مقالات ودراسات

الناقد المسرحي محمد مسعد يكتب: الناقد ودوره في الدفاع عن الحريات!


ـ

 

إن الصور النمطية عن العلاقة بين الناقد والمبدع مسلية ولطيفة… لكنها ليست كافية لتحديد العلاقة بين الفنان والناقد ولذلك سوف اتوقف هنا واتحدث عن البديهيات.. اتحدث عن الناقد ودوره في حماية الإبداع.

من المعروف الناقد ليس مضطر لمواجهة غضب الجمهور مثل كاتب حاد المزاج أو مخرج متمرد.. يحظى بموقع اجتماعي محصن ويستطيع التأثير في الحركة.. لكنه رغم ذلك هو شخص يرى ان من واجبه ومن مهام عمله ان يقوم بتكريس أو نفي وتقييم وتفسير تلك الأعمال المتنازع على قيمتها بين المثقفين والصحافة والجمهور داخل أطر تحميها وتوفر لها الفرصة للنمو وحيازة الاعتراف حتى وان خالفت القواعد الجمالية والاخلاقية العامة.. بل حتى لو كانت تتصادم مع النظام الاجتماعي والسياسي…. حتى لو كانت صرخة اقلية تمتلك الوعي والبلاغة والجماليات الخاصة بهم في مواجهة اغلبية تحتقرهم وتنفي وجودهم…. انه شخص منحاز.

بالطبع في الأمر بعض المبالغة…. لكنها مبالغة حميدة… فالناقد ليست مهمته فحسب ان يقوم بدور المقيم الذي يوزع كلمات الإعجاب والاستهجان والتحية والاستهزاء.. وبالتاكيد ليس المطلوب منه أن يكتفي بالقيام بدور المفسر والمستكشف والمحقق في عمل المبدع والكاشف عن ضميره… واكيد ليست مهاراته الأساسية كامنة في قدرته على استعراض معرفته وقراءاته أو اعادة اكتشاف الفوارق الحاسمة بين البنيوية وما بعدها… انه مدافع عن المهنة والممارسة بالأساس.. يؤمن بقدرة المسرح ( لا قدرة المبدعين) .. يؤمن بدوره واهميته وينصب نفسه (وينصبه الفنانين و الجمهور) كحارس للمهنة ومدافع عنها. شخص غير متورط في عملية الانتاج ممتلك لحريته في التعبير .

إن ذلك الناقد( كما اعتقد) لا يكتمل دوره دون الدفاع عن تلك المهنة والمنتمين لها… ان يحترم حريتهم ويدافع عنها… ان يمتلك رؤية للعالم يحتل فيها المسرح احد المداخل الأساسية لبناء عالم اكثر عدالة… يمتلك قواعد جمالية قابلة للتمدد والانكماش والتوسع والتحديد مع كل عرض لكنها تظل في أعمقها قائمة على قناعة حقيقية وراسخة بأن للفن ضروره اجتماعية ودور ثقافي وسياسي

حتى اكون اكثر تحديدا.. اننا في لحظة مخيفة…. ربما يكون الجميع مدركين لخطورتها وصعوبتها وان منعهم الخوف أو المصالح أو القناعات السياسية أو الطموحات الشخصية أو حتى الالتزام الأخلاقي تجاه المهنة أو الوظيفة … الجميع يدرك ان هناك في السلطة من يخشي الفن ويكرهه ويشعر بخطورة الأدوار التي يمكن أن يقوم بها في بناء الوعي وكشف الأكاذيب وطرح البدائل المهملة والمنفية…. هناك من يخاف من أن يرصد الفن مواقع الخلل العميق التي يتم تغطيتها والتمويه عليها بالإعلام والدعاية والرشاوى والتهديدات … ولذلك اصبح الفنان والفن و الممارسة الفنية عرضة للعصف والتقييد والتهديد والقمع والمحاصرة..

لذلك فأنا اعتقد ان من أدوار الناقد ليس دور الذواق وإنما دور المقاتل لفك حصار الفن والدفاع عنه عندما تتحول آله القمع والرقابة من مرحلة التهديدات الي مرحلة السحق للمسرح… عندما تلفق الأكاذيب يجب على الناقد كشفها… الأمر لا يتعلق بالدفاع عن أشخاص أو دعم المسار المهني ومنح الاعتراف لمبدع أو فريق مسرحي…. الأمر هنا متعلق بالممارسة المسرحية نفسها…

الناقد هو عنصر اساسي في تلك المعركة.. انها ليست مجرد معركة سياسية انها معركة مهنية بالأساس يمثل فيها الناقد المهنة والمهنين كونه يحتل موقع المراقب والمدافع والمقيم والمفسر والمنظر والمتلقي …. ان الناقد لا يتعرض للقمع المباشر مثل الفنان بحكم موقعه خارج ماكينة الانتاج المسرحي …. لكنه يفقد دوره وشرعية وجوده لو لم يدافع عن حق المبدع في حرية الإبداع.

بدون حرية تعبير لا وجود للمبدع… بدون مبدع لا وجود للمهنة وبدون المهنة يفقد الناقد صفته ودوره وقيمته ويتحول الي مجرد متفرج عادي يعبر عن انطباعات ذكية أو ساذجة لا غير


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock