د. سامي الجمعان يكتب: على سبيل القراءة: “الزومبي والخطايا العشر”.. مسرحية استجابت للتجريب؛ وحققت معادلة المسرح الفرجوي.

د. سامي الجمعان

المملكة العربية السعودية

ـ

النص التجميعي؛ الخاضع لفكرة الورشة الكتابية المعتمدة على تعددية الكتاب؛ المتكئة على تنوع مرجعيات المضامين؛ بتجميع الفكرة من عدة نصوص وكتابات هو متن النص الذي لعبت عليه فرقة مركز الهناجر للفنون؛ في عرضها الزومبي والخطايا العشر؛ حيث كان من الواضح قيام نوايا المؤلف المخرج وفريق عمله على تكريس فكرة العمل الجماعي الورشي؛ الأمر الذي انعكس فعليا على هذا العرض وصبغه بتلك النكهة الجماعية الواضحة.

الحاصل أننا حيال عرض يحمل روحا؛ وحينما نقول روحا فنعني أننا حيال متعة مكتسبة سيحصدها المشاهد ولاشك؛ وهذه المتعة لها مصادر عدة من أبرزها أناقة ايقاع العرض وحركيته؛ والصورة البصرية الجاذبة؛ والأداء الجماعي المتناغم؛ واللعبة السينوغرافية المحكمة إلى حد كبير.

أبدأ حديثي بالمتعة كوني اعتبر متعتي كمشاهد محصلة رئيسية من أي عرض؛ في حال لم تتحقق استشعر خسارة العرض لي كمشاهد؛ وهذا العرض ممتع؛ يلعب على أو تار المتلقي الحساسة سمعية وبصرية ووجدانية، ودائما ما كنت أقول أي عرض سيستفزني إن لم يدغدغ احاسيسي ويلامس حواسي.

بصراحة شديدة كتبت هذا المقال لانصاف هذا الفريق في جديته الواضحة لتحقيق جزء كبير من اشتراطات التجريب؛ وتفانيه في أن يقدم عرضا فيه صورة مختلفة ولا أقطع بجدتها بشكل نهائي؛ وحلاوة هذه الاستجابة مصدرها اللعب في اطر التجريب على النص بوصفه مضمونا؛ والشكل بوصفه اطارا للعرض.

من هنا انطلق في تعميق فكرتي التي ادعيها وهي التشابك النصي ذو المرجعيات المتعددة؛ ولكن في قالب غير تقليدي حيث لم تركن الحوارات إلى كلاسيكية الحوار الثنائي بين شخصيتين متصارعتين؛ بل صور بشكل مذهل صورة الحوارات التي تدور بين الناس كافة في العالم الافتراضي؛ اعني حواراتنا في السوشل ميديا وتطبيقاتها؛ وكم شعرت للحظة بأنها فكرة خلاقة أن تصور هذا العالم دون أن تشير إليه مباشرة؛ فضلا عن استحضار الية عمل الفضائيات كمذيعي التلفزيون والراديو.

تشعر من الوهلة بأنك حيال نص متشظي؛ اشبه بتغريدات عالم التويتر؛ واقرب الى لقطات السناب شات؛ أو كصور الانستجرام المنفصلة المتصلة؛ هي لشخص واحد لكنها متنوعة في الزمان والمكان؛ ورغم هذا التشظي ابانت عن وحدوية عجيبة؛ واطار واحد كاطار شهرزاد في قصتها الأم وما تضمه تحت جناحها من قصص فرعية.

السينوغراف في هذا العرض قفزت بنفسها إلى حيز التجريب الحقيقي؛ بعناصرها الموظفة المتناغمة جدا مع فضاء العرض المفتوح؛ ومن اروع ما ابهرني وعي السينوغراف بأن للصوت حضوره؛ ليس في الاذان فقط؛ بل تلك الشاشة التي تابعت ترددات الصوت وكأنك على مونتر استديو تلاحظ صعود الصوت وانخفاضه وتلاشية.

خذ على سبيل المثال تصويره للعمق المسرحي الذي اوحى لي وللحاضرين بأننا فعليا على قارعة طريق؛ أو في أزقة مدينة او في مقبرة تحتضن جثث الزومبي؛ ولا أروع من وضع شاشتين شفافتين على الجانبين مع تعدد الاستخدام وتنوع التوظيف.

من جماليات هذا العرض أنه بحث ونقب وابتكر؛ ولم ينفر عناصره التي اقترحها بل سعى جاهدا لصهرها لتشكل وحدة متناغمة؛ لاحظوا تداخل الحوارات؛ لاحظوا انتقال الأحداث؛ لاحظوا جمالية الكريوغراف.؛ وعدم تعارضه مطلقا مع الحوارات الفردية أو الثنائية؛ ولا حتى مع شخصية الانثى الراوية حسبما اسميتها انا التي كانت تغيب وتبالغ في الغياب ثم تعود فجأة لتمسك بزمام الأمور في العرض ايقاعا ومضمونا.

أما مأخذي على العرض فهو ما جعلني اعترض بقدر حبي له وانتمائي إليه؛ وهي مسألة التكرار التي اوقعت العرض الجميل الأنيق المتناغم في فخ الاطراد؛ وتفسيري لهذا تفسير يمكن تعميمه على مسرح الشباب الذين تبهرهم اللعبة؛ وتغيرهم التجربة إذا ما كانت مبهجة كتجربة هذا العرض؛ فيأخذهم الحماس ليقولوا أكثر وأكثر وأكثر؛ وليجربوا أكثر وأكثر وأكثر لكنهم يتناسون قضية الزمن وخطورة الزمن على العرض المسرحي؛ فالدفقة المسرحية إذا ما حدثت وتحقق منها المراد؛ ستنقلب حتما إلى وبال على صاحبها إذا بالغ في شعوره بالابتهاج بها؛ وهي حالة أتمنى على المسرحيين الشباب.

وبعد هذا تبقى الزومبي حالة مغرية لفتح افاق تجارب شبابية كونه يستجيب فعليا لاشتراطات التجريب من جهة؛ ويحتفي بالفرجوية؛ ويحارب بصورة غير مباشرة الحالة الكئيبة والبكائية والسوداوية المقيتة التي صبغت مسرحنا مؤخرا.

همسة للمخرج: لحظة سقوط المطر مع ذلك الايقاع الجماعي الرهيب كفيلة بإنهاء العرض إن كنت تسمع نصيحتي .
وأخيرا ما أجملك وما أجمل فريق عملك .

بقلم: دكتور سامي الجمعان .. كاتب وباحث مسرحي .. المملكة العربية السعودية
Samijum@hotmail.com

ربما تحتوي الصورة على: ‏نص‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock