نصوص

ننشر النص المسرحي  “عمواس” أو “الغراب الذي سرق ظل الشارع” للكاتب الجزائري محمد الكامل


المسرح نيوز ـ القاهرة | نصوص مسرحية

ـ

 

مسرحية  عمواس

(الغراب الذي سرق ظل الشارع)

 

ذات1 : (منزعجة) ما لهذا الشارع ؟!
ذات2 : (نافضا الغبار عن كتاب أخرجه من مكتبته) ما به ؟
ذات1 : خال ..
ذات2 : في هذا الوقت ؟!
ذات1 : لا رجل!
ذات2 : لا رجل ؟!
ذات1 : لا امرأة!
ذات2 : لا امرأة ؟!
ذات1 : حتى الأطفال لا وجود لهم ؟!
ذات2 :حتى الأطفال !
ذات1:والقطط والكلاب والشيوخ الذين يلعبون الدومينو في أقصى الشارع
ذات2 : (في خبث)  والذين يعدون نوافذ العمارات والبيوت ..
ذات1 : لا أثر لهم ..حتى السيارة القديمة لجارنا
ذات2 : (يقلب الصفحات دون تركيز)..ما بها ..هل؟
ذات1 : على العكس ..غابت جل السيارات وبقيت هي
ذات2 : (يضحك) ..لأنها الأرض الطيبة
ذات1 : (في غضب) ..أنت تعلم أن الرجل لا يحب أن يستهزئ أحد بسيارته
ذات2 : الرجل طيب كسيارته ..لن يقول شيئا
ذات1 : لكن السيارة طال ركونها
ذات2 : ربما بها عطب؟
ذات1 : لا ..لا.. شاهدت الرجل يدخل بها الشارع آخر الليل
ذات2 : ربما هو مريض
ذات1 : ربما .. ألا تسأل عنه؟
ذات2 : لاحقا فهاتفي معطل كما تعلمين
ذات1 :(تخرج رأسها عبر النافذة) الطيـــــور التي اعتـــــــــــادت أن تحلـــــق فوق عماراتنا ..
ذات2 : ما بها ..؟
ذات1 : لا وجود لها
ذات2 : الطيور لا تحلق في الجو الممطر
ذات1 : هذا كان البارحة
ذات2 : واليوم ..
ذات1 : السماء لم تبخل علينا بابتساماتها المشرقة ..فأين هي؟..
ذات2 : تبحث عن أشياء يستحيل أن نراها
ذات1 : (في ضيق) ..ألا ترى معي أن الأمر بات محيرا
ذات2 : (ينهض من مكانه ليعيد الكتاب ثم يعاود الاستلقاء على الأريكة ليشاهد الأخبار على التلفاز) لا أظن ..
ذات1 : (في تأفف)..لا حياة هنا في هذا الشارع ..
ذات2 : (في تودد )..ألا تكفي الحياة معي ؟
ذات1 : (بعد أن تنفث من السيجارة ) أرجوك لا داعي
ذات2 : لا داعي ..لا داعي
ذات1 : لا داعي إلى السخرية والتملق
ذات2 : (يحرك رأسه في أسف)  عجبا الحياة معي سخرية وتملق
ذات1: كلانا يعرف أن الحياة بيننا حقيقتها جلية المعالم
ذات2 : جلية المعالم ..؟!
ذات1 : أخذ وعطاء
ذات2 : أخذ وعطاء..؟!
ذات1 : هي المعادلة الأزلية بين رجل و امرأة
ذات2 : المعادلة الأزلية..؟!
ذات1 : معادلة السهل الممتنع
ذات2 : السهل الممتنع ..؟!
ذات1 : أنا أعطي ما لدي من حنان وجمال وشباب وأنت تأخذ دون أن تفقد شيئا.. دون أن تعطي ..حتى رجولتك تفقدها حين توضع في النعش .. (تضحك)  ..تعطيها إلى الدود وليس إلي ..
ذات2 : (يبتسم في خبث)  أهذه هي مقاصد  معادلتك ..؟!
ذات1 : أليست الحقيقة
ذات2 : لا ألومك ..المرأة بطبعها تخشى الأفق البعيد
ذات1 : لأني لا أرى شيئا من هنا
ذات2 : والحياة في هذا الشارع ؟
ذات1 : في هذا الشارع ..الحياة مجهولة المعالم ..أشبه بالمتاهة العميقة ..تظل تبحث طويلا بداخلها عن منفذ فلا تقدر ..و أعظم ما فيها أنك لن تمل أبدا وأنت تبحث ..
ذات2 : (يعدل من وضع نظارته فوق أرنبة أنفه في كظم ) ربما ..
ذات1 : (منتشية) قلت لك إني أرى ما لا ترى
ذات2 : (يحاول أن يرفع صوت التلفاز أكثر وقد شدته الأخبار) حوت الدلفين وطيور البط عادت الى فينسيا
ذات1 : (كأنها لم تسمع) أين..؟
ذات2 : فينسيا.. إيطاليا ..الأخبار تؤكد الخبر
ذات1 : وأين كانت ؟!
ذات2 : كانت تخشى الناس
ذات1 : وأين الناس؟!
ذات2 : سكنوا منازلهم ..
ذات1 : مثلنا نحن ..
ذات2 : مثلنا نحن ..
ذات1 : (تخرج رأسها عبر النافذة) نسيت أن أقول شيئا..
ذات2 : ماذا ..؟
ذات1 : هذا الطائر ..طائر الغراب لم يسأم التحليق منذ الصباح ..رحلت جميع الطيور ولم يبق إلا هو
ذات2 : (ينتفض كالملدوغ )..غراب؟! ..غراب ؟!
ذات1 : نعم ..غراب !
ذات2 : (في هستيريا ) أغلقي النافذة ..أغلقي النافذة
ذات1 : ماذا ..مستحيل !
ذات2 : (في غضب شديد) ..السماء لن تبتسم لنا إن لم تغلقي النافذة..
ذات1 : في استنكار) كيف ..كيف ؟!
ذات2 : بصرك الثاقب لم ينتبه إلى نوافذ الشارع
ذات1 : (تدقق النظر) ..كيف لي ألاّ أنتبه ؟!
ذات2 : أسرعي قبل أن يراك
ذات1 : لكني لم أكمل سيجارتي ..
ذات2 : لم أسمع في حياتي غرابا يملك قلبا رحيما
ذات1 : (في تحدٍّ) ..وأنا لا يمكن أن أخلد إلى النوم قبل أن أتم سيجارتي
ذات2 : معتوهة ..ستجعلين طريقك مسدودا
ذات1 : (تتأمله في قلق ) ليس لأجل هذا الطائر أقف في منتصف الطريق
ذات2 : لم يبق لنا الكثير كي نصل.. أغلقي النافذة.. افعلي ما فعله الآخرون
ذات1 : لن أجبن أمام راية سوداء لا شمس لها
ذات2 : (في تودد ورجاء) من سلامة المرء أن يترك العاصفة تمر
ذات1 : عاصفة ؟!
ذات2 : ألم تستشعري الهدوء في الشارع ؟
ذات1 : (في تهكم ) أتممت تدخين خمس سجائر والسيجارة السادسة في يدي تحترق ألما .. وأنا أحدثك عنه
ذات2 : ظننته الهدوء المثالي لحياة خالية من حركة السير ..أما وإنك ذكرت  سيرة هذا الغراب فهذا ..
ذات1 : (تقاطعه في استفزاز) ماذا سيحدث إلى أولئك الذين لا يملكون في بيوتهم نوافذ..
ذات2 : (متعجبا) وهل هناك بيوتا دون نوافذ !
ذات1 : قلت لك أنا أرى ما لا تراه
ذات2 : (في امتعاض) وهل توجد حقا ؟!
ذات1 : ربما لا توجد في الكتب أو التلفاز ..
ذات2 : أين إذن ؟!
ذات1 : في الأفق البعيد الذي أخشاه
ذات2 : (يرمقها شزرا) تصرين على العبث بأعصابي
ذات1 : أنا لا أعبث ..نعم هناك بيوت عدة على مد البصر ليس لها نوافذ وربما ليس لها أبواب أيضا
ذات2 : أ لأن خلو الشارع اليوم لم يسمن ولم يغن جوعك ..تثرثرين بأشياء لا تدرك
ذات1 : و حكاية الغراب ؟!
ذات2 : الغراب شيء آخر ..
ذات1 : لا يمكن أن يكون أكثر غرابة مما تفعله الآن ..
ذات2 : هو الصندوق الأسود لتاريخ البشرية..
ذات1 : ما أكثر الصناديق السوداء ..إن شئت أعدها لك
ذات2 : أرجوك ليس الآن ..افعلي ما أمرك به ..
ذات1 : إنما هو طائر كباقي الطيور ..
ذات2 : لو تدركين ..
ذات1 : (في تهجم ) ماذا عساي أن أدرك ..
ذات2 : لن تتصوري حجم الفاجعة
ذات1 : وأنا لا يمكنني أن أتصور أن ينفذ عبر النافذة
ذات2 : قد يفعلها في غفلة منا
ذات1 : عساه يفعلها حين يلج الجمل في سم الخياط
ذات2 : (يتلعثم) إنه خادم أبولو إله الشمس ..
ذات1 : إله الشمس..؟!
ذات2 : وقد خان سيده ..
ذات1 : خان سيده ..؟!
ذات2 : ولأجله قام أبولو بوضع الغراب والدلو والأفعى في دائرة البروج ليُذكر الناس بخيانته ..
ذات1 : (ترمقه في ارتياب) الغراب.. الدلو ..الأفعى ..دائرة البروج ..

ألدرجة الهذيان تخشاه ..؟

ذات2 : (يحدث نفسه) ..أقدرنا أنت أيها الغراب
ذات1 : أكان عليك أن تتبع هواك في قراءة الكتب القديمة..؟
ذات2 : أكان علي ..أكان علي .. (يتحرك في المكان في انفعال) ..لا..    لا.. ليس الذنب ذنب الكتب …إنما هو حقيقة  ..الذنب ذنبه
ذات1 : أنا لا زلت أراه طائر كباقي الطيور .. (تضحك) ..ربما هو لم ينتبه إلى خيانة باقي الطيور ..رحلت دون أن تخبره
ذات2 : لا..  ليس طائرا عاديا..لقد خـــان أبولو وخاننا فيما سبق وسيخوننا الآن ..
ذات1 : (تتبدل سحنتها) ..الخيانة.. الخيانة ..أنا أعرف بشرا أكثر منه سوءا
ذات2 : (يحاول أن يتحاشاها) ..هو من علّم البشر الخيانة ..
ذات1 : وهو من علّم قابيل دفن أخيه هابيل
ذات2 : ربما هي حسنته الوحيدة ..
ذات1 : أنا لا أعلم لغة الطير ولا تاريخها لكن البشر ..
ذات2 : (في امتعاض يقاطعها ) البشر.. ما بهم البشر؟
ذات1 : حقا ..البشر يخشون الغراب ولا يخشون الله
ذات2 : (يطأطئ رأسه ويشد يديه)..ليته يرحل.. ليته يرحل
ذات1 : (تخرج رأسها عبر النافذة) انظر..انظر ..الأرض الطيبة تحركت من مكانها..
ذات2 : مستحيل ..ليس في مثل هذا الوقت
ذات1 : أجزم ..
ذات2 : هل تبعها الغراب ؟
ذات1 : إنه يحلق فوقها ..إنهما يبتعدان.. (تتنفس في هدوء) ..آن لي أن أكمل سيجارتي دون إزعاج
ذات2 : (في قلق) لكنه سيعود..
ذات1 : (في استخفاف) ساعتها أكون أنهيت سيجارتي وأغلقت النافذة ..     يا عزيزي ..

 

بسكرة في 26 مارس 2020


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock