفلها الوحيد بنفسها ، جد لي حلا مما فعلت بنفسي !
الاب : عزيزتي ارجوك ، تماسكي ارجوك .
الام : لا استطيع أن أسيطر على نفسي .
الاب : اسمعيني جيدا يا عزيزتي ، لقد شاهدت ، حين كنت طفلا صغيرا ، أمهات في مدينتنا ، تجهز حقيبة ابناءها لتدفع بهم للذهاب للموت في الحروب ، لقد كانت هذه الامهات تجهز الحمام لهم ، تكوي ملابسهم ، تصنع لهم الكعك والحلويات وتختار لهم العطر الذي سيأخذونه معهم الى جبهات القتال . انت لست الام الوحيدة التي دفعت ابنها ليذهب للموت ، لقد كان هناك الكثير مثلك ، لا تبتأسي ، تماسكي ارجوك .
الام : كان هناك حرب ، لقد فعلن ذلك اثناء الحرب .
الاب : هذه الحياة حرب مستعرة يا عزيزتي ، حرب تأكلنا واحدا تلو الآخر .
الام : اربع سنوات قليلة جدا !
الاب : ما بعدها يجب ان يكون هو الغاية ، هو الهدف .
الام : أنا أم ، وانت تعرف معنى ذلك .
الاب : أعرف ذلك جيدا ، ولكن كمية الألم يجب أن تكون كافية لنعرف .
الأم : ( تتحرك ) كون غامض ، كأنه واد سحيق ، نحن لا نعرف حجم خوفنا وألمنا فيه !
الاب : ربما تكون معرفة الحجم الحقيقي سببا في الخلاص !
الام : اشعر بأن روحي موحشة ، الفقد فظيع . لقد أصبح العالم في عيوني ، ضيقا جدا ، بدأت أختنق ، لا استطيع التنفس ، لقد حشرت في صندوق صغير جدا ، لا استطيع أن اتنفس .
الاب : هل أنت بخير يا عزيزتي ، حاولي أن تتنفسي بهدوء .
الام : لا استطيع ، أحدهم يطبق بكلتا يديه على عنقي .
الاب : لا تفعلي ذلك بنفسك ، استجمعي قواك ، تنفسي .
الام : اريد أن أموت مع طفلي الصغير ، لا اريد أن أحيا بعده ، لا اريد الحياة بدونه .
الاب : ماذا يمكنني أن أقول لك ، وأنا يراودني ذات الشعور الذي تشعرين به !
الام : كيف أعود الى بيتي دون طفلي !
الاب : كيف أ أخذ طفلي الى المقبرة !
الام : كيف يمكنني أن أعيش بدون طفلي الوحيد .
الاب : كيف يمكنني أن ألقي بكف التراب على وجه طفلي بعد أن أضعه في الحفرة !
الام : ينبغي أن نفعل شيئا ، لا أحتمل ذلك .
الاب : يجب أن نعود ، ونرفض التوقيع على وثيقة قتل طفلنا الوحيد .
الام : نرفض التوقيع !
الاب : نعم ، يجب أن نتراجع عن موافقتنا ونمحو توقيعنا ، لكي يعود طفلنا للحياة من جديد .
الام : يعود للحياة !
الاب : نعم ، يجب أن يعود طفلنا المسكين للحياة ، نعم ، لا يصح مطلقا أن يوقع الاب على قتل طفله ، مهما كان .
الام : نعم ، هذه جريمة قتل ، لن نقتل طفلنا الصغير ، بعد أن يعود من جديد .
الاب : ولكن ! ماذا نفعل بأنفسنا حين يعود ملاكنا الصغير للحياة ، ونحن ، وبكامل قوانا العقلية ، نعود ونوقع على وثيقة إعدامه مرة ثانية يا عزيزتي !
الام : مستحيل ، كيف نفعل ذلك ، نحن نفعل ! مستحيل أن نوقع ، أن نقتل طفلنا من جديد !
الاب : أفرضي يا عزيزتي أننا فعلنا ذلك ، نحن لن نكرر فعل ذلك ، ولكن أفرضي أننا فعلنا ذلك .
الام : أقول لك مستحيل !
الاب : هو لن يحدث يا عزيزتي ، أنا متأكد أنه لن يحدث ، ولكن افرضي ذلك جدلا .
الام : ( لحظة ) سأ…
الاب : ماذا ؟
الام : سأعود ، وأمحو التوقيع من جديد ، حتى يعود طفلي للحياة ، هذا ما سيجري .
الاب : وماذا لو عدنا مرة ثالثة ورابعة ، ماذا لو عدنا للمرة الالف للتوقيع على موت طفلنا ، ماذا سنفعل !
الام : ( تتحرك ) كيف يحدث ذلك لنا ، وكأننا ندور في قعر جهنم المستعرة ، أنا وأنت في وسط نار عظيمة ، ونحن من أغلقنا بواباتها على أنفسنا بأيدينا ، والى الابد !
الاب : ( يتحرك ) ولكن !
الام : ولكن ماذا !
الاب : هل يجب أن نقتل أنفسنا ، لنتخلص من كل ذلك !
الام : نقتل انفسنا ! هل تقصد ننتحر !
الاب : نعم ننتحر ، ونلحق طفلنا الوحيد .
الام : ننتحر !
الاب : نعم .
الام : لكننا انتحرنا بكل المقاييس ، نحن قتلنا أنفسنا بالفعل .
الاب : قتلنا أنفسنا !
الام : نعم ، حين وقعنا على وثيقة إعدام طفلنا الوحيد ، نحن موتى الان يا عزيزي .
الاب : ( يتحرك ) اذا كنا نحن الشقيان ، قد وقعنا بأنفسنا على شهادة إعدامنا . ماذا يجب أن نفعل الآن !
الام : وماذا بمقدور الموتى أن تفعل لنفسها !
الاب : ربما بمقدور الآخرين فعل ذلك ، لماذا لا يمنحنا أحد فرصة أخرى كي نحاول !
الام : فرصة اخرى !
الاب : نعم ، نحن نستحق فرصة جديدة .
الام : فرصة جديدة !
الاب : نعم ، أنا ارغب في فرصة لكي أصحح بها هذا الوضع ، أتجاوز كل أخطائي السابقة ، أرمم ما قمت بتهديمه .
الام : ومن قد يمنحك فرصة أخرى في رأيك ؟
الاب : لا أعرف ، لكني متأكد جدا أنني استحق فرصة جديدة .
الام : لقد أربكتني كثيرا بكلامك هذا ، لا أدري لماذا هزني من أعماقي ، كأنه عيون تفجرت في داخلي ، عيون بماء رقراق ، صافي ، بارد ، منعش !
الاب : ( يتحرك ) في العادة ، القتلة مثلنا لن يسامحهم أحد ، الا في حالة واحدة .
الام : وما هي هذه الحالة ؟
الاب : أن نسامح أنفسنا .
الام : نسامح أنفسنا !
الاب : نعم ، اذا كنا نحن لا نسامح انفسنا ، فلن يسامحنا أحد ، يجب أن نكون نحن ، نعم نحن من يسامح ، ونمنح انفسنا فرصة جديدة ، هكذا يجب أن تجري الامور .
الام : نحن نمنح انفسنا فرصة جديدة !
الاب : فرصة واحدة فقط ، وأعدك أن تكون الامور جميعها بخير .
الام : ومن أين سنبدأ في رأيك ؟ ماذا سنفعل الآن ؟
الاب : نمنح طفلنا الوحيد السلام في قبره ، ثم نذهب للبيت ، نمنحه هو الآخر فرصة جديدة للحياة .
- ستار –