مقالات ودراسات

عن عرض مونودراما “حب الفن” من الجزائر.. ورسالة من تحت الحَجر!

مقالات نقدية لعروض مهرجان محترف ميسان الدولي للمونودراما أون لاين 2020


المسرح نيوز ـ العراق| مقالات ودراسات

ـ

بقلم : حيدر عبدالله الشطري

 

لا يمكن ان نتناول عرض ( حب الفن ) الذي قدم ضمن مهرجان محترف ميسان الدولي للمونودراما بمعزل عن معرفة كاملة بالظروف التي يمر بها العالم والواقع الذي فرضته جائحة ( الكورونا ) والتي ترتب عليها الكثير من الحالات التي غيرت في طبيعة العلاقات الانسانية , وكذلك لا يمكن لنا ان نتحدث عن هذا العرض بعيداً عن الاشتراطات الفنية والتنظيمية للمهرجان الذي يسعى الى ان يكون العرض مباشرا  (on linen ) يقدم من داخل البيت لممثلٍ يعاني من فعل الحجر الصحي الذي تتطلبه الحياة الجديدة مع هذا الفايروس .

 

وبذلك نستطيع ان نقول ان العرض ايضا يعاني من الحجر على اعتبار انه يُقدم دون متطلبات ومستلزمات العرض المسرحي , وهكذا ستكون الملامح الابداعية في مثل هذه العروض صعبة المنال وعصية على التحقيق الا على الذين يعرفون كيفية تعويض كل هذه النقوصات التي تعتري العرض وايجاد بدائل فنية ستكتفي بها عملية التقديم وحينها سنكون امام عرض نقبل به في تلك الظروف الخاصة .

 

لقد كانت فكرة المهرجان بتقديم عروض مونودرامية هي فكرة تنبع من اصل الشعور الذي يعانيه مقدم العرض ( المنعزل, المنفرد, الوحيد, المحجور ) والذي بالتالي يكون بحاجة الى مساحة من البوح الانساني في التعبير عن صراعه مع القوى الخارجية التي ارغمته على شكل هذه الحياة الجديدة التي كرست للتباعد بين الناس.

ولقد كان مقدم العرض (كريني نور الدين) يعي ايضا الاعتبارات الطارئة والاملاءات الفنية والتقديمية التي فرضت عليه في تقديمه لهذا العرض وحاول ان يجد بدائل فنية بالاعتماد على اداءه الحركي والتمثيلي وبالتالي تقديم توليفة مسرحية تجعلنا نقف امام هذه التجربة باحترام وتقدير كبير لها والتي تسعى الى بث الروح في كل مفاصل الحياة مقابل كمية الموت الهائلة التي تحاول الجائحة ان تفرضها على حياة الناس في ارجاء المعمورة.

النص

تأسس نص العرض على تقديم شخصية تعاني من الانعزال وتجد نفسها امام تحديات كبيرة وتحاول ان تبحث في اسباب الحياة التي يجب ان تعمّ مقابل من يريد ان يسلبها , فهي  تعاني من صراع مع قوى خفية يجب ان تنتصر عليها لا سيما وانها تمتلك الصفات الشخصية كونها سوف لن تستسلم للموت وستحارب بضراوة في سبيل ذلك.

اعتمد النص على الطرح الكوميدي في بعض مفاصله في التعبير عن افكاره ورسائله التي يريد ان يوصلها للمتلقي …واجترح المؤلف لنصه هذا الاسلوب الذي يناقش الالم الذي تعاني منه الشخصية المنودرامية باسلوب السخرية والذي لا تمتلك اكثر منه في هذه المواجهة العسيرة مع قوىً خارجية متسلطة والتي ربما ستكون خاسرة فيما لو لم تعتمد هذا الاسلوب في التعامل معها في كل مرة.

لم يكن النص يبحث في مشاكل وجودية وانسانية كبيرة وكان بمثابة رسالة بسيطة في طرحها وكبيرة في معانيها تبحث في اسباب العيش والتواصل الانساني دون الانهزام امام التحديات التي تتعرض لها .

ولم نكن ننتظر اكثر من ذلك في الطرح الفكري لنص يشتغل في مساحة جغرافية ضيقة والفسحة التأملية الكبيرة سوف نجدها في الدلالات والمعاني التي يثيرها في رسائل مشفرة تارة واخرى مباشرة .

العرض

 

حاول العرض ان يشتغل على فكرة الاقتصاد في التعبير الفني والاعتماد على ما يتوفر في هذه المساحة التقديمية الصغيرة ( الركح ) والتي هي بمثابة السجن الذي يعاني منه المحجور صحيا ولم يكن امامه سوى اختصار المساحات وتكثيفها لصالح الاختزال الذي يزيد من تكريس العزلة الذي تعاني منه الشخصية والذي لم تكن تحتاج الى اكبر منه ملعباً لتلعب على اديمه .

 

يبدا العرض بحركة رتيبة لكرسي هزاز فارغ يتحرك موحياً بالغياب ومنذ الوهلة الاولى نتوقع ان العرض سيشتغل على جدلية ( الحضور…الغياب )  لا سيما وان الشخصية تظهر فجأة على الكرسي بعد ان كانت مخبأة تحت قماش يلفه وليعلن حضوره بقوة .

استفاد مقدم العرض من تقنيات العرض المونودرامي في استجلاب شخصياته الاخرى وحضورها غير المادي واستعان بذلك بجهاز التلفاز الذي تظهر عليه شخصية اخرى تعلن عن طرفِ صراع ثانٍ لابد من وجوده لاقتراح مادة درامية لعرض مسرحي , وقد كانت تلك الالتفاتة موفقة بقدر الاستخدام الدال والواعي لجهاز التلفاز في تعميق مساحة الصراع الذي تعاني منه الشخصية الرئيسية .

 

ويستمر العرض الى ان يصل الى بث رسالته الاخيرة حيث يقوم الممثل بإلقاء شعري لقصيدة يختتم بها عرضه تختصر كل الرسائل التي اجتهد في ارسالها العرض.

التمثيل

 

تمتع ممثل العرض بالجاذبية والحضور الفاعل والمؤثر في تجسيده لهذه الشخصية وكان حريصا جدا على اظهار قدراته الحيوية التمثيلية , وقد تبين تمكنه من ادوات الممثل الكوميدي ومهاراته , وقد حاول جاهداً الانتقال من فعل تمثيلي الى اخر بانسيابية وتحول مقنع .

 

واخيرا نود الاشارة الى ان خوض مثل هكذا تجربة يعد تحدياً كبيرا في عدم الاستسلام الى ظروف قاهرة افرزتها التغييرات التي حدثت في العالم والتي اسست الى عدم التواصل في الوقت الذي يسعى فيه المسرح الى تأكيد مهمته باعتباره من اهم وسائل الاتصال , فكانت روح المسرح حاضرة في محاولات تغييب ممنهج لحضور قسري لقدرية يجب ان لا يقف الانسان ازائها مستسلماً فكيف بالمسرح الذي يسعى الى بناء حياة حرة وكريمة للانسان…

 

انها فرصة لمشاهدة عرض في سابقة تاريخية مهمة  حيث ان جمهوره امرأة واحدة فقط هي شريكة الممثل في مكان الحجر ومن ثم سنشاهده نحن عبر وسائل الاتصال الحديثة , هي ربما مفارقة ما كنا لنتوقع انها ستحدث يوما واعتقد انها صورت لنا باختصار ما حدث للعالم والذي يجب ان نقف بمواجهته جميعاً وليكن المسرح هو اول اماكن المواجهة ونقطة الشروع نحو الانتصار على كل ما يهدد امن الانسانية.

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock