نصوص

العَرَبَة .. نص مسرحي للكاتب اليمني: هايل علي المذابي


العَرَبَة
مسرحية
هايل علي المذابي

العربة: مسرحية من فصل واحد و خمسة مشاهد
شخصيات المسرحية
منتصر: شاب في الثلاثين من عمره
عصام: صديق منتصر الحميم
نهاد: صاحبة المبغى
يحيى : القواد زوج نهاد
مريم : عربة
زبيدة: عربة
عبير : عربة

المشهد الأول
(منتصر و عصام بأطراف المدينة)
عصام: بم تفكر؟
منتصر: أفكر فيما لو كنتُ دهّاناً.
عصام: و لما؛ ماذا تريد أن تفعل؟
منتصر: كنت سأشتري دهاناً أبيضاً، وأمنح هذا الليل هويّةً جديدة..
عصام: الدهانات البيضاء لا تجعل من الغراب حمامة..!
منتصر: أليس الوهم أجدى من بشاعة الهجرة و الغربة؟؟
عصام: هل وصلت فيزتك؟
منتصر: اليوم وصلت…
عصام: رائع.. عطفاً على حكاية الغراب الذي أردت أن يصبح حمامة..
منتصر : ما به؟
عصام : لتعرف أن هذا العالم أينما وليت وجهك لا يملك من النقاء والبياض، ما يكفي لئن يكون عنصرياً..
منتصر: أتقصد أن النوم في الليل عنصرية..؟
عصام: النوم في الليل عنصرية، و النوم في النهار عنصرية، و المتسامح من ينام في ساعة الصفر..
(صمت للحظات)
منتصر: قالت العرب ” رمتني بدائها وانسلت”..
عصام: نعم هو ذلك ما ينطبق على هذا العالم..
منتصر: لا يملك من النور ما يكفي ليتهم الليل بالعتمة..
عصام : سديم ضد سديم.
منتصر: و ليس له من الذكاء ما يكفي ليسيء الظن بالحمار و يتهمه بالغباء.
عصام: تكافؤ..
منتصر : و لا يملك من حُسن النوايا ما يكفي لئن يتهم الثعلب بالمكر والخداع.
عصام : الغابة مأهولة بالثعالب و الذئاب، و الإنسان مأهولٌ بالغابة ..
منتصر : حتى الوفاء الذي يدعيه لا يكفي ليتهم البحر بالغدر و الخيانة.. أو ما يخوله من الخير و الطيبة ليتهم الشيطان بالشر و الخبث..!!
عصام : أن تتهم بالشر و الخبث أهون من أن تتهم بالخير و النقاء و أنت لا تملكهما..
منتصر: و أن تتهم بالعبودية أهون من أن تدعي الحرية و أنت لا تملكها..
عصام: ما دام كل شيء مرهون بالمصالح فالحرية تبقى مجرد فكرة لا يمكن أن تتحقق على الواقع..
منتصر: الاستغناء عن كل شيء قد يكون هو الطريق الوحيد ليصبح الفرد حراً؛ و لا شيء يستطيع أن يحقق له ذلك الاستغناء و يكفيه مؤونته سوى الموت…
عصام : إنه ميت دائماً، لكنه ليس حراً..
منتصر : يوافق حاله قول الشاعر ” ليس من مات فاستراح بميتٍ.. إنما الميتُ ميتُ الأحياءِ..”..
عصام : ما أصعب هذا العالم، و ما أشد وطأة هذا الليل..!!
منتصر : رغم ذلك يروقني في هذا الليل أنه لا يتلون..
عصام: إنه مؤمن بالقدر، و المؤمنون بالقدر ليس لهم علاقة بالثورة..
منتصر: ثورة الليل تنتصر فجراً ..
عصام: النائمون لا يصنعون الفجر..
منتصر: لن ننام (يصمت قليلاً) نحتاج إلى فكرة لننجو قبل أن نغدو بلا صبحين..
عصام: مؤكد أن أمر هذا السديم سيطول.. لذا سنَعبُر حتى لا يقتلنا و حتى لا نصبح سوداً بسواده.. ففي كل الأحوال لن يكترث لهمّنا، و لن يتعكر بسعادتنا..
منتصر: كيف، و إلى أين؟
عصام: نستأجر عربة، نجتاز الليل، و نختتم بها فعاليتك في هذا الوطن..
منتصر: أتشوق لذلك، لكن كيف..!
عصام: سنستأجر عربة، و ستفهم…
المشهد الثاني
(شقة نهاد و يحيى مع ثلاث فتيات)
نهاد : تبدو هذه الليلة محفوفة بالكثير من الملل، لا أحد طرق الباب حتى هذه اللحظة..
يحيى : سيأتون يا حبي، لن يتركنا الليل بلا رفقة، أنا متأكد من ذلك..
نهاد : (تنادي للفتيات) يا مريم، يا زبيدة، يا عبير.. تعالين إلى هنا..
(لحظات وتحضر ثلاث فتيات يافعات)
مريم : هل ناديتي علينا يا نهاد ؟
زبيدة : تعرفين أننا نكره رائحة الدخان الذي ينفثه زوجك..
عبير : لا أحد طرق باب الشقة، و يبدو أنني سأقضي هذه الليلة بلا حضن يُدفئني..
نهاد : لو كنت مشعوذة لتكهنت بمن سيأتينا الليلة، لكني لا أملك لنا حولاً و لا قوة…
يحيى : اقسم بشرفي أن هناك ضيوفاً سيأتون…
مريم : (تضحك و تتهكم) تقسم بشرفك يا يحيى..
يحيى : نعم أقسم بشرفي..
مريم : ربما هذا الشرف الذي تقسم به هو الشيء الوحيد الذي يحبه الضيوف و يجعلك مميزاً لديهم.. و هو مصدر رزقك..
(يضحك الجميع)
يحيى : الشرف مجرد كلمة يا حلوة ليس لها وجود في قاموس البشر؛ فلا تفكري كثيراً في الأمر..
مريم : تقصد أنها كلمة فقدت معناها…
يحيى : بل غير موجودة أصلاً..
زبيدة : ذات مرة نمت مع وزير و حين حدثني عن أعماله تأكدت أن قسم الشرف الذي يؤديه الوزراء لا تتطابق مع أعمالهم…
مريم : هم يؤدون قسم الشرف و يضعون يمناهم على الكتب المقدسة، و اليد الأخرى يقدمون بها استقالتهم للشرف من تحت الطاولة، في نفس اللحظة..
عبير : على ذكر الشرف يا حبيبتي تذكرت زيارة لي لأحد الأطباء لإجراء غسيل للرحم، بعد أن قضيت ليلة ماتعة نسيت فيها أن أتناول أقراص منع الحمل، و لكن الطبيب لم يروقه أن تفوته فرصة متعة كهذه، وقبل أن يقوم بغسيل رحمي فعلها معي..
يحيى : كلهم أولاد قحبة؛ يمين شرف مهنهم طفلة بنت حرام..
نهاد : لكن الناس يصدقونهم و يؤمنون بأن لديهم شرف؛ هل تذكر يا يحيى إمام المسجد الذي سامرناه ذات ليلة و أقسم لنا بشرفه أنه اغتصب أكثر من عشرين طفلاً؟
يحيى : و من يستطيع أن ينسى ذلك اللوطي..؟
(يضحك الجميع)
مريم : الدنيا مسرح كما يقال، و الناس يحبون تأدية دورين فيها، و من يؤدي دوراً واحداً سينبذونه، و لذلك نحن أشرف و أفضل من السياسي و رجل الدين لأننا نؤدي دوراً واحداً و لا نخدع أحداً؛ حتى و لو نبذنا المجتمع!
زبيدة : لا فرق بين رجل الشرطة و بين المجرم أحيانا سوى تلك البدلة التي يرتديها الشرطي..
مريم : إنهم يتصورون أن السماء ستعيش في حالة بطالة بدونهم، إنهم يتصورون السماء ملكاً ضالاً يخدعه بريق حديثهم، و ينشرح صدره لنفاقهم، و يصدّق ما يزعمونه من شرف..
زبيدة : لكننا لسنا بعيدين عن هذا، فنحن الآن نسخر منهم، و نحتقرهم، و لا نقابلهم بذلك..
مريم : هم يعرفون هذا بنا أو بدوننا، قلناه أم لم نقله، و يسمونه حقداً طبقياً..

المشهد الثالث
(عصام و منتصر في شقة نهاد)
(يرن جرس الشقة فتذهب نهاد لتنظر من في الباب)
نهاد: مرحباً و أهلاً و سهلاً يا عصام، مضى زمنٌ و لم تزرنا، هل كنت على سفر؟
عصام: بالفعل مضى زمنٌ ليس بقريب على آخر ليالينا يا نهاد.. لكني لم أكن مسافراً؛ إليكِ أعز صديق لي منتصر..
نهاد: أهلاً وسهلاً بك و بمنتصر.. تفضلا..
منتصر: شكراً يا نهاد..
عصام: (يشير لمنتصر) اتبعني..
نهاد: اجلسا حتى أعدّ لكما شراباً و أعتقد أن الحظ سعيدٌ جداً لكما هذه الليلة، فلدينا فواكه رائعة هذا الموسم..
عصام: أريد شيئاً عظيماً لصديقي يكون به ختام أيامهِ معنا في المدينة و قبل هجرته..
نهاد: حباً و كرامة يا عصام.. لحظات و أعود لكما..
عصام: فلتبارككِ الآلهة يا نهاد…
نهاد: حُييت يا رجل..
عصام: ستدهشك العربة يا منتصر جداً و ستعرف أن الليل يموت بأحضان العربات، و سيجلو لك ما لا تعرفه عن هذا العالم..
المشهد الرابع
(منتصر مع مريم في المخدع)
منتصر: حدثيني عن بداياتك؟
مريم : خائفة، متوجسة، كأي بدايات.. لم أكُ أعرف شيئاً عن هذا العالم، وغبية حين ظننت أني أعرف شيئاً؛ ماتت والدتي و أنا طفلة؛ و وجد الحزن لدينا مهنة و مكاناً يأويه… (تصمت قليلاً و تتنهد)
ذات مرة سافرت إلى قرية قيل بأن أقارب لي فيها، و كانت أول مرة أفعل ذلك، وآخر مرة، و أصرّ السائق أن أجلس في كرسيين، و لم يسمح أحدٌ لأحد بمضايقتي، وفهمت أن الحزن صديقي هو من دفع الأجرة عن ذاك المقعد بجواري؛ ذاك المقعد هو ذاته حزن المرأة، و سبب تعاستها في هذا العالم؛ الحزن إله، و نحن قرابين لإرضائه؛ و الآن تملك ساعة و ثلاثة أرباع الساعة مقابل ما جئت لأجله، و دفعت المال لأجله، فهل نقضيها بالشرح و بالتفسير لما ليس ضرورياً معرفته، و لما لا أحدٌ يهتم لأجله..
منتصر: لا أكترث كثيراً لما قد تعتقدين بأني جئت لأجله، و دفعت المال لأجله..
مريم : هل هذا شذوذ؟
منتصر: الشذوذ هو أن نتجرد من إنسانيتنا و عقولنا دائما و نتصرف كحيوانات دائماً..
مريم: منذ قرون و العرب يفكرون بأعضائهم التناسلية و يبددون ثرواتهم من أجل ذلك؛ العرب تحديداً هم من يكفرون بالتفكير و شهوة المعرفة و لذتها، و يعتبرون التفكير شذوذاً، و خروجاً عن القطيع الذي يعتبر الإنسان شهوتين هما البطن و الفرج، أما العقل فكفر و إلحاد و زندقة، و لذلك هم لا يفكرون و لا يتطورون، مستهلكون و لا غريب أن يعلق الآخرون على ثرواتهم بأنها “غلطة الرب”؛ لقد استعاضوا بالإتباع المطلق و الإيمان المطلق و العبودية المطلقة و حب الراحة الفكرية و الجسدية مكان الإبداع و التفكير و الخلق؛ باختصار أشد العرب عالة على العالم، لكن الغريب حقاً، و المربك في الأمر، أن العرب يدعون الإيمان و عدم التفكير، و يستوردون الإثم و الكفر و مظاهر الحداثة و الحضارة الغربية و يمارسونها سراً حتى لا يعرف إيمانهم بذلك؛ ثم يهاجمون الغرب و حضارته؛ يحرضون ضد النساء فيروج اللواط و السحاق و زنى المحارم ( تضحك قليلاً ثم تصمت) و أنت لماذا ترغب في معرفة السيرة الذاتية للجثة و توهمني بانك نادر..؟
منتصر: (يبتسم) النادر لا يمكن القياس عليه، و التكهن بما يفكر فيه، أو حتى طريقة تفكيره؛ النادر هو من يفهم أن المنطق هذا ليس لجثة، أو شخص متخلف، يمارس مهنة في قاع القاع.. و سأصغي من أجله و سأدفع مثنى و ثلاث و رباع، و حتى يبدو الضوء، فلا تهتمي؛ بوضوح جئت لأعبر هذا الليل إلى الضفة الأخرى من الصبح وأشار صديق لي أن أستأجر عربة، فالليل مع العربات قصير..
مريم: و أنا عربة تجيد تعذيب الليل و قهره، لكن في مخيلتي أن أكبر إهانة قد نوجهها لهذا الظلام هي النوم في حضرته لا أن نبحث عن عربة تختصر لنا الطريق..
منتصر: الإنسان هو ابن الدهشة الأولى, دهشة الضوء, يتبعها, يحلم بها, ويبقى أسيراً لها, فكيف يحارب الظلام بالنوم, بل كيف يسمح أن يكون فرداً في القطيع المنومة يقودها الظلام و يتصرف في شؤونها؛ النائمون لا يصنعون الفجر..
مريم: كنت أحلم بهذا دائماً و أصدقه، و عندما أدركت أني لن أتمكن منه أو أصل إليه، اخترعت لي حكاية أخرى، تشبه أن ترسم حنفية في الحائط و كلما بليت بالعطش نهلت منها؛ لست مجنونة في ذلك، لكن المجنون هو من لن يصدق أن الحياة تستمر بالبدائل، أو يظن أن مياه الحنفية غير صالحة للشرب..
منتصر: الأمل الذي تبددين به سواد الأيام و قتامتها يشبه أن يضع رجال الوالي البروزاك في مياه الشرب و العصائر للناس ليتمكنوا من احتمال الظلام و ممارسة الحياة بابتهاج.. و طبعاً لن يتفوهوا يوماً بأن الوالي مستبد أو ظالم و لن يحتجوا أو يهتف جوعهم ضده و سيلعنون الخبز و ينددون بالرغيف من أجله..
مريم: ما تقصد بالبروزاك?
منتصر: هو اختراع مضاد لما يسببه الظلام من كآبة و بؤس و اكتئاب للناس.. لا بد منه لنعيش في سلام مع الظلام..
مريم: و ما حيلتي سوى ذلك.. فلا شيء يستطيع أن يخترع ما أفكر فيه سوى الأمل.. هذا الأمل فقط هو ما يجعل حياتي في الظلام محتملة.. ما يجعل من كل شيء ليس ممكناً، ممكن بالانتظار؛ رغم يقيني في قرارة أعماقي أن كل شيء بما في ذلك هذا الأمل وهم، و أن البؤس يفرض على الناس كما تفرض عليهم أرجلهم..
منتصر: العالم اخترع المناديل من أجل الضحايا، و اخترع الأمل من أجل العاجزين، و لذلك يصبح القول أن العدالة موجودة في هذا العالم حقيقة أو ربما حتى لا يقال أن القانون لا يحمي المغفلين..! و ربما هذا يناسب وضعكِ و يلائم حالتك..
مريم: ربما أن اليأس هو أفضل تعبير عماذا يعنيه الأمل.. إذا تأملت جيداً ستجد أن المجتمع ينفق الكثير على مستحضرات التجميل و الماكياج و شهائد حسن السيرة و السلوك و ما إلى ذلك، و حالنا هو كذاك تماماً فنحن نتجمل بمستحضر الأمل حتى لا يرى أحد قبح بؤسنا و يأسنا و حتى نحن؛ الأمل هو شهادة حسن سيرة و سلوك نمنحها لليأس حتى لا يعيش عاطلاً و عالةً علينا..(تصمت قليلاً)
المرأة التي تمارس مهنتي لا يختلف شأنها عن الإرهابي الذي تطارده الدولة و الدول الكبرى، و تدعمه الدولة و الدول الكبرى، لكن لا يوجد لديه سوى خيار وحيد فقط، هو أن يظل كما هو و حتى يموت؛ نحن هنا عدونا و سبب بلائنا هو المجتمع، و الذي يدعمنا و يرجو بقائنا هو المجتمع!. و لتفهم أكثر أن المرأة قد ترجع و تتوب و تبتعد عن هذا العالم و الله كريم غفار، لكن إن غفر الله لها فذلك شأن الله، أما أن يغفر لها المجتمع فلا يمكن أن يكون متسامحاً و حسن النية إلى هذا الحد. ماذا تفعل إن لم تجد غير الإقصاء و الاستبعاد من كل شيء سوى العودة و الانتقام من المجتمع و من نفسها، و الاثبات للجميع أنهم ليسوا مختلفين عنها، و ما يرتكبونه من إثم معها يثبت أنهم منافقون، خائنون، و مخادعون لذويهم و للمجتمع؛ بل إن حالنا أوضح من حالهم، لا ندعي طهارة في النهار و نمارس العهر في الليل..
منتصر : الخطيئة الحقيقية للإنسان هي أن يعيش بلا خطيئة فمن حق السماء علينا أن نخطئ دوماً لتؤدي وظيفتها الطبيعية و تغفر لنا..
مريم: رغم هذا يظل الخطأ شأن بشري و المغفرة شأن سماوي، فلا داعي لئن يبحث الإنسان عن صك غفران من إنسان مثله، لأنه لن يفعلها….
منتصر : سيفعلها فكوني من المؤمنين..
(صمت للحظات و طنين)
مريم : (تتنهد و تدمع عينها) يبدو أن الفجر قد لاح..
المشهد الخامس
(عصام و منتصر في حضرة الصبح)
عصام : هل وصلت؟ كيف كانت رحلتك؟
منتصر : وصلت إلى ضفة الفجر، وتألمت كثيراً من حال العربة..
عصام : النساء كالأبواب، فالأوروبيات، مثلاً، كتلك الأبواب الزجاجية للمحلات العصرية التي تنفتح أمامك لمجرد أن تقترب منها؛ أما العربيات فيشهرن في وجهك وقارهن كأبواب خشبية سميكة؛ و ثمة من – حتى لا تستسهلهن يتبعن بطء الأبواب اللولبية التي تدور بك دورة كاملة لتجتاز عتبة كان يمكن أن تجتازها بخطوة؛ و هناك من يحتمين بأبواب عصرية مصفحة كثيرة الأقفال و الألسن، لمجرد إيهامك أنهن منيعات و محصنات، لكنهن يتركن لك المفتاح تحت دواسة الباب..
منتصر : و هناك نساء تعرفهن كل الأبواب، لأنهن مثلها مقطوعات من شجرة!!
عصام : هل أفهم من هذا أنك لن تهاجر!
منتصر : بل عليك أن تفهم أكثر من هذا..
عصام : ماذا؟
منتصر: من يعشق فراشة سيخترع الضوء من أجلها..
عصام : إنهن بنات الخطيئة..
منتصر: الخطيئة هي أن نعيش بلا خطيئة، و من حق السماء علينا أن نخطئ لتؤدي وظيفتها الطبيعية و تغفر لنا؛ الخطأ بشري، و المغفرة إلهية..
عصام: المجتمع يؤمن بهذا نظرياً و في مثالياته ربما التي يتجمل بها، و يتزين لكن ساعة الممارسة سيقول لك أن الخطأ بشري و المغفرة إلهية و لكن بمعنى آخر غير ما قصدته أنت و سيكون ذلك المعنى أن البشر لن يغفر تلك الخطايا و لن يعتبر أن للإنسان زلات و يجب أن يتسامح المجتمع معها؛ أتكهن بما تفكر به، و ما آل إليه حالك بعد لقاء العربة، و يربكني ذلك جداً، لكني لن أصدق أبداً ما تريد مني الآن أن أفهمه، و يلهمني حدسي به..
منتصر : و لما لا تصدق؟
عصام : لأني أحبك يا صديقي، و لن أسامح نفسي على ما فعلته بك ما حييت..
منتصر : و أنا سأظل ممتناً لك ما حييت..
عصام : هكذا؟
منتصر : بل و أكثر..
عصام : لا أستطيع أن أقول شيئا طالما أنت أردت ذلك..
منتصر : سأفعلها و أنا بكامل قواي القلبية التي هفت نحو الفجر دوماً و لم تجد دائماً سوى السراب..
عصام : ماذا تريدني أن أفعل الآن؟
منتصر : ستكمل ما بدأته ليعلن الضوء ميلاده الأول، و يشهر نوره على الناس..
عصام : نحضر المأذون لعقد قرانكما، و لكني متأكد أنه سيرتبك جداً، عندما يجد نفسه قد وصل إلى مبغى ليعقد قران أثنين، أحدهما بلا أب أو أخ أو خال أو عم أو قريب أو نسيب.
منتصر : لا يهمني ارتباكه، ما يهمني هو أن يتم العقد..
عصام : سيتم يا صديقي لا تهتم؛ على بركة الله و مبارك لك و عليك.

يسدل الستار


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock