مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب: مسرحية المغنية الصلعاء للكاتب الروماني الفرنسي يوجين يونسكو “1909 – 1994”


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات

ـ

 

مسرحية المغنية الصلعاء
للكاتب الروماني الفرنسي يوجين يونسكو
“1909 – 1994”
كتاب مسرح العبث يقولون: إن الإبداع لديهم خلق وابتكار وليس محاكاة كما هو الشأن في الإبداع السابق على إبداعهم، وهم يقولون أيضًا: إن الإبداع يكون في الشكل والمضمون معًا، ولا بد للقارئ والمشاهد أن يحاول التواصل مع هذه الأشكال الجديدة عليه، وهم يعيبون على من لا يفهمهم أن العيب فيهم وليس في إبداعهم، ويردون على من يصف إبداعهم بأنه يخلو من المعنى والهدف بأنه يتوافق مع حياتنا التي تخلو من المعنى والهدف.
وفي الحق أنه ليس هناك منظور محدد نعرف من خلاله الخطوط التي يسير فيها كل كاتب من كتاب مسرح العبث، فكل كاتب منهم يتعامل مع كل مسرحية يكتبها بأدوات جديدة، ويحاول أن يتمرد فيها ليس فقط على القواعد المتوارثة عن بناء المسرحية، ولكنه يحاول أن يتمرد فيها أيضًا على أسلوبه في تجاربه السابقة، وقد يجره هذا للإسراف في العبث، كما هو الشأن في هذه المسرحية ليونسكو.
ففي بعض مسرحيات يونسكو لا سيما الطويلة نرى خطًّا دراميًّا يمكن تتبعه، وتتداخل معه بعض تقنيات العبث في تداخل الأزمنة والأمكنة وتصدع العلاقات الاجتماعية وفراغ الحوار من أي معنى وسلبيته في مد جسور التواصل بين الناس، ومن مسرحيات يونسكو التي نرى فيها خطًّا دراميًّا مسرحية “الخرتيت” ومسرحية “ماكبت”، وله مسرحيات بها شبه خط درامي، أي أنها تبدو في ظاهرها مفككة، ولكن بتأملها يمكن استشعار ذلك الخط الدرامي فيها، كمسرحية “الكراسي” ومسرحية “الدرس”، ولكن هناك مسرحيات له تخلو من أي خيط درامي ولا تحتوي إلا على حوار بين شخصين أو أكثر يسيره قانون تداعي الأفكار، ويتراءى فيه العبث في أعلى صوره في طريقة الحوار أو عرض الأحداث التي تحدث بها، كما نرى في مسرحية “فتاة في سن الزواج”، فهناك سيد وسيدة يتحدثان في أمور مختلفة لا رابط بينها، ومن ضمن ما يتحدثان عنه قول تلك السيدة بأن لديها ابنة في سن الزواج، ثم يدخل عليهما شاب، وتقدم السيدة ذلك الشاب للسيد الذي تتحاور معه على أنه ابنتها، وتنتهي المسرحية، وكذلك نرى هذا الإسراف في العبث في مسرحية “مشهد لأربعة” ليونسكو. ومسرحية “المغنية الصلعاء” هي من النوعية الأخيرة لمسرحه، فهي من فصل واحد، وفيها إسراف في العبث والتجريب.
وتبدأ المسرحية بحديث ميسس سميث لزوجها مستر سميث، وتقول: إننا أسرة إنجليزية ونعيش في حي من أحياء لندن ونأكل طعامًا إنجليزيًّا ونشرب ماء إنجليزيًّا. وتتكلم عن طفلها الذي كان يرغب في شرب البيرة، ولكنها سقته ماء، وتستمر في الكلام طويلاً وزوجها غير متجاوب معها، ولكنه يتجاوب معها حين تتحدث عن شخص كان مريضًا بالكبد وقام طبيبه بعمل عملية لكبده هو قبل أن يعمل عملية الكبد لمريضه، ونجحت عملية كبده ومات مريضه، وهنا يتدخل زوجها، ويقول: كان على هذا الطبيب أن يموت مع مريضه، كما أن قبطان السفينة يموت مع سفينته الغارقة، ويستطردان من موضوع لآخر حسب قانون تداعي الأفكار، ومما يتحدثان فيه عن شخص تتشابه ملامحه مع ملامح زوجته حتى يصعب التفريق بينهما، ومن الغريب أن اسميهما واحد، كذلك أبناؤهم كلهم لهم نفس الاسم.
ثم تدخل الخادمة، وتعرف الجمهور بنفسها، وتقول: إنها ذهبت للسينما، وتعرف مستر وميسس سميث أن ضيفيهما قد وصلا، فيقولان لها: أدخليهما هنا وسنغير ملابسنا.
ويدخل السيد والسيدة مارتن، ويتحدثان كأنهما غريبان، ويقول الزوج لزوجته: أظن أنني رأيتك من قبل، وتقول له: هذا محتمل لكنني لا أذكر شيئًا من ذلك، ثم يصف لها القطار الذي ركبه من مانشستر للندن ورقم العربة التي ركبها ورقم المقعد، فتقول له: لقد ركبت نفس القطار وفي مقعد مقابل لك، ولكنني لا أذكر أنني رأيتك، ثم يذكر لها الشارع الذي يوجد به منزله ورقم شقته، وتقول له: إنها تسكن في نفس الشارع ونفس المنزل لكنها لا تذكر أنها رأته، ثم يذكر أن لديه ابنة لها عين بيضاء وعين حمراء وتقول له: إن لها ابنة بهذا الوصف، وهنا تقول له: لا بد أننا زوجان، ويقبل أحدهما الآخر، وهذا المشهد يفهم منه تفنتت العلاقات الإنسانية بأسلوب العبثيين.
ويدخل مستر وميسس سميث عليهما، ويعاتبانهما لتأخرهما، ثم يتحدثان في أمور مختلفة بطريقة التداعي، ويدق الباب ثلاث مرات وفي كل مرة تذهب ميسس سمييث لفتح الباب لا ترى أحدًا، وفي المرة الرابعة يفتح مستر سميث الباب، ويدخل رجل المطافئ، وتقول ميسس سميث: إن دق الباب لا يعني أن هناك أحدًا يقوم بدقه، ويقول مستر سميث: بل لا بد من وجود شخص يقوم بالدق عليه، ويشتد الخلاف بينهما، ويشاركهما فيه مستر وميسس مارتن، ويفصل رجل المطافئ هذا النزاع بقوله: إن دق الباب ربما يعني أن هناك شخصًا يدق عليه، وربما يعني أنه لا يوجد أحد يدق عليه، ويسألهما رجل المطافئ: هل عندكم حريق؟ فيقولون: لا، ويقص عليهم رجل المطافئ قصصًا لا منطق فيها، ويشارك الموجودون في حكي مثل هذه النوعية من القصص العبثية القصيرة، ثم ينصرف رجل المطافئ؛ لأن عنده عملاً، فهو يتنبأ بأي مكان سيحدث فيه حريق ويقول إنه: لا بد أن يذهب ليباشر عمله، ثم تنتهي المسرحية بتكرار ميسس مارتن بعض العبارات التي قالتها ميسس سميث في أول المسرحية، وبهذا نرى المسرحية تسرف في العبث في الشكل والمضمون.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock