ما وراء الأقنعة.. نص مسرحي للأطفال.. للكاتب العراقي عمار سيف

المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل

ـ

تأليف: عمار سيف

 

ما وراء الأقنعة

( عن حكاية من التراث الانساني )

                                   الناصرية – شباط – 2015

 

الشخصيات

 

السلطان

البزاز

البزاز 1

الحاجب

القماش

صوت 1

صوت 2

صوت 3

صوت 4

صوت 5

المتسول

مجموعة

( الشخصيات من 12 – 16 حسب الرؤيا )

 

 

المنظر :

(احدى صالات قصر السلطان، تبدو فخمة ومبالغ في اثاثها وزخرفتها، حيث نرى السلطان امام مرآة كبيرة ذات إطار ذهبي، ينظر فيها لنفسه وهو يمشي أمامها بنوع من التبختر والزهو، وكأنه طاووس ينشر ريشه يمنة ويسرة، ونرى أيضا إلى جانبه من بعيد ( بزاز) قصير القامة ذا انف مدبب).

السلطان :  أيها البزاز.

البزاز   :   نعم يا مولاي السلطان.

السلطان :   ماذا لديك من اقمشة جديدة هذه المرة؟.

البزاز   : (يخرج من حقيبته قطعة قماش كثيرة الألوان ويلقي بطرف منها

امام السلطان بطريقة أنيقة بحيث تملأ قطعة القماش فضاء

المكان كله تقريبا).

البزاز    :  انظر يا مولاي إلى قطعة القماش، ذات الألوان البراقة هــــذه،

والمسها بيديك النبيلتين، لتكتشف بنفسك مدى نعومة حريرها

ورقّتها.

السلطان  :  ( يلمس قطعة القماش يقربها اليه، ويضع جزءاً منها على جسده وهو ينظر في المرآة ، ويبدأ في الحديث الى البزاز من خلال المرآة) أه… نعم، ان خامتها جميلة وملمسها ناعم ورقيق جدا,كيف حصلت عليها ومن اين أتيت بها ايها البزاز؟.

البزاز   :   ( بتملق ) من أجل مولاي وسلطان هذه البلاد، وسيدها، اذهب لآخر بلاد الهند والسند، كي اجلب ما يليق بمقامكم (ينحني للسلطان).

السلطان : (فرحا مزهوا بنفسه).. شكرا لك ايها البزاز العزيز، ونحن بدورنا نكرمك أكثر فأكثر كلما اتيتنا بأقمشة جديدة وفريدة لا يرتديها إلا سلطان مثلنا.

البزاز    : بكل تأكيد  يا مولاي السلطان، واعتقد ان قطعة القماش التي

امامكم لا تصلح ولا تليق إلا بسلطان مثلكم.

السلطان  : ( ضاحكاً )  والآن هيا اذهب واشرف انت بنفسك على فصالها وخياطتها، كي يتسنى لي ارتداؤها عصر هذا اليوم.

البزاز    :  سمعا وطاعة مولاي (يخرج مسرعا وهو فرح) اليوم حتما ستكون هديتي  من  المال أكثر من المرة السابقة.

( يدخل الحاجب على السلطان)

الحاجب :  مولاي السلطان الموقر، هناك بائـــع أقمشة يطلـــب مقابلة

سيادتكم، هل اسمح له بالدخول ام أجعله يأتي في وقت آخر؟

السلطان  :   ألم يكن هنا منذ قليل؟.

الحاجب   :  لا يا مولاي السلطان ، انه ليس بزازك الخاص الذي كان هنا

منذ لحظات وإنما  بزاز آخر يود مقابلتكم ويقول أن لديه ما يريك إياه من جديد الأقمشة الراقية.

السلطان :   وهذا يعني انه بزاز غريب؟

الحاجب   :   نعم يا مولاي، انه من خارج المملكة، وبالضبط من سوق البزازين، مثلما تقول المعلومات التي حصلنا عليها.

السلطان  :   دعه يدخل ، لكي نرى ما لديه من أقمشة مختلفة عما لدى بزاز قصرنا.

الحاجب  : سمعا وطاعة مولاي.

(يلتفت نحو البزاز الواقف عند الباب ويدعوه للدخول)

البزاز 1  :   (يدخل) السلام على مولانا السلطان.

السلطان  :  ( مسرعاً ) عليك السلام، والآن أيها البزاز الغريب، اخبرني ماذا لديك من جديد ومختلف من الاقمشة التي جعلتك تتجرأ وتطرق باب قصري.

البزاز 1   :   ( يخرج من حقيبته بعض الأقمشة ويناولها إلى السلطان بطريقة انيقة )

أقمشة نفيسة وجميلة تمنح السعادة والفرح لكل من يرتديها أو مجرد ان يضعها على جسده، وستكون أجمل وأكثر رونقا إذا تفضل مولاي السلطان وتكرم باختيارها ملبسا له.

السلطان   :  (وهو يتناول الاقمشة من البزاز، يقول  الجملة مثلما لو انه يلقي شعرا رومانسيا) سعادتي وفرحي ايها البزاز الغريب، تكمنان في ارتداء الملابس الجديدة، الملابس الزاهية، واعتقد ان هذه الاقمشة الساحرة ستمنحني ما اريد وأحب، أنا أرتدي هذه الملابس الراقية من أجل شعبي العظيم، واجعل عيونهم وقلوبهم وارواحهم تفرح بألوانها وحريرها ونقوشها.

البزاز 1 :    ( مع نفسه ) يا لسوء  حظ سكان سلطنتك، تسعد وتفرح بارتداء كل ما هو جديد ورعيتك تتضور جوعا وفقرا، وبدلا من ان تنشغل بأحوالهم تنشغل بنفسك، والنتيجة، انت سعيد وهم تعساء، انت شبعان وهم جياع، انت بصحة وعافية، وهم مرضى عرضة للموت من شدة الحزن والعوز، يتخذون من الأرض الخشنة فراشا للنوم، وانت تنام فوق افرشة من الحرير الناعم، تتنعم بما لذ وطاب من المأكولات، والبدلات والسهرات، وشعبك يتضور جوعاً, ( يقاطع السلطان تداعيات البزاز الداخلية بقوله ).

السلطان  : خذ أيها البزاز الغريب هذا الكيس من الذهب ، مكافأة على ما جلبت لي من أقمشة ساحرة وجميلة.

البزاز1   :  شكرا لمولاي على حسن كرمه، (وحينما يرى ان كيس الذهب صغيرا، يتدارك ، فيقول) ولكن يا مولاي ، هذا قليل بحق ما جلبت لحضرتك من أقمشة فاخرة.

السلطان  :    امسك هذا كيس آخر.

البزاز 1   :    هذه الاقمشة تمنح السعادة والفرح في النفس يا مولاي.

السلطان :  خذ هذا كيس ثالث من الذهب ، ولكن بشرط ان ارتدي هذه الاقمشة الجميلة اليوم وليس غدا.

البزاز 1  : ( وهو خارج )  رغباتك أوامر مولاي السلطان.

( بعد ان يخرج البزاز الثاني من قصر السلطان يذهب مباشرة الى سوق الزبائن، ويبدأ في التشهير بغباء السلطان وحبه لنفسه وهوسه بالملابس والألوان الزاهية التي لا تليق الا بالنساء، فيسمعه أحد القماشين الماكرين. فيذهب مسرعا الى السلطان، حيث نراه من جديد أمام المرآة وهو ينظر إلى نفسه فيها)

الحاجب  :   مولاي السلطان هناك قماش ثالث يريد مقابلتك.

السلطان :   ومن يكون هذه المرة؟.

الحاجب:   لا اعلم يا مولاي، ولكن يقول إن لديه أقمشة ليس لها مثيل في كل هذا الكون.

السلطان : إذا كان الأمر مثلما يقول فأدخله لنرى ماذا بجعبته.

الحاجب :   ولكنه يا مولاي لا يحمل اية حقيبة، وعندما قمت بتفتيشـــه لم أعثر لديه على اثر لقطعة قماش.

السلطان :   إذا كان الأمر كذلك ، فلماذا يريد ان يضيع وقتنا ؟.

الحاجب   : لا اعلم يا مولاي، ولكن شكله يوحي بأنه قماش ماهر.

السلطان  :   كيف عرفت؟

الحاجب :   إنّ مظهره الأنيق يقول ذلك.

السلطان :   حسنا، ادخله لنعرف ماذا يريد بالضبط.

الحاجب  : سمعا و طاعة.

( الحاجب يشير للقماش بالدخول)

القماش  :   السلام على مولاي صاحب السعادة.

السلطان :  عليك السلام، هه.. ماذا وراءك؟.

القماش :  مولاي السلطان.. جئت لك بنوعية من الاقمشة التي لا يوجد لها مثيل لا هنا ولا في اي مكان اخر.

السلطان   :   إذا كان لا يوجد منها لا هنا ولا في أي مكان اخر، فكيف حصلت عليها انت إذن؟.

القماش  :     ليس المهم كيف حصلت عليها يا مولاي ، وإنما بمجرد ما حصلت عليها  ووقعت بين يدي، قلت أنها لا تليق الا بمولاي السلطان.

السلطان  :   لقد جعلتني أتشوق لرؤيتها، ولكن أين هي؟.

القماش   :   لقد خبأتها في مكان لا يعرفه الا انا خشية عليها من السرقة.

السلطان  :   أ هي جميلة لهذه الدرجة؟

القماش :    نعم يا مولاي.

السلطان :    ولكن ما هو سر جمالها؟ .

القماش :   مولاي السلطان، ان سر جمالها يكمن في انها لا تُرى لمن هب ودب من البشر.

السلطان : كيف ؟ لم أفهم قصدك.

القماش   : انها غير مرئية ومن يلبسها لا يراها عليه احد بسهولة.

السلطان : ( بتعجب ) ان من يلبسها لا يراها عليه احد، إذن لماذا يلبسها؟ مازلت  لم أفهم قصدك بعد أيها القماش الغريب.

القماش  :   مولاي السلطان، حينما أقوم بتفاصيلها وخياطتها، وعندما تقوم سيادتكم  بارتدائها سيكون القماش نفسه غير مرئي، وهذا سحر تفردها وندرتها.

السلطان :  سحر تفردها وندرتها؟

القماش :   نعم، وبهذه الطريقة سيكون ما تلبسه غير مرئي للناس الأغبياء فقط، أما  الاذكياء وأصحاب الذوق فسوف يرونك فيها سلطانا ليس له مثيل في الاناقة.

السلطان :  لماذا؟

القماش :   لأنها وبكل بساطة، ثياب مسحورة ولا يمكن ان يراها أي احد ، ولكنها في  نفس الوقت تجعلك محبوبا لكل من يراك فيها سواء كان من الأغبياء أو من  الاذكياء، انهم سوف يُبهرون ويتعجبون بها على الرغم من عدم رؤيتهم لها،  ومن يشكك بعدم وجودها فأعلم انه ينتمي الى فئة الأغبياء الذين لا يرون ابعد من انوفهم الصغيرة.

السلطان : اه.. ما أروع هذه الثياب، هيا اذهب أيها القماش الذكي، واعمل على  تجهيزها، لكي أكون اكثر جمالا وأناقة وفي نفس الوقت اختبر ذكاء وغباء من يحيط بي سواء كان من الحاشية أو الشعب.

القماش  :   أمرك طاعة مولاي ، ولكن..

السلطان :    ولكن ماذا؟

القماش   :     احتاج الى الاموال لأنني صرفت كل ما املك من اجل جلبها اليك.

السلطان :    اه.. النقود ، نعم من شدة فرحي نسيت اهم الأشياء، ( ينادي على  الحاجب)، أيها الحاجب!.

الحاجب    :    نعم.. مولاي.

السلطان   :     اذهب مع القماش إلى الوزير وقل له أن يعطيه كل ما يريد من ذهب.

الحاجب    :     أمرك طاعة.

القماش :    خلال ثلاثة أيام ستكون بدلتك جاهزة يا مولاي.

السلطان :      ثلاثة أيام كثيرة وطويلة.

الخياط    :      إنّها ليس كسائر الثياب ، ويحتاج فصالها وخياطتها بعضا من الوقت.

السلطان  :       وهو كذلك، وما عليّ الا التحلي بالصبر .

الخياط    :       (منحنيا)  أراك على خير مولاي.

(يخرج الخياط مع الحاجب، الملك بمفرده يتأمل كيف ستكون تلك الملابس)

السلطان     :       كيف ستكون هذه البدلة العجيبة والغريبة؟ وما شكل ألوانها؟ ونوع  قماشها؟ هل هو ناعم كالحرير ام ان خامتها مختلفة؟ ، وبما انها  غير مرئية هل سيشعر بها جسدي عندما اضعها عليه؟ وهل أكون  فيها جميلا حقا مثلما يقول القماش ؟ اه,, كثيرة هي الأسئلة التي تجتاح رأسي فجأة، وأتمنى ان يكون هذا القماش صادقا في أقواله ونواياه والا ألقيت به في غياهب السجن, والان تعبت من التفكير، سأذهب بنفسي لأرى ماذا يفعل بالضبط .

(يذهب السلطان الى مكان الخياط ، الذي يشعر بوجوده فيقوم بحركات بتفصيل القماش وفقا لمقاسات موجودة امامه، ثم يلتفت نحو السلطان).

القماش    :      حللت أهلا ونزلت سهلا يا مولاي السلطان في مكان عملي المتواضع.

السلطان :        ماذا تفعل؟.

القماش   :    انني أقوم بتفصيل قطعة القماش وفقا للمقاسات التي منحني إياها  قصر حضرتك.

السلطان    :   ( السلطان ينظر في كل مكان فلا يجد أي اثر للقماش) ولكني لا أرى  أي اثر للقماش (متداركا) اه، لقد نسيت انه قماش غير مرئي، عظيم ورائع، استمر في عملك أيها القماش، فمن حركاتك الشريفة أكاد أرى واتحسس نوعية القماش، انه ناعم وشفاف الى درجة يصعب رؤيته.

القماش    :       ها انت بدأت تراه شيئا فشيئا، وهنا يكمن سر جماله، انه لا يمكن  رؤيته دفعة واحدة، وهذه احدى صفاته التي لا يمكن توافرها في باقي الاقمشة الأخرى التي تمنح نفسها للنظر بسهولة ومن دون عزة نفس.

السلطان     :     (متفلسفاً بغباء) نعم، هذا صحيح، بدأت أرى ملامح قطعة القماش شيئا فشيئا، تكاد ان تكون الوانها براقة وساحرة لدرجة يصعب تحديها بسهولة، جميعها مائلة للبياض، بحيث ان البياض لم يعد واحدا وإنما عدة بياضات لكل واحد له خصوصيته ودرجته اللونية المختلفة.

القماش    :      وهذا ما سيحدث لباقي الألوان الأخرى يا مولاي، أي سيصبح لكل لون من ألوانها، حزمة من الألوان التي تختلف درجات حدتها وبرودتها، وكأننا امام لوحة تمتزج فيها الألوان بشكل هارموني جميل، تعجز العين نفسها عن رؤيته ووصفه بسهولة (يقوم بأداء حركات أخرى مبالغة توحي للناظر بانه يقوم بقص القماش والى اخره من الحركات، ثم يلتفت إلى السلطان قائلا) وكما ترى يا مولاي سأنتهي قريبا من فصالها، ولكن حسب تقديراتي، سأكون بحاجة الى بعض المال لكي أنجزها بأسرع وقت ممكن.

السلطان   :       ( يمد يده الى جيبه ) خذ هذين الكيسين من الذهب، واسرع قدر ما تستطيع لأنني لم اعد املك صبرا، أريد انْ أرى هذه البدلة العجيبة، ليتسنى من خلالها قراءة ردود أفعال من حولي من الحاشية والشعب في ان واحد، فمن حق الشعب ان يرى سلطانه وسيما وجميلا يرتدي  أحلى الملابس وافخر الاقمشة، وأنا واثق أن منظري الجميل سيجعل الشعب سعيدا ومتخما، أليس كذلك يا قماش؟.

القماش   :     ( يتناول كيسي الذهب) بكل تأكيد يا مولاي السلطان، فمن حق الشعب أن يفخر بسلطانه ويتباهى بوسامته, بعد يومين ستكون البدلة جاهزة وسترى ردود أفعال كل من يراها عليك، في البداية، حتما انهم سيدهشون، بل ستصيبهم الصدمة، ولكنهم شيئا فشيئا سوف يتعودون عليها,( بعد مرور  يومين ، يأتي القماش الى السلطان لكي يقدم له البدلة الوهمية) .

القماش   :     أتمنى من كل قلبي ان تعجب وتليق بمقامك مولاي السلطان.

السلطان    :    (يتسلمها منه مثلما لو ان هناك حقا بدلة حقيقية)، ما اجملها من بدلة، زاهية الألوان وتبدو خارقة الجمال (فينفسه) في الحقيقة انا لأرى أي أثر لها ولكن المشكلة ان أعلنت عن ذلك سأبدو امامه بليدا وغبيا، لأنّ الأغبياء فقط الذين لا يستطيعون رؤيتها، هذا ما قاله القماش عنها، لاسيما انها بدلة سحرية، ويجب علي الان ارتداؤها، والخروج بها إلى الشعب وإلقاء خطبة بها، ومن خلال ذلك سأكتشف رأيهم بها, (يلتفت  نحو القماش) أيها القماش، لم تقل كيف يمكن ارتدائها؟.

القماش    :       أول شيء تقوم به يا مولاي هو ان تخلع ملابسك وتبقى في ملابسك الداخلية ، ومن ثم تغمض عينيك وتحاول ان تتخيلها قطعة قطعة عند ذلك فقط، يمكن ان تلبسها كما لو انها موجودة امامك فعلا، والآن دعني  اساعدك على ارتدائها، نبدأ أولا بخلع ملابسك (يقوم الملك بخلع ملابسه بمساعدة القماش) والآن تخيل أنك ترتدي الجزء العلوي من  البدلة، وعندما تنتهي ابدا في ارتداء الجزء السفلي، ثم لا تنس أن  تضع العمامة على راسك, اه.. ما أروعك الان يا مولاي، تبدو كما لو أنك سلطان آخر، اكثر شبابا ويفاعة وجمالا.

السلطان   :      هل حقا ما تقول يا قماش؟

القماش    :   بالطبع يا مولاي، آه .. شيء آخر نسيت ان اذكره لحضرتك، ان من  يرتدي هذا النوع من الألبسة، عليه أولا وقبل كل احد، ان يؤمن بها والا بطل مفعولها.

السلطان    :     بالطبع، والا يبدو موضع سخرية، أه.. انني اشعر بأنني خفيف وحر مثل طائر بري مزهوا بنفسه.

القماش    :       أرى ان مفعول البدلة بدا يتسلل اليك يا مولاي، وهذه أولى العلامات.

فهي تمنح الحرية حقا وتجرد الإنسان من كل القيود التي تكبل جسده.

(في هذا الإثناء يدخل الحاجب)

الحاجب     :     ( متفاجئا )  مولاي!

السلطان   :    آه .. أيها الحاجب، ما رأيك بملابسي الجديدة (مندهشا وخائفا في ذات الوقت ) انها جميلة أليس كذلك؟.

الحاجب   :     ( مذهولا ) نننننعم ، بلا شك انها جميلة وكيف لا ، يا لروعتها!

السلطان   :   ( مبتهجا ) كنت اعرف انك حاجب ذكي وذو نظرة ثاقبة، ولكن قل لي ماذا كنت تريد، لقد دخلت علي دون ان انادي عليك، هل جئت من اجل شيء محدد؟

الحاجب   :  لا يا مولاي، ولكن ادهشني ما رأيت ولهذا دخلت على حضرتك من دون إذن أو حاجة.

السلطان  :      حتما أن جمال بدلتي الجديدة قد ادارت لك رأسك؟

الحاجب   :      ( متلعثما بعض الشيء) نعم،  حتما، بدلتك الجديدة، آه، انها رائعة وجميلة الى درجة تبعث على الحيرة والدهشة في ذات الوقت يا مولاي.

السلطان   :     إذن، عليك ان تشكر القماش الذي منحني سعادة حقيقية.

الحاجب   :     كل الشكر لك أيها القماش.

القماش   :      لا شكر على واجب، سأكون دوما وابدأ في خدمة مولانا

السلطان  :     أيها الحاجب.

الحاجب    :     نعم يا مولاي.

السلطان  :   اذهب ونادي على رعيتي، اريد الحديث اليهم، وفي نفس الوقت ان أكتشف رأيهم ببدلتي الجديدة.

الحاجب   :     ماذا يا مولاي، تريد ان تخرج لهم هكذا، اقصد ببدلتك الجديدة؟

السلطان  :   وما الضير في ذلك أيها الحاجب؟!، يجب ان يتمتعوا بمشاهدتها مثلما تمتعت  انا بها, يهمني جدا معرفة رأيهم فيها، وفي ذات الوقت، سأختبر ذكاءهم, والآن هيا أذهبْ ونادِ  عليهم، سأتحدث إليهم من شرفة القصر الامامية.

الحاجب   :    أمرك مطاع يا مولاي.

السلطان   :   ( خارجا ) سأذهب لاستعد للقائهم.

الحاجب   :   (بعد خروج السلطان ، يتجه نحو القماش بغضب) ماذا فعلت بسلطاننا أيها القماش الماكر؟

القماش   :     ماذا فعلت؟

الحاجب   :     تريد ان تجعل السلطان موضع سخرية وضحك رعيته، تريده ان يقابل  شعبه وهو شبه عار، وليس على جسمه سوى ملابسه الداخلية؟

القماش   :    بملابس الداخلية!

الحاجب    :    وهل ترى على جسده شيئا آخر غيرها؟

القماش   :   ( متحايلاً ) بالتأكيد، ومن لا يرى ما يلبس، فهو اما غبي أو مغفل أو اعمى لا يرى شيئا.

الحاجب   :     هذه لعبة تلعبها على الأغبياء الذين أنا لست منهم.

القماش   :    ( بخبث ) هل تقصد ان مولانا السلطان غبببببببب..

الحاجب    :   ( يقاطعه ) اسكت والا قطعت راسك عن جسمك, ولكن سأنتظر لحين ما يكتشف خديعتك بنفسه عند ذاك سيكون لقطع راسك مذاق خاص, سأذهب الآن لاطلاعه على حقيقة الأمر.

القماش  :     لا تتعب نفسك، لأنه سوف لا يصدقك.

الحاجب :     بل سيصدقني ، هل نسيت بأنني حاجبه الشخصي.

القماش  :     لا لم انس ذلك، ولكنه يحب نفسه الى درجة لا يمكن لرأس صغير مثلك أن يؤثر عليه، والآن، لقد انتهت مهمتي وما عليّ إلا الخروج والانضمام الى عامة الشعب، وهكذا سأتبختر بين صفوفهم (يقول هذه الكلمات وهو في  طريقة للخروج)

الحاجب  :      (مع نفسه)  ماذا افعل ألان هل اخبر السلطان وأتحمل تبعات ما يحدث  ام التزم الصمت، وانتظر ماذا سيحدث؟ ولكن إذا اكتشف السلطان بأنه  عار، ماذا سيفعل؟ ماذا سيقول أو يفعل لي لحظتها؟ فهو فعلا سلطان  عار من الفكر وما طيبته التي يتظاهر بها على الملأ ليس الا واجهة لأعماق خسيسة وسيئة، انه سلطان نرجسي لا يحب الا نفسه، ومن الافضل لي ان التزم الصمت، واحمي رأسي من غضب سلطان معتوه مثله.

( عند كلمات الحاجب الاخيرة يدخل السلطان)

السلطان   :     أما زلت متسمّراً في مكانك؟

الحاجب   :   كنت انتظر مجيء حضرتك مولاي.

السلطان  :    وهل هناك امر تريد أن تخبرني به؟

الحاجب   :   ( حائراً ) هه.. نعم، اقصد لا يا مولاي.

السلطان :     نعم ام لا، كن واضحا أيها الحاجب، لم اعد أفهمك جيدا.

الحاجب   :     بصراحة يا مولاي.. لا يوجد شيء،وقد ظننت أنك ربما ستحتاجني في شيء ما، سأذهب وانادي على رعيتك.

السلطان   :      هيا وبسرعة، ولا اريد الانتظار اكثر من ذلك.

الحاجب    :    ( وهو خارج ) سأكون اسرع من البرق يا مولاي.

السلطان   :    ( مع نفسه ) كيف سيكون لقائي برعيتي، وماذا سأقول لهم، دائما نفس الأشياء، وليس هنالك من جديد سواء الكذب والرياء والنفاق، وزرع الوهم يجب ان أكون حازماً معهم هذه المرة، وقويا وصلباً ويجب ألا اعطيهم الفرصة كي لا يتجاوزوا حدودهم, سوف اشغلهم بموضوع ملابسي الجديدة، وبهذه  الطريقة سأختصر الطريق على نفسي، وإذا صرخوا وقالوا كعادتهم بأننا جياع سأقول لهم ان الاكل ليس كل شيء في الحياة، وان هنالك أشياء أخرى اهم و…

(في هذه الاثناء يدخل عليه الحاجب مبتسما)

الحاجب :    مولاي السلطان الجميع ينتظر ظهورك البهي

(نسمع من بعيد صوت تجمع الشعب ولغطه غير المفهوم)

السلطان   :   حسنا ، سأصعد للشرفة مباشرة.

( في عمق باحة القصر توجد شرفة يصعد إليها السلطان وهو عار الا من ملابسه   الداخلية، وكلما يقترب السلطان من الشرفة كلما يتعالى صوت  الشعب، وبمجرد ما يكون أمامهم،  يسود صمت مطبق على المشهد )

السلطان    :   (مبتسما وهو يحيي الشعب بيديه) ايها الشعب الكريم، يا رعيتي الاعزاء،أيها السعداء.. لقد وعدتكم في المرة السابقة بالتغيير وها أنذا أفي بوعدي، ها أنذا امامكم الان سلطان جديد، أنا ألبس افخر الثياب من أجل اسعادكم، فسعادتكم عندي هي غايتي وطموحي واحلامي، أحاول دائما أن اغير ملابسي الفاخرة من أجل ألا يجوع أي أحد من شعبي، فالملابس العظيمة تنتج شعبا عظيما، والملابس الراقية تخلق شعبا راقيا، والملابس الانيقة تصنع شعبا أنيقا، أنا أتحدى دول العالم بملابسي فائقة الجمال فننتصر عليهم بثياب سلطانكم المؤمنة بعدالة قضايانا المصيرية.. انظروا الي جيدا وتمعنوا، ألم تلاحظوا علي اي تغيير؟حدقوا في ملابسي الجديدة، وسترون التغيير بعينه، انها جميلة وساحرة اليس كذلك يا شعبي العظيم، ولكن أدعوكم للانتباه إليها جيدا، انها ملابس غير عادية، ملابس غير مرئية ولا يرى جمالها ورونقها إلا الحاذق والذكي منكم.

(تتصاعد همهمات وبعض اللغط من جهة العامة، الذين يؤيدون ما يقوله خوفا منه ومن بطشه)

صوت1  :      نعم، انه زي جميل.

صوت2 :      لم نر سلطانا في حياتنا يرتدي مثله.

صوت3 :      فعلاً انه رداء سحري، ولا يمكن رؤية رونقه بسهولة.

صوت4 :     لابد من التمعن به عن قرب.

صوت5 :    عاش سلطاننا الأنيق!

أصوات :    عاش، عاش، عاش!

صوت5  :    عاش سلطاننا الجميل!

أصوات   :     عاش، عاش، عاش!

صوت 5 :    عاش سلطاننا الوسيم.

أصوات :     عاش، عاش، عاش!.

السلطان :    اشكركم على حفاوتكم بي وببدلتي الجديدة.

أصوات   :     عاش، عاش، عاش!.

السلطان :     اشكركم على ذكائكم.

أصوات :     عاش، عاش، عاش!.

السلطان  :    اشكركم على محبتكم لي.

أصوات   :    عاش، عاش، عاش!

متسول   :   يسقط يا يعيش، يسقط يا يعيش (ثم يقوم بتقليد صوت الدجاج) ققققققققققققققققق

صوت1  :     ماذا يقول هذا الاحمق؟.

صوت2  :     ققققققققققققققققققق، انه متسول، لا تأخذه مأخذ الجد.

السلطان :      ماذا ارى بل ماذا اسمع؟.

المتسول   :     قققققققققققققققققققققققق..

السلطان   :     هل انا في حلم ام يقظة؟ سمعت كلمة يسقط، من الذي يتجرأ على لفظ هذه الكلمة الكريهة على نفسي؟ أنتمايتها الرعية الكريمة، هل هناك من أحد بينكم يشرح لي ماذا يحدث، أكاد لا اصدق ما تسمعه أذني! ومن هذا الذي نطق بهذه الكلمة المقززة؟.

صوت1  :   لا أحد، اقصد.. لا شيء يا مولانا، انه مجرد متسول معتوه، يقلد صوت  الدجاج، ققققققققققق..

صوت5  :     عاش سلطاننا الانيق!

أصوات   :     عاش، عاش، عاش!

صوت5   :     عاش سلطاننا الجميل!

أصوات   :     عاش، عاش، عاش!

صوت5 :    عاش سلطاننا الوسيم!

أصوات  :     عاش، عاش، عاش!

المتسول :     بل فليسقط سلطانكم الانيق!

الجميع    :      عاش!

المتسول  :     فليسقط سلطانكم الوسيم!

الجميع   :      عاش!

المتسول  :    فليسقط سلطانكم العاري (الكل يصمت)قققققققققققققققققققق، انتم أيها  الاغبياء، ايها الرعاع، الى متى ستبقون تكذبون على أنفسكم، ألا ترون ان  سلطانكم عارٍ، وليس على جسمه سوى ملابسه الداخلية، فلماذا النفاق، هل وصل بكم الخوف الى درجة العماء الكلي، اليس من الافضل له ان يذهب ويستر نفسه قبل الحديث الينا، هل وصل الاستهتار به ان يخطب بنا وهو عار، انظروا اليه جيدا، انه سلطان بملابسه الداخلية.

صوت1  :      اسكت أيها المتسول العاري، والا قطعوا لك لسانك.

المتسول :    إذا كنت انا عاريا من الثياب ولا اضع على جسدي سوى خرق ممزقة، فذلك لأني معوز وجائع ولا املك حتى سقف أنام تحته، ولكن ماذا تقولون لهذا  الرجل الذي تهتفون باسمه، هذا الذي يملك كل شيء، البلد وخيراته كلها،  ومع ذلك فهو يقف امامكم عاريا من كل شيء، عاريا من الفكر والعقل والاتزان والحكمة، ولا يصلح ان يكون سلطانا علينا، ولو كان العريّ ميزة من ميزات السلاطين، لكنت امبراطورا على الجميع منذ زمن طويل, ماذا جرى لكم ولعيونكم أيها الناس، لماذا لا تقولون الحقيقة، متى تصحون على زمانكم الخرب، بعد كل هذه السنوات التي عصفت بكم وأنتم لا تزالون تغطون رؤوسكم بالتراب كالنعام، اما آن الأوان لتستفيقوا من سباتكم الطويل؟.

السلطان :   (غاضبا) ماذا اسمع ؟ ماذا تقول أيها المتسول؟.

المتسول   : أقول ما تخافه الناس قوله.

صوت2    :    نعم.. هو يقول الحقيقة.. نحن كلنا نخاف من بطشك.

صوت3    :    ولا نملك القدرة على تكذيبك.

صوت4    :    الجوع ينهش اجسامنا.

صوت5    :    والعوز في كل مكان.. ماذا نفعل يا سلطان؟.

السلطان   :    ها أنت تحرض الشعب ضدي؟.

المتسول   :    لا أحرض أحدا.. بل اقول الحقيقة.

صوت1   :    نعم .. كلنا نخاف من الحقيقة أمامك.

السلطان   :    ولكنني ألبس هذه الملابس الفاخرة من أجل سعادتكم.

المتسول   :    بل من أجل أسعاد نفسك فقط.

السلطان    :   (بغضب) سوف أقطع راسك، (ينادي)أيها الحرس، أيها الجند، اين أنتم ، اقطعوا رأس  هذا المتسول حالا.

( الحرس والجندي يتجاهلون نداء سلطانهم وينضمون الى صفوف الشعب)

صوت3 :       سنقف كلنا مع المتسول!.

صوت4 :      نعم .. كلنا مع المتسول!.

المتسول :      قبل أن تأمر جندك وحراسك بقطع رأسي، اذهب وانظر الى نفسك بالمرأة.

السلطان :    ماذا، المرآة، نعم ، انظر الى نفسي؟ أيها الحرس، أيها الجند، هاتوا لي مرآتي.

المتسول :        حينما ستنظر في المرآة سترى طاووسا منتوف الريش، يتبختر امام جمع  من البـشر يلعبون دور الدجاج، ققققققققققققققيققه

(يقلد صوت الدجاج، فيضحك الجميع، ويبدأ الجميع بتقليد الدجاج وصوته شيئا فشيئا، ثم  يقومون برمي السلطان بأحذيتهم ونعلهم وهم يتقدمون معا نحو القصر)

السلطان  :     أيها الأغبياء، عفوا أبنائي احبتي، وجهوا نعلكم واحذيتكم نحو المتسول الذي حرضكم على سلطان مملكتكم، أيها الحرس أيها الجند انهم يتقدمون، لماذا تقفون مكتوفي الأيدي (يضع يديه على أذنيه) أصوات الدجاج تتعالى، انها تتقدم، انها تريد النيل من ثيابي الجديدة وشكلي الوسيم، ايها الدجاج ابتعد  هش، هش، هيا اذهبوا الى اقفاصكم هيا، هيا.

( الكل يتقدم وهو يقلد صوت الدجاج وحركته، ويرمي في نفس الوقت احذيته ونعله باتجاه السلطان الذي ما ان يراهم يتقدمون نحوه يبدأ بالتراجع ثم الهرب, يصعد الجميع الى الخشبة/ القصر، وعندما يختفي السلطان تماما  من المشهد، يتوقفون عن تقليد أصوات الدجاج، ينظرون إلى بعضهم البعض ثم ينفجرون بالضحك، وهم يتعانقون، ويحيي بعضهم البعض، مع استمرارهم  بالضحك، ثم يلتفتون نحو الجمهور الذي يدعونه بدورهم للضحك)

 

( انتهت المسرحية )

الناصرية – شباط – 2015

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock