مقالات ودراسات

الكاتب والناقد مجدي الحمزاوي يكتب عن: كواليس حمص في المسرح العربي!


مجدي الحمزاوي ـ كاتب وناقد مسرحي

مصر

واضح أن هناك أساليب وربما تقنيات جديدة تتبع في مهرجان المسرح العربي الذي تقيمه الجمعية المصرية لهواة المسرح ، وإن كان مثلي ممن تعدوا طور الشباب لا يستسيغوا هذه الأساليب فربما لأننا(دقة  قديمة) وعليه يجب ألا نقف عائقا أمام هذه المستحدثات  أو نحاول فهمها حتى  ؛ وعلينا فقط أن نسلم بها كأمر واقع ،هكذا يبدو الأمر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

من هذه المستحدثات مثلا   الإعلان أن موعد العرض في السابعة ولكن الثامنة تأتي ولم يبدأ العرض ، هنا عليك ألا تنفعل وتدرك أنه ربما كانت التقاليد التي كانت تقول أن احترام المواعيد وأن موعد فتح الستارة هو موعد مقدس  ، هي تقاليد تنتمي للعهد البائد وعلينا أن نلقي بها لمزبلة التاريخ . وأيضا عندما تقول اللافتات أن عرض الليلة هو عرض عراقي ولكنك تجد نفسك أمام عرض سوري بلا مقدمات  فلا يلتبس عليك الأمر أيضا وتقول انه  لا يوجد انضباط  ، بل هي حكمة جيدة فكلنا شعوب عربية  ونقول دائما انه لا فارق بيننا وان التاريخ  واللغة والثقافة تجمعنا ، إذن أن يكون العرض عراقيا أو سوريا أو يمنيا  فهذه أمور شكلية بحتة ، كما أنه ربما كانت هذه الطريقة مقدمة  لتجربة جديدة في المهرجانات العائلية العربية   ألا وهي أن الجمهور يكون على علم فقط بكل العروض في المهرجان ؛ وعلى المتفرج أن يخمن ماذا سيعرض اليوم والرابح مثلا يكون له جائزة كبيرة  ؛ ربما يحسده علها الباقون؛ وربما تتمثل في منعه من مشاهدة المهرجان لعامين متتاليين… ربما . ثم لا يستبد بك الغضب  أبدا عندما تقول لك مسئولة التنظيم أمام الملأ أنها لا تلتزم بموعد وأنه عندما يحضر الجمهور للصالة بشكل جيد  فستقوم هي تلقائيا بدعوة  أعضاء  لجنة التحكيم ثم يبدأ العرض الذي في النصيب ؛ لا تغضب أبدا وأعرف إنها وسيلة جيدة لعدم إهدار المال العام ؛ تتمثل في التعامل مع المسرح  بثقافة الميكروباس  ، فلا يعقل أن يبدأ العرض في موعده والصالة خاوية  ؛ وربما تقتبس وزارة الثقافة المصرية هذه الفكرة العبقرية  وتجد نفسك عند مجمع المسارح    وقد علت أصوات مديري المسارح متداخلة في بعضها وهي تقول واحد هاملت  اثنين  الفرافير    كوميدي كوميدي كوميدي..

تمر هذه الأساليب  الجديدة ويبدأ العرض المسرحي الذي عرفنا من خلال  المذيع الداخلي أنه باسم ( كواليس) من إنتاج  نقابة الفنانين بحمص السورية الشقيقة وأن العرض من تأليف / ضيف الله مراد ، ومن إخراج وتمثيل/ تمام العمراني . العرض ينتمي إلى ما يسمى بدراما الممثل الواحد ؛ وليس كما يقول البعض أنه مونودراما لأن هناك فارق كبير بين النوعين ؛ فالمونودراما في عجالة هي صوت أحادي فقط ؛ ودائما ما يكون ذاته ؛ حتى في محاولة  الإخبار عن آخر فأنه يخبر ولا يحاكي أو يقلد ؛ أما دراما الممثل الواحد فتقوم على ممثل واحد يؤدي عدة شخصيات   عن طريق المحاكاة لهم بالإضافة إلى صوته المفرد الذي يكون عادة هو المحور الأساسي في العمل ؛ كما يدخل أيضا على هذا النوع فواصل من الغناء وربما الرقص أيضا ، وهذا ما قدمه الممثل السوري على خشبة  لمسرح . وباختصار    فإن كلام من النوعين المونودراما  وعرض الممثل ماهما إلا محاولات تدريبية للمثلين أنفسهم _ هذا من وجهة نظري على الأقل _ فكليهما يفتقر إلى عنصر مهم في الدراما وهو عنصر الصراع ، حتى عندما يكون هناك إخبارا عن صراع ما  ؛ فإنه يكون عن طريق السرد  أو محاولة تقليد الطرف الآخر  ؛ وفي كلا الأمرين لن يكون هناك طرفان متحاورين فما بالك بالصراع؟!.

العرض يبدو أنه أنتج خصيصا للمهرجان ن فبعد التكريم الذي تم للممثل من قبل القائمين على المهرجان , بدأ العرض وهو عن ممثل  مسرحي  في حالة استرجاع وتداعي للأدوار  المسرحية التي أداها من قبل ؛ ومعاناته  الشخصية من التجاهل مع أنه يرى في نفسه فنانا قديرا وموهوبا ؛ فحني في لحظة تكريمه لا يجد من دعاهم لهذا التكريم ؛ وحتى محبوبته أو امرأته قد ذهبت لخالقها ؛ وهو دائما ما يناجيها أو يشكو لها . وهذا النداء والتحاور مع المحبوب القديم لا يعبر فقط عن حالة الحب التي كانت بينه وبين زوجته أو الاشتراك معا في الأحلام والآمال المجهضة؛  وإنما تدل أيضا أنه على انه لاحي يسمع منه , وحتى الحي الوحيد الممثل في صديقه بطل حرب 73  والذي من الممكن أن يكون معادلا لشخصية الممثل نفسه ؛ هذا المعادل نفسه أصبح مجرد كومة من ذكريات مهملة  في ظل واقع قاس ومستقبل غائم من خلال ابنه الوحيد الذي سافر للعراق ليلتحق بالمقاومة ويعاني الأب/ الصديق الأمرين من  رجال الأمن والفقد في آن واحد.  كما لا يفوته أن يعرج على بعض القضايا التي تهم الواقع العربي ككل لا السوري فقط ، ممثلا في فضح  تفاهات بعض مؤسسات الإعلام العربي من خلال تكالبها على نجوم العناء الذين لا يفيدون المجتمع ؛ ثم قضية المسرح في العالم العربي وكيف انه من عقود كانت هناك مناداة بأن يهتم بالمسرح في المراحل الدراسية الأولى وكن لا حياة لمن تنادي . كل هذا تم من خلال غرفة الماكياج التي من المفترض طبقا للعرض إنها مملكة الممثل الأولى والتي تتغير شخصيته التمثيلية فيها طبقا لكل ضربة من فرشاة على وجهه لتحيله لشخصية أخرى ؛ ولكن هذا الافتراض لم يتم إلا لمرة واحدة ح وأخذ الممثل ينتقل من شخصية لأخرى دون أن يكون هناك سبب    سوى البوح وسرد التاريخ الشخصي . مع أن الشخصيتان الدراميتان الرئيسيتان  الذين تعامل معهما وهما شخصية علي الكتف في  مسرحية محمود دياب ؛ وعبد الله بن محمد في مسرحية معين بسيسو  كانتا من الممكن أن تحملان المثير من التداعي للتزاوج بين الهم الشخصي والعام وحالة التوق الإنساني الدائم  للحرية على كافة مستوياتها العاطفية والمادية والحياتية ؛ بالإضافة الى الكثير من المعاني التي كان من الممكن أن تتولد عن  شكل الأداء .

كما أن المعادل المرئي لهذه الغرفة  كان في انحصارها وسط مقدمة المسرح وسط كومة من المقاعد والكراكيب  إن صح التعبير ، وهذا الاستخدام  كان من الممكن أن يكون مؤثرا لو لم يشر الممثل له ويقول هذه الكراكيب والمهملات الغرفة أو تحيط بها … الخ. لأنه لو تعامل مع الأمر فقط لكان في هذا إشارة إلى واقع المسرح العربي ككل من حيث المقاعد المقلوبة ؛ حيث كانت ستكون معادلا للواقع الذي يشكو منه .  كما أن خط الحركة اقتصر على الخط الأمامي فقط لخشبة المسرح ولا مانع من بعض نزول للجمهور , وهذا ليس عن سوء تنفيذ؛ بل عن قصد؛ فقد وضعت المقاعد وما شابهها في مقدمة المسرح تماما وتركت ممرا ضيقا بينها وبين حافة الخشبة حتى يكون الممثل واضحا دائما للجمهور ن لأن التفسير الذي من الممكن أن يكون على الجانب الآخر لم يستغل جيدا أو حتى لم يكن في الحسبان ؛ هذا التفسير المتمثل في ضغط النقابات والكراكيب على الممثل فوق خشبته فيدفعه هذا للدخول في الفضاء الأرحب وهو مكان الجمهور ؛ بما بحمله ذلك من معاني ودالات , ولكن لأن النص لم يكن معدا أساسا لهذا الغرض برغم التباكي على حالة المسرح العربي المعاصر والاستعانة بصور المسرحيين من شكسبير مرورا بممدوح عدوان ,,, الخ . ويكون مجمل النص الأساسي او الرسالة الأخيرة التي تصل  للمشاهد وتجب في طريقها الرسائل الأخرى التي من الممكن أن تكون هناك إشارات إليها ؛ هذه الرسالة تتمثل في كون بطلنا هذا ممثلا عبقريا عظيما ولكن لا يلتفت إليه على عطس نجم مشهور آخر من وجعة نظر ممثلنا لا يحظى بنفس القدر من الموهبة . وهذه الرسالة تحديدا هي في حد ذاتها من أبرز عيوب المونودراما أو دراما الممثل الواحد على المستوى الواقعي / فبدلا من أن يكون الجميع في خدمة العمل والفريق المسرحي  ؛ يكون الجميع في خدمة فرد واحد  ؛ وهذا ربما يتناقض مع التصور الديموقراطي للمسرح م ولكن الأهم أن  ذات من يقوم بهذا النوع من التمثيل تتضخم جدا   وينعزل بذاته عمن سواه فهو وحده أصبح عرضا قائما ؛ وهذا ما حدث بالفعل ففرقة نقابة الفنانين بحمص كانت ممثلة ربما بالممثل المخرج فقط ؛ يعنى هو استحضر الفرقة والنقابة في شخص واحد فقط هو نفسه .ولكن هذا لا يمنع أن تمام العمراني هو ممثل جيد ومقنع واستطاع أن يجذب انتباه الجمهور له في كل أوقات عرضه الأحادي هذا ,  وهو فيما يبدو يقدم نفسه كممثل أكثر من الاعتناء بكونه مخرجا  ؛ / ولو لم يكن هذا النص كتب خصيصا لهذا المهرجان  من خلال الاتكاء على واقعة قيام إدارة المهرجان بتكريمه ليكون تكأة لهذا العرض , لو لم يكن هذا فهو أيضا قادر بشكل حيد على الارتجال السريع الموائم الذي لا يخرج كثيرا عن النطاق الأصلي بل يضيف له ؛ ولو صح هذا فربما يكون من حقه أيضا ان يضع اسمه بجانب المؤلف الى جانب أنه قام بالإخراج وتصميم الإضاءة والموسيقى  بجانب التمثيل  طبعا

                                                           

ـ

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock