الناقد أحمد خميس يكتب عن العرض التونسي “أو لا تكون” .. الانحياز للفراغ وجماليات التشكيل

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

أو لا تكون

الانحياز للفراغ وجماليات التشكيل

أحمد خميس

في اليوم الاول من فعاليات الدورة 26 من مهرجان فرحات يامون الذي أقيمت فعالياته في مدينة (جربة) التونسية وهي مدينة سياحية يحدها البحر من كل الجهات وهذة الدورة من عمر المهرجان هي الاولي له كمهرجان دولي يسعي لتقديم عروض مسرحية متنوعة بين فنون مسرح الشارع وعروض الاطفال والكبار فضلا عن إقامة ندوة دولية عن المسرح والتراث وبعض ورش فنون الاداء وتصنيع العرائس

 قدم المخرج المسرحي التونسي أنور الشعافي مسرحية (أو لاتكون) وهي مسرحية تجريبية تلمع فيها الافكار ذات الصبغة التي تهتم بدور الشكل وآثرة علي مخيلة المتلق غير المعني بالترتيب المنطقي لطبيعة الحدث المسرحي المقدم أمامة في العرض الجديد , إذ تربي معظم المهتمين بالمسرح الحديث علي عروض تتحرر شيئا فشيئا من الخرافة بمعناها التقليدي حيث البداية والوسط والنهاية أو أنهم إعتادوا تلك الالعاب الدرامية التي تطرح الحكاية باشكال وأطروحات جمالية مختلفة , فالمسرح منذ زمن بعيد دخلت علية مجموعة كبيرة من الالعاب والاطروحات الدرامية التي تعكس فلسفات تأثرت بالمتغير الاجتماعي والتاريخي والنفسي وبدت كمردود طبيعي لها تبحث في عوالم اللا معني والنفس الانسانية غريبة الاطوار معقدة التصرفات , والمتآمل لعنوان المسرحية سيكتشف طبيعة اللعبة الدرامية المقدمة للمشاهد.

فالعنوان هنا مأخوذ عن الجملة الشهيرة في مسرحية هاملت حيث المونولوج الذي يعرفة حتي المواطن العادي غير المعني بالمسرح ( أكون أو لآ أكون) والمخرج (أنور الشعافي) مع الدراماتورج (بوكثير دومة) يلعبان مع المعني ويختاران لتلك الذوات أن لا تكون فتبدو كأرواح هائمة تبحث عن ترتيب مختلف لطبيعة وجودها وصراعاتها أو أنها أرواح طائرة تتعلق دوما بالمستحيل حيث يتعلق مصير كل منهم بالـتأرجح بين السماء والارض أو بين الجد والهزل وما الحكاية المقدمة كوجبة دسمة للمتلق إلا جزء من العرض إذ تنطوي الرؤية علي أهمية الشكل وقدرات الاداء التمثيلي فائقة الجودة فالممثل هنا هو بالاساس مؤدي ولاعب أكروبات يحمل بين جنباته كثير من هموم الشخصية الدرامية وصراعاتها ويتمتع بقدرات بدنية متعددة وقد تتلاقي في التركيبة الادائية التيمات والمصائر من خلال شخوص قد علقت مآسيهم عند المعاني العميقة لطبيعة النفس البشرية حيث الخير والشر والطمع والحب والغيرة والجفاء والخبث والقتل والخيانة وعليه أن يوازن دائما بين الشكل والمضمون ليبدو الحدث ذا آثر طازج غريب التكوين غريب الطعم وهي تركيبة براقة يرجي أن تعيش في مخيلة مشاهديها لفترة طويلة , وجتي لو إهتم أحد المؤدين بالحركة مثلا علي حساب آداءة التمثيلي فأن ذلك لايعني إلا عدم جاهزيته الكاملة للتكوين الصهب لفنون الاداء في العرض المسرحي

 المسرحية هنا  مأخوذة عن 4 مسرحيات لوليم شكسبير هي (هاملت وعطيل والملك لير وروميو وجولييت) ويقوم الحدث فيها علي تداخل المصائر وتفشي الموت أو القتل والجنون وذلك عبر لعبة مسرحية قوامها مجموعة من الاقمشة المرنة التي تعطي سماحية الشد والجذب ومعظم المشاهد تتعلق بهذة الاقمشة فالصراعات والحروب وحتي اللقاءات العاطفية متفق علي تقديمها عبر تلك التقنية (ممثل معلق علي اقمشة مطاطة) ولا يوجد لقاء حتمي بين المسرحيات الاربع في صورة حوار متبادل أو لقاءات مباشرة بين شخصيات المسرحيات الاربع فالحدث الذي يعتمد عليه الشعافي يقوم علي تناول قلب كل مسرحية منهم علي حدة بحيث يمكن للمتلق تتبع كل حكاية علي حدة دون عناء التفتيش عن تداخل المصائر وإشتباكها أو حتي تقارب موضوعاتها , ولن تلمح في الحوارات المتبادلة الا إختزال لطبيعة كل حدث بحيث يبدو كوحدة بذاتها دون تقديم الحوار الشكسبيري كما هو بالضبط ومن ثم جائت الحوارات مختزلة لا تتوقف عند البدايات المنطقية التي تطرح الحدود الدنيا فلقاء روميو بجوليت في المشهد الاول يرسخ لحب قد قام بالفعل والموقف ينم عن تصرف منتظر يحاول ان ينقذ قصة الحب القائمة , وفي لير قد يفاجئك المنظر الاول حيث تقسيم المملكة والكلمة التي أطاحت بنصيب كورديليا التي قالت الصدق فعصفت بها الاهوال ولكن لا تنتظر أن تحكي لك المشاهد التالية الموضوع بالتفصيل المعتاد فقط ستقابل بعض الشذرات السريعة التي تختصر المواقف والحكايات لتقف عند الموقف المهيب لوفاة كورديليا , وفي هاملت قد يتم القطع علي كثير من المواقف جد الهامة لتتلخص الحكاية في التواجد الهام للشبح والمعارك الطاحنة التي تضم هاملت كطرف أساسي , وفي عطيل يختصر المعد اللعبة المقدمة في الوشاية الشهيرة والغريب هنا أن أبنة الملك تتحدث الانجليزية بطلاقة معتادة وكان هذا منطقيا لبقية الشخوص التي تكمل اللعبة الدرامية وحتي عطيل ذاته والذي بدا كواحد من افضل المؤدين في المسرحية كان معتادا منها تلك اللغة المختلفة وكأن هناك رسالة آراد المخرج إيصالها من التكوين المقدم أو أنه آراد إشاعة التغريب بالمعني البريختي ليفيق المشاهد المتعاطف مع االحدث المقدم ويجبر علي تلقي الصدمة والتفكير في آثرها ومعناها ومن ثم الابعتاد خطوة بأتجاة الاثر الفلسفي لطبيعة التناول الجمالي

وبدا الشكل علي خشبة المسرح منحازا للفراغ اللهم الا بعض الاقمشة المعلقة من خلال فريم حديد يحيط المسرح من الجوانب الاربعة يمكن فكة وإعادة تركيبة مرة أخري حسب المساحة الخاصة بكل مسرح , تم تكوينة بالمنطق الذي يسبح في الخيال ليساعد فكرة المخرج ويؤكد علي إطار اللعبة الدرامية وقد تم إستخدام الفريم بحيث يحمل أجهزة الضوء والاقمشة المطاطة التي يمكن للمثلين تسلقها وعقدها للجلوس أو التعلق أو حتي إقامة اللقاءات العاطفية أو الصراعات الانسانية الشرسة , وحتي الازياء روعي فيها الالوان الصريحة التي تختزل التكوين النفسي الذي يلتزم بالشخصية الدرامية كما جائت عند وليم شكسبير ولكن لم تقدم لنا المشاهد كما آشرت قبلا النص الشكسبيري كما هو وإنما كل تيمة مقدمة ينظر لفحواها ويعاد صياغتها بكلمات بديلة تناسب سرعة الحدث في المسرحية التي تختزل أربع مسرحيات للكاتب الانجليزي الشهير وتقدمها لك في عمل واحد , وعلي كل ممثل في اللعبة الدرامية أن ينطلق من لحظة درامية مشحونة بأحداث سابقة طالما قبل الاتفاق المبدئي مع المتلق والذي ينص علي إختزال المواقف والاحداث

تجربة هامة للغاية في إتجاة تطور فنون الاداء وتحتاج لمؤدين ذوي قدرات بدنية فائقة قدمها لنا المخرج المخضرم انور الشعافي ذكرتني بأحد بالعرض الفرنسي (السيرك) الذي حصد الجائزة الاولي في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي

ـــــــــــــــــــ

مسرحنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock