مقالات ودراسات

الكاتبة والناقدة صفاء البيلي تكتب عن “قواعد العشق أربعون”: في رحلة البحث عن “شمس”.. أنت تبحث عن ذاتك يا “مــولانا”!

بمناسبة إعادة عرضه على مسرح السلام..


المسرح نيوز ـ  مقالات ودراسات | القاهرة

ـ

 صفاء البيلي*

*كاتبة مسرح وناقدة

 

على الرغم من أن الطقس كان باردا، وأسفلت شارع القصر العيني مشبعا بماء المطر والسماء توحي بسقوط مزيد من المطر إلا إنني ضبطت نفسي بعدما تفلتت قدماي من باب مسرح السلام،لتصعد عيني معانقة البدر التمام من بين الغيوم  وأنا أدندن كلمات الأغنية الأخيرة التي اختتم بها عرض قواعد العشق أربعون أو لنقل ابتدأ بها ففي ظني أن العرض انتهى على خشبة المسرح ليبدأ أثره في التغلغل داخل أرواح كل الذين شاهدوه ليصبح الأمر شبيها بالدائرة المفرغة التي لا يُعرف أولها من آخرها!

لقد تسرسبت إلي روحي حالة شديدة الخصوصية من الفيوض التي صنعها ذلك المدعو “قواعد العشق” فكنت ما بين ارتعاشة قلب وانتباهة عقل، وتمتمة شفاه، حواسي الست وما قد أمتلكه زيادة عليها أصبحا ملكا حلال لهذا الوجد المشع الذي اكتشفت أنني دخلت”خيته” بقدمي وبكامل إرادتي!

إن قواعد العشق أربعون، ـ  و”أربعون”  غير معرفة بأداة التعريف الـ  لتقع مبتدأ مؤخرا للتوكيد على أنه واقع الحدوث ومعنى مكتمل بذاته ـ    وهو يبدأ موسمه الثالث على مسرح السلام  بالقصر العيني ابتداء من 14 فبراير الحالي، لا يتصدى لما يمكن أن نطلق عليه مقاومة الفكر الضيق أوالأفكار السلبية الهدامة، أو التكفير والتزمت الديني فقط ، بل إنه يدعو إلى تخليق طاقات الإنسان الإيجابية من تلك السلبية  العقيمة التي تودي بمن يعتنقها إلى غياهب الظلمات، فالصوفية واحدة من الاتجاهات الدينية الروحية التي تدعو إلى السلام الروحي ونبذ العنف والتطرف، وعلى الرغم من  التحفظ عليها من قبل بعض المذاهب الإسلامية إلا إنها في الحقيقة تمثل علاقة خالصة بين الصوفي ومعبوده، و تتلخص في انصهار الحبيب في حبيبه حتى يصيرا كيانا واحدا.

تكتيك إخراج سينمائي برؤية مسرحية

يأتي هذا العرض ليصل ضلعا المثلث في مشوار اكتمال تجربة المخرج عادل حسان نحو العوالم الصوفية الشفيفة  والتي يبدو أنه كان قاب قوسين أو أدنى منها، في عرضيه “الجبل” و “شيكانارا”

وللوصول إلى هذه الحالة اعتمد المخرج عادل حسان في قواعد العشق على ما يسمى بـ تكنيك “الديكوباج –Decoupage”  في صناعة عرضه الجماهيري بامتياز، و”الديكوباج” كلمة فرنسية وتعني ( القطع أو التقطيع ). وفي العمل الدرامي، معناها ..السيناريو الفني النهائي وبشكل أكثر  دقة ( سيناريو التقطيع الفني ). وهو ما يقوم به  المخرج غالباً، وهذا السيناريو ليس سيناريو أدبي،.بل سيناريو إخراجي، حيث يعتمد  على رؤية المخرج التي تتكون بالضرورة بعد أن  ينتهى من التعامل مع  نص السيناريو  المسرحي  المكتوب وذلك عن طريق تقطيعه  إلى لقطات محددة تشبه إلى حد كبير السيناريو السينمائي لكن مرتبا على خشبة المسرح، مستعينا في ذلك بتقسيمات الخشبة حيث نرى:

(أسفل وأعلى ويمين ويسار، ومقدمة المسرح وخلفيته مستعينا في ذلك بما يشبه  اللقطات محددا بدقة  حجم كل لقطة عن غيرها بلا إسراف أو تقتير، جاعلا من عين المشاهد المسرحي كاميرته التي تستطيع بحساسية شديدة  أن تلتقط الصورة النهائية  (المشهدية المسرحية) و التي يمكن أن تكوّنها بعد اندماجها بالعناصر المصاحبة كالحركة.و الايقاع والمؤثرات الصوتية و الموسيقى التصويرية و يعد تصور المخرج مبدئيا وعمله على تصميم اللقطة الواحدة ثم اللقطات الموجودة بالتوازي لخلق هذه الحالة المسرحية السينمائية الثرية والمبدعة على الخشبة؛  هو النقطة الأولى التي منحت المخرج القدرة على الابتكار وانتاج صورة تتفاعل مع المتفرج قلبا وقالبا بالإضافة إلى أنها أعطته مجالا للإبداع والتفرد  في عمله المسرحي.

ففي قواعد العشق.. ترى الأفق المسرحي مفتوحا وهو ما يتناسب مع مضمون العرض الذي يقدمه ففي الأعلى تخلص المخرج من الحجرات المغلقة والمحددة في الموسمين السابقين.. ليجعلها مفتوحة يوصل كل منها للآخر (الراقص يمينا وهو ثابت لا يغير موضوعه لكنه يعير حالته من الثبات للحركة بحسب جنوح الوصل وهيامه وأثناء وصلات الغناء.. ثم وبلا فواصل أو حدود إلا حدود الإضاءة الوهمية، حجرة جلال الدين التي يتلقى فيها تلاميذه دروسهم على يديه، وفيها يجالس صفيه ونجيّه شمس الدين التبريزي، وفيها يلتقي شمس بكيميا لأول مرة وو.. إلخ، ثم مقام الصوفي الأكبر وهو مقام ثابت لا تحدث التحولات فيه من قبل الشيخ ولكن من خلال مريديه .. بالتجاور “شمس” حينما يصل إليه ويسأله في مسألة ما تؤرقه شأنه شأن الطوافين لأجل التعلم والوصول وبالتحاور “جلال الدين” للتوضيح أو الشرح أو التعليق على ما استغلق عليه أو المساندة والمعاضدة في موقفه أو التبيه!

أما في الأسفل فقد تم تقسيمه إلى مستويين.. المستوى الأول ( “وهو المرئي إلى داخل الخشبة” ممر في الوسط لدخول وخروج الشخصيات وهو بمثابة المتغير.. والثابت يمينا حجرة المعيشة التي يتناوب عليها الجميع (الزوجة/ الأبناء/ كيميا/ جلال/ شمس، ثم يسارا.. الراقص الذي يصنع مع مثيله في المستوى الأعلى ثراء بصريا أثناء الغناء بالإضافة إلى العازفيْن الثابتين، والمطرب الذي يدخل ويخرج بالتناوب مع المطربة، ثم نأتي للمستوى الثاني ( “وهو المرئي إلى خارج الخشبة”، حيث يموج بالحركة والتغيير، فتارة يتكون موقعا للمسجد يخطب فيه جلال الدين خطبة الجمعة، يجاوره السوق بما فيه من باعة جائلين، وبالمحاذاة المبغى والقوادة التي تسيره وحوارات مختلفة مع وردة والحارس، أو الحانة بما فيها من سكارى ليسوا بسكارى في واقع الأمر بل معظمهم أنس هربوا من واقعهم المرير، أو كونه حتى طريق يسير فيه المارة) وهذا مما ساهم في خلق رؤية بصرية مريحة وطيعة للمتلقي.

الكتابة.. تلك المغامرة!

لقد ذاع صيت رواية  “قواعد العشق الأربعون The Forty Rules of Love  لكاتبتها التركية إيلاف شفيق والتي نشرتها بعد روايتها “لقيطة اسطنبول” وقد صدرت في الولايات المتحدة الأمريكية في فبراير 2010  وكانت الكتاب الأكثر مبيعًا في أمريكا وتركيا على حد السواء.

ولربما كان ذيوع صيت الرواية سببا في في مغامرة فريق العمل للتصدي لهذا العمل الجريء ولكن كيف؟ تلك هى المسألة!

فرواية “إيلاف”  اعتمدت  في بنائها على الازدواج “الحكي المزدوج على مستوى الزمان والمكان والشخوص عبر حكايتين متوازيتين, واحدة في الزمن الحالي والآن للخط الزمنى الأول يمثل الأحداث التي تمر بها “إيلا”، وهي سيدة أمريكية على مشارف عقدها الرابع حياتها رتيبة عادية مع أبنائها وزوجها “ديفيد” طبيب الأسنان الناجح.  والثانية تتجول في القرن الثالث العشر متخذة من علاقة جلال الدين الرومي بـ “شمس التبريزي” الروحية التي جسدت حكايتهما  معا رسالة الحب الخالدة”.

أما في العرض المسرحي فيبدو أن ورشة الكتابة  التي ضمت الكاتبين الشابين” ياسمين إمام، وخيري الفخراني” وقامت عليها  الكاتبة الكبيرة” رشا عبد المنعم” كانوا على موعد مع المغامرة الإبداعية بل والروحية معا، حيث أكاد أجزم أن الفريق لم يبدأ في خوض هذه التجربة الابداعية إلا بعد أن خاض معارك قرائية في المصادر والمراجع والأشعار والمقتبسات الصوفية، علاوة على خوضهم معارك تصفية وتشذيب للأرواح وهو ما جعل  الكتابة تنساب بهذا الصفاء والتناغم كالماء الرقراق إلى هذا الحد الذي يشعرك أن كاتبا واحدا وروحا واحدة هى من تمخض عنها هذا النص.. على الرغم من أن الفريق بالتأكيد قد اعتمد على  مصادر أخرى غير ديوان قواعد العشق، ورواية إيلاف، حيث إن التراث الصوفي كثير ومتعدد ليس في شخصياته فحسب بل في  عصوره أيضا.

وقد كان  فريق الكتابة يعرف وجهته تحديدا حيث اتجه وبقوة نحو القرن الثالث عشر ليغوص بين شجونه محاولا تفكيك  ــ ثم تشبيكها بحنكة شديدة مرة أخرى ليختصروا عمرا لا يحد بحد من الفيوضات والمحاورات والمقابسات والمشاهدات والرؤى والمباصرات وتحديده زمنيا على كوكب الأرض.. ليصير ذلك العمر من المعاناة والحب والعشق إلى فيوضات   أشبه بالحلم الجميل لا يتعدى ساعتين من الزمان.

ولعل تكنيك الكتابة اعتمد على عدد من القواعد المنتقاة والتي جاءت في كتاب إيلاف بما يتوافق مع الطرح المراد ، لكنها اتخذت أربعة مسارات أولها:  مسار “جلال الدين وعلاقته بشمس الدين التبريزي” وكبير الصوفية، وهذا أقوى المسارات من وجهة نظري، ثم مسار ” زوجة جلال الدين وكيميا ووردة  وعلاقتهما بمن حولهما وخصوصا شمس”،  أما المسار الثالث فهو خاص بالعامة بما فيهم “الحارس” الذي يمثل السلطة اللاهية التي لا تسعى لمصالح الناس وهم “الباعة، القوادة،المصلون،  أصحاب الحانة” وعلاقتهم الجدلية بجلال الدين الرومي وشمس. ولا ننسى المسار الرابع الذي أعد وا له العدة بجدارة وهو المسار الغنائي الذي سنتناول الحديث عنه تفصيلا فيما بعد.

فعلاقة جلال الدين الرومي بشمس الدين التبريزي لم تكن علاقة مريد بأستاذ، فهنا اختلف الوضع، وحين تمتزج الأرواح لا يمكنك أن تفصل أيهما الأستاذ أو الشيخ وأيهما المريد؟ ففي لقياهما تذوب الفوارق وتنسلّ الحدود، في وجودهما معا لا زمان ولا مكان ولا جسد، أما ترى.. أربعين يوما انفصلا فيها عن الوجود وهما  يتدارسان مشاهدات شمس بين العباد في محاولة منه لمعرفة الله..هل كانا فعلا في بلدة قونية بأفغانستان؟، في الواقع الحسي نعم، لكنهما في الواقع الروحي كان تجليهما نعم إن المعرفة الحقيقية كانت هى المتكأ في هذه العلاقة.. “فمن ذاق عرف” وكانت نتيجة تلك المعرفة خروج ما يسمى بالديوان الكبير المعروف بقواعد العشق الأربعين لشمس الدين التبريزى.

وفي اعتقادي أن التبريزي وهو يحاور صاحب الحانة مثلا وهو يقول له: “إن الطريقة التي نرى فيها الله ما هي إلا انعكاس للطريقة التي نرى فيها أنفسنا فإذا لم يكن الله يجلب إلى عقولنا سوى الخوف والملامة فهذا يعني أن قدرا كبيرا من الخوف والملامة يتدفق في نفوسنا، أما إذا رأينا الله مفعما بالمحبة والرحمة فإننا نكون كذلك”

لقد  كان ينتهج سبيل الحلاج  الذي كان يمشي في الأسواق ليحارب الشر في قلوب الرعية فقد كان يرى أن وصوله لمحبوبه لا يمكن أن يحصل وهذا الشر متجذر في العالم فحاول أن يغير واقعه بما يتوافق مع يقينه ولأن الصوفية لا تقبل سوى التوحد بالذات العليا فشل الحلاج وكان هلاكه!

لكن شمسا كان يوقظ القلوب المظلمة لترى، كان يرفض أن ينفصل الصوفي عن الناس، لذا طلب من جلال الدين وهو من هو العالم الكبير والمعلم الشهير أن يمتثل له ويذهب للحانة، وقد كان لهذا الطلب  مغزى، وهو الوصول إلى ذوات أولئك السكارى.. كما وصل إلى ذات وردة.. فتاة المبغى التي قال لها: “إن الفراغات التي تقيم جذور الزرع في الطين هى نفسها التي تمنحنا القوة لنقف منتصبين” فكان ما أراد من استبصار الجوهر.. جوهر الانسان الذي به نتغلب على قشور الحياة الزائفة.

السينوغرافيا.. والرؤية المشهدية:

إن صناعة المشهد المسرحي لتحقيق متعة فرجوية بصرية للمشاهد ليست بالشيء اليسير، ولعل من أهم العناصر التي تساهم في ذلك هى الديكور الذي يعد اللبنة الأولى من لبنات هذه الصورة، وقد قام بتصميم الديكور الفنان مصطفى حامد، الذي اعتمد على تيمات تراثية عربية نقشت منها الحوائط والفواصل وكان الديكور في الجزء الأعلى من المسرح مقسما إلى حجرات مفتوحة من وجهة واحدة وهى وجهة الجمهور، وقد أحسن صنعا أن أزال كتل تلك الحواجز التي كانت تفصل الحجرات عن بعضها البعض لتذوب معا بفضل الإضاءة التي صممها ببراعة الفنان إبراهيم الفرن بما يتواءم مع روح العرض وإحداث موزنة هرمونية بين القواطع المتعددة في الأسفل عبر مقدمة الخشبة وصنع حالة من التباين بينها وبين ما يحدث في المستوى الأعلى من خشبة المسرح.

كما أثمن استخدام قطع الديكور البسيطة التي ساهمت في خلق حالة من الاتساع في الجزء الأمامي من المسرح والتي كانت تستخدم بسهولة دون عرقلة الممثلين.

أما الملابس والتي صممتها  الفنانة مها عبدالرحمن فعبرت عن روح العرض في العموم “ملابس المولوية التقليدية، واستخدام اللون الأبيض للفرقة الموسيقية المكونة من العازفين والمطرب، وذلك لصنع حالة مساوقة لملابس الرقص المولوي الشهيرة، تناغم معها ملابس “مولانا” جلال الدين، التي عبرت عن مواقف الرجل في مراحل علاقته بالتبريزي، فهو بالعمامة والعباءة إذ كان من العلماء وسادة القوم حين تنازل عنهما لمن أخبره عن مكان شمس، ثم اللون الأبيض وهو لبسه في الغالب الأعم، أضف عليه العباءة السوداء حين تحول إلى مواقف التعليم والتعلم والذوبان والحلول، ثم في المرحلة الأخيرة  حين ابتدع هو وصفيه التبريزي تلك الرقصة المشهورة «المولوية» وهى رقصة تتجلى من خلال الراقصين بشكل دائري يغيبون عمن حولهم  تكون إحدى أيديهم باتجاه الأرض والثانية مرفوعة للسماء فكأنهم بهذه الإشارات يرفعون ذنوب البشر من الأرض للسماء طلبا للعفو والمغفرة، ولعل تميز ملابس “شمس” على بساطتها وفقرها كانت مناسبة لصوفي طواف يدور في البلاد بحثا عن الله، كما جاءت ملابس “كيميا” ببساطتها ورقتها وردة مناسبة لدور البغي في غير تعري، وزوجة “مولانا” بكلاسيكيتها إلى حد كبير مناسبة لدورها الثنائي في التمثيل والغناء.

الأشعار.. والموسيقى المصاحبة:

لعل اختيار الأشعار من التراث الصوفي المتناثر هنا وهناك لابن الفارض، ورابعة العدوية، والسهروردي، وابن عربي وغيرهم واعتقد أن هذا الاختيار قد تم بحساسية شديدة..  ومعظم هذه الأشعار تلقتها آذاننا مغناة سواء من المطربين أو المنشدين الصوفيين ما عدا أغنية واحدة حديثة وهى “قمر سيدنا النبي.. قمر وجميل.. سيدنا النبي وجميل”.

لكن لنعترف أن هناك ما تميزت به هذه الأغاني حين جيء بها في العرض وهو التوزيع الموسيقي الجديد والمختلف للموسيقار السكندري “محمد حسني” والذي أخرج الأعاني من الاعتيادية وجعلها تنساب وتذوب مع الحالة المسرحية.. لا أنسى هنا الإشادة بالصوتين الكبيرين اللذين صنعا للمشاهدين متعة سمعية من طراز خاص  وهى المطربة “أميرة أبو زيد” والمطرب سمير عزمي بمشاركة فرقة المولوية العربية للتراث الصوفي.

 

 تمثيل.. لا يشبه إلا نفسه! 

نعم إنه تمثيل لا يشبه التمثيل،  وممثلون لا يشبهون إلا أنفسهم بل، فما يحدث على المسرح ليس إلا معايشة واحتراق وذوبان فقد استطاع المخرج عادل حسان قيادة فريق عمله المميز  جميعهم بنعومة شديدة ربما روح العمل وحالة الصفاء والحب التي هى لب وجوهر الموضوع الذي يقدمه الفريق كان له أثر السحر على صنع حالة من التواصل الروحي بين جميع الممثلين على الخشبة.

قامت بدور كيميا.. ابنة مولانا جلال الدين  الفنانة  فوزية  وقد عبرت جيدا عن  عشقها لشمس وتحولات شخصياتها من حالة الهيام لمطاردته بحبها، لمرضها وضعفها كما قامت الفنانة أميرة أبو زيد بدور مزدوج حيث  قامت بدور زوجة جلال الدين الرومى وكذلك تشدو بلوعة ومحبة، كان أداؤها مميزا ،، كذلك الفنانين ايهاب بكير، ورشا سامي والمطربة إيناس عز الدين.

وقام بدور كبير الصوفيين الفنان “أحمد مجدي” برصانة وإتقان. أما الفنان الكبير “عزت زين” فقد استطاع التسلل إلى قلب الجمهور  وعقله بعمق البساطة أو البساطة العميقة متناغما مع الفنان “بهاء ثروت” بأدائه شديد الخصوصية والجمال حيث قدم كل منهما شخصيته برحابة كبيرة وفهم ووعي واستبصار لدواخلها الحقيقية أو كما أحب أن أقول: “لقد ذاكر زين وبهاء الشخصيتين جيدا من الداحل ومن الخارج أيضا”، حتى إنك في لحظة ما  كمشاهد لا تكاد تفرق بين  روحيهما. حتى إن استخدام “تون” الصوت لكليهما  تحسب أنه محسوب بالملليميتر، حتى لا يجور أحدهما على الآخر، وعلى الرغم من براعة كل منهما في اعتلاء صهوة الحوار باقتدار، إلا إنك ربما تشعر أن  روح كل منهما هى التي تسيل في الحوار خصوصا في المناطق الوجدانية التي تخترق كيان المتلقي، انظر إلى شمس وهو يقول: “إن السعي وراء الحب يغيرنا، فما من أحد يسعى وراء الحب إلا وينضج أثناء رحلته، فما أن تبدأ رحلة البحث عن الحب، حتى تبدأ تتغير من الداخل والخارج.

ثم انظر إليه وهو يقول: لقد خلقنا جميعا على صورة الله ومع ذلك فإننا جميعا مخلوقات مختلفة ومميزة. لا يوجد شخصان متشابهان، ولا يخفق قلبان لهما الايقاع ذاته. ولو أراد الله أن نكون متشابهين لخلقنا متشابهين. لذلك، فإن عدم احترام الاختلافات وفرض أفكارك على الآخرين يعني عدم احترام النظام المقدس الذي أرساه الله.

إن انتقاء مثل هذه الكلمات بل الأفكار لتكون روح العرض ولتخرج من شخصية هائمة صافية كالتبريزي تعاضدها شخصية عالمة بارعة كجلال الدين الرومي لكفيلة بأن تغير وجه الحياة.. بالحب والمعرفة الحقيقة لقيمة الوجود.

وختاما..

شكرا  من القلب لرئيس البيت الفني للمسرح الفنان اسماعيل مختار ومدير مسرح السلام الفنان أشرف طلبةعلى إبقائهما على هذا الجمال الذي نحن في أشد ألاحتياج إليه لمواجهة الأفكار الرجعية والهدامة.

المقال منشور في جريدة القاهرة ـ النسحة الورقية


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock