وجوه مسرحية

ثريا جبران.. أيقونة المسرح المغربي


حكيم عنكر ـ الدار البيضاء

ـ

سدتها مع فرقتها المسرحية، “مسرح اليوم”، و”مسرح الشمس”، وقبل ذلك ضمن فرقة الطيب الصديقي، “مسرح الناس”، حيث لعبت أكبر الأدوار في مسرحيات من قبيل” أبو حيان التوحيدي” و”عبد الرحمان المجذوب”.

تدرجت جبران في مسرح الهواة في مدينة الدار البيضاء، في تلك السنوات الجميلة من العصر الذهبي للمسرح الهاوي في المغرب، والتي كان فيها هذا المسرح مدرسة حقيقية، تخرجت منها أهم وجوه المسرح المغربي. وفي هذا الجو السبعيني، تلقت الشابة، آنذاك، تشجيعا استثنائيا من رائد المسرح المغربي، فريد بن مبارك، الذي حثها على المواصلة، وعلى الخروج من دائرة الهواية إلى بحر الاحتراف.

حلق الرأس

كان مضمون المسرحيات في تلك السنوات، لا يخرج عن مجال المسرحيات الاجتماعية، التي تحاول أن تنتقد “المغربي” الجديد ، الذي بدأت الحياة العصرية تغزوه، وتغير الكثير من عاداته الاجتماعية المستجدة، حيث الهجوم الكاسح للمدنية على الحياة الريفية وتقاليد القرية التي كانت سائدة.

مع المسرحي، فريد بن مبارك، ستكتسب الممثلة الشابة، حياة فنية جديدة، بل واسما فنيا سيرافقها في مسيرتها الفنية، وهكذا سيصبح اسمها، ثريا جبران، بدلاً من اسمها الحقيقي، السعدية اقريتيف، لتُعرف باسمها الفني منذ ذلك الوقت إلى حين تنصيبها وزيرة للثقافة، حيث سيكتشف محبوها وجمهورها الواسع أن”جبران” ما هو إلا اسمها المستعار.

ارتبطت ثريا جبران بمرحلة هامة وتاريخية في المسرح المغربي، ففي الوقت الذي كانت فيه الموضوعات الفنية الساذجة هي المهيمنة على مرحلة الستينيات، سيكون للتحولات العنيفة التي عرفها المغرب على المستوى السياسي دور كبير في خلق تحول في الوعي الثقافي والفني، وسيشمل هذا التحول مجالات الكتابة، في الشعر وفي الرواية ، وأيضا في المسرح، حيث انحاز المسرح منذ تلك اللحظة إلى القضايا الجادة والملتزمة، عربيا ومحليا، كان من أبرزها التعبير الصارخ للمسرح المغربي عن انتمائه إلى القضية الفلسطينية على مستوى المضامين والإحالات.

وفي مسرح ثريا جبران سنلمس هذا الانحياز، وهو ما جر عليها أواخر الثمانينيات نقمة جهات نافذة، في واقعة مشهورة ، حيث تم اختطافها من طرف مجهولين، وتم حلق شعر رأسها، كرسالة قاسية من الخاطفين إليها، قبل أن يُخلى سبيلها في مكان مهجور. وهذه التجربة ستدفعها إلى واجهة الأحداث، وستصبح قضيتها قضية رأي عام، وشكلا من أشكال التضييق على حرية التعبير من قبيل من يخافون مسرحها.

مسرح وفن وسياسة

بعد التخرج من دراسات مسرحية في تكوين مسرحي ضمن فرقة المعمورة في الرباط، التحقت جبران بالفرقة المسرحية الوطنية التابعة للدولة لمدة عامين (1973-1975)، لكنها لم تستطع المواصلة وعادت إلى مدينة الدار البيضاء، حيث ساهمت في تأسيس عدة فرق مسرحية حرة، من بينها “مسرح الشعب”، و”مسرح الفرجة”، و”مسرح الفنانين المتحدين”.

اقرأ أيضاً: المغرب: الثقافة الأمازيغية على المسرح للمرّة الأولى

إلى جانب ذلك، عملت في عدد من الأفلام والمسلسلات التلفزيونية، كما أن ظهورها في عدد من الإعلانات الإشهارية للدعاية لمنتوجات إحدى شركات إنتاج قناني الغاز، حيث كان المغاربة حديثي العهد بوسيلة الطبخ الجديدة، وقد كانت الوصلة الإشهارية تحكي عن زوجة تدخل البيت، فتجد زوجها مصابا بحروق بسبب عدم معرفته استخدام هذه التقنية، فتصرخ فيه مولولة باللهجة المغربية “ناري جابها في راسو”، ومنذ ذلك الوقت أصبحت هذه الجملة شائعة على ألسنة العموم ودلالة على مَن لم يحسن التصرف.

المسرحي المغربي الكبير، الطيب الصديقي، نحت في ثريا جبران في فرقته المسرحية المعروفة بـ “مسرح الناس”، أضلاع الفنانة الحقيقية، وأبرز جوانب من شخصيتها من خلال أدوار ذات نَفَس خاص من خلال التعامل مع نصوص تراثية ذات ثقل خاص، كمسرحية” سيدي عبد الرحمن المجذوب” ، ومسرحية” أبي حيان التوحيدي” وقدمت هذه العروض في المغرب وفرنسا وتونس والجزائر والقاهرة ودمشق.

ومن خلال الصديقي، الذي كان ممثلا ومخرجا في نفس الوقت، انضمت جبران إلى فرقة الممثلين العرب، التي تأسست في الأردن، وقدمت “ألف حكاية وحكاية” و”سوق عكاظ”، إلى جانب الممثلة اللبنانية، نضال الأشقر، وعدد من وجوه المسرح العربي في ذلك الوقت. وتوّجت جبران تجربتها العربية بالحصول على جائزة أحسن ممثلة عربية في مهرجان بغداد عام 1985.

في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي وبعد زواجها بعبد الواحد عوزري، المخرج المسرحي المغربي المعروف العائد للتو من فرنسا، سيؤسسان معا فرقة مسرحية تحت مسمى” فرقة مسرح اليوم”، تحمل وعيا تجريبيا قائما على الخروج على الكليشيهات السائدة في المسرح المغربي، والاستفادة من منجزات المسرح العالمي، وبالأخص الفرنسي منه.

كما تزامن تأسيس هذه الفرقة مع الوعي العالي للمغاربة بالقضية الفلسطينية، وبالأخص بعد مجزرة صبرا وشاتيلا، علاوة على الجو السياسي الداخلي الذي كان سائدا آنذاك. كل هذه المعطيات ساهمت في جعل تجربة “مسرح اليوم” بحثا مسرحيا خاصا وانعطافة في المسرح المغربي المعاصر.

ومن الأعمال المهمة، التي لاقت احتفاء شعبيا كبيرا وفي الأوساط الثقافية والجامعية والإعلامية في المغرب، مسرحية “حكايات بلا حدود” المستمدة من نصوص نثرية للشاعر الكبير، محمد الماغوط، ومسرحية “نركبو الهبال” ومسرحية “بوغابة”، التي تقمصت فيها ثريا جبران دور رجل، وهو السيد “بونتيلا” عن نص “السيد بونتيلا وتابعه ماتي”، للكاتب المسرحي الألماني، برتولد بريخت، ثم مسرحية “النمرود في هوليوود”، وحصلت عنها في مهرجان قرطاج 1991 على جائزة أحسن دور نسائي، ثم مسرحية “إمتا نبداو إمتا” أي “متى نبدأ؟” ومسرحية “الشمس تحتضر” وهي عن حرب الخليج الأولى للشاعر المغربي، عبد اللطيف اللعبي. وحصلت جبران عن دورها في هذه المسرحية على جائزة السلام، ووسام الفنون والآداب الفرنسيين.

وفي سنة 1998، وفي إطار احتفائها بوصول حكومة عبد الرحمان اليوسفي إلى الحكم، عقب ما يسمى بـ “حكومة التناوب”، قدمت ثريا جبران مسرحية حافلة بكل الآمال الممكنة التي يعلقها المغاربة على هذه الحكومة، وكان عنوان المسرحية “العيطة عليك”. وواصلت تجربتها المسرحية بعمل آخر يدين الطبقة المخملية في البلاد، بعنوان “امرأة غاضبة”، وتلتها مسرحية أخرى عن جيوب مقاومة التغيير، بعنوان “الجنرال”.
ـــــــــــ

العربي الجديد


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock