د. يوسف عيدابي يقدم لـ .. مناظرة جرت في دورة الشارقة 2014 .. سؤال الريادة في النص المسرحي العربي

المسرح نيوز ـ وهران |تقديم: د. يوسف عايدابي/السودان

ـ

جرت وقائع هذه المناظرة غير المسبوقة ضمن أعمال المؤتمر الفكري لمهرجان المسرح العربي في دورته السادسة في الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة يوم 13 يناير 2014 بين محقق الكتاب د. “مخلوف بوكروح” من الجزائر، ود. “سيد علي إسماعيل” من مصر، وبحضور المفكر والأديب اللبناني د. أنطوان معلوف والمؤرخ المسرحي البريطاني د. “فيليب سادغروف” ولفيف من المفكرين العرب الذين دعتهم الهيئة العربية للمسرح لحضور المهرجان والمناظرة.

عشية الندوة المحكّمة المتجددة غدا الأحد (10.00 سا) بقاعة نزل “الميريديان”، حيث ستقام الجولة الثانية من مناظرة الريادة في النص المسرحي المنشور بين د. “بوكروح” ود. “إسماعيل”، نعود لننقل أبرز ما جاء في المناظرة الأولى قبل ثلاث سنوات.

 

أولاً: الريادة العربية في المسرح/ مناظرة الدكتور مخلوف بوكروح (الجزائر)

لقد كان لدى الرواد المسرحيين العرب الحس السليم في اقتباس المسرحيات العالمية بدلاً من تقديمها بحرفيتها. إنّ المسرحيات العالمية ليست مهمة إلاّ بمقدار قابليتها الاندراج في بيئتهم والتكيّف مع واقعهم.

المسرح في العالم العربي، على مستوى الممارسة والتنظير، لا يزال يبحث عن أشكال ووسائل التعبير المناسبة التي تجمع بين المرجعيات الثقافية المحلية والأشكال الفنية الوافدة، لتمكّنه من التأصيل في المجتمع.

بدأت التجربة المسرحية العربية بالترجمة والاقتباس والإعداد مع “مارون النقاش” (1847)، واستلهام التراث مع “أبي خليل القباني” (1865)، والمحتوى الشعبي مع “يعقوب صنوع” (1870)، والإمساك بالتقنية الأوروبية مع” توفيق الحكيم” ومن جاء بعده.

إنّ التجربة الجزائرية في مجال كتابة النص تختلف عن التجارب العربية، فقد ارتبط المسرح الجزائري بالنضالات التي خاضها الإنسان الجزائري، فهو مسرح ملتزم يترجم المطالب الوطنية، وهو مسرح شعبي ووطني بشكله ومحتواه وجمهوره وموقفه من الأحداث التي كانت تعيشها الجزائر.

لم يُعرف المسرح في الجزائر عن طريق الترجمة والاقتباس كما حدث في المشرق العربي، وتجدر الإشارة إلى أنّ الرواد الأوائل قد اقترحوا نصوصاً مسرحية محلية، يمكن أن نقول عنها إنها “نصوص وظيفية”، فقد كتبت من أجل العرض وليس للقراءة إذ تميزت الكتابة المسرحية بهاجس البحث عن أشكال جديدة توفر شروط التواصل مع الجمهور.

أثارت مسرحية “أبراهام دانينوس” “انزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق” جدلاً كبيراً بين النقاد حول ريادة كتابة النص المسرحي. وفي هذا الصدد أضم صوتي إلى الدعوة لضرورة مواصلة البحث في تاريخ المسرح العربي، ليس من أجل مسألة الريادة، بل من أجل فتح باب الاجتهاد النقدي والبحثي على مصراعيه أمام الباحثين في تاريخ المسرح العربي لعل هم يعثرون على نصوص وتجارب أخرى.

يبدو أن عنوان الكتاب الذي وضعه الباحثان “فيليب سادغروف” و”شاموئيل موريه” “إسهامات اليهود في المسرح العربي” الصادر عام 1996 زاد من حدة هذا الجدل حول ريادة الكتابة المسرحية العربية، هذا الكتاب يبحث تحديداً عن مساهمة اليهود في النهضة المسرحية العربية التي يبدو أنّ الكاتبين حريصان على إبراز دور الجاليات اليهودية في الحياة الثقافية العربية وفي ريادة كتابة النص المسرحي.

إنّ إثارة مسألة دور الجاليات والأقليات التي كانت تعيش موزعة على الأقطار العربية في المشهد الثقافي العربي تقتضي البحث الدقيق والمنصف لهذا الدور، وتقديم الحقائق بعيداً عن المبالغة والاستغلال السياسي وتقديم الفنانين اليهود على أنهم وحدهم رواد الثقافة والفنون في العالم العربي.

الناقد “سيد علي إسماعيل” في مقال نشره بعنوان: “الريادة الحائرة للمسرح العربي بين لبنان والجزائر”. نشره في مجلة “كواليس” التي تصدرها جمعية المسرحيين في دولة الإمارات العربية المتحدة، في عددها الـ 33، يناير 2013. يتساءل في البداية عن إصرار الباحثين فيليب سادغروف وشاموئيل موريه على نشر ريادة أبراهام دانينوس في الكتابة الدرامية، ويشكك في تاريخ ومكان النشر، وفي جنسية المؤلف، دون أن يقدم الدليل القاطع لأحكامه؛ فالمعلومات الواردة في هذا المقال غير دقيقة، وتفتقر إلى السند العلمي المبني على حقائق ومراجع موثوقة، بل الكثير من آرائه مفتعلة.

ثانياً: ريادة المسرح العربي.. لمن تكون؟!/ مناظرة الدكتور سيد علي إسماعيل (مصر)

الإجابة على هذا السؤال، تحتاج منّا إلى تحديد مفهوم الريادة في مفهومين: الأول، هو السبق التاريخي! بمعنى أن يكون الرائد أول من فعل الشيء قبل غيره تاريخياً! والمفهوم الآخر، هو التأثير المستقبلي! بمعنى أن يكون تأثير الرائد على الآخرين قوياً، بصورة تسمح لإنتشار فعله الريادي بصورة واضحة وملموسة، بغض النظر عن كونه أول من فعل الشيء تاريخياً.

أليس رائد المسرح العربي هو مارون النقاش؟! سأجيب على السؤال بقولي (نعم)!! فمنذ عام 1869 عرف العالم العربي أنّ مارون النقاش هو رائد المسرح العربي! ولكن في عام 1990 نازعه آخر في هذه الريادة من خلال خبر نشرته الصحف مرتين: الأولى في جريدة (الشرق الأوسط) بتاريخ 25/3/1990، والأخرى في جريدة (الحياة) -عدد 142 -بتاريخ 17/10/1994 -تحت عنوان (نزهة المشتاق في أدنبره: اكتشاف مسرحية عربية قديمة)، قالت فيه: “صرّح الباحث الجامعي البريطاني فيليب سادغروف، وهو أستاذ محاضر في جامعة أدنبره/اسكتلندا، أنه عثر أخيراً في مكتبة اللغات الشرقية التابعة للمدينة، على نسخة نادرة من مسرحية مجهولة حتى الآن، يُعتقد أنها أقدم نص مسرحي عربي معروف. تحمل المسرحية عنوان (نزهة المشتاق وغصة العشاق) وهي من تأليف كاتب مغمور يُدعى أبراهام دانينوس. ويعود تاريخ النسخة التي عَثر عليها الباحث البريطاني إلى العام 1847، أي أنها سابقة لمسرحية مارون النقاش الشهيرة (البخيل)، المقتبسة بتصرف شديد عن موليير والتي قُدمت في بيروت عام 1848”.

وهنا نتساءل: لماذا يعتقد الباحث بأن المسرحية المُكتشفة هي الأقدم؟! أليس تاريخها – كما صرّح به – هو عام 1847، ومسرحية مارون النقاش عام 1848؟! أي أن النص المُكتشف هو الأقدم، وبالتالي يكون أبراهام دانينوس هو الأسبق في الريادة من مارون النقاش!! فلماذا لم يُعلن سادغروف هذه الحقيقة دون تردد؟! ولماذا ربط بين اكتشافه هذا وبين ريادة مارون؟!

بعد عامين من نشر الخبر السابق، وتحديداً في عام 1996 أصدرت جامعة مانشستر في إنجلترا كتاباً ضخماً باللغتين الإنجليزية والعربية؛ عنوانه على القسم العربي (الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية في القرن التاسع عشر)، وعلى القسم الإنجليزي (Jewish Contributions to Nineteenth-Century Arabic Theatre). وقام بكتابته كل من: (شاموئيل موريه Shmuel Moreh) من الجامعة العبرية، و(فيليب سادغروف P.C. Sadgrove) من جامعة مانشستر.

القسم الإنجليزي من الكتاب يقع في (138) صفحة، وهو دراسة تاريخية ينطبق عليها هذا العنوان: (الإسهامات اليهودية في المسرح العربي في القرن التاسع عشر)، وهو الترجمة الأقوى والأقرب لعنوان الكتاب بالإنجليزية!! والمؤلفان يتوجهان إلى القارئ العربي بعنوان عربي خادع، يفيد أن الكتاب يتحدث عن الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية!! ويتوجهان في الوقت نفسه إلى القارئ الغربي بعنوان يعكس الغرض الحقيقي من تأليف الكتاب وهو الحديث عن الإسهامات اليهودية في المسرح العربي، والتأكيد على وجود هذه الإسهامات بكل وسيلة ممكنة وغير ممكنة!! وهذا التباين بين العنوان الإنجليزي وترجمته العربية، يعكس لنا لماذا كُتب هذا الكتاب.. ولمن كُتب؟!

أما القسم العربي من الكتاب فيقع في (305) صفحة، وهو عبارة عن نصوص ست مسرحيات: الأولى (نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق) كتبها أبراهام دانينوس (1797-1872) Abraham Daninos. والمسرحيات الخمس الأخرى لأنطون شحيبر، وهي: (المريض الوهمي، مدّعي الشرف، انتصار الفضيلة أو حادثة الابنة الإسرائيلية، ناكر الجميل، ذبيحة إسحق).

ريادة مارون النقاش للمسرح العربي، تحدث بها شقيقه نقولا النقاش، عندما جمع مسرحياته وأشعاره، ونشرها عام 1869 في كتاب (أرزة لبنان).

لم يكتف سادغروف بإعلان ريادة أبراهام دانينوس للمسرح العربي في كتابه (الحركة المسرحية عند يهود البلاد العربية)، فأعلنها مرة ثانية في كتابه (المسرح المصري في القرن التاسع عشر)، الذي صدر بالإنجليزية عام 1996. كذلك فعل شاموئيل موريه، عندما أعلن ريادة دانينوس للمرة الثالثة في مقدمة تحقيق مسرحية (الأحمق البسيط) باللغة العربية عام 1997، وأعلنها للمرة الرابعة عام 2008 في محاضرة عامة بمناسبة تكريم أحد الأساتذة – قال فيها: “أول تمثيلية كُتبت باللغة العربية الفصحى، وطُبعت طبعة حجر، فهي على ما بلغنا حتى اليوم، مسرحية (نزاهة المشتاق وغصة العشاق في مدينة طرياق في العراق)، طُبعت في الجزائر عام 1847، تأليف المترجم في المحكمة المركزية الجزائرية أبراهام دانينوس …وبذلك يكون أبراهام دانينوس قد سبق مارون النقاش، مُنشيء المسرح العربي في لبنان بمسرحيته (البخيل)”.

غريب أن نكتشف أن كلمة (تأليف) غير موجودة في الأصل، ووضعها المحققان بخط يدهما!!

وعجيب أن نعرف أن وظيفة المؤلف بوصفه مترجماً في محكمة الجزائر غير منصوص عليها في الأصل، فقام المحققان بإقحامها!!

أما أعجوبة العجائب فكانت سنة التأليف أو النشر (1847)، التي ابتكرها المحققان دون أي سند أو توثيق أو دليل!!

وحتى يقنع المحققان قراءهما بهذا التاريخ – الذي يُعد أساس القول بريادة دانينوس – كتبا كلمة (حوالي)!! حتى يتوهم القارئ بأنها تعود على كلمة التأليف، فيفهم بأن المسرحية تمّ تأليفها حوالي سنة 1847!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock