حوارات

الفنان “عبد الجبار خمران” بمناسبة إخراجه لـ”صباح ومسا”: المجتمع الذي لا يناقش آلامه وأحلامه على الخشبة لا حاجة له بالمسرح.. ومساري محفوف بالقلق والتساؤل!


المسرح نيوز ـ  القاهرة| حاوره حميد عقبي

ـ

 

الفنان عبد الجبار خمران ممثل ومخرج خريج المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي. وهو مدير فني لفرقة (دوز تمسرح) بمراكش
عمل كممثل في مرحلة تكوينه مع المخرج الإيطالي أرموندو بونزو والمخرج الألماني فرانك يونغرمان كذلك مع المخرجة الروسية نيكا كوسينكوفا. والمخرجين  البولوني فويتازيك.و الإسباني فرانسيسكو أنطونيو.
اشتغل كممثل محترف مع فرقة (بذور الشمس / Graines De Solei ) – فرنساو فرقة (ميريلاغدين / Mirelaridaine) – فرنساو فرقة (أوبيس / Opus) – فرنسا
وأخرج مؤخرا.. مسرحية “صباح ومسا” لغنام غنام وعمل من قبل مساعد مخرج مع جواد الأسدي مسرحية “الخادمتان”  كما شارك في إخراج استعراضين فنيين “Azalai /أزلاي” و”Spirale/حلزوني”.  ومسرحية “اللعب ف اللعب” لعبد اللطيف فردوس. ومسرحية “باي باي جيلو” لطه عدنان. و مسرحية “أنتيغون” لبرتولد بريشت.ومسرحية ” Notrostrum / بحرنا” (عمل جماعي) قدمت بالمدينة الدولية بباريس. و”منسيّو الحرب” قراءات مسرحية رفقة مؤلف النص الكاتب الفرنسي ميشيل سيّوني. ومسرحية “بنادق الأم كرار” قدمت بشراكة مع معهد غوته بمناسبة الذكرى المئوية لولادة برتولد بريشت.

خمران مبدع صدر له كتاب”حوارات في المسرح العربي” عن مؤسسة آفاق للدراسة والنشر والإتصال بالمغرب (2015) ومجموعة قصصية “قوارب بيضاء” عن دار سندباد للنشر بالقاهرة (2010).

ولمن لا يعرف فصباح ومسا عرض مسرحي جديد يحمل في طياته هموم إنسانية ويصور حالة الواقع اليوم ليبحث عن ثغرة أمل.قدمت فرقة “دوز تمسرح” عرضها المسرحي الجديد “صباح ومسا” للمخرج المغربي عبدالجبار خمران وتاليف المسرحي الفلسطيني غنام غنام، هنا ننتهز الفرصة في حوار سريع مع الصديق خمران الذي يقيم بين مراكش وباريس ونراه ينشط بالعديد من المهرجانات..لنرحب بضيفنا وإليكم تفاصيل الحوار.

 

نص الحوار

بانفلت العرض
بانفلت العرض

* مسرحية “صباح ومسا” جديدك كمخرج مغربي لنص غير مغربي.. ما الذي جذبك للنص؟ وكيف كانت رحلتك معه؟

“صباح ومسا” هو نص للمبدع المسرحي الفلسطيني غنام غنام وقد رافقني هذا النص مند مدة طويلة تناهز السنتين.. وتوفرت الظروف لنا في فرقة “دوز تمسرح” أخيرا كي نقدم العرض الاول يوم 3 يوليوز 2018 على خشبة المركز الثقافي بمدينة الحاجب بدعم من وزارة الثقافة والاتصال – قطاع الثقافة. بتشخيص رجاء خرماز وتوفيق ازديو وموسيقى زكرياء حدوشي وسينوغرافيا يوسف العرقوبي.

 

ما جذبني إلى النص وما دفعني أساسا الى خوض مغامرة إخراجه هو مقولاته الانسانية ومبناه الذي يمكن ان نصفه بالسهل الممتنع فالنص لا يمنحك معانيه من القراءة الأولى، بل يدفعك إلى بذل جهد ليس بالقليل لمعاودة القراءة تلو القراءة للدخول إلى عوالمه وسبر أغوار نفسيتي شخصيتيه “صباح ومسا” وهذا ديدن نصوص الكتاب المسرحيين الذين يمتلكون أدوات الصياغة المسرحية.. وللمسرحي غنام غنام باع في كتابة النصوص وإخراجها وتمثيلها. إذا كنا أمام مبدع يعرف اسرار الكتابة و خبايا الركح.

 

كانت الايام الاولى في ورشة التداريب بالنسبة لكل صناع العرض مهمة لقراءة النص وفهمه وتحليله واستخلاص معانيه. وفعلا كانت لنا مع النص رحلة ماتعة. وقد اتبعث طريقة خاصة في التعامل مع هذا النص أثناء التداريب حيث تعاملنا مع حواراته جسديا وليس لفظيا فقط بل وموسيقيا حتى.

 

بدأنا التداريب بالبحث عن معادلات حركية وبصرية وموسيقية لحوارات النص ومعانيه ومقولاته، مما ساعدنا على فهمه بشكل أعمق والتشبع بمضمونه و كذا إغناء مفرداته.. وكلما اتضحت الحكاية ومسارها الدرامي داخل التصور العام للرؤيا الاخراجية اثناء التداريب كلما أخذت تقنية الارتجال الجسدي والشفهي مع الممثلين مسارا سلسا وطيعا.. وبقدر ماكانت بداية التداريب على بعض المشاهد شبه صعبة بقدر ما احسسنا جميعا بمتعة كبيرة في رحلتنا مع النص ..

 

*  نرى عبد الجبار خمران كضيف متحرك وديناميكي في عديد من المهرجانات المسرحية على التراب المغربي ثم بلجيكا والمانيا والشارقة والاردن.. ما السر الذي يجعلك مقبولا في كل هذه المناسبات؟

 

ليس هناك أي سر. شعاري في اي اشتغال مسرحي أقدم عليه هو “الجدية” والمهراجانات لا اسعى اليها ابدا ولا يمكن ان تجدني في اي مهرجان كضيف والسلام. حضوري اما كمسرحي من خلال عمل ما أو كإعلامي لتغطية فعالياته أو توقيع كتاب أو المشاركة في احدى ندواته أو وُرشه.. وبالمناسبة اعتذر عن دعوات عديدة ولا احاول ان احضر إلا المهرجانات التي اراها مهمة ونوعية ويمكن ان استفيد من حضوري لفعالياتها وان تضيف الى معارفي.. والمهرجانات المهمة في عالمنا العربي يعرفها المسرحيون وأنا حريص على ان اتابع الحراك المسرحي العربي ما أمكنني ذلك.. ولم احضر اي مهرجان في الاردن بعد..

كما أني حريص أيضا على تتبع بعض المهرجانات العربية خارج رقعة الوطن العربي لانه يهمني حضور مسرحنا ومسرحيينا في المهجر كثيرا وأتمنى ان يكون لهم حضور فاعل وان يترك الاثر الإيجابي والمبدع اينما حلوا وارتحلوا.

 

*  أنت من مراكش ومسؤل نقابة فنانيها .. كيف تنجح بهذا الواجب وأنت تقيم بباريس؟

 

انتخبت من طرف اصدقائي المبدعين والمسرحيين في مراكش كرئيس فرع اقليمي للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية وهذا تكليف ومسؤولية أقاربها بشعاري الأثير “الجدية” وأتمنى رفقة زملائي أعضاء المكتب الإقليمي للنقابة الذين يشتغلون بجد ومثابرة، ولسنا إلا في بداية ولايتنا، أن نكون عند حسن ظن وثقة أعضاء الفرع الاقليمي من المسرحيين والفنانين الذين انجحوا المؤتمر التأسيسي في مراكش وعبروا عن حس المسؤولية وحمل الهم النقابي الثقيل ووضعوا ثقتهم فينا بعد ان عرف هذا الفرع ركودا في الفترة الأخيرة.

 

أما كيف أنجح في هذا الواجب فنحن نشتغل كأعضاء مكتب للنقابة بشكل جماعي وديموقراطي ونوزع المهام فيما بيننا بحسب ما يقتضيه الظرف العام من فعل وحراك وأيضا بما تقتضيه ظروفنا الشخصية.. وانا حاليا مقيم في مراكش أكثر من أي مدينة أخرى. إنها مدينتي التي اعشقها ومدين لها بالكثير.. وكلما استطعت ان اقدم شيئا ايجابيا ونافعا لهذه المدينة رفقة زملائي الفنانين والمسرحيين ومثقفين المدينة الحمراء لا اتوارى ولا أتهاون ولا أصغّر أكتافي بتعبير توفيق زياد.

 

*  تكثر وتتكاثر المهرجانات المسرحية العربية، ويكاد ينعدم الدعم للفرق حتى تتمكن من إنتاج أعمال جديدة وتكثر شكاوي قلة الورش.. كيف تفسر هذه الحالة ؟

 

المسرح يحتاج إلى دعم. هذا أمر لا يختلف عليه عاقلان ولا تتناطح عليه عنزتان.. والدعم ليس ملكا لاحد، إنه ملك للمواطن. والدولة عليها ان تدعم المسرح على اعتباره خدمة عمومية يستفيد منها المواطنون وإذا لم يصل المسرح المواطنين في أي مكان يتواجدون فيه فعليهم ان يحتجوا.. لأنه من حقهم على الدولة كما يصلهم الماء والكهرباء ومختلف الخدمات العمومية ان تصلهم الثقافة والفن.

 

والشكاوي ليس الفنان وحده من عليه أن يوجهها، إذا ما انعدم دعم الفرق لانتاج الاعمال وإقامة الورش، المواطن أيضا عليه ان يوجه شكواه فدمقرطة الثقافة والفن والفرجة حق لكل مواطن. كما من حقه ان يعترض على الرداءة والاستهثار …الخ  وغياب الجمهور المواطن عن القاعات يساهم ايضا في جعل بعض من يتطفل على الميدان الفني ان يتمادى في تطفله.. بل يجعل حتى المسؤولين على القاعات مثلا يستهثرون ولا يبالون إذا ماكانت هذه القاعات لا توفر حتى الحد الادنى التقني لتقديم عرض مسرحي.. الجمهور هو الرقم الصعب في هذه المعادلة ودعمه أهم من أي دعم مهما كان.

 

*  حدث جدل حول  المؤتمر التأسيسي للاتحاد المغربي لمهن الدراما.. نود أن تعطينا فكرة عن ما يحدث؟ هل من خلافات ؟ وما الذي يقدمه هذا الكيان للفنانين؟

 

حتى أكون صريحا معك، التنظيمات التي أعرفها ومنخرط مع الفنانين في هياكلها هي : النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية والفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة وجمعية خريجي المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي وما تقدمه هذه التنطيمات هو المساهمة بفعالية وجدية في تأطير المهنة وتنزيل قانون الفنان وفتح أفق لاحترام المبدعين والمهنيين والتقنيين وصيانة كرامتهم وضمان اشتغالهم في ظروف صحية وملائمة تشجع على الانتماء لهذا الفن وتطوير مهنه وتقوية فرقه ومؤسساته.

 

*  كثيرون تركوا المسرح بعد معاناة وعيش قحط حيث لا يوكل عيش.. برأيك كيف يمكن سد هذا الخلل؟ وأين وزارة الثقافة المغربية والجهات العليا التي تصرف على مهرجان موازين بشكل تبذيري خيالي؟ كيف يمكن أن يقاوم الفنان؟

 

الفنان يقاوم بفنه وإصراره على إعلاء صوت الجمال والابداع.. والمفارقة هي ان المسرح من أغلى الفنون تكلفة لكن مردوده قليل.. فأن تقتني تذكرة لمشاهدة فيلم مهم في اكبر قاعة سينمائية في باريس مثلا لا يتعدى سعر التذكرة 6 أورو أو 9 على اكثر تقدير، لكن ولوج المسرح لمشاهدة مسرحية لفرقة محترفة محترمة تدفع ما بين 20 و40 أورو.. ذلك ان المسرح مكلف. ومع تطور العصر وتطور الوسائط يزداد غلاء ومنافسة.. لذا وجب الاهتمام بالمسرح في دولنا حتى لا يتركه المبدعون ويهربون منه الى التلفزيون وحتى يلعب الدور المنوط به داخل المجتمع كما هو شأنه في المجتمعات الغربية.  

 

*  خمران مخرج مسرحي ما المسار الذي يسير عليه؟

 

لابد ان يكون مسار أي مبدع محفوفا بالقلق الدائم والسؤال المستمر.. و أي فنان مهموم بالبحث، لا يكتمل المسار الذي يسير عليه إلا  بانتهائه هو أو بانتهاء تجربته. وإذا ما حاولت أن أقارب ما اسير عليه مسرحيا أقول : هو محاولة إعلاء شأن البحث باتجاه اشكال مبتكرة وتجريب مفردات جديدة وإعطاء البعد المختبري حيزا أوفر. ذلك ان المسرح فن مركب وهنا تكمن صعوبته.. فأنت أمام فن يتحكم فيه ايقاع تخلقه جماعة من الافراد الآن هنا. لا نسجله ليقدم ونرتاح، ولا نثبته على حامل وننصرف. انه فن حي نابض، يخلق شرطه الوجودي اثناء العرض لحظة بلحظة. وحتى اثناء هذه اللحظات التي يقدم فيها العرض “المكتمل” انت تبحث وتجدد وتقلق وتتساءل..

*  البعض يرى أن المسرح العربي يغرد خارج الحقيقة والواقع المعاش ونادرا ما نجد عملا يحمل قيم فكرية وجمالية.. وأن خطط تدجين هذا الفن وتفريغه تنجح بشكل متسارع لخدمة السلطات الحاكمة.. كيف تنظر لهذا الطرح؟

 

أي مسرح نريد ؟ هذا هو السؤال.. يقول بريشت “المجتمع الذي لا يميل إلى مناقشة آلامه وأحلامه وآماله على الخشبة فلا حاجة له بالمسرح..” ومحاولة تدجين هذا الفن المشاكس هي محاولة لطمس كنهه وجوهره .. واكيد أن هناك اتجاه طاغ يغرد خارج الحقيقة والواقع المعاش وحتما السلطة تنحو باتجاه رسم الخطط للتدجين ولجعل، ليس فقط المسرح بل الفن عموما في خدمتها.. وفي كثير من الاحيان لا تجد لا خطط ولا أي شيء فقط الاهمال الممنهج والمتعمد..

 

لكن دوما هناك كوة ضوء في كل مناسبة وهناك بارقة إبداع بين فترة وأخرى.. والابداع الحقيقي بطبعه نادر في كل الاشكال التعبيرية..  لكننا محكومون بالأمل يا صديقي على حد تعبير المسرحي المبدع والمثقف الأصيل سعد الله ونوس والذي لم تستطع السلطة تدجينه بل عندما احس انه يحتاج الى التأمل دخل في صمت طويل ناهز العشر سنوات.. ليعود بإبداع يحمل قيما فكرية وجمالية وبعدها لبى نداء الأبدية ونام نومته الأخيرة قرير العين.

(الرأي اليوم)


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock