مقالات ودراسات

د. صفاء الدين حسين يكتب عن فرقة مسرح الطائف.. وعرضهم “مسرحية تنصيص”

عرض عبر الدورة الثالثة لمهرجان الدن لعربي بسلطنة عمان


المسرح نيوز ـ الأردن| د. صفاء الدين حسين

ـ

 

مشاهدةً وتحليل :-

على وفقِ ما جاءً في معجمِ اللغةَ العربيةِ لكلمةِ (تنصيص) ومفردتها (نص) أي تتمثلْ في وصفِ العلاقاتِ الداخليةِ والخارجيةِ للابنيةِ بمستوياتِها المختلفه وشرح المظاهر العديده لأشكال التواصل أو الترابط .

 

النص :-

ورد في خطاب النص (ثمان لوحات) للمؤلف (فهد ردة الحارثي) اذ اشار في (اللوحه الاولى) هنالك شق في الستارةِ البيضاء ويتضح خلف الشق لونٌ اسود بإشارتٍ من الحارسِ الى المخرج ويتعهد (المؤلف – الممثل) غداً بإحضارِ رقعةٍ بنفسِ اللونِ وبنفس المقاسْ .

إذ يخبرنا (مؤلف خطاب النص) في بداية اللوحةِ الاولى على وفقِ الحوار بين الحارس و الحاجبْ :

الحاجب : هل غادر المراقب العامُ ؟

الحارس : نعم يا سيدي غادر ، وبمعيتهِ صحبهُ الكرامُ .

الحاجب : كانَ يجب ألا تتركهُ يعبثُ في المكانِ ، حتى لا يكتشف الحقائق .

الحارس : الحقائقُ المعلقةُ كانتْ هي التي تسيرُ نحوهُ ، وكأنهُ مسافرٌ يجمعُ حقائبهُ .

على وفق مخيلة (مؤلف خطاب النص) وضع ستاراً أبيض تشكل منه ذلك الفضاء المتناهي بمدلولاتهِ والتي تشكلت منه (اللوحات السبع) تباعاً .

 

اللوحةُ الثانية :

أشار (مؤلف خطاب النص) وعلى لسان :

المخرج – الممثل : ولا بدَ لعبة الزمن بين عصر الحاجب وعصر الوزير تكون واضحةٌ ، يا شباب ارجوكم ادرسوا ابعاد الشخصية وتاريخها .

هنا جاء الاسقاط الدلالي كلغةٍ نصت الى اشارةٍ لما عرضهُ (مؤلف خطاب النص) بحواراتٍ بين (الوزير و المدير) .

وهنا يزداد حجم الداءُ فيزدادُ حجم الشق والرقعةُ لا تناسب المقاس .

مؤلف : ما قلنا شيئاً تخبط الكلمات ، تفصل الافكار ، لكن فاشلٌ بالمقاسات .

هنا صار اسقاطٌ اخر من قبل (مؤلف خطاب النص) على من يمتلك القرار أن يكون متوازناً بين الأفكارِ والمقاسات ، كمعيار رئيس للاشياء .

 

 

 

 

اللوحه الثالثه :

حدد لنا (مؤلف خطاب النص) تأكيداً قاهراً بإستمرارية سعة الشق وفق تخيل تركيبي أقترب الى (الكوميديا السوداء) .

وأكد على لسان :

المخرج – الممثل : أقسمُ لكم ، والله والله لقد اخذتُ المقاس بشكلٍ دقيق .

المؤلف : (بسخرية) دقيق ولا حب !! .

ممثل 1 : الشقوق تزيد هذه الايام ، والرقع تصغّرُ ، صدقت يا أستاذ .

ممثل 2 : الشقوق تزيد بالحرارة وتنكمش بالبرودة .

هنا يتضح لنا وفق رؤية (مؤلف خطاب النص) حجم المأساة التي تحدث وتدور من حولنا وليس لنا طاقةً تحتمل .

حتى يسند (المخرج – الممثل) بعد غضبه الى (مدير الانتاج) ويتعهد بجلب الرقه المناسبه للشق .

 

اللوحه الرابعه :

اذ يخبرنا (مؤلف خطاب النص) بلوحته الرابعه حتى ذلك الاداري (مدير الانتاج) يفشل في ترقيع الشق بعد ان تعهد ان يجلب الرقعه المناسبه للشق . مما يتعرض للسخرية من قبل المجموعه . ويسند (مؤلف خطاب النص )على لسان :

المخرج الممثل : فشلت انت الاخر .

الاداري : كلكم فشلتم .

هنا يشير (مؤلف خطاب النص) على من تقع مسؤولية الفشل سواء فشل (فردي – جماعي) على وفق المحاولات العديده ، اذ يسند جملتةً على لسان.

المؤلف الممثل : شوفوا يا جماعه ، الحل كلنا نشارك ، وكل واحد بكره يجيب رقعه معاه لترقيع الشق ، ولا بد أن ننجح في حلِ هذهِ المشكلةِ .

المخرج – الممثل : فرصة ثمينةٌ لنا في التدريب ، وظفوا خيالكم في حلِ المشكلة , و لن نأخذ مقاساتٍ , نستخدم الخيال .
ممثل – 1: والله لقد صارت مشكلة الشق أكبرَ منَ العملِ … ؟
ممثل – 2: بالفعل المشكله صارت مشكلتين .
ممثل – 3: ياخوفي من أن يكونَ الشق أكبرَ دوماً من الرقعةَ و يصعب علينا دوماً رتقهُ.
المخرخ الممثل : ( …..) لكن مشكلة هذا الشق لن تحل إلا برقعةٍ مناسبهٍ .
هنا يرمز لنا ( مؤلف خطاب النص ) بين موقفين موقف ( القياس و الخيال ) خارج إطار الزمن الحقيقي لهدم الهوةِ على مشكله الشق ؟ و الشق هو عمليه إسقاط غير مباشره اذ يجعلنا (مؤلف خطاب النص ) أن نستدلَ على إن هنالك أيدي خفيه لتشويه الأطر الموضوعيه .

اللوحه الخامسه :
يؤسس ( مؤلف خطاب النص ) في هذه اللوحه على الفعل الجماعي بما أتفاقا عليه بأن يجلب كل واحداٌ قطعه قماش مناسبه للشق ، مما دفع ( المخرج الممثل ) أن يجري اقتراعا بعدَ تلك الفوضى التي حدثت و الفشل القائم و السخريه فيما بينهم ؟.
إلا أن ( مؤلف خطاب النص ) يشير على لسان :
المؤلف الممثل : أنا لست فاشلاً ، الشق تمدد بفعلِ فاعلٍ .
ممثل – 2 : هل تريد أن تتهم أحداً إنه الفاعل ؟.
المؤلف : أنا لا أتهم ، لكن على يقين مما ذكرتُ ، و متأكد .
المخرج : الآن ستكون أنت منقذنا ، يا بطل .
ممثل -3 : أنها لها ، أنا فارس الفرسان
ممثل -2 : أنت لها يا بطل .
ممثل – 1:  الستاره أمانه في عنقك .
المؤلف : لا تسمح للشق بأن يتغلب عليك .
ينبهنا ( مؤلف خطاب النص ) هنالك يدٌ فاعلهٌ مستمرهٌ في تشويه الحقائق المتمثلهُ بتلك الستاره البيضاء و تستمر عمليه الفشل و إن أعلن عن فارس هو الذي سيتغلب على الشق و يهزمه .

اللوحه السادسه :
بعد أن أخبرنا (مؤلف خطاب النص ) في اللوحه الثانيه الفساد المستشري بكل القُطاعات للبنيه التحتيه و الحوار الذي دارَ بين الوزير و المدير و يكشف الوزير بعد أن همس المدير بأذنه من كان السبب في تعطيل المشاريع بجمله :
المدير : هذا ابن فلان ….. و ذاك ابن علان .
و يصرح الوزير بجمتله :
الوزير : بصير خير .
هنا يتردد الوزير خوفاً من أن يقع في مطب هو بغنى عنه  .
اذ يعلن في اللوحه السادسه :
الحارس : سيدي الحاجب الفساد استشرى في كل مكان ، كل المشاريع معتمدهٌ ، معطله ٌ لا يوجد إلا عاملً في كلِ إسبوع .
الاداري : الشقُ يكبرُ ، و الرقعةُ تصغرُ .
ممثل -1 : حلمُت البارحه إن الشقَ يكبرُ ، يزيد في حجمهِ ، يكبر يوماً بعد أخر ، تتسرب منه كائناتٌ عجيبةٌ ، و اخرى اعتياده ٌ ، يتسرب منه أطفال أشقياءُ نساءُ ثيباتٌ ، سحره و دجالون ، نابشون مقابرَ ، ثعالب صغيرهٌ ، خفافيش ليلِ ، قردٌ مهرجون ، الشرخ يزيد ، و المخلوقات تتناسلُ ، بعضها يجلب بعضاً
هنا يشر لنا وصفاً دقيقاً بحجم الشق الذي يكبر و تكبر معه ظلالَة التناسل من فئات مجتمعيه تغيب الأخر .
المؤلف افتح فمك جيداً ، عندما تتكلم ، فربما خرج الكلام قليله و كثيره ، و استرحت من فائض المخزون عندك ، لا شيء يستدعي بقاء مخزونِ الكلام مصفداً بالقيد عندك ، تخلص منه عبارات الوشايهِ و الغوايهِ و رسائل الحُجابِ ، ثم اترك صدرك قاعاً صفصفاً ، لا سجون للكلام على الدوام عندك .
ممثل -1 : كلما اتسعَ حجمُ العبارةِ ، ضاق إتساعُ مخرجِها ، هأنذا احاولُني بشكل جيدٍ ، و لن أهزمَني أمامي .
المخرج: طيب و النهايه ؟
المؤلف : عندي الحل .
المخرج : أنتم لا تشعرون بالمشكلةِ التي تحيط بنا ، هات حلُكَ سيادة المؤلف .
المؤلف : نكتبُ خطاباً لسعادةِ المدير العام ، نشرحُ فيه المشكلةَ و أكيدٌ عنده حلٌ .
رسم لنا (مرلف خطاب النصَ ) سخريه بالكيفيه التي يعدون خطاباً و إرسالهِ الى المدير العام و يتبين لنا هنالك أُناس يساهمون في إعلاءِ شأنٍ لا شأنُ له إذيقروون في نهايه الخطابِ  و على لسان :
ممثل -1 فإننا نأمل من سعادتِكمْإستبدال ستارهً جديدةٍ
ممثل -2 : بالستاره القديمهٍ .
على وفق تقديري حين وضع هذه العبارتين استبدال ستارةً جديدةٍ بالستارة القديمة ، هو عمليه رفض كل ما هو قائم و ما يدور بدوائر لا تنتهي .

اللوحه السابعه :
حين يكون الفساد عاماً و عمومياً يتفنن الفاسدون عِبر اقتراحتهم على وفق ما أسس لنا ( مؤلف خطاب النص ) ذلك الاجتماع الذي يمثل جهاتٌ من صناع القرار و يمثلهم شخصياً و إدخال القرار الى مقترحات و توصيات و لجان لم تتوصل الى قرار صائب بل توصلت الى تسيس الأشياء و اصدار قرار بإيقاف المسرحيه ، لغرض و هدف شخصي خاص ، بعد أن وضح لنا سخريه القدر بوجود أشخاص ليس بالمكان المناسب .

اللوحه الثامنه :
يوضح لنا ( مؤلف خطاب النص ) في اللوحه الأخيره تلك المراوغه التي يمارسها الإدريون و المسؤولين في حاله عدم الاستفاده من الأشياء التي لا شأن لهم فيها حتى يصدر القرار و على لسان :

المؤلف : صدَرَ القرارُ .
المخرج : نظراً للظروف الراهنه ، و لعدم التوصل الى قراراً للستارة فإنَ المديرَ العام – و بما لهُ صلاحيات يقرر ما يلي :
المؤلف : بقاء الستاره على وضعها وعدم إجراء تغير عليها
ممثل -1 : الغاء المسرح عموماً و التخلص من مشكلةِ الستارةِ التي كانَ المسرحُ سبباً فيها .
ممثل -2 : بدلاً من إصلاح الستارةِ و المصروفات التي تسببت فيها هذه المشكله .
ممثل -3 : فإن الغاءَ النشاط المسرحي سيكون الأصلحَ و الأكملَ و الأجملَ .
صوت خارجي : متابعه تنفيذ القرار
و على ما ارى إن ( فهد ردة الحارثي ) يمتلك عقلاً مركبا بين ماده التأليف و إنشاء صوره العرض ( تأليفاً ) على وفق الفكرةِ التي وضعها ليكشف لنا أبعاد الفساد المستشري و المسؤولين و الادرايين و قد تعمد في إنهاء العرض بإيقاف العرض المسرحي ؟
و هنا يأخذنا بتلك المقاصد إنهم لا يرغبون و لا يمتلكون وعياً ثقافياً ، بل يشاركون في تهديم الثقافه و الأدب و الفن تفضيلاً على مصلحتهم الشخصيه .

فقد اجتهد ( مؤلف خطاب النص ) في تكامل بنيه النص و اعداده جمالياً و ابدع في ذلك .

المخرج : ( سامي الزهراني ) :

على وفق مشاهدتي للعرض لاحظت هنالك كفتي ميزان بين ( المؤلف و المخرج) اذ تمكن المخرج مسك (رؤيه المؤلف ) بمادته المؤلفهِ و اقتنصها حتى أبدع بتلك التشكيلات في كُل لوحه من اللوحات ( الثمان) فضلاً عن اشتغلاه على المفردات البسيطه و استطاع أن يشطرها الى دلالات و ترميزات مما شكل توافقاً في بناء الصوره المشهديه كما ابدع في ضبط اللوحات مما جعل المُشاهد لا ينفك من متابعه الاحداث التي رواها الممثلون الذين أبدعو في تلك التلقائيه بالأداء التي تناسب و رؤيه المخرج فكان هنالك ومضاتٌ جمالياً بين الممثلين و المخرج اذ قاد فريق العمل بنسيجٍ زخرفيِ يزهو بالجمال .
كما كان هنالك توازناً كبيراً بين عقليه ( المخرج و السينوغرافي ) ، ( عبدالله دواري ) الذي شكلّا للعرضِ نفحه جماليةً للصورةِ المشهديه ، على وفق الأزياء و منظومه الضوء و كيف تعامل الممثلون بالحفاظ على ( الميزنسين)  على خشبه المسرح .
اذ اتضح لي إن الفنان (عبدالله الدواري ) يمتلك رؤيه جمالية في وضع عناصر العرض الأخرى لإحلال الصورهِ المشهديه التي توافق لغه المؤلف و رؤيه المخرج  لإن العرض المسرحي لا يتكامل خطابهُ بالدلاله اللغويه فقط . بل أصبح هنالك تفاعلاً مع بقيه عناصر المسرحيه .
اذ تبرز اهميه الإدراك البصري في تحليل الإبداعات التشكيليه و بناء الصوره المرئيه لتكوين الإيحاء بالأشياء ، و أصبح السبنوغرافي مساهماً في العمليه الأخراجيه .
لإن السينوغرافيا / هي فن تنسيق الفضاء المسرحي و التحكم في شكلهِ بهدف تحقيق أهداف العرض ، بوصفها فنْ تصميم مكان العرض المسرحي و صياغتهِ و يعتمد التعامل معه على استثمار الصوره الجماليه.
و كان للمخرج ثُقلاً كبيراً في مهمات ( ثلاث ) بوصفه ( مديراً للفرقه ، و مخرجاً ، و ممثلاً ) و هذا أمراً شاقاً ؟ الا أنه استطاع ان يمسك بها بجدارةً بتوفقٍ عالٍ وفق العرض .
فقط اتسم العرض بنكهةٍ جماليةٍ و كان رشيقاً و على ما أرى من الأعمال المعاصرِ الحديثه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بقلم

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock