مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب عن مسرحية تاجر البندقية.. للشاعر الإنجليزي ويليام شكسبير “1564 – 1616”


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

 

تعد هذه المسرحية من أشهر مسرحيات شكسبير، ولكنها ليست من روائعه “كهاملت” و”ماكبث” و”الملك لير” و”يوليوس قيصر”، ونحن نرى في بنائها محورين: المحور الأول عن حب باسانيو لبورشيا وحاجته للمال الذي يساعده في تقدمه لها للزواج، ورغبة بورشيا في تنفيذ وصية والدها بأن تجعل أي شخص يتقدم لخطبتها يختار فتح صندوق من ثلاثة صناديق، ومن يرى صورتها في صندوق منها وجب عليها الزواج منه مهما يكن مركزه وحالته المالية والاجتماعية، ويتصادف أن يوفق باسانيو في هذا الاختبار ويتزوج من بوررشيا، ويتزوج في الوقت نفسه صديق لباسانيو من وصيفة بورشيا.
وبعد زواجهم تحدث بعض المواقف الطريفة، فيضطر باسانيو وصديقه للتخلي عن خاتمين أهدتهما لهما زوجتاهما، وتغضب منهما لذلك زوجتاهما، ثم تعرفانهما في نهاية المسرحية بأنهما قد تنكرتا في ملابس رجلين، وأخذتا منهما هذين الخاتمين، وينتهي هذا الخط بنهاية المسرحية في الفصل الخامس منها. أما الخط الثاني فيها فيصور فيه شكسبير شخصية شيلوك اليهودي المرابي البخيل الحقود المتحفز للانتقام من أنطونيو التاجر النزيه الذي لا يتعامل بالربا مع من يقرضهم أمواله؛ وبهذا يفسد على شيلوك كثيرًا من أعماله الربوية وجمعه المال بهذه الطريقة.
وحين يطلب باسانيو إلى صديقه أنطونيو ثلاثة آلاف دوقي، ليتمكن من السفر لحبيبته وطلب يدها يخبره أنطونيو بأنه لا مال معه الآن؛ لأن تجارته في سفن مختلفة ينتظر وصولها إليه، ويستدين أنطونيو من شيلوك ذلك المبلغ من المال بصك فيه ضمان عليه، ويكتب فيه شيلوك إن أنطونيو إذا لم يسدد ذلك المبلغ خلال ثلاثة أشهر فلشيلوك الحق أن يأخذ رطلاً من جسمه.
ويتصادف أن تغرق بعض سفن أنطونيو، وينقطع الخبر عن بعضها الآخر، ولا يستطيع السداد لشيلوك في الموعد المحدد؛ ولهذا يسجن أنطونيو تمهيدًا لمحاكمته، وفي وقت المحاكمة يتغيب خبير قضائي كان متوقعًا حضوره، ويحضر بدلاً منه شاب صغير ومساعده، ونعلم أنهما بورشيا ووصيفتها، ويحاول باسانيو أن يقنع شيلوك بأن يأخذ أضعاف المبلغ الذي له على أنطونيو، ولا يقطع رطلاً من جسمه، ولكن شيلوك يرفض؛ لأن وقت السداد قد مر، وليس له رغبة سوى أخذ رطل من جسم أنطونيو، وهنا تتدخل بورشيا على أنها خبير قضائي، وتفحم شيلوك، فهي تقول له: من حقك أن تأخذ رطلاً من جسم أنطونيو شريطة ألا ينزف منه دم؛ لأنه ليس في الصك ذكر الدم، وهنا يتراجع شيلوك ويقبل أن يأخذ أضعاف المبلغ الذي له على أنطونيو، ولكن بورشيا تقول له: لا ليس من حقك أن تأخذ مالاً، بل عليك أخذ رطل اللحم من أنطونيو دون نزول دم منه، وهنا يتراجع أكثر شيلوك، ويرضى بألا يأخذ أي مال من أنطونيو، وتكون الضربة القاضية من بورشيا حين تقول لشيلوك: إن القانون هنا ينص على أن أي أجنبي حين يتعرض بالضرر لمواطن من البندقية فعليه عند ذلك أن يتخلى له عن نصف ماله والنصف الآخر تأخذه الدولة، وفي النهاية يتعاطف البعض مع شيلوك، فيعطونه نصف ماله والنصف الآخر يأخذه أنطونيو، ويتعهد بتسليمه لزوج بنت شيلوك – وهي جيسيكا – بعد موت أبيها، وبهذا ينتهي هذا الخط الثاني في المسرحية في الفصل الرابع منها.
ولا شك أن هذين الخطين الرئيسين متداخلان في هذه المسرحية، ولكن يعاب عليها أن ينتهي الخط الأول منها وتحل عقدته في الفصل الأخير منها،
في حين ينتهي الخط الثاني وتحل عقدته في نهاية الفصل الرابع منها.
ونلاحظ أيضًا أن بداخل هذين الخطين الرئيسين بهذه المسرحية تفريعات أخرى تتصل بهما، كحب لورينزو لجيسيكا ابنة شيلوك وهروبها من بيته بعد أن سرقت بعض مجوهراته؛ لتتزوج من لورينزو بعد أن تغير عقيدتها للنصرانية.
ولا شك أن شكسبير في هذه المسرحية الكوميدية يتساهل بعض الشيء في بناء عقدتها عن بناء تراجيدياته المحكمة البناء، وكذلك لا نرى في رسمه لشخصيات مسرحيته هنا الغوص في أعماقها وسبر أغوارها بل هناك ملامح محددة وثابتة لكل شخصية.
ولا شك أننا لا نقتنع حين نرى بورشيا فجأة علامة في القانون، وتستطيع بهذا العلم أن تنقذ أنطونيو من الموت.
وفي هذه المسرحية الكوميدية وظف شكسبير بعض عناصر الكوميديا بها، ومنها توظيف الأنماط الكاريكاتورية، وأبرزها شخصية شيلوك اليهودي المرابي البخيل الحقود المتحفز للشر، وقد وضعه شكسبير في مواقف طريفة أظهرت صفاته هذه بشكل كاريكاتوري مضحك، ومع هذا فما أبعد البون بينه وبين أرباجون البخيل في مسرحية “البخيل” لموليير، فبخيل موليير إلى جانب بخله فهو مرابٍ أيضًا، ولكن موليير جعله محور الكوميديا في مسرحيته، وبالغ في بخله بشكل فريد، ولكن شكسبير لم يعنه كثرة الضحك من شخصية شيلوك النمط الكوميدي في هذه المسرحية بقدر ما عناه بعرض الأحداث المتشعبة التي بها، وكذلك من الأنماط الكوميدية في هذه المسرحية شخصية لانسلو الذي كان خادم شيلوك، وتركه وصار خادمًا لباسانيو، وهو خادم ظريف يذكرنا في ظرفه ومرحه بالعبيد الظراف في المسرحيات الكوميدية اليونانية والرومانية.
وكذلك من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية تنكر بورشيا ووصيفتها في هيئة رجلين أحدهما علامة بالقانون والآخر تابع له.
وكذلك من عناصر الكوميديا في هذه المسرحية الحوار الكوميدي، مثل حديث أحد اليهود لشيلوك عن المصائب التي حدثت لأنطونيو، وعندما يسمع شيلوك جزءًا منها يفرح، ولكن صاحبه اليهودي يفسد عليه فرحته بأن يحدثه بعد ذلك عن ما فعلته ابنته بالمجوهرات التي سرقتها منه، فيحزن شيلوك، وهنا يعود صاحبه فيذكر خبرًا آخر عن مصائب أنطونيو، فيعود شيلوك للسرور من جديد، ثم يرجع صاحبه اليهودي فيعكر مزاجه بأخبار أخرى عن المجوهرات التي سرقتها ابنته منه، وهكذا يستمر ذلك الحوار بينهما بهذا الشكل المضحك لبعض دقائق.
ولا شك بهذا أن هذه المسرحية ومسرحية “ترويض النمرة” من أمتع مسرحيات شكسبير الكوميدية، ومع ذلك فجرعة الكوميديا بهما أقل بكثير منها في روائع موليير الكوميدية.

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏لحية‏ و‏نص‏‏‏‏
ربما تحتوي الصورة على: ‏‏‏شخص أو أكثر‏ و‏نص‏‏‏


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock