نصوص

“السفينة ماتزال واقفة” نص مسرحي للكاتب العماني د. عبدالكريم بن علي بن جواد


“السفينة ماتزال واقفة”

المقدمة

عندما تتضخم الأنا فتصبح مركز الكون، مبتدؤه ومنتهاه، وعندما تتوه البوصلة عن مسار العدالة في دروب هيمنة الذات، وعندما يعمه الحوار عن الجوهر، فيعمق الغربة، ويرسخ التشتت، عندها…، تبقى السفينة ما تزال واقفة…

ربحان: أيها الأخوة من أجلكم…

         اتخذنا عدة قرارات صائبة

          للسفينة ومن أجل السفينة

          سنشكل لجنة ثلاثية

          صديقنا هيمان ومعه شبعان وأنا سنضحي بأوقاتنا الغالية…

ب حار1: ونحن أنمكث بيد خاوية؟

ربحان: لا تتعجل إنما تلك هي لجنة عالية.

         سينبثق عنها لجان متتالية.

         لجنة يديرها شبعان لشؤون التغذية.

         ولجنة أخرى لشؤون النوخذة راعية.

         ولجنة لشؤون الإبل والماشية…

فهمان: ولكننا في جزيرة خالية…

ربحان: إنها نظرة للمستقبل واعية

         ولجنة لشؤون الحضر

        وأخرى لشؤون البادية

        ولجنة للإعلان والدعاية

        ولجنة لتصميم شعار وراية…

فهمان: (بسخرية)… وأخي المفقود حمدان…

ربحان: سنشكل له لجنة

          في جلسة ثانية…

فهمان: عشرون لجنة باسم السفينة ساعية

         والسفينة كما هي في مكانها جاثية….

 

   هذا العمل المسرحي كان البداية الحقيقية لي ككاتب ومخرج مسرحي عام 1988م، بعد ارهاصات أولية نثرت هنا وهناك، وهو العمل المسرحي الذي كان له شرف تمثيل السلطة في أول مشاركة رسمية خارجية لها، في المسابقة المسرحية لشباب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في الشارقة في دولة الإمارات العربية المتحدة، عام 1988م، وقد حقق حينها عدة جوائز ولقى صدى طيبا، ولكن قبل هذا وذاك اخترت هذا العمل لأنه أثير لدي بما يختزله من عفوية ومصداقية واندفاع.

“السفينة ما تزال واقفة”

مسرحية في مدخل استهلالي وسبعة مشاهد

تأليف: عبدالكريم بن علي بن جواد

مدخل استهلالي:

     أصوات غناء بحارة في سهرة ليلية على ظهر سفينة تشق بهم عباب البحر… الغناء ينم عن تفاعل البحارة وانسجامهم مع دقات الطبول…

    فجأة يتوقف الغناء… ويشتد تدريجيا صوت الريح والرعد، ثم صوت انهمار المطر بزخات كثيفة، ويتناهى إلى السمع هدير العواصف، وتلاطم أمواج البحر في جو من الفاجعة والصراخ والعويل ينقلب إليه حال بحارة السفينة…

فهمان: ما هذا؟ اشعر أن الجو قد تغير…

هيمان: نعم، هذه علامات عاصفة قادمة نحونا…

شبعان: الأمطار بدأت تهطل بغزارة…

بحار1: الأمواج تلطمنا بشدة…

ربحان: السفينة صارت تتمايل…

فهمان: يا إلهي…

بحار2: السفينة تدور… تنحرف…

النوخذة: يا رجال، كل يثبت في مكانه…

ربحان: فقدنا السيطرة على السفينة تماما يا نوخذة…

بحار3: لقد هلكنا يا نوخذة…

بحار4: السفينة صارت تحت رحمة الأمواج…

شبعان: يا رب ارحمنا…

هيمان: يا رب أنقذنا…

النوخذة: لا تستسلموا يا رجال… شدوا العزم… أمسكوا بالدفة…

فهمان: لا أمل يا نوخذة… لا أمل …

هيمان: ضاع كل شيء…

ربحان: الأمواج ترطمنا من كل صوب… السفينة تكاد تغرق…

النوخذة: (بصوت جهور)… لا يا رجال… لا تستسلموا… ولا تنحنوا… (يزداد صوت العاصفة مصحوبا بالبرق والرعد)…

بحار5: كان الله في عوننا…

بحار6: فليرحمنا الله…

النوخذة: لا تيأسوا… لا تقنطوا… هيا …

هيمان: إن العاصفة تُسَيٍرُ السفينة على غير هدى…

فهمان: الظلام يطبق علينا… الهلاك قريب…

بحار7: يا الله… النجدة… النجدة…

بحار8: يا لله… من لأولادي من بعدي…؟

بحار2: اللهم اكشف عنا هذه الغمة السوداء…

بحار5: اللهم نجنا من هذا البلاء…

بحار1: قال لي أخي إنك عريس جديد لا تخرج مع السفينة… لم أسمع له … لم اخذ بكلامه.

هيمان: (متهدج الصوت) عندما خرجت كان أبي غاضباً علي…

فهمان: (شاب) هذه أول رحلة لي… لم أكن اعرف أنها ستكون الأخيرة أيضا.

بحار3: يا لله… شدة العاصفة تزداد…

بحار7: انتهى أمرنا… يا الله…

بحار1: يا الله… حمدان سقط في البحر… حمدان… حمدان…

فهمان: أنقذوا أخي حمدان…

بحار7: يا الله… يا منجي من المهالك… يا الله… سقط النوخذة…

بحار8: يا الله… يا الله…(غوغاء وارتباك شديدان).

ربحان: انظروا يا رجال… ألا ترون… هذه جزيرة صخرية…

فهمان: السفينة تتجه نحو الجزيرة…

بحار4: سترتطم بالصخور… ستتحطم…

(السفينة ترتطم بقوة بصخور الجزيرة جانحة بما تبقى منها نحو الساحل الصخري وسط صراخ وعويل البحارة المتصاعد).

المشهد الأول:

   الوقت مازال ليلاً… أصوات الرعد والأمطار والعواصف مازالت تجلجل المكان… البرق يضئ المكان بشكل مفاجئ ويختفي بلمح البصر.

   المكان جزيرة صخرية نائية… تظهر السفينة مرتطمة محطمة على ساحلها الصخري لاسيما الجزء الأمامي منها… تدريجياً تهدأ العواصف، وينقشع الظلام مع انبلاج نور الفجر… فتبدو الأشلاء المحطمة من السفينة أكثر وضوحا وقد انتثرت على صخور الجزيرة…

كما تظهر جثث بعض البحارة ساكنة بلا حراك، وآخرون ما زالت بهم بقايا روح وقد تناثروا في أنحاء الجزيرة متخاذلين منهكين…

النوخذة: (وهو يفيق من هول الصدمة)

آه … ما هذه الآلام التي تنتابني؟

التعب… أهلكني التعب… الوهن… هدني. (ينظر إلى ساقيه)

آه ساقاي… إنهما لا تتحركان.

اشعر أن الخمول شل كل جسمي…

لم الظلام منتشر في كل مكان؟

أم أن النور قد فارق عيني؟

ما الفرق كله أضحى سواء؟

ما الفرق كله أضحى سواء؟

كانت لي ساقان…

وكانت لي عينان…

وكانت عندنا سفينة…

على السفينة رجال

عيونهم لم تكن ترى غير الآمال…

تحدوا الأسفار…

ركبوا الأهوال…

ولكن البحر غدار…

عاصفة تائهة…

ريح مجنونة…

ضربت سفح السفينة…

ضاعت السفينة…

ضاعت آمال الرجال…

السفينة عانقت المجهول…

فأضحى كل شيء حطاماً… وبعض حطام…

أشلاء… وبعض أشلاء…

هيكل سفينة…

ووجوه رجال…

كانت عندنا سفينة…

على السفينة رجال…

عيونهم لم تكن ترى إلا الآمال…

تحدوا الأسفار…

ركبوا الأهوال…

ولكن البحر غدار… غدار…

(يزداد انتشار الضوء… وعلى صوت أغنية بحرية حزينة يقف البحارة… واحد تلو الأخر… كل منهم يتحسس جسمه ومواضع آلامه…)

ربحان: أيها الرجال… هل أنتم جميعاً بخير…؟

أصوات البحارة: نعم … نعم… الحمد لله…

هيمان: أين نحن… ما هذا المكان الذي وصلنا إليه؟

ربحان: إنها الجزيرة… الجزيرة الصخرية…

(يسمع صوت بكاء جانبي)

ما هذا البكاء؟ …

شعبان: انه فهمان … (يهم الجميع نحو فهمان).

هيمان: ماذا بك يا فهمان هل أنت بخير؟

فهمان: (وهو يواصل البكاء) أخي… أخي حمدان…

هيمان: ماذا جرى لحمدان؟ …

شعبان: ألا تذكر، لقد أكله البحر…

ربحان: هذه هي الدنيا… اخذ وعطاء… بيع وشراء.

هيمان: أحسن الله عزاك في أخيك يا فهمان… لا عليك نحن هنا كلنا إخوة لك.

فهمان: (يتحدث كالأطفال وكأنه أصيب بهوس) … لا…لا…لا…

           أريد أخي حمدان… لابد أن تأتوني بأخي حمدان … (يجري مسرعاً).

           حمدان أين أنت يا أخي … عد لي يا حمدان…. عد يا أخي… حمدان… حمدان…

هيمان: مسكين فهمان…

ربحان: كلنا مساكين في هذه الجزيرة النائية…

شعبان: نعم سيقتلنا الجوع والعطش.

هيمان: فلنفكــــر… فلنتأمل… ما هذا؟ إنها زوجة النوخذة وابنته… (مشيراً إلى امرأة مستلقية على الأرض متألمة وفتاة إلى جوارها تحاول أن تسعفها).

ربحان: مسكينة لقد سقطت مجهدة من تعب الحمل وهول الصدمة.

شعبان: لقد أتى بها النوخذة معنا كي يعرضها على الأطباء لعلاجها… فقد قالوا له أن حملها متعسر….

ربحان: (للفتاة) كيف حال أمك؟ …

الفتاة: مازالت أنفاسها تتردد…

ربحان: حسناً… خذي أمك إلى الداخل… داخل السفينة حيث الحريم واعتني بها جيداً…

الفتاة: ولكن…

ربحان: بلا لكن… النساء مكانهن في الداخل … دعي تقرير الأمور للرجال …هيا ادخلي.

الفتاه: (وهي منصرفة نحو السفينة تلتفت نحوهم) ولكن أين أبي؟

أصوات البحارة: أبوك… أبوك…؟

الفتاه: نعم … النوخذة … (تنصرف الفتاة وأمها) …

اصوات البحارة: نعم … النوخذة… أين النوخذة…؟

 الجميع: (اداء غنائي وحركي وهم يبحثون عن النوخذة) …

           يا نوخذة … أين أنت يا نوخذة …؟

           أين أنت عنا في هذه الجزيرة الموحشة؟

           نحن أبناءك البحارة… تائهون … ضائعون …

           كل منا يبحث عن دليل يرشده…

           عن منارة …

           عن طريق يعرفه…

           وأنت منارتنا… يا نوخذة…

فهمان: (يصفق في عمق المسرح عند راس النوخذة) … ها هو النوخذة…

         لقد عثرت على النوخذة…

         (الجميع يجرون نحو النوخذة) …

بحار4: إنه فعلاً النوخذة…

بحار2: يا نوخذة …

بحار5: أأنت بخير يا نوخذة؟

         (الجميع يرفعون النوخذة الى مقدمة المسرح)

هيمان: إنه في حالة إغماء …

شعبان: هيا طببوه… عالجوه… (يعمل بعضهم على تطبيب النوخذة)

ربحان: انثروا على وجهه ماء… لعلة يفيق… انجدوه…

هيمان: ها هو بدأ يفيق… بدأ يحرك شفتيه…

         هلموا تحلقوا حوله… أنصتوا إليه…

المجموعة: (غناء وأداء حركيا)

             يا أبانا… يا رجانا…

             يا ظل الأمان…

             يا رمز الحكمة المبصرة…

             يا عزيمة الشجعان.

             لا تخذلنا …

             فقد جار علينا البحر بالطوفان… بالطوفان.

النوخذة: (وقد افاق وبدأ يحرك جسمه)

           أبنائي ما خبر السفينة… لا تخفوا عني خبرا…

           ما الذي حل بكم… ما الذي جرى…

           أنبئوني كيف أضحى بكم الدرب متعثرا؟

           وما لخشب المركب متناثرا؟

           وما لخدود الرجال تعانق الثرى؟

شبعان: ألا ترى يا نوخذة ألا ترى.

          حالنا لا يرضي أحبة ولا يسر عدا…

النوخذة: أخبروني بما جرى…

          عيناي ما عادتا تبصران شيئا.

هيمان: أضرير أصحبت يا نوخذة… وأنت الأمل المرتجى؟

النوخذة: ساقاي هدهما الوهن…

           فما عادتا تتحركان أبدا…

ربحان: ومشلول أيضا يا لخيبة الرجا…

النوخذة: تمهلوا… فما أزال أملك لكم تحدثا…

          ورأيا صائبا…

          وفكراً لا يناله البلى…

          وخبرة سني الورى…

ربحان: (مقاطعاً النوخذة) … النوخذة مرهق… لا تدعوه يكثر التحدث.

شعبان: نعم أنصفوا الرجل، فللرجل حق علينا ان ينصف…

النوخذة: اسمعوني…

ربحان: فيما بعد سيكون لنا موعدا…

 النوخذة: انصتوا إلي…

ربحان: غداً… ان شاء الله غدا…

شبعان: هيا يا رجال احملوا النوخذة…

          داووه… عالجوه… اصنعوا له كرسيا متحركا…

النوخذة: اسمعوني… (وهو محمول على الاكتاف الى الخارج)

المجموعة: فيما بعد سيكون لنا موعدا…

النوخذة: انصتوا إلي…

المجموعة: غدا… إن شاء الله غدا…

(تخرج كل المجوعة تحمل النوخذة على الاكتاف فلا يبقى على المسرح سوى فهمان وهيمان وشعبان وربحان) …

فهمان: …مسكين النوخذة… النوخذة مسكين…

          كان حمدان يحب النوخذة… والنوخذة يحب حمدان…

          (يضحك بسخرية وألم)

شبعان: فهمان أضحى مجنوناً…

         وأنت يا هيمان على اي حال ستكون…؟

هيمان: السفينة واقفة… والنوخذة مشلول… ونحن ضائعون…

شبعان: وما ترانا صانعون…؟

هيمان: وهل لنا إلا أن نصلي لله ضارعين…؟

ربحان: كلا… لا اريد ان اكون في عداد اليائسين…

         لابد من عمل مكين…

شعبان: قل يا ربحان ما الذي تنويه؟ لعلنا نساعد أو نعين…

ربحان: أنا يا شعبان سأجوب هذه البرية، سأنقب عن كل غنيمة، وأجمع كل ما له قيمة…

         فبالثروة يصبح لي شأن… وأصبح في الجزيرة من المالكين…

شعبان: اما أنا فقصدي ببطني رهين… هدني الجوع…

         سأبحث لي عن صيد ثمين… يسد رمقي ورمق الجائعين…

         (يهمون بالانصراف) …

فهمان: أأنتم منصرفون؟

        والسفينة امرها لمن توكلون…؟

        النوخذة حماها بنور العيون…

        وحمدان ذاق من اجلها المنون…

        وأنتم عنها منصرفون…؟

ربحان: أمكث أنت حيث الحطام…

         والله صدق من قال عنك مجنون…       (ينصرفون)

فهمان: لست مجنوناً …انا أخو حمدان …وحمدان لم يكن مجنونا…

        (تدخل المجموعة وهي تحمل النوخذة جالساً على مقعد خشبي فيما يشبه النعش) …

النوخذة: ريح مجنونة

          نكبت القلوب الميمونة

          عجزت عنها العزيمة

          شلت الأيادي

          ظلت الوجوه مشدوهة

          والريح تعصف

          تضرب

          تقصف…

          قلوب الرجال تخفق

          تشفق

          ترفق

          عيونهم زائغة

          قواهم خائرة

          والريح المجنونة تعصف…

          تعصف.

بحار3: النوخذة بدأ يخرف.

المجموعة: يا لطيف ألطف يا لطيف.

بحار7: يقول ما لا يعرف ولا نعرف.

المجموعة: يا لطيف ألطف يا لطيف.

النوخذة: كفى هراء… كفى كلاما … أين ربحان؟

فهمان: راح ينشد مالا…

النوخذة: اين شعبان؟

فهمان: راح يطلب طعاما…

 النوخذة: اين هيمان؟

فهمان: راح يستلهم خيالا…

النوخذة: ما بالكم ما الذي فرق جمعكم؟ تبا لكم … تبا لكم…

بحار8: استرح يا نوخذة أنت مريض.

النوخذة: مرضى هو تفرق أمركم … تشتت رأيكم…

          شفائي في جمعكم… في السفينة عندما تمضي بكم…

          اسمعوني أثاب الله رحمكم…

بحار1: تكلم يا نوخذة… نحن نسمع… نحن نفهم…

النوخذة: يا رجال…

بحار2: (مقاطعاً)…هذا هو ربحان قادم…

          (الجميع ينصرفون عن النوخذة، ويجتمعون حول ربحان)

بحار7: هل وجدت مالا…؟

بحار6: هل عثرت على شيء ذي قيمة …؟

ربحان: لا شيء… لا شيء على الإطلاق… انها جزيرة جرداء…

         (ينكمش البحارة كل منهم منصرف إلى ناحية)

النوخذة: اسمعوني…

بحار3: في وقت آخر…

بحار2: ها هو شبعان قادم… (الكل يجتمع حول شبعان)

بحار8: ها يا شبعان أعدت خالي الوفاض؟

شبعان: إنها جزيرة خالية، لا إنس فيها ولا حتى جان…

النوخذة: دعوني أقول لكم…

بحار4: (مقاطعاً) دعنا في همنا يا نوخذة الآن…

بحار6: هيمان… ها هو هيمان قد وصل… (الجميع يلتفون حولة)

بحار3: أوجدت شيئا؟

هيمان: سحر الطبيعة يضفي على الجزيرة جمالاً

         والسكون يثير نهم الخيال…

بحار7: خيال… وماذا نصنع بالخيال…؟

بحار2: خيال… الم تجد شيئاً غير الخيال؟

النوخذة: يا قوم…

ربحان: فيما بعد يا نوخذة، فيما بعد… دعنا الآن نفكر في أمرنا…

شبعان: لم أعد احتمل الجوع… سأموت…

هيمان: فلنفكر…

ربحان: أما زلت تريد أن تفكر؟ … لقد انتهى أمر التفكير… وحان أمر التدبير.

بحار4: قل ربحان ونحن ننفذ…

بحار1: نعم تكلم…

بحار6: لا اختيار لدينا هيا تحدث…

بحار8: هيا لا وقت لدينا… هيا …

ربحان: (بعد أن يعتلي صخرة مرتفعة)

           إخواني في هذه الجزيرة النائية

           مدوا الي يداً فاني امد لكم يدي…

المجموعة: (تصفيق… واستحسان)

ربحان: انظروا في وجه النوخذة.

           تأملوا قسماته الأبية

           استلهموا آثار السنين الماضية

           لا يغركم جلوسه على كرسيه…

           تعلموا جرأة الأقدام منه…

           اقرؤوا على زنده تاريخ الفروسية

           خذوا منه باع الحكمة

           وأنهلوا من رفده العبقرية

           انظروا إلى هذا الرجل

            فهو الذي يجب أن نتمثل به في أزمتنا الحالية.

بحار8: أحسنت

بحار1: نطقت بالحكمة الحقيقية…

بحار2: عظيم…

بحار5: كلماتك جوهرية…

النوخذة: هلا سمحتم لي بالحديث هنيئة…؟

ربحان: راع صحتك يا نوخذة… ولا تتعب طاقتك الذهنية…

هيمان: دعه يتحدث… دعنا نسمع هديه…

شبعان: نعم…  ما رأي النوخذة… لم يبد النوخذة بعد رأيه.

ربحان: (ينزل إلى هيمان وشبعان) أصمتا… وسيكون صمتكما دينا علي أؤديه…

         (يرجع صاعداً إلى مكانة مخاطبا الجمع من جديد).

         ولكن يا قوم الرجل مرهق

         أقعدته عنا عله مرضية…

         مصابنا به عظيم…

         ولكن، هكذا شاءت الإرادة الإلهية

        إلا إننا لن نغفله تاجاً على رؤوسنا

        ونبراساً ينير لنا البرية

        نستلهم منه الحكمة العلية…

        فما كان شاغل النوخذة…؟ ها؟

        إنها قضية السفينة ليس غيرها قضية…

النوخذة: ألا تعيروني قليلاً أذانكم الصاغية…

شعبان: فيما بعد يا نوخذة… عندما تعود لك العافية…

ربحان: نعم يا إخواني تلك هي قضيتنا…

         السفينة الهاوية

         لن يغفو لنا جفن

         حتى تمضي بنا السفينة غادية

         حان أوان العمل

         حان أوان العطاء

         حان أوان التضحية

         فامسحوا الدموع من عيونكم الباكية…

 هيمان: ماذا تريدون…؟

 المجموعة: نريد أن نرى السفينة بنا غادية…

هيمان: ماذا تريدون؟

 المجموعة: نريد أن نرى السفينة بنا غادية…

ربحان: نعم كلنا للسفينة…

         والسفينة لنا غاية خالدة.

فهمان: وأخي حمدان… هل ستعود الدماء في عروقه جارية.

شبعان: لا وقت لدينا…

         لا تهبط عزيمتنا بالمهاترة…

هيمان: ماذا تريدون…؟

 المجموعة: نريد أن نرى السفينة بنا غادية…

هيمان: ماذا تريدون…؟

 المجموعة: نريد أن نرى السفينة بنا غادية…

ربحان: أيها الأخوة من أجلكم…

         اتخذنا عدة قرارات صائبة

          للسفينة ومن أجل السفينة

          سنشكل لجنة ثلاثية

          صديقنا هيمان ومعه شبعان وأنا سنضحي بأوقاتنا الغالية…

بحار1: ونحن أنمكث بيد خاوية؟

ربحان: لا تتعجل إنما تلك هي لجنة عالية.

         سينبثق عنها لجان متتالية.

         لجنة يديرها شبعان لشؤون التغذية.

         ولجنة أخرى لشؤون النوخذة راعية.

         ولجنة لشؤون الإبل والماشية…

فهمان: ولكننا في جزيرة خالية…

ربحان: إنها نظرة للمستقبل واعية

         ولجنة لشؤون الحضر

        وأخرى لشؤون البادية

        ولجنة للإعلان والدعاية

        ولجنة لتصميم شعار وراية…

فهمان: (بسخرية)… وأخي حمدان…

ربحان: سنشكل له لجنة

          في جلسة ثانية…

فهمان: عشرون لجنة باسم السفينة ساعية

         والسفينة كما هي في مكانها جاثية

شبعان: كلنا للسفينة… والسفينة لنا باقية.

النوخذة: فكروا … فكروا يا أبنائي… فكروا بالسفينة الراسية…

ربحان: (مقاطعاً) وهل لنا قصة ثانية، كلنا للسفينة والسفينة لنا

        باقية…

شعبان: فلنضع نصب أعيننا

          حديث السفينة الهاوية

          في كل جلسة في كل ركن في كل زاوية…

هيمان: هيا لننصرف للعمل كل منا في ناحية

         عاقدين العزم بهمة عالية

          وادعوا للنوخذة بالشفاء والعافية.

المجموعة: بارك الله لنا أبانا النوخذة

              جعل الله أموره ميسرة

              فك عنه كربته

              حقق له غايته

              (يهمون بالانصراف)

النوخذة: يا رجال…. يا رجال … اسمعوني يا رجال …

             (كلهم ينصرفون ولا أحد يصغي)

          تلك هي النهاية كاملة

          كانت عندنا سفينة

          وعلى السفينة رجال

          ريح مجنونة ضربت سفح السفينة

          عانقت السفينة المجهول

          أضحت السفينة حطاماً… أو بعض حطام

          أضحى الرجال… أشلاء… أو بعض أشلاء

            هيكل سفينة…

            ووجوه رجال…


المشهد الثاني

الوقت: ليلاً…

المكان: نفس المكان…

(النوخذة مستلق على كرسيه في مكانه القصي وأبنته تقف أمامه تتحدث إليه).

الفتاه: أبي…

        أنصت إلي

        أمي بخير

        ستصبح أبا عما قريب

        سيأتي فلاح…

        فلاح الذي كنت تحلم به

       وسنناديك يا أبا فلاح

      جاء أبو فلاح… راح أبو فلاح

      أبي

      أتسمعني

      الرجال جادون

      يبحثون عن مخرج لأزمتنا

      أبي…

      ألا ترد علي…

      أنا ابنتك

      منك

      من صلبك

      أبي ……………… (يدخل كل من ربحان وشبعان)

ربحان: (لشعبان) ما الذي أتى بهذه الفتاه في هذه الساعة؟

شبعان: جاءت تعاود أباها…

ربحان: هيه… أنت… ماذا تفعلين هنا…؟

الفتاه: كما ترى وتسمع…

ربحان: النساء مكانهن في حجرة الحريم…

        الم أطلب منك أن تمكثي هناك…؟

الفتاة: ولكنة أبي…

       والكارثة تحيط بنا جميعاً….

ربحان: القرار للرجال… هيا إلى حجرتك…

الفتاة: أريد أن أعرف…

شبعان: تعرفين ماذا…؟

ربحان: لا دخل للنساء في أمور الرجال… هيا إلى حجرتك…

         (تمضي الفتاة إلى حجرتها يتأملها ربحان وهي منصرفة)

         (ثم لشبعان) أصبحت هذه الفتاة امرأة مكتملة…

شبعان: تذكر إنها ابنة النوخذة…

ربحان: اقصد إنها تصلح أن تكون زوجة ناضجة.

شبعان: نعم زوجة لشاب في سنها…

ربحان: الرجل رجل في كل مكان وزمان… إنما العمر مهم للنساء فقط…

شبعان: (مغيرا مجرى الحديث) أنظر النوخذة نائم…

ربحان: دعه يستغرق في سبات وهناء…

النوخذة: بل هو الشقاء، يكبت على نفسي الشقاء

          فما لي إلى النوم سبيل…

          بيني وبينه جفاء…

ربحان: لم يا نوخذة…

         ألا يرضيك أن نعمل جميعا بهمة الرجال الأقوياء…

النوخذة: للعطاء أساس… ما قام بدون أساس بناء…

          تجاهلتم نصحي… وأنا لكم خير النصحاء.

ربحان: تمهل سيكون لك دورك دون إرجاء…

         وهون عليك فلا يأخذنك في نفسك كبرياء…

هيمان: (وهو مقبل نحو ربحان)

         ربحان … ربحان…

         الرجال حزينون

         ضاعت جهودهم هباء

         إنها جزيرة جرداء

         ما للطير فيها عش، ولا للذئب عواء…

ربحان: نعم… ولكن الرجال يجب أن تعمل بلا انكفاء فعطلهم لنا بلاء…

شبعان: إلى متى سنظل جياعا…؟

         إلى متى على حالنا تلك سنحتمل بقاء…؟

ربحان: لو كان معنا مال لما عُزنا إلى الحل اهتداء.

شبعان: مال… وما نفع المال في هذا العراء؟

ربحان: كنا استعرنا من كل سفينة مارة في الأرجاء، من يصلحون لنا عطب سفينتنا بلا عناء.

هيمان: ومن أين يأتنا المال في هذا القفر، في تلك الأرض الخلاء.

         (يزداد الظلام ويسمع من العمق صوت مبهم)

ربحان: ما هذا… اسمع صوتا في الخفاء…

            (يزداد الصوت وضوحاً مع ضحكات مسترسلة)

هيمان: الصوت… الصوت يقترب انه يزداد جلاء…

         (تظهر حورية البحر، نصف امرأة ونصف سمكة، بشكلها الهلامي البهي، ومنظرها

          الجميل الأخاذ، وبريقها الذي يعشي العيون بما ينبعث منه من شعاع، تواصل الحوري

          الضحك)

شبعان: ما هذا…؟ لقد حانت والله ساعة القضاء.

        (الحورية تواصل ضحكاتها بغنج)

ربحان: هيا نهرب… علنا نفلت من هذا البلاء…

          (يهم الجميع بالهرب كل من ناحية)

الحورية: تمهلوا أيها الغرباء…

           أنا حواء … أتخيفكم حواء…؟

           (يتراجع ثلاثة عن الهرب)

ربحان: أأنت من صنف النساء؟

الحورية: أنا في صورة حواء…

           حلم تجلى من ذرات الهواء

           أنا الحورية

           تجوب الأرض والسماء…

           اخرج من بيتي في عمق عمق الماء…

           للبشر … من البشر أضناه الشقاء….

           عندي أبواب الرخاء…

           أنا للضائع نور وضياء…

           للعليل دواء وشفاء…

           للظمآن ارتواء…

           أنا حورية البحر…

           أسعدكم بها اللقاء…

ربحان: وأنا…

الحورية: أنت ربحان… لا تحلم إلا في الثراء…

ربحان: يا الله … أوصلت شهرتي للسماء.

الحورية: لا تخش شيئاً

            أمرك مجاب.

           أطلب ما تشاء

ربحان: ما أشاء… ما أشاء…؟

الحورية: ما تشاء…

ربحان: أريد مالاً… مالاً كثيراً

         وذهباً… ذهباً أصيلا

         وليس لي غير ذلك رجاء….

الحورية: لن تضيع آمالك هباء….

           هاك المال والذهب اغترف منه ما تشاء…

(تهبط من أعلى أحمال ممتلئة بالذهب والأموال يغترف منها ربحان كل ما يستطيع… ثم ترفع)

الحورية: (متجهة إلى شبعان) …. وأنت…

شبعان: أنا شبعان إنما هو اسمي وبطني خواء…

         أريد طعاماً لذيذاً أكله صباحاً ولا أمله في المساء…

         يبقى معي طويلاً…

         شتاءً وصيفاً…. ومن ثم شتاء…

الحورية: ما ضاعت أحلامك هباء…

          (تهبط أحمالا من أعلى ممتلئة بألوان الطعام)

          اغترف منها ما تشاء… اغترف منها ما تشاء…

          (يغترف شبعان منها كل ما يستطيع وتواصل الحورية ضحكاتها)

          (ثم ترتفع الأحمال)

الحورية: (مقتربة من هيمان) وأنت يا هيمان…

هيمان: نعم… سيدتي الحسناء

الحورية: حسناء… أنا حسناء

           ما كنت أحسبك من الظرفاء…

           هيا… سارع… اطلب…

           فوقتي يوشك على الانتهاء

هيمان: لا تكلفي نفسك العناء…. !!!

الحورية: مر… ودع عنك الكبرياء…

هيمان: أنت حلمي…

        أنت ما أشاء…

        وأنت الرجاء…

الحورية: هذا محال…

           بيني وبينك ألف حجاب وحجاب…

           أنا من عالم وهمي، وأنت من تراب…

           فكيف يكون بيننا لقاء…؟

هيمان: أريدك أنت… وكل أمر دونك سواء…

 الحورية: مسكين يا صاحبي.

            مالك وهذا الشقاء.

            ألوثة العشق حلت بك …

            وأصابك من الهيام داء …؟

هيمان: أنت المنى…

         أنت الضياء …

         أنت العطاء…

         امكثي معي ما شاء لك البقاء…

الحورية: ما لأحد علي اقتناء…

           إني ماضية…

           فقد حان رحيل المساء…

           ولا أحسبني إلا عازمة على الاختفاء…

           راجع شأنك…

           ألا ترغب في أمر يجعلك من السعداء؟

هيمان: لا ترغب نفسي زاداً…

         ولا يغريني من الدنيا ثراء…

         إن كان لابد

         فامنحيني للذكرى منك رداء…

الحورية: رداء؟ … لك ما تشاء…

           (يهبط رداء من أعلى يأخذه هيمان فيتدثر به)

           هيا… وداع

هيمان: أما بعد هذا لقاء؟

الحورية: (تضحك) العلم عند رب السماء.

          (تختفي الحورية… يجري هيمان نحوها)

هيمان: حورية…  حورية…

         أناديك… ردي على النداء

         اطمع بالوصل منك

         فتجازيني بالجفاء.

المشهد الثالث

ربحان: (معتليا الصخرة، المجموعة من حوله، والنوخذة في مكانه القصي على كرسيه)

          يا قوم

          لقد كنا فقراء فمن الله علينا بالثروة.

شبعان: وكنا جياعاً… فوهبنا الله أطعمة شهية وحلوة…

هيمان: (هائما)… وحورية… وجه ملاك…

         وعيون ساحرة… يا لها من حظوة.

ربحان: وأزيد فرحتكم فرحة

         اليوم تمت لي الخطبة على بنت النوخذة

          التي ستصبح لي زوجة…

المجموعة: (تصفق فرحة)

ربحان: هيا تمتعوا بالخيرات ما شئتم

         ولا تنسوا الدعاء لأبينا النوخذة…

الحورية: بارك الله أبانا النوخذة…

           جعل أموره ميسرة…

           فك عنه كربته…

           حقق له غايته….

النوخذة: كفوا عن هذه البربرة…

          ألسنتكم تدعوا لي… وقلوبكم تدعوا علي…

ربحان: (مهدئاً) لا تغضب يا نوخذة

          أنت الخير والبركة…

         (للمجموعة) هيا ابنوا له داراً عامرة…

بحار: كيف ونحن لا نملك المواد اللازمة…؟

ربحان: ولكننا نملك قطع الذهب المدورة (ينثر عليهم الذهب)

          السفن المارة بنا كثيرة…

          تحمل مؤنا وفيرة

          اشتروا منها ما شئتم من ذخيرة…

بحار: فكرة صائبة…

بحار: فكرة وجيهة…

ربحان: هيا إلى التنعم…

         فهذا يوم التمتع لا غيره…

(المجموعة فرحة ترقص وتغني، بينما يبكي النوخذة بصمت)

المجموعة: (تغني وترقص) أموال … أموال

             ذهب لا يكيل بمكيال

             فتحت أبواب العطاء

             طعام … شراب… كساء

             يا أرض ارقصي

             يا سماء ابشري

             يا لنا من قوم سعداء

             سعداء… سعداء….

هيمان: (غناء في وسط المجموعة)

         جاءت الحورية … محبة وسلام

         يهطل الخير منها كالغمام

         يا سعد… يا وعد… يا دنيا الأحلام

          يا فرح… يا انس… يا وجد الأيام…

المجموعة: أموال… أموال

             ذهب لا يكيل بمكيال

             فتحت أبواب العطاء

             طعام … شراب … كساء

             كل ما نشاء… كل ما نشاء

             يا أرض ارقصي

             يا سماء ابشري

             يا لنا من قوم سعداء

             سعداء… سعداء

فهمان: (باكياُ)… كفى يا قوم

         كفى… كفى يا قوم…

شبعان: ما بك يا فتى؟ .

بحار6: لعله خشي…

          ألا يكون له نصيبا من الذهب… فبكى…

بحار8: صغير أنت يا فتى…؟

ربحان: ولكن لن يضيع وجودك معانا سدى…

         أعطوه ذهباً… هيا أعطوه ذهباً… (ينثرون عليه قطع الذهب).

فهمان: (مواصلاً البكاء) … لا… لا.

         ليس هذا ما أريد أبدا… أبدا…

         (يجري نحو الخارج تاركاً الذهب والمجموعة)

ربحان: لا عليكم يا قوم

         انه مازال على موت أخيه متألما…

         سينصلح أمره غداً

         هيا لا يفوتكم اليوم تمتع…

        (تبدأ المجموعة كلها بالانسحاب إلى الخارج)

المجوعة: أموال… أموال

            ذهب لا يكيل بمكيال

            فتحت أبواب العطاء

            طعام … شراب … كساء

            كل ما نشاء… كل ما نشاء

            يا أرض ارقصي

            يا سماء ابشري

            يا لنا من قوم سعداء

            سعداء… سعداء

ربحان: وأنت يا هيمان

         ألن تأتي معنا نقضي ساعات لهو وهناء.

هيمان: أنا … كلا … كلا …

           سأمكث ها هنا

          أرنو نحو السماء

          ارقب المنى …

ربحان: لا أحسدك على حال يا رفيقي

          فقد نال منك الهوى

          شغلتك الحورية عن نفسك

          وعما بنا

          فما عدنا نراك الا فؤادا متيما

          ووجهاً دامعاً

          وأخشى ما أخشاه

          بعشق الحورية أن تفجع…

هيمان: دعني فاني لا أرى لا أسمع…

         غير وحي الحورية إذا ما سرى…

ربحان: حسناً… سيكون لنا فيما بعد لقاء…

هيمان: أتمضي مودعاً…

ربحان: لا أريد أن أكون بينك وبين الحورية متطفلا.

         هيا إلى اللقاء… (يمضي ربحان)

هيمان: (ينظر حوله في وحدته يبحث عن الحورية)

         اذكر انه…

         كان لي، في يوم، قلب مجنون

         يعشق في ثانية

         ويحلق في رحاب الكون

         يبيع للدنيا همها

         ويشتري كل ما بها من مجون

         يعيش الحب ناسكا

         في محراب الجمال مفتون

         غافلته الأيام

         وما أقسى الأيام إذ تخون

         ضاع الفرح

         تلاشى الحلم

         انتشر السكون

         سكون… سكون

         كل ما حولي سكون

         سكون في الأحاسيس

         سكون في الوجوه

         سكون في العيون

         سكون… سكون

  ……………………………………………….

         فجأة ظهرت حورية

         تجود بالأحلام والوعود

         بالعطايا والورود

         منهل طيبه بلا حدود

         ابتسامة يهنأ بها الوجود

         وقلب رقيق ودود

         في عينها سحر

         يختفي ردحاً ويعود

         إيه يا حورية…

         كيف نمضي معاً؟

         وكل ما حولنا سدود

         كيف نحلق؟

         وكلانا مكبل بالقيود

        عالمك البحر…  الوهم

        وعالمي أرض الجدود

        أيمكن أن يكون للهوى

        بيننا وجود…؟

        إيه يا حورية

        لقد نفذ الصبر

        لقد وقف العمر

        ترى أتعودين؟

        والروح إلى تعود…؟

(تظهر فتاه بملابس أوربية مع معطف أزرق وشعر أشقر، هي ذاتها الحورية بمظهر جديد)

المندوبة 1: مسكين أنت يا صديقي… مسكين…

هيمان: من…؟ من أنتِ… الحورية؟

المندوبة 1: أنا مندوبة سفن البحار العالية…

هيمان: والحورية… أين حوريتي؟

المندوبة 1: لدينا في سفن البحار العالية من الحوريات أنواع وألوان.

هيمان: صحيح؟

المندوبة 1: عندما تزورنا ستتأكد بنفسك…

هيمان: إذا… هيا… هيا خذيني معك…

المندوبة 1: لا أستطيع… لأنني جئت إلى هذه الجزيرة…

              في زيارة قصيرة.

              وإذا أخذتك معي…

             سيقولون إني اختطفك…

هيمان: إنها فعلاً مشكلة …

المندوبة 1: لا تهتم لكل مشكلة حل …

هيمان: ها… وما الحل…؟

المندوبة 1: الحل يسير… وفي يدك التيسير…

هيمان: كيف…؟

المندوبة 1: لقد عرفتُ أن سفينتكم معطوبة…

              وبحاجة إلى تصليح.

هيمان: هذا صحيح…

المندوبة 1: كل ما عليك أن تقترح على صحبك أن يستعينوا بخبير من سفن البحار العالمية.

هيمان: وبعد ذلك …

المندوبة 1: بعد ذلك سنبعث لكم خبيراً لبيبا…

              وسنأخذك عندنا في زيارة ودية…

هيمان: ودية…؟

المندوبة 1: نعم… لتختار أجمل حورية…

هيمان: أجمل حورية…

المندوبة 1: ها… ماذا قلت…؟

هيمان: لا نختار خبيرا

         إلا من سفن البحار العالية

         لا نختار خبيرا

         إلا من سفن البحار العالية…

         (تختفي الحورية وبينما يهم هيمان بالانصراف تظهر الفتاة بنت النوخذة مستوقفه إياه)

الفتاه: هيمان…

هيمان: الحورية…

الفتاه: لا… أنا الواقع، الحقيقة لا الوهم…

هيمان: لم أعد أميز بينهما.

الفتاة: لذلك… صرت تنسى كثيراً…

هيمان: أنسى…؟ أنسى ماذا…؟

الفتاة: نسيت الوعد الذي سعيت له عند أبي…

هيمان: الوعد…!!!

الفتاة: وقفت طويلاً عند باب أبي حتى وافق…

هيمان: آه… قصدك انه أعطاني وعدا بالنظر في مسألة زواجنا بعد الرحلة…

الفتاة: يبدو إنك لم تعد بحاجة إلى هذا الوعد…

هيمان: الحقيقة…

الفتاة: الحقيقة… إنك وقفت صامتاً خانعا خاضعاً وأنت تسمع ربحان يعلن خطبته علي…

هيمان: إنها خطبة مؤقتة… عندما يشفى النوخذة…

         ستعود كل الأمور إلى نصابها…

الفتاه: عجيب أمرك … قلت لي ذات يوم إنني كل شيء في حياتك…

        واليوم ترضى أن أكون خطيبه لغيرك.

       على أي حال…

        لست بحاجة لك…

        أنا اعرف كيف احمي نفسي…

        أنا ابنة النوخذة…

       (تنصرف الفتاة ويظل هيمان مذهولا صامتا)

المشهد الرابع

 (في نفس المكان … النوخذة في مكانة القصي… وفهمان يقف أمامه)

فهمان: يا نوخذة

          يا أبي

          يا أبانا كلنا

          لم أنت صامت …؟

          لم تتوه منك الكلمات …؟

          لم لا تجيب بغير الدموع والآهات…؟

          انطق

          تحدث

          أيمكن أن يتحول التاريخ إلى صنم اخرس…؟

          أيمكن أن يصبح التراث أعمدة جوفاء…؟

          يا أبانا تحدث

          همومنا تكبر…

          مصائبنا تكثر

          وأنت مازلت صامتاً

          تصبر… وتصبر…

          آه من المرض…

          أيهدك المرض، وأنت مازلت حياً…؟

          أيشل المرض لسانك وعطاءك…؟

          وأنت الينبوع الذي لا ينضب…

          كيف لي إلى المرض من سبيل…

          لأقضي عليه…

          أو لعلة يقبلني عوضا عنك…

(تظهر فتاة بملابس أجنبية… هي مظهر ثالث جديد من الحورية، عليها معطف أحمر وشعر أسود) ….

المندوبة 2: عندنا شفاء لجميع الأمراض…

فهمان: عندكم… من أنتم… من أنت…؟

المندوبة 2: أنا مندوبة من سفن البحار الدانية.

فهمان: سفن البحار الدانية… وماذا تريدين…؟

المندوبة 2: جئت أعرض عليك المساعدة…

             عندنا خيرة الأطباء لعلاج كل الحالات…

             وعلاج النوخذة عندنا ايضا…

فهمان: حقيقة …؟

المندوبة 2: كل الحقيقة… ولكن…

فهمان: ولكن ماذا…؟

المندوبة 2: أنت تعرف أننا لا نستطيع أن نأخذ النوخذة هكذا…

              لابد أن نبني علاقات بيننا طيبة.

فهمان: نبني علاقات… قولي كيف…

        وبأي صفة هي؟ .

المندوبة 2: عندكم سفينة معطوبة

             وعندنا خبراء إصلاح سفن

             اقترح على صحبك ان يطلبوا منا خبيرا…

فهمان: نطلب منكم خبيرا لإصلاح السفينة…؟

المندوبة 2: فنصلح السفينة…

             ونعالج النوخذة…

فهمان: تعالجون النوخذة…!!!

المندوبة 2: ها… ماذا قلت…؟

فهمان: لن نطلب خبيراً… إلا من سفن البحار الدانية…

         لن نطلب خبيراً… إلا من سفن البحار الدانية…

المندوبة2: همتك معنا

             إلى اللقاء…

فهمان: إلى اللقاء… (تختفي المندوبة) …

فهمان: (يودع المندوبة ثم يتوجه إلى النوخذة)

         ابشر يا نوخذة

         غداً ستشفى

         غداً سيتجدد الأمل

         ونبدأ من جديد أسطورة العمل

         غداً سنشمر عن سواعدنا

         ونسبح بحبات العرق

         غداً سينطلق شراعنا عاليا

         مبحراً نحو الأهل

         غداً سينزاح بهم الليالي

         بنور فجر غال

         غداً يا نوخذة

         أنظره… فانه آت …

         (يقترب فهمان من النوخذة ويعانقه)

(تدخل المجوعة مع شبعان، وقد بدت عليهم معالم الثراء والترف… كروشهم مترهلة… ملابسهم فاخرة… تزين أيدهم الخواتم والسبح ذات الأحجار الكريمة الثمينة… شبعان بيده طعام يأكل منه…) …

المجموعة: (تؤدي المجموعة ذات الأغنية بحركات راقصة بطيئة وثقيلة) …

             أموال … أموال

             ذهب لا يكيل بمكيال

             فتحت أبواب العطاء

             طعام … شراب … كساء

             كل ما نشاء… كل ما نشاء

             يا أرض ارقصي

             يا سماء ابشري

             يا لنا من قوم سعداء

              سعداء… سعداء

شبعان: (مقترباً من فهمان) فهمان

         دع النوخذة

         لا تزعجه…

فهمان: اتركوني معه.

شبعان: (يسحب فهمان) هيا اترك النوخذة.

         وخذ نصيبك من الغذاء…

      (يشير إلى المجموعة فيدخل اثنان يحملان صينية ممتلئة بالأرز وذبيحة كاملة من اللحم)

         هيا كُلْ من هذا الطعام… ما أروعه…

فهمان: (يحملق بالطعام)

         كل هذا الطعام ما أكثره…؟

شبعان: انه لك بأكملِه…

فهمان: وأنتم…؟

شبعان: سبقناك بوجبات عدة…

         في الفجر وجبة

         وفي الصباح وجبة

         وفي الظهيرة وجبة

         وبعد الظهيرة وجبة

فهمان: (هازئا)…لا … حقا لا يبدو أنكم قد قصرتم مع أنفسكم البتة…

         ما كان ينقصكم إلا أن يكون بين كل وجبة ووجبة وجبة…

شبعان: أراك تتحدث إلينا بلهجة ساخرة…

فهمان: يا ناس ارحموا أنفسكم

         أبدانكم مترهلة

         كروشكم مكتظة

         ارحموا بطونكم من التخمة

شبعان: إننا لا نأكل إلا قدر طاقتنا…

         فلم هذه النقمة…؟

         هيا… التهم طعامك

         فما تذكر عند الطعام الحكمة…

فهمان: لا … فما عادت نفسي تشتهي اللقمة…

شبعان: أواثق إنك لا تريد طعاماً…

 فهمان: كل الثقة…

شبعان: (إلى المجموعة) … هيا ارفعوا الطعام

           كل منا أدرى بشأنِه.

          (المجموعة ترفع الطعام وترمي به في البحر)

فهمان: (باهتمام) ماذا فعلوا…؟

شبعان: رموه في البحر… (يضحك)

        (محدثاً المجموعة) يبدو أن الفتى قد غير رأيه…

        (محدثا فهمان) لا تخشى … إذا كنت جائعاً لدينا غيره…

فهمان: لقد كفرتم والله بالنعمة…

شبعان: أوه…أعدت إلى هذه النغمة

        (إلى المجموعة) والله لن يدنو الطعام من فمه…

بحار: هذا ربحان قادم…

        وهذا هيمان معه…

شبعان: ما أبهى طلعته.

المجموعة: (ينســــحب فهمان إلى جوار النوخـــــذة بينما تؤدي المجموعة لوحة تعبيرية حركية احتراما لربحان الذي يقبل منتفخا متصنعا العظمة حيث يعتلي منصة الخطابة، ثم يدخل من بعده هيمان حيث يقف في ركن مواجه للنوخذة وفهمان)

           ربحان … ربحان …

           نشكر الله جزيل النعمة

           بك حقق كل منا أمله

           ربحان… ربحان…

           مقدم السعد مقدمة

           نور… نور… بدد العتمة

           الخير في يمناه

          وما حادت عنه الميسرة

          ربحان… ربحان…

          عشت يا ربحان

          شمساً غير آفلة

          ربحان… ربحان…

          عشت ذخرا

          ما حييت تقيم الدعاء للنوخذة…

         (في هذه الأثناء تدخل الفتاة ابنة النوخذة)

ربحان: (موجهاً كلامه للفتاة) … ها… هل وضعت زوجة النوخذة…؟

الفتاة: كلا…

ربحان: (آمرا) إذا هيا ادخلي… ما الذي أخرجك من الخباء…

         هيا ادخلي…. ادخلي…

الفتاة: جئت أستفسر عن أبي النوخذة…

ربحان: إنه بخير… قلت لك ادخلي…

الفتاة: وأستفسر عن أمر الخطبة…

ربحان: لقد تمت خطبتك… وانتهى الأمر…

الفتاة: ولكن لم يسألني أحد عن رأيي…

ربحان: أمر الفتاة عند ولي أمرها…

الفتاة: هل وافق أبي النوخذة…؟

ربحان: النوخذة مريض… وأنا الآن ولي أمرك… وقد وافقت…

الفتاة: ولكنني غير موافقة…

ربحان: غير مهم… فالخطبة من مقتضيات المصلحة العامة…

         هيا ادخلي ولا تخرجي ثانية…

الفتاة: سأدخل… ولكنني سأخرج غداً في ظل النوخذة…

       ليعرف كل منا قدر نفسه… (تمضي الفتاة نحو الداخل)

ربحان: (وقد اعتلى الصخرة) …

         يا قوم أن جهودي المتفانية

         ليست عليكم بخافية

         ها أنتم اليوم أصبحتم في هناء وعافية

         ومزيداً من الخيرات في الطريق إليكم آتية

         أخبروني ما الذي ينقصكم…

         وسيكون عندكم في التو والثانية…

         (المجموعة تنظر إلى بعضها البعض)

بحار 1: سترتي يا ربحان سقط منها زرار…

          فهل زودتموني بزرار…؟

ربحان: ليس لدينا زرار… بل تأخذ سترة جديدة…

         أي لون تختار.

صوت 1: آ … آ … آآ … أحمر … لا … لا   أصفر

           لا… لا…  بل أبيض به بعض اخضرار…

ربحان: (ضاحكاً) لك سترة من كل لون حتى لا تحتار…

صوت1: لك الثناء في الدنيا

          ولك الثواب في دار القرار

صوت2: وأنا يا ربحان… مزاجي تكدر…

           مجداف قاربي قد تكسر

           سقط منه مسمار ربما أكثر

           فنحن ثلاثة شبان في الدار… أنا بينهم الأصغر…

ربحان: لك مجداف جديد

         ولكم ثلاث قوارب أخر…

صوت2: لك الشكر الجزيل، ودمت للخير مصدر…

فهمان: (صارخاً باكياً)

         يا أبي تكلم

         كاد الصخر من حالنا ان يتألم

         أتعلم حالنا …؟ لا تعلم …؟

         تكلم… أرجوك تكلم… (يواصل بكاءه)

ربحان: مالك فهمان تبكي والكل يتبسم…؟

          أفي نفسك غاية…؟ … سنحققها …

          هيا قل… تكلم…  ؟

   فهمان: (محدثاً المجموعة) … يا قوم …

           لا تغركم كثرة النعم …

           عن فاجعة المحن…

           السفينة أضحت حطاما.

           والعمر توقف به الزمن

           نحن إلى الأهل مشتاقون

           فلا تشغلكم عن الأهل فتن

           ما لنا حياة في هذا العراء

           إنما الحياة في أرض الوطن…

المجموعة: (المجموعة يتهامسون وكأنهم فاقوا من غفوة)

بحار1: كلامك حقيقة …

بحار2: الأهل.

بحار4: الوطن.

بحار5: هم الغاية بلا ريبة.

المجموعة: كلامك حقيقة.

               الأهل.

               الوطن.

               هم الغاية بلا ريبة.

بحار4: السفينة ما تزال وقفة.

المجموعة: السفينة ما تزال واقفة.

شبعان: (متداركا الأمر) كلنا للسفينة.

         والسفينة لنا باقية.

المجموعة: (في ذهول لا ترد…) …

ربحان: (مؤكداً) كلنا للسفينة…

          والسفينة لنا باقية…

المجموعة: (بفتور) كلنا للسفينة

             والسفينة لنا باقية…

ربحان: يا قوم… من قال… إنا نسينا السفينة…؟

         من افترى علينا… فرية خبيثة…

         لجنتنا الرزينة… قامت بدراسة مكينة…؟

         لقضية السفينة…

         وبذلت جهوداً حثيثة

         لعرضها في وثيقة

         في مؤتمر سفن البحار العالية

         وفي مؤتمر سفن البحار الدانية.

فهمان: البحار العالية…؟ البحار الدانية …؟

         وسفينتنا هنا جاثية

         في هذه الجزيرة النائية…

ربحان: بل وفي المجلس العام للسفن قاطبة

          وقد ناقش المجتمعون القضية

           وصفقوا لها تصفيقا مدويا…

المجموعة: هيه … هيه … (تصفق بفرح)

شبعان: (يواصل حديث ربحان) وعقدت من اجل القضية مأدبة عمل سخية.

         غداء وعشاء… وغداء وعشاء

          من الأيام ثمانية…

فهمان: يا لها من جهود مضنية…

شبعان: لا عليك…

         أنا مستعد إذا كانت لديك قضية ثانية…

فهمان: والنتيجة… والخلاصة…؟

ربحان: أجلَ المؤتمرُ الموضوع للسنة القادمة…

         وكون عدة لجان عاملة

         لجنة للدراسة

         ولجنة للكتابة

         ولجنة للمناقشة

         ولجنة للمهاتفة

         تنبثق منها عدة لجان متتابعة…

فهمان: والنتيجة والخلاصة…؟

ربحان: سننتظر… لابد أن يأخذ الموضوع مجرياته…

فهمان: (متهكما) ننتظر… يا لها من نصيحة ممتازة…

ربحان: ما لي أراكم تكثرون الحديث بدون فائدة…؟

         أشيروا علي وستكون اقتراحاتكم نافذة…

فهمان: نأتي بخبير من السفن المارة… لإصلاح السفينة.

المجموعة: (همسات) خبير… خبير

بحار5: إنها لفكرة رشيدة…

بحار4: إنها لفكرة مفيدة…

هيمان: الخبير… نعم هذا هو الحل…

         إنها لفكرة صائبة….

        لا أدري كيف كانت عنا غائبة…

بحار1: هيه … أخيرا نطق هيمان

        لقد منَ الله عليه بالعافية…

بحار4: (مقترباً من هيمان) أمتأكد إنها فكرة صائبة؟

         انه يتحدث عن خبير آت…

         وليس عن حورية آتية…

هيمان: نعم لا بد أن نجلب خبيراً لإصلاح السفينة الجاثية…

         وأرى أن يكون الخبير من سفن البحار العالية….

فهمان: لا… لا… أنا أعرف خبيراً داهية…

         من سفن البحار الدانية…

هيمان: نعم… ولكن التطور أكثر في سفن البحار العالية…

فهمان: بل إن خبرة السفن تختص بها البحار الدانية.

هيمان: علاقاتنا أفضل بسفن البحار العالية.

         ألستم معي يا أخواني …؟

المجموعة: (نصفها ينضم إلى هيمان) نعم سفن البحار العالية.

فهمان: إن علاقاتنا مع سفن البحار الدانية… علاقات مثالية…

المجموعة: (نصفها الأخر ينضم إلى فهمان) نعم سفن البحار الدانية…

هيمان: خبرة البحار العالية

         رخيصة ليست غالية.

مجموعة هيمان: خبرة البحار العالية

                   رخيصة ليست غالية.

فهمان: خبرة البحار الدانية…

        حرص ودقة متناهية…

مجموعة فهمان: خبرة البحار الدانية…

                   حرص ودقة متناهية…

(تدخل المجموعتان، واحدة على رأسها هيمان، والأخرى على رأسها فهمان في محاورات ومناقشات عنيفة سرعان ما تتطور إلى تداخل بالأيدي…)

هيمان: لا خبير إلا من سفن البحار العالية…

مجموعة هيمان: لا خبير إلا من سفن البحار العالية…

فهمان: لا خبير إلا من سفن البحار الدانية…

مجموعة فهمان: لا خبير إلا من سفن البحار الدانية…

هيمان: لا خبير إلا من سفن البحار العالية…

مجموعة هيمان: البحار العالية…

فهمان: البحار الدانية…

مجموعة فهمان: البحار الدانية…

           (هرج ومرج وتدافع بين المجموعتين، وحوارات بلهجة حادة)

مجموعة هيمان: البحار العالية…

مجموعة فهمان: البحار الدانية…

مجموعة هيمان: البحار العالية…

مجموعة فهمان: البحار الدانية…

ربحان: (متدخلاً بين المجموعتين) … كفى… كفى…

          كفى نزاعات سقيمة… سنحل الأمر بوسائلنا سليمة…

فهمان وهيمان: كيف…؟

ربحان: سنشكل لجنة جديدة…

         تبحث الأمر… وتوافينا بالنتيجة.

فهمان وهيمان: لجنة جديدة… يا للمصيبة …

المشهد الخامس

 (المجموعة كلها تقف بانتظار الخبير – فهمان يجلس عند النوخذة)

بحار1: لا أرى أثرا للخبير…

بحار6: انتظر سيصل بعد قليل…

بحار2: لقد مضى وقت طويل على ذهاب هيمان…

بحار4: لا بد انه عثر على حوريته فنسى الخبير والسفينة…

بحار8: الآن موعده… سيصل هيمان ومعه الخبير…

شبعان: (داخلا) ها… هل وصل الخبير …؟ (وهو يأكل)

بحار7: ليس بعد…

شبعان: لا تقلقوا… سيصل… حتماً سيصل (ينظر إلى فهمان)

         فهمان تعال معانا ننتظر الخبير…

فهمان: إن شاء الله لن يأتي…

شبعان: لماذا…

فهمان: لقد عرضت عليكم خبيراً جيداً من سفن البحار الدانية… ولكن….

شبعان: ولكن اللجنة اختارت الخبير الذي عرضه هيمان…

فهمان: ولكنه ليس الأفضل…

شبعان: المهم انه سيصل ويصلح لنا السفينة…

فهمان: آمل ذلك

ربحان: (داخلاً)… الم يصل الخبير بعد… (يعتلي منصته)

أصوات: ليس بعد… ليس بعد …

ربحان: هل أعددتم كل شيء لاستقبال الخبير…

المجموعة: كل شيء جاهز…

فهمان: (بتهكم) حتى أمتعتنا جاهزة للسفر… بعد إصلاح السفينة طبعاً…

ربحان: نعم… نعم… لا تتعجلوا… كلها يوم أو اثنان…

         سنصلح السفينة… ونعود بها إلى بلادنا… لا تتعجلوا…

بحار3: هذا قارب آت من بعيد…

بحار7: هذا هيمان ومعه رجل غريب…

ربحان: انه ليس غريباً إنه الخبير يا عبيط …

أصوات المجموعة: … هيه … هيه …

                      وصل الخبير … وصل الخبير…

(المجموعة: الكل يحضن بعضه بعضا وتبادلون القبلات وهم يرددون غناء وبحركة تعبيرية راقصة)

جاء الخبير

هل الخبير

جاء الخبير

يحدوه الخير الوفير

الشكر الكثير

لربي القدير

جاء الخبير

جاء بالأمل

الحلم اكتمل

هيا للعمل

جاء الخبير

غداً نسير

غداً نحلق

غداً نطير

إلى الأهل

إلى الوطن

إلى الفرح الكبير

جاء الخبير

هيا يا رجال

شدوا الحبال

عدوا الرحال

غداً ينتهي الموال

جاء الخبير

هلً الخبير

يحدوه الخير الوفير

الشكر الكثير

 لربي القدير

جاء … جاء الخبير …

شبعان: ها هو قد اقترب… هيا تجمعوا لاستقباله …

         (المجموعة تتجمع باتجاه البحر لتستقبل الخبير)

بحار6: يا له من خبير وسيم…

بحار7: تبدو عليه معالم الذكاء…

بحار8: يا غبي انه خبير… هل تريده أن يكون إنسانا عاديا مثلنا…

بحار2: ملابسة… انظروا ملابسة… إنها رثة…

بحار1: إنها متسخة …

بحار3: إن خبراء سفن البحار العالية يحبون البساطة…

بحار1: ليس له أمتعة سوى سلة قش صغيرة…

بحار8: هذا تواضع…

بحار5: المهم انه سيصلح لنا السفينة…

بحار3: ها هو قد اقترب…

بحار8: وصل … وصل…

       (يدخل الخبير بملابس جينز رثة وخلفه هيمان)

المجموعة: (تصفق مهللة مرحبة بالخبير) هيه… هيه…

ربحان: أيها الخبير قدمت أهلا… وحللت سهلا…

الخبير: شكراً… شكراً…

ربحان: لقد انتظرناك طويلاً… فازداد شوقنا لك كثيراً …

المجموعة: (تؤكد كلام ربحان) هيه… هيه… نعم…

ربحان: وكل ما نأمله أن يتم إصلاح السفينة على يدك…

            وبرؤيتك السديدة…

الخبير: هذا أكيد… هذا أكيد…

هيمان: هيا أفسحوا المجال للخبير ليرتاح…

         ربما يريد أن ينام…

شبعان: ربما يريد طعاماً… سأعطيه طعاماً… (يقدم له تفاحة، فيلتهم الخبير التفاحة)

بحار4: نريد أن نسمع الخبير…

بحار2: دعوه يتحدث إلينا…

بحار1: نريد أن نعرف كيف سيصلح السفينة…

ربحان: تفضل يا خبير تحدث للناس…

الخبير: ها…

ربحان: تحدث للناس…

الخبير: كيف …؟ هل هذا مكتوب في العقد…

هيمان: (هامسا للخبير) لا تفشلنا أمام الناس هيا تحدث لهم…

         (يدفعه إلى منصة ربحان، فيعتليها الخبير ويتبعه هيمان)

الخبير: آ. آآآ… أوه… ئيه…

بحار8: ماذا يقول…؟

هيمان: انه يقول السلام عليكم بلغة بلده…

الخبير: هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

         أخواتي الأعزاء… شكراً لكم…

هيمان: (متداركا) يقصد أخواني الأعزاء شكراً لكم…

المجموعة: (فرحة) هيه… هيه…

الخبير: هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

         إخواني … أنا… جئت… هنا… من… أجل …أن …

         أصلح…… البهيمة …

هيمان: يقصد السفينة… تصفيق… تصفيق… (المجموعة تصفق) …

           (للخبير) السفينة يا خبير وليس البهيمة…

الخبير: آه … صحيح… هيمان يقول صح… هيمان فاهم… جدا…

         (ثم لربحان) لا … غلط… بهيمة غلط… أنا أريد أن أقول سفينة…

           من هذا الذي قال بهيمة … أنت بهيمة…

ربحان: ماذا…؟

الخبير: أوه… أقصد أنت قلت بهيمة… بهيمة غلط…

هيمان: (متداركا الأمر) يقصد أنك أنت فهميه… يعني فاهم… فاهم…

ربحان: هاه فهمت …

الخبير: هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

         أنا أريد أقول لكم… أنتم ناس…

         أنا لكم صديقة…

شبعان: صديقة وقت الضيقة…

         (المجموعة تضحك) …

الخبير: قدمت إلى هنا… من أجلكم… أنا أحبكم أنتم… جدا حبيباتي…

بحار4: حبيباتك… هذا خبير…

        أم شاعر غزلي…

        (المجموعة تضحك) …

هيمان: (لنفسه) أوه هذا الخبير سيحرجنا…

         (للخبير)… يا خبير… قل الكلام الذي لقنتك إياه بالقارب طوال الرحلة…

الخبير: أوه صحيح… هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

هيمان: لا… لا… لا اقصد هذا… المقطع الثاني… المقطع الثاني…

الخبير: أوه تذكرت… أنا ما جئت هنا إلا من أجلكم…

         نعم حبيباتي…

هيمان: أرجوك لا داع لحبيباتي…

الخبير: نعم لا داع لحبيباتي…

هيمان: أوه… لا عليك… واصل… تذكر الكلمة المهمة التي أكدت لك عليها…

الخبير: أوه صحيح… هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

هيمان: لا ليست هذه… الكلمة المهمة التي بعدها…

الخبير: اوه … تذكرت…

         كلنا للبهيمة والبهيمة لنا…

المجموعة : ها …؟

هيمان: السفينة يا أخي السفينة … أرجوك…

الخبير: أوه صحيح… هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

         والله العظيم…

         كلنا للسفينة والسفينة لنا….

المجموعة: (تصفق) هيه …

الخبير: أنا ما جئت هنا من اجل الفلوس… أنا عندي فلوس كثيرة… أنتم لا تنظروا إلى ملابسي…

         أنا عندي بدل كثيرة… نعم كثيرة… (لهيمان هامسا) أنـــــت اشتريت لي بدلا…؟

         (هيمان يومئ له بالإيجاب، فيتحول عنه ليتحدث للمجموعة بثقة أكبر)

         أنا عندي بدل كثيرة… نعم… كثيرة جدا… انا عند فلوس كثيرة … كثيرة… كثيرة …

         (لهيمان بصوت منخفض) أنت كم تقول الراتب…؟ …

هيمان: ألفا قطعة ذهبية في الشهر…

الخبير: (لهيمان) زد قليلاً… هذا لا يكفي…  فالمهمة صعبة كما ترى…

         (للمجموعة)… لا ليست الفلوس مهمة… المهم البهيمة…

هيمان: يقصد السفينة… السفينة…

المجموعة: هيه (تصفيق)…

الخبير: أنا في الحقيقة… لا توجد لدي طبلات…

هيمان: طلبات… طلبات…

الخبير: هيمان يقول صح أنا ليس لدي طلبات…

          أنا أعرف طوابعكم…

هيمان: طباعكم… ظروفكم…

الخبير: هيمان يقول صح… ظروفكم… أنا أعرف ظروفكم…

         أنا أعمل أنتم تعملون معي… حتى تكسبوا خبرة…

         غداً أنا أرحل أنتم تعملون وحدكم…

المجموعة: (فرحة تصفيق) هيه …

             عاش الخبير…

             أحسنت يا خبير…

الخبير: كما قلت أنا لا توجد لدي طلبات…

         أريد فقط بيتاً صغيراً به خمسة عشر حجرة…

         وخمسة قوارب، واحد للعمل، وواحد للرحلات

         وواحد لزوجتي… وواحد للأولاد …

         وواحد للسوق عند الاحتياج…

ربحان: ابشر يا خبير كل طلباتك مجابة…

الخبير: أنا أيضا لدي واحد طبلات…

هيمان: طلبات يا خبير… طلبات…

الخبير: هيمان يقول صح… هيمان فاهم جداً…

         لكن أنا خجل…

ربحان: لا تخجل يا خبير… لا تخجل… اطلب ما تشاء…

الخبير: العمل عندكم صعب… لا بد أن يساعدني أحد…

المجموعة: نحن كلنا نساعدك…

الخبير: … لا… لا… أنتم ستساعدونني أكيد…

           لكن أخي أيضا لابد أن يساعدني…

ربحان: لا تقلق… سنجلب أخاك…

الخبير: وابن عمي… أيضا…

ربحان: وابن عمك أيضا…

 الخبير: وابن خالي…

ربحان: وابن خالك…

 الخبير: وابن ابن خالك…

ربحان: وابن ابن خالك…

الخبير: وجاري…

ربحان: وجارك…

الخبير: (يتذكر) ……………….و ………………….

هيمان: (للخبير) كفى فقد جلبت العائلة كلها…

الخبير: حسناً… هؤلاء فقط… لا غير… هذا يكفي…

        والآن حبيباتي … هيا إلى العمل…

        لا تضيعوا الوقت هيا إلى… البهيمة…

هيمان: السفينة…

الخبير: أوه… صح… السفينة…

(تتجه المجموعة كلها إلى السفينة، بينما يتجه الخبير وخلفه هيمان إلى الجهة المعاكسة)

ربحان: إلى أين يا خبير السفينة من هنا…

الخبير: لا عليكم… اعملوا… اعملوا بجد…

          سآخذ حماماً شمسياً ثم أعود إليكم…


المشهد السادس

 (نفس المكان)

(حوار ساخن بين مجموعة فهمان ومجموعة هيمان)

فهمان: مر يوم واثنان وشهر وشهران….

        ولم تتصلح السفينة… وأخشى أن ينقضي العمر كله ولا تتصلح السفينة…

هيمان: لمن توجه كلامك هذا…؟

فمهمان: للذي أتانا بهذا الخبير التعيس الذي لا يعرف الدفة من المجداف…

هيمان: (متحد) تجاوزت حدودك… (يمسك به بعض أصحابه)

         على أي حال ربحان على وشك الوصول…

          وهو سيحل الأمر…

بحار7: (من أصحاب هيمان)

        الذنب ليس ذنب الخبير… السفينة بها عطل كبير…

        وقد بذل الخبير قصارى جهده…

بحار2: (من أصحاب فهمان) أي جهد هذا…؟ لم نرى أي نتيجة له…

بحار7: (من مجموعة هيمان)

        أن قلوبكم ليست على السفينة بل على خبير من سفن البحار الدانية…

بحار5: (مجموعة فهمان)

        أفضل من خبيركم الذي أتانا من سفن البحار العالية بخبرة بالية…

بحار6: (مجموعة هيمان)

       على الأقل عندما أتانا لم نكن نعرف شيئاً عن عطل السفينة والآن نعرف ما هو العطل…

بحار4: عندما أتانا كان شحاذاً وكنا نملك ثروة… فقدنا نصف الثروة وأصبح هو مليونيراً…

(يزاد اللغط بين المجموعتين، وتقترب المجموعتان من بعضهما البعض حتى يصبحا على وشك الصدام فيما بينهما)

هيمان: قل لجمعك أن يكفوا… وإلا لقناكم درساً لن تنسوه…

فهمان: بل قل لربعك ان يصمتوا بعارهم فما جلب العار عليكم سوى أيديكم…

        (تهم المجموعتان بالقتال إلا أن دخول ربحان يوقفهما)

ربحان: ما هذا يا قوم… ألا تكفوا عن المهاترات التي تضيع علينا الوقت والجهد…

فهمان: البركة في الخبير…

هيمان: لا تتحدث عن الخبير…

ربحان: كفى… لقد طلبت الخبير… وهو قادم إلينا الآن…

        (تهدأ المجموعتان في ذات الوقت الذي تدخل فيه الفتاه ابنة النوخذة)

ربحان: هل وضعت زوجة النوخذة…؟

الفتاة: كلا ولكن بدأت تعاني آلام الوضع… حالتها صعبة…

ربحان: امكثي معها في الداخل…

الفتاة: ولكني أريد أن أعرف ماذا أنتم فاعلون؟

ربحان: لا شأن لك بذلك… ادخلي… وجهزي نفسك للزواج عما قريب…

الفتاة: سوف لن يأتي هذا اليوم بإذن الله…

       (تمضي الفتاة)

بحار1: ها هو الخبير قادم… (يدخل الخبير وهو مرتدي ملابس فاخرة)

ربحان: (مقتربا من الخبير)

          أهلا… أهلا… أهلا بك … تفضل …

         (يعتلي ربحان ومعه الخبير المنصة)

ربحان: أيها الخبير الجماعة لديهم بعض الأسئلة…

الخبير: ها…

ربحان: الجماعة لديهم بعض الأسئلة…

الخبير: (متهرباً)… ها …آه… سآخذ حماماً شمسياً وأعود…

بحار4: كفاك حمامات شمسيه منذ أن قدمت وأنت طوال الوقت تأخذ حمامات شمسية…

الخبير: نعم… نعم … كفى حمامات شمسية… نأخذ حماماً قمرياً…

         (متصنعا ضحكة سمجة، لا يضحك عليها أحد) ….

         هذا على سبيل الدعابة….

بحار8: فلننسى الحمامات قليلاً، كل أنواع الحمامات، ونفكر في مشكلتنا…

الخبير: أية مشكلة…؟

فهمان: مشكلة السفينة يا خبير…

الخبير: أوه … البهيمة… كنت قد نسيت المشكلة فعلا…لا…لا

         نحن لابد أن نفكر في البهيمة…

         كلنا للبهيمة والبهيمة لنا باقية…

فهمان: عجيب… الخبير نسى السفينة…

الخبير: كلا… كلا… كلنا لابد أن نعمل من اجل السفينة

         هيا… هيا …إلى العمل…

بحار2: كل مرة تقول هيا إلى العمل… وتتركنا وتختفي…

بحار5: ثم أي عمل هذا الذي تتحدث عنه…

الخبير: صحيح والله العظيم صحيح…

         هيمان… أي عمل هذا…؟

بحار8: دع هيمان… وحدثنا أنت يا خبير…

الخبير: (مستنجدا)… هيمان…

بحار4: مضى عليك معنا أكثر من شهرين

       ولا نرى شيئا قد تحقق حتى الآن…

فهمان: قل لنا الحقيقة يا خبير… متى ستصلح لنا السفينة…؟

الخبير: أنا هنا من أجلكم…

         من اجل السفينة… من اجل…

فهمان: لا نريد كلاما… نريد عملاً… متى ستصلح لنا السفينة…؟؟

مجموعة فهمان: نعم … متى ستصلح لنا السفينة…؟؟

ربحان: تحدث أيها الخبير قل لهم متى ستصلح السفينة…؟

الخبير: هيمان… العقد ليس فيه هذا الكلام…

هيمان: اتركني في حالي الآن… (يبتعد عنه)

فهمان: هيا يا خبير تحدث… قل لنا الحقيقة…

الخبير: الحقيقة… الحقيقة (مستنجداً) هيمان… (هيمان لا يعبئ له) …

         الحقيقة… أنني لست خبير إصلاح سفن….

         أنا خبير زراعة قطن…!!!

أصوات: المجموعة (مستنكرة) …ها…ها…؟؟؟

 بحار2: هذا هو الخبير الذي سيصلح لنا السفينة…

بحار4: عرفت الآن لماذا لا يميز بين السفينة والبهيمة…

فهمان: كنت اشك فيه منذ البداية…

        (للخبير) ولكن العتب ليس عليك…

أصوات: اضربوه… اضربوه…

بحار1: القوا به في البحر…

   (تندفع مجموعة فهمان نحو الخبير لتضربه، ولكن ربحان يوقفهم صارخا بهم)

ربحان: يا جماعة… يا جماعة… اهدؤوا… اهدؤوا قليلا…

         أن الذي مضى قد مضى

         لا سبيل لإعادته

         اتركوا الخبير يمضي من حيث أتى

         هيا احملوا أمتعته إلى القوارب ودعوه يرحل….

        (تحمل المجموعة أمتعة الخبير إلى القوارب)

ربحان: (مواصلا حديثه) …

        باسم اللجنة الثلاثية، وكل لجان الجزيرة النائية…

        نكلف فهمان بجلب خبير من سفن البحار الدانية…

        (تنسحب مجموعة هيمان بيمنا تصفق مجموعة فهمان فرحة مهنئة بعضها بعضا)

بحار1: عاش فهمان…

بحار2: هيا يا فهمان…

بحار5: لا تعد إلا والخبير معك يا فهمان…

بحار1: عاش فهمان …

بحار4: عاش فهمان …

المشهد السابع

(نفس المكان)

(الجميع في انتظار فهمان متطلعين إلى أفق البحر البعيد)

بحار1: انظر أليس هذا فهمان…؟

بحار2: …لا …لا انه ليس هو…

       (تدخل الفتاة ابنة النوخذة هلعة)

الفتاة: أمي حالتها تزداد سوءً…

ربحان: ألم تلد بعد…؟

الفتاة: آلام المخاض تشدد بها، هي على وشك الولادة…

ربحان: اعتمدي على نفسك في مساعدتها… لا نملك لك شيئا…

الفتاة: أريد التحدث إلى أبي…

ربحان: فيما بعد… هيا ادخلي…

         (تجري الفتاة نحو أبيها)

الفتاة: يا أبي انهض…

        يا أبي تحدث…

        أمي أنهكها المخاض

        وربحان تجبر

        القوم منهمكون

        كل له شأن

        وكل يرى شأنه أكبر

        يا أبي

        انظر إلي

        أنا ابنتك

        وحيدة

        ضعيفة

        في غابة مريعة

        أشجارها طويلة

        تحجب الشمس

        والنور

        والهواء

ربحان: (وهو يدفع الفتاة بعيدا عن والدها النوخذة، إلا أن الفتاة تفلت منه وتعود إلى والدها)

         قلت كفى يا فتاة… فلا وقت لدينا للمناحات…

         (الفتاة تبكي والنوخذة يربت على رأسها)

         (لرجاله) ادخلوها إلى حجرة الحريم…

        (يقوم رجلان بسحب الفتاة إلى الداخل)

ربحان: اعتني بأمك جيدا…

          إننا ننتظر منك بشرى المولود…

          وبعدها سيتم زفافنا…  زفافنا أسمعتني…

الفتاة: هذا أبدا لن يكون…. (وهي تمضي نحو الداخل)

هيمان: طال انتظارنا لفهمان…

بحار4: سيصل بعد قليل ومعه الخبير… الخبير الحقيقي لا المزيف…

بحار7: (من أصحاب هيمان) سوف نرى…

بحار1: ها هو فهمان قد وصل مع الخبير…

        (الجميع يوجهون أنظارهم نحو البحر)

 بحار3: (من مجموعة هيمان) … الرجل الذي معه لا يبدو على هيئته انه خبير….

بحار5: (من أصحاب فهمان) إنه خبير حقيقي هكذا يكون الخبراء الحقيقيون…

       (يدخل الخبير ومعه فهمان … يعتليان المنصة إلى جوار ربحان وسط ترحيب كبير من مجموعة فهمان)

ربحان: أهلا… أهلا بالخبير الجديد… أهلا (يصافحه)

         (مجموعة فهمان فرحة مرحبة أيضا)

أصوات: هيه …

          أهلا بالخبير…

          (مجموعة هيمان تنسحب منكمشة نحو الجانب)

الخبير: شكرا لكم… شكرا لكم …

فهمان: هيا أفسحوا المجال للخبير حتى يرتاح ومن ثم يبدأ العمل….

الخبير: (بحدة) كلا …كلا أنا هنا للعمل وليس للراحة…

مجموعة فهمان: (فرحة) هيه… هيه…

بحار1: هكذا يكون الخبراء… والنعم به…

بحار4: نعم خبراء العمل لا خبراء الحمامات الشمسية…

الخبير: نعم أحبائي… أنا لست خبيراً عادياً…

         كلا… كلا…  أنا خبير في كل الأشياء…

        أقصد أنني احمل شهادات كثيرة…

        (يبدأ باستخراج شهاداته الطوال)

        هذه شهادة ماجستير في الكيمياء البيولوجية

        هذه شهادة دكتوراه في الميتافيزيقية

        وهذه شهادة المعهد العالي للطاقة السولارية

        وهذه شهادة خبرة مائة وخمس وعشرون سنة ضوئية

        وهذه شهادة حسن سير وسلوك عليها

        أختام سجون كل الكرة الأرضية

        أنني لم أكن بها إلا للزيارات الودية

بحار1: هذا هو الخبير الحقيقي…

بحار5: هذا هو الذي سيصلح لنا السفينة…

الخبير: شكرا… شكرا لكم أحبائي…

         أنا لا أحب الكلام عن نفسي ابداً ابداً….

         فقط أريد أن أخبركم…

        أنني كنت مثالاً للطالب المجتهد في حياتي…

        كنت متفوقاً دائماً في دراساتي…

        كنت اعرف من العلم أكثر من أساتذتي…

        تخرجت بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف فوق فوق العلوية…

        ومع هذا قال الأساتذة أنهم ظلموني

المجموعة: (مبهورة تصفق)

بحار2: ما شاء الله

بحار4: هذا رجل عبقري…

الخبير: أنا في الحقيقة لا أحب الحديث عن نفسي…

         لكنني فقط أريد أن أقول لكم…

         أنني بعد دراستي مباشرة صرت رباناً لسفينة كل شيء ماش…

         ثم صرت مديراً عاماً لهيئة السفن العاطلة…

         ثم رئيسا لمجلس إدارة سفنكو للأخشاب المعطوبة…

         ثم مستشاراً لمجموعة السفن الآيلة في البحار الدانية عبر الجداول… ثم….

فهمان: (مقاطعا بهمس) هذا يكفي يا خبير يكفي…

الخبير: (لفهمان) حسناً… (للمجموعة) أنا في الحقيقة لا أحب الحديث عن نفسي ابداً… ابداً…

          ولكنني أريد أن أخبركم أنني قمت بإصلاح 150 سفينة و500 يختا… و1200 قاربا

          و5 آلاف صنارة…

 المجموعة: (تصفق)…

فهمان: (للخبير)… قلت لك هذا يكفي يا خبير…

الخبير: حسنا…. حسنا… اخواني هذا قليل من كثير…

         هذا بعض ما لدي من خبرة…

         وسأخبركم بالباقي في جلسة أخرى…

        (المجموعة تحي الخبير بالتصفيق)

ربحان: عظيم جداً… يا خبير… عظيم… عظيم…

         هيا لتخلد للراحة قليلاً…

          لقد أعددنا لك بيتاً متواضعاً به خمس عشرة حجرة…

الخبير: (متصنعا الغضب) … كلا… كلا… أنا لا أريد دُوراً… لا أريد أثاثا…

          أنا تكفيني خيمة… نعم خيمة واحدة إلى جوار السفينة…

المجموعة: (تصفق فرحة)

بحار1: هذا هو الخبير الحقيقي…

بحار2: عاش الخبير…

بحار5: هكذا يكون الخبراء…

بحار4: ابشروا يا رجال هذا هو الذي سيصلح لنا السفينة…

ربحان: ألن تأتي بأحد من اهلك ليساعدك في العمل…

الخبير: أهلي… لمَ آت بأهلي وهم لا أحد منهم يفهم في إصلاح السفن…؟

         هذه مهمتي أنا فقط… وأنتم ستساعدونني…

         أنا لست هنا للنزهة حتى آتي بأهلي… أنا هنا للعمل…

المجموعة: هيه … هيه …(تصفق)

بحار1: عاش الخبير

المجموعة: عاش الخبير

بحار4: (فهمان موجها كلامه لمجموعة هيمان) أرأيتم كيف يكون الخبير الحقيقي…

الخبير: نعم أخواني… نحن هنا من اجل السفينة…

          كلنا للسفينة … والسفينة لنا باقية…

المجموعة: (بهمة) كلنا للسفينة … والسفينة لنا باقية…

ربحان: أحسنت يا خبير… فعلاً أثلجت صدورنا…

         ولكننا ايضاً خصصنا لك قوارب خمسة…

الخبير: خمسة؟ وأنا واحد… ماذا افعل بالخمسة؟

         أريد قارباً واحداً فقط… نعم واحد…

         وهذا القارب ليس للنزهة او للرفاهية… ابدا…

         إنما هو للعمل في إصلاح السفينة…

         لذلك أريد أقوى قارب لديكم والأسرع…

بحار1: عاش الخبير

المجموعة: عاش الخبير

بحار5: اخيراً وفقنا إلى خبير جيد…

فهمان: (بفخر) لقد حدثتكم عن ذلك طويلاً…

         وها أنا ذا أحقق لكم وعودي…

ربحان: (للخبير) هيا يا خبير… هيا… لقد اطمأنت قلوبنا إليك…

           هيا لترتاح قليلاً ثم نبدأ العمل باكراً…

الخبير: ارتاح…!!! … وهل جئت هنا لأرتاح…؟؟؟ كلا … كلا…

         أنا هنا من اجل العمل… وسأبدأ العمل منذ هذه اللحظة…

         وكل ما أتمناه ألا يكون هنالك معوقات في العمل…

ربحان: معوقات… معاذ الله… لا ابدأ… ان شاء الله … لن يكون هناك أية معوقات في العمل…

الخبير: حسناً جداً… هل وضعتم خطة وميزانية على ضوء المبالغ المخصصة لإصلاح السفينة…

 ربحان: خطة…!!! وميزانية…!!!

الخبير: نعم… وهل هناك عمل بدون خطة… أو بدون ميزانية…؟

ربحان: لقد تعودنا انه كلما احتجنا إلى شيء اشتريناه مباشرة…؟

الخبير: هذا هو الخطأ الكبير…

 فهمان: نعم لهذا السبب أصبح لدينا طنان من المسامير…

         وكمية من الخشب تكفي لصناعة عشرة سفن…

 الخبير: ومع هذا ما زالت سفينتكم معطلة…

ربحان: يبدو أن كلامك صحيح….

الخبير: حسناً… رغم أن هذا ليس عملي… وليس اختصاصي، لكنني أنا أحببتكم من كل قلبي…

         لذلك سأساعدكم هيا…

         هيا أعطوني الثروة المخصصة لإصلاح السفينة…

         سأضع أنا بنفسي لكم الخطة والميزانية وأمري إلى الله…

ربحان: الثروة…؟

 الخبير: هيا لا وقت لدينا لنضيعه…

ربحان: حسناً يا خبير… لقد بقي آخر قدر من ثروتنا خصصناه للإصلاح السفينة…

         وليس لدينا غيره لذلك كن حريصاً على الأموال…

الخبير: لا عليك…

         سوف ترى أن الخطة والميزانية سوف لا تصرف حتى ربع الثروة المخصصة

         لإصلاح السفينة…

ربحان: شبعان… شبعان…

شبعان: (كان نائماً فاستيقظ فجأة) ها … نعم … نعم …

          هل تصلحت السفينة…؟

(المجموعة تضحك)

ربحان: (لشبعان) اذهب مع الخبير وسلمه كل الثروة المخصصة للإصلاح السفينة.

شبعان: كلها؟

ربحان: كلها…

شبعان: حسناً…

 الخبير: وأريده أن يدلني على القارب المخصص لي…

          لأنني أريد أن قوم بجولة حول السفينة لأحدد مواضع العطل فيها…

ربحان: (لشبعان) وأعط الخبير قارباً… أفضل قارب وأسرع قارب لدينا…

         أعطه قاربي الخاص أنا شخصياً…

شبعان: حسناً… (للخبير) هيا يا خبير… (ينصرف الخبير مع شبعان) …

ربحان: (يحدث المجموعة) يا جماعة بت اشعر إن الفرج قريب…

          هيا كل منكم يعد عدته… فلن يطول بنا المقام هنا…

فهمان: (فرحاً متجها نحو النوخذة) …

         أسمعت يا أبي النوخذة الفرج قريب… الفرج قريب…

          لن يطول بنا المقام هنا…

         (هامساً بإذن النوخذة) لا تخشى شيئاً لقد اتفقت معهم…

         بعد إصلاح السفينة مباشرة سيقومون بعلاجك وستشفى بإذن الله….

           (النوخذة يشيح بوجهه عنه) …

هيمان: (مع مجموعته يتصدى لمجموعة فهمان الفرحة) …

         كيف تسلمون رجلاً غريباً كل ما تبقى لدينا من ثروة أواثقون أنتم منه…؟

فهمان: أنا واثق منه …

ربحان: لقد رأيت بنفسك… وسمعت أن الرجل لا غاية له إلا إصلاح السفينة…

هيمان: والله اخشي أن تغرق السفينة على يديه ونغرق نحن معها أيضا…

فهمان: أنت دائماً هكذا… تشك في كل شيء…

        الأفضل لك أن تصمت بعد فضيحة الخبير الذي أحضرته…

هيمان: أرى أن الغرور قد ركب رأسك…

فهمان: من حقي… فقد حققت ما عجزت أنت عن تحقيقه…

هيمان: لا تتعجل مازلنا ننتظر نتيجة عمل الخبير…

فهمان: أنا واثق أن الخبير سيصلح لنا السفينة وستمضي بنا إلى الأهل والوطن…

         (تظهر الفتاة بنت النوخذة هلعة فزعة)

الفتاة: انجدوني … انجدوني … امي حالتها خطرة… خطرة جداً…

ربحان: عندما تلد أخبرينا… كوني معها…

 الفتاة: أخشى أن تموت قبل أن تلد…

ربحان: سنقرأ على روحها الفاتحة…

الفتاة: (لربحان) من أي حجر قد فؤادك…

       (تسمع صراخ أمها من الداخل فتهرع إليها) … أمي… أمي….

شبعان: (قادم من الخارج وهو يصرخ)

         يا قوم …يا قوم …

         لقد حل بنا الخراب يا قوم (يدخل اعلى وسط المجموعة)

ربحان: ما الذي حصل…؟

شبعان: الخبير… الخبير… أخذ الثروة وهرب بالقارب…

المجموعة: هرب… هرب… هرب…

شبعان: نعم لقد هرب الخبير… هرب… هرب واخذ الذهب…

ربحان: وستبقى السفينة على ما بها من عطب…

مجموعة هيمان: هرب الخبير هرب… هرب واخذ الذهب…

فهمان: ستبقى السفينة على ما بها من عطب…

النوخذة: ما في السفينة بل في النفوس العطب

          ابحثوا عن العيب فينا لا في الخشب

          الظلام في العيون

          لم تحجب النور عنا سحب

المجموعة: ضياع … ضياع …

            كل شيء هباء…

            ضياع… ضياع…

            بؤس وشقاء…

النوخذة: كانت عندنا سفينة…

          على السفينة رجال

          عيونهم لم تكن ترى غير الآمال…

          تحدوا الأسفار…

          ركبوا الأهوال…

          ولكن البحر غدار…

         عاصفة تائهة…

         ريح مجنونة…

         ضربت سفح السفينة…

         ضاعت السفينة …

        وضاعت أمال الرجال…

        السفينة عانقت المجهول…

        فأضحى كل شيء حطاماً… أو بعض حطام…

        أشلاء… وبعض أشلاء…

        هيكل السفينة…

        ووجوه رجال…

ربحان: (يتحسس ما بقى معه من مال، بضعة نقود ذهبية، يخرجها ويضمها إلى صدره) …

          ضاعت الثروة

          ساءت الحال

          كل أدرى بخلاصة

          كل يبحث عن خلاصة

        (ينزل إلى زاوية في المقدمة فيجلس ليعد نقوده… يتبعه شبعان فيبعده عنه… يتجه شبعان إلى الزاوية المقابلة حيث يجلس ليأكل)

       (خلفهما مجموعتا فهمان وهيمان تقفان في حالة تحفز)

هيمان: (لفهمان) أنت السبب في هذا الخراب…

         ثقتي بالخبير كبيرة… أرأيت الآن ماذا فعلت بنا ثقتك…؟

فهمان: أظنك نسيت الخبير الذي أتيت به أنت من قبل وضيع علينا نصف الثروة…

هيمان: كل الدمار الذي ألحقته بنا وبعدك ما تزال تتبجح بالكلمات…

فهمان: لقد كنت أنت سبب الدمار منذ البداية…

هيمان: أرى أن الجزيرة ما عادت تتسع لنا معا…

فهمان: الموت أشرف لأمثالكم …

 هيمان: بل الموت لكم… (لمجموعته) استعدوا يا رجال للقتال…

 فهمان: (لمجموعته) استعدوا يا أبطال للقتال…

(المجموعتان تعدان العصي للاقتتال وتقفان على أهبة الاستعداد)

النوخذة: (يترك كرسيه ويبدأ بالزحف بصعوبة بالغة ليفصل بين المجموعتين المتقاتلتين)

          يا رجال اسمعوني…

          (المجموعتان تواصلان استعداداتهما للقتال ولا أحد يصغي إليه) …

هيمان: ها يا رجال مستعدون للقتال…

المجموعة: مستعدون…

فهمان: لا تبقوا على أحد منهم… أجهزوا عليهم جميعاً…

المجموعة: على أيدينا نهايتهم…

النوخذة: (وقد وصل إلى منطقة بين المجموعتين وهو يزحف بصعوبة)

          اسمعوني يا رجال…

          أنصتوا إلى …

          أنا أبوكم

          أنا النوخذة…

          (لا أحد يصغي إليه)

هيمان: هيا إلى القتال يا رجال…

فهمان: هيا إلى القتال يا رجال…

     (تشتبك المجموعتان في قتال عنيف غير عابئين بوجود النوخذة بينهما فيسحقانه بأقدامهما سحقا حتى الموت… ومع سحق النوخذة تدوي صرخة المولود الجديد… في خباء الحريم)

بحار1: النوخذة هلك…

بحار7: النوخذة مات…

            (تبتعد المجموعتان عن بعضهما البعض. يتقدم كل من هيمان وفهمان من جسد النوخذة، يرفعان رأسه) …

النوخذة: (وهو في أنفاسه الأخيرة) تلك هي النهاية كاملة…

          هيكل سفينة

          ووجوه رجال

            (يسقط النوخذة مقضياً عليه… يبتعد كل من هيمان وفهمان عنه من هول الصدمة بينما تخرج بنت النوخذة من الخباء وبيدها الصبي)

الفتاة: (بفرحة)

        أبي… أبي…

        يا أبي النوخذة

        لقد جاء فلاح

       (تصطدم برؤية جثة النوخذة ملقاة وسط المسرح)

       (تصرخ)….

       أبي …

       (تضم الوليد إلى صدرها وتهرع إلى جثة النوخذة)

       يا أبي…

       جاء فلاح…

       ألا تنظر لفلاح…

       انه ابنك…

       مثلك…

       به كل سماتك…

       انظر في جبهته…

       فيه شموخك…

       وكبرياؤك…

       لقد انتظرته طويلاً

       ها هو قد جاء…

       أتتركه وترحل… دون وداع

        (تواصل البكاء بشدة)

        (تقف وتضم الصبي أكثر) …

         أبي

         وعد

         لن يأخذك الموت منا

         سنراك في عيون فلاح

         نعم … هو امتداد لك

         سأحضنه

         سأحنو عليه…

         سينمو

         سيكبر

         سيشتد ساعده

        غداً يوم فلاح

        وبفلاح ستفخر… ستفخر… ستفخر

(تمضي الفتاة بالصبي وخلفها المجموعتان تحمل النوخذة على الأكتاف)

النهاية

1987م


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock