د. إيمان الكبيسي تكتب: التحولات العلاماتية في سينوغرافيا العرض المونودرامي قراءة في مونودراما “حاوية”

مقالات نقدية لعروض مهرجان محترف ميسان الدولي للمونودراما أون لاين 2020

المسرح نيوز ـ العراق | مقالات ودراسات

ـ

د. إيمان الكبيسي

تُبنى معادلة الفعل الجمالي للعرض المونودرامي على اساس العلاقة ما بين الممثل والعناصر البصرية الاخرى ومنها المنظر الذي يكون ضاغطا لاستمرار بيان ابعاد الشخصية المتعارف عليها، عبر أنساق من التحولات العلاماتية لعناصر بنية هذا الشكل الدرامي، ما يقدم مثيرات عقلية وحسية متفاعلة توفر للمتلقي لذة جمالية تتباين بين شدة وخفوت على وفق استثمار تلك العناصر التي غاب الكثير منها في نوع من العروض المونودرامية (أون لاين) شكلت ظاهرة جديدة لها مالها وعليها ما عليها، إلا انها شكلت تجربة تستحق الوقوف على إطلالها واستنباط نتائجها وايجابياتها والعمل على تطويرها وإنضاجها،
ونحن في زمن الجائحة الذي فرض علينا عزلة وابتعاد احترازي، يأتي المسرح ضاغطا جماليا فاعلا، ساعيا الى المتلقي، متنازلا عن تفاعليته واحتكاكه المباشر مع المتلقي الى التواصل (أون لاين) الذي ربما يفقد المسرح الكثير من إمكانياته وجماله، لكنه يصرخ بقوة أنه حاضر ومتواجد في الازمات، وهذا ما وجدناه في أعمال مهرجان محترفي ميسان المسرحي للمونودراما، ومنها مسرحية انضوت تحت عنوان (حاوية) ليخلق شفرة ذات مدلولات متعاقد عليها في ذهن المتلقي توحي بظروف وواقع الشخصية وهامشية مكانها، وهذا عُرفت به الكثير من العروض المسرحية ما بعد الحداثة في ذهابها الى الذات والامكنة المهمشة،
فقد اختار (ابراهيم الشذر) من عنوان الحاوية دلالة تحيل إلى مدلولات سيسيولوجية وثقافية تعيشها الشخصية وتمثل الـ (الباكراوند) لها، متخذا من (الجوع) ثيمة رئيسة للعرض وما لها من تأثير في السير الحدث وآلية بناء النص، بعد ان جعل من الجوع ضاغطا قصديا على كل قرارات الشخصية وتحولاتها اثناء العرض، فكان دافعا للشهادة ليس حبا للوطن انما حرصا على توفير غذاء ودواء لام مريضة، كما كان سببا في جعل الشخصية على استعداد لبيع قيمها(الشرف، الكرامة) في حضور الجوع، فالجوع كافر هو الثيمة الرئيسة التي وضُعت ضمن حدث دائري ينتهي الى حيث البداية التي انطلق منها الفعل كونه عمل مونودرامي.
تشكل نص العرض بصياغة فنية توافقت والذاكرة الجمعية لمجتمعنا العراقي، هادفا لمناقشة قضايا ومشكلات يعاني منها الناس، معتمدا على توليفة افتراضية بين الواقع المعيش ومشكلاته وزمن الحدث الافتراضي الذي ظهر مع انطلاق الفعل عبر اشارة صوتية توحي بدقات الساعة معلنة بداية الحدث أو ربما إحالة الى أننا نعيش الآن هذا الحدث، ورغم أنه اعتمد زمنا مفتوحا غير محدد، لكن مُعِد النص ومقدمه حاول تعريقه عبر علامات كثيره تشير الى معناها لدى الفرد العراقي، ومنها ما نجح في استثماره دراميا بعد التعاطي معه إلى تحولات علاماتية متنوعة على سبيل المثال مكان خروج الممثل في بداية العرض وهو يحليه إلى أنه ( قبر، وقبو تارة وسريرا تارة أخرى، وتنور للخبز، منصة للمزاد)،
هذا التعاطي الفاعل مع هذه القطعة المنظرية رمزيا واشاريا غاب في تعامله مع الحاوية التي اكتفى بمعناها الايقوني المتعارف عليه على سبيل المثال قناني تعبئة الوقود في مقدمة الفضاء إحدى العلامات الايقونية التي تنزاح نحو تعريق الحدث في أننا وبرغم خيرات بلادنا غير المحددة لكننا نعاني الجوع والفقر، فكل شيء في الفضاء المسرحي لابد ان تكون له وظيفته داخل العرض وهنا قد يكون (ابراهيم الشذر) لجا الى وضع اللون الابيض في خلفية الفضاء كأنه يحيلنا إلى تكفين الحدث او الشخصية وان كل ما نشاهده، لا يمت للحياة بصلة وقد عززه باللون الاسود عبر قطعة القماش السوداء التي لفت المكان بأغلب تفاصيله، فاللون الاسود رمزا يشير الى الموت على وفق مرجعيات المتلقي وموسوعته. وما جرى في توظيفه للمرآة التي شكلت الصورة الداخلية لذاتها وهو يحدثها عبر بوح من نوع خاص اتخذ سمة الحوارية ما وضعنا امام الجدلية القائمة لمفهوم المونودراما من انها تشكل على المسرح فعل(الصوت الواحد، ام الشخصية الواحدة، ام الممثل الواحد)؟
يتنوع الأداء في المسرح المونودرامي ما بين التقمصية والتقديمية مع اعتماد التقديمية على الطريقة التقمصية كأٍسلوب أدائي، وصولا الى هيمنة الشخصية (التقمصية) من اجل التوغل العميق في عوالم وتداعيات الشخصية الرئيسة، وفي هذا العرض كان الاداء التمثيلي فقد كان اقرب الى تقديم الحالة من تجسيدها بعد ان انزاح نوعا ما عن الجانب العاطفي والجسماني الذي ربما لو عمد اليه لكان احدث بواعث نفسية اضفت صدقا ادائيا بالغ التأثير في المتلقي، لاسيما في حواره مع الذات عبر المرآة وما يتطلبه من مهارة حركية وصوتية تؤهله لتقديم الشخصية وابعادها، وكذلك في خطابه الاحتجاجي ضد السلطة الدينية التي احال اليها الفقر والجوع كنتائج لممارساتها وتسلطها، لكنه لم يكن موفقا في اختياره لبعض الطقوس الدينية في لمحة احتجاجية على هذه السلطة في انه ذهب الى طقس محدد لطائفة دينية معينة ولم يذهب الى ممارسات عامة ضمن الدين الواحد.
لقد نجح (المعد/ المخرج) في استنطاق العديد من العلامات، عن طريق القطع المنظرية والالوان وبعض المؤثرات الصوتية والايقاعات، مع مراعاة ظروف العرض بوصفه عرض (كورورني) (اون لاين) حدد الكثير من الجماليات التقنية التي كان من الممكن استثمارها في العرض المونودرامي كالموسيقى والاضاءة وتأثير غيابها في الارباك الحاصل في بث العلامات والفصل بين علامة واخرى. وكان حاذقا في اثبات الواقع الكوروني على العرض الذي يفترض العزلة والتباعد، لاسيما في اظهار محدودية عدد المتلقين نهاية العرض والابقاء على تواجدهما ضمن التسجيل المعروض بوصفهما عائلته الصغيرة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock