مجدي الحمزاوي يكتب: الأستاذ كلينوف الجزائري.. بين الخيانة والأنانية مجدي الحمزاوي

 

مجدي الحمزاوي*

كاتب مسرحي وناقد | مصر

ـ

عرض الأستاذ كلينوف المقدم من المسرح الوطني الجزائري في فعاليات الدورة الواحدة والعشرين لفعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي ؛  من تأليف كاري برامسون ؛ وقدم مقتبسا أو معالجا دراميا وإخراجيا من حيدر بن حسين . قد بدأ ببعض الجمل الحوارية المسموعة ؛ فقد قيلت في الإظلام التام على خشبة المسرح ح ثم تأتي الإضاءة الشبحية ؛ لنتبين وجود خمسة أفراد على خشبة المسرح ؛ أربعة في منطقة المنتصف ؛ وشخصية تأخذ أسفل يسار المسرح ؛ هي شخصية الخادمة ماري. تلحظ أيضا أن الورق هو المسيطر على الخشبة المسرحية فهو متواجد في المقاعد التي لم يكن هناك غيرها على خشبة المسرح ثم هذا الإطار الموجود أمام ماري  أيضا كانت الأوراق على جوانبه بصورة تشي أن هذا الورق سوف يتم استعماله؛ وتدرك أن الأمر كله يدور من خلال مخيلة أو الإطار الاسترجاعي  لماري ؛ وبحديثها عن الشخصيات الموجودة ؛

فإن هذه الشخصيات الموجودة في وسط تقوك بالعلاقة الجدلية مع بعضها البعض سواء كانت حركية أو حوارية أو الاثنين معا. لنتعرف على هذا ألأستاذ كلينوف الدميم الوجه الضئيل والشبه مشوه جسديا ؛ المهدد بالعمى ؛ وكيف أن له أخا قد عاني من هذا المرض وفقد بصره من قبل فأقدم على الانتحار . وفي هذا إشارة إلى ما يمكن أن يكون عليه مصير هذا الأستاذ؛ ثم هذه الفتاة إليز التي عانت من أبيها وعرضها لزبائنه في حانته وإذلالها ؛ فأقدمت على الهروب ومحاولة الانتحار ؛ ولكنها التقت بالأستاذ ؛ الذي أواها في منزله وعطف عليها. وكيف أن الأستاذ تعلق بإليز هذه ويريد أن يراها دائما؛ وكيفية غضبه عندما يناديها وترد عليه ماري بدلا منها ؛ لتأخرها في دروسها أو ما شابه ؛ ونتفهم جيدا أن ماري هذه تحب الأستاذ وتريد أن تستحوذ عليه كرجل لا كمخدوم ؛ وأنها أيضا أي ماري تتعامل مع  إليز كأنها دمية أو طفلة صغيرة؛ وهذا جاء مع إشاراتها في تعاملها مع وشاحها وقت الحديث عن إليز؛ وأيضا نبرة الغيرة حينما تصف تعلق كلينوف بها. ولكن هذا الإطار الاسترجاعي  أي أن كل شيء مروي من ذاكرة ماري ؛

لم يصمد كثيرا أمام طبيعة النص الأصلي ؛ والذي لم يفلح الدراماتورج أو المقتبس أن يطوعه لتكنيكه الإخراجي أو رؤيته للحدث. فعندما أخبرت إليز كلينوف بأن سبب تأخرها هو رؤيتها لأبيها وكيف أنها سارت في طرق ملتوية حتى لا يعرف أين تقيم فيتبعها ومن ثم يعيدها للجحيم ؛ مع تأكيد بأن الأب قد رآها وبأنه سيتبعها حتما ؛ وبأن مواجهة هذا الأب لكلينوف واجبة بل وضرورية ؛ وأيضا للسياق الدرامي لابد لماري ألا تعرف كل الحديث الذي دار بينهما ؛ فقد خرج كل من ليس له علاقة بهذا المشهد خارجا أي ماري و إليز وفيديل الشاب النحات صديق كلينوف ؛ والذي سيكون له دوره المحوري فيما بعد حينما يواجه كلينوف ؛ وأيضا مع حتمية ألا توجد إليز لمعرفة ما دار بينهما.

مع أن معالجة هذا الأمر ربما تكون بسيطة بما يوحي بأنهم غير متواجدون في الحدث الثنائي بين الأب وكلينوف أو بين كلينوف وفيديل مع الاحتفاظ بوجودهما على خشبة المسرح .ثم  محاولة المخرج ان تكون هناك وظيفة مسرحية للشخصيات الغير مشاركة في الحدث المروي عنه من جانب ماري؛ فكانت تقوم بإشارات وأصوات على طريقة الموسيقى التصويرية؛ ربما كان لها مبرر قي ذهنه هو ؛ ولكنها فقط ساعدت على انفلات التركيز من المشاهد؛ الذي لحسن الحظ سيعرف بعد فترة وجيزة ألا يعير بالا لهذه الأشياء  ؟  المهم أنه فقد خرج كل من ليس له علاقة وأصبحنا أمام منظر كلاسي  عادي ؛ نتبين من خلاله أن الخيانة هي المحور أو المحرك الأساسي لكل المواضيع تقريبا ؛ ففي المواجهة بين كلينوف و فورسبورج والد ماري ؛ ينجح كلينوف في استثارته ويخرج منه اعترافا بأن ماري ليست ابنته وإنما هي نتيجة لخيانة أمها له مع غيره ؛ وهذا اليقين من فورسبورج هو الدافع الأكبر في سوء معاملته لماري ؛ صحيح انه شخص جشع وبلا مبادئ ويكاد أن يكون عبدا للمال ؛

ولكنه في الجنب الآخر يحاول أن يحمه قدرا كبر من المال حتى ينشأ ابنه الحقيقي في غير حالة الهوز ويرتقي السلم الاجتماعي بفضل هذا المال. وينجح كلينوف في إبعاده عن ماري ح لأنها أي ماري قد بلغت سن الرشد ولا وصاية له عليها قانونا ؛ وأيضا مقابل مبلغا من المال يدفعه إليه كل شهر. وقي نفس المكان أي في وسط المسرح حيث المفترض مكتب كلينوف ؛ يعقب هذا المشهد مباشرة دخول فيدي وإخباره لكلينوف أنه يحب إليز ويردي أن يتزوجها ؛ وتثور ثائرة كلينوف لنكتشف البعد الثاني للخيانة ؛ ألا وهو خيانة الرجل لمبادئه وأفكاره المعلنة؛ فهذا الذي كان عدوا للمرأة ويصفها بأنها منبعا لكل الشرور ؛ حاول جاهدا الاحتفاظ بإليز كامرأة ؛ وهذا الذي يجلد المجتمع على ما فيه من شرور يصرح بأن الشك ربما هو الشيء الجيد الوحيد في الحياة والذي يعطي لها رونقا ؛ ويطرد فيدل من منزله ؛ بعدما يدخل معه في التحدي للحصول على إليز؛ ربما سيكتشف البعض

 هذا المشهد بأن كلينوف لم يخن مبادئه وإنما كان يعلن على المجتمع أفكار لا يؤمن بها هو نفسه ؛ للوصول إلى المكانة التي هو فيها أو نتيجة لما يقوله علماء النفس البشرية بأنه في الكثير من الأحيان تتحكم أنا الكواليس في الأنا المعلنة بحيث تحقق ما تصبوه إليه ؛ وإن كان يشي ظاهريا بأنه على غير رغبة هذه الأنا الكواليسية  ؛ أي ببساطة أن كلينوف فد خان هذا المجتمع ككل. نجح المخرج في جعل المشهدين السابقين يدوران في بؤرة خشبة المسرح ؛ في المنتصف تماما وجعل الحركة المسرحية مابين أسفل المنتصف وأمام المنتصف في معظم الأحيان للتعبير عما هو واضح للجميع وما هو غير مرئي إلى حد ما ؛ واعتمد الإضاءة الصريحة بدون ألوان ولكن مع تفاوت شدتها للتعبير عن حالة الوضوح ونقيضها. وإذا كانت امرأة فورسبورج نتيجة لسلوك زوجها لم تكن له الحب فوقعت في الخيانة ؛ نأتي للبعد الآخر للخيانة |إلا وهو خيانة من نحبه ؛ فعندما أدركتا جميعا أن كلينوف يحب إليز ؛ ولكته حب أناني دفعه للكذب عليها وإخبارها بأن أباها له الحق عليها وللتخلص من هذا الحق فإنه يعرض عليها الزواج منه؛ ويخفي عنها مقابلة فيدل له. وتتصاعد الأحداث بظهر فيديل ؛ ولكن كلينوف يستغل عاطفة الشفقة وأيضا الشعور بالجميل من جانب ماري له ليدفعها على الزواج منه ؛

ويرحل فيديل ليكون عنصرا محتملا لخيانة ماري لزوجها ؛ لأنها تحبه كثيرا . وفعلا تحدث هذه الخيانة على المستوى الأولي بهذه الخطابات التي ترسلها ماري له ؛ والخيانة المقابلة من ماري لإليز فهي وإن كانت وعدتها ألا تخبر كلينوف شيئا عن هذه الرسائل إلا أنها أخبرته  ؛ وحاول المخرج في هذه المشاهد أن يجعل هناك ازدواجا بين شخصيتي كلينوف وفورسبورج ؛ وكيف أنهما لا يفرقان كثيرا عن بعضهما ؛ ففي المشاهد التي تتضح فيها أنانية كلينوف وجشعه الحياتي واستغلاله لإليز يظهر فورسبورج في الخلفية ؛ وفي بعض الأحيان يدخل ليحل جسديا لمكان كلينوف ذاته. ؛ وتتشابك الأحداث ويعنف كلينوف ماري الخادمة على العديد من الأشياء منها ؛ ونعرف انه يعي أن ماري تحبه ؛ ولذا فهو يراهن على هذا ويتمادى في القسوة معها استعواضا عن القسوة التي لا يستطيع أن يتعامل بها مع إليز حتى لا يمنحها مبررا أكثر قوة للرحيل بسرعة ؛ ويجب علينا أن نشيد بطريقة تعامل المخرج مع ماري وكلينوف وإبرازه للعاطفة التي بينهما ؛

ففي كل المشاهد وأمام كل الشخصيات الموجودة في العرض فإن  كلينوف يسير وهو يعرج متكئا على عصاه ورأسه بين كتفيه إلا أمام ماري حيث يسير منتصبا بدون عصا ؛ إشارة إلى ما تراه ماري نفسها في كلينوف ؛ حينما يكون هناك تعاملا مباشرا بينها وبينه ؛ وأيضا تعامل ماري مع كلينوف في وجود آخرين فهي كانت تنظر إليه وتتعامل معه من خلال الإطار الموجود بأسفل يسار المسرح ؛ أي أيضا أنها تتعامل معه وفقا لمنظورها إليه؛ وحينما تتأزم الأمور تأخذ ماري في اقتلاع الأوراق الموجودة على هذا الإطار معلنة زيف الأوراق أي كلينوف وأيضا في نفس الوقت انهيار هذا الإطار ؛ أي نظرتها الخاصة إليه . وفجأة يأتي فيدل ليخبرنا انه لم يرد على رسائل ماري إلا لدفعها للرحيل إليه بسرعة؛لنكتشف أن هذا المحب نفسه يرحب بخيانة إليز مادامت في صالحه؛ أي أن كل العوامل تتشابك لوقوع إليز في الخيانة وهجر زوجها ولكن ما يفرق إليز عن غيرها لو قانت بهذا ؛ أنها تفعله للاتساق مع نفسها وأنها لا يوجد عنها فارق بين أناها المعلنة وأناها الغير معلنة . وتتصاعد الأمور وتصر إليز على الرحيل مع فيديل ؛ ليقف كلينوف معلنا ولكن عليه ألا ينالها وهو أي كلينوف على قيد الحياة ؛ لتصرخ ماري بأن هذا أمر بسيط ؛ وتنتزع الأوراق وتأتي النهاية المفتوحة التي تعطي أكثر من دلالة ؛ بحيث يأخذ فيدل  عصا كلينوف ومظهره الخارجي ويصرخ متسائلا عن إليز كما يفعل كلينوف فتخبره ماري بأنه لم يأت بعد ؛

كما حدث في أول العرض تماما ؛ نعم هو شيء يحيل إلى الاستدارة وبأن الأمور ستسير كما كانت مرة ثانية ؛ ولكن هل مات كلينوف وحده . أم  تم التخلص منه بمشاركة الجميع ؟ أم أن فيدل وكلينوف لا يفرقان هما أيضا هن بعضهما  ؛ بالتأكيد هو عرض جيد ساعد على جودته الاختيار الموفق لمجموعة الممثلين ؛  ونجح حيدر بن حسين كثيرا في اختيار الممثلة سامية مزيان لتقوم بدور كلينوف ؛ فهو بالتأكيد كان سيتعب كثيرا لو قام باختيار رجل فيه كل الصفات التي يريدها خاصة ضآلة الجسد ؛ فكان هذا الاختيار الموفق والذي قامت فيه سامية بأداء الدور بجودة كبيرة ؛ ثم هذه الرائعة بحق أمال منغاد التي قامت بدور ماري ؛ فهي ممثلة متمكنة وكانت تقوم بإدارة فريق العمل باقتدار ؛ وتخرج من الحالة الأخرى بيسر مع إقناع تام للمشاهد ؛ باختصار هي ممثلة من الطراز الأول ؛ وأيضا كان محمد الطاهر الزاوي جدا في دور فورسبورج واستطاع أن يعبر عن الشخصية بشكل جيد غير متكلف ؛ ووسيلة عريج التي قامت بدور ماري فهي ممثلة شابة واعدة وتسير في الطريق السليم فقط تنقصها بعض الخبرة ؛ أما مصطفى الضمراني الذي كان يقوم بدور فيديل فقد غلب على أداءه طابع الأداء الألب أو الميكانيكي فهل كان هذا من توجيه المخرج أم أن الأمر راجع له؟

والحديث عن سينوغرافيا حمزة جاب الله التي كانت عنصرا معاونا للمخرج باختصارات الأشياء الموجودة على المسرح والتأكيد على الإضاءة الصريحة مع تفاوت شدتها كان موفقا إلي حد كبير أيضا في التعامل الورق الذي يغلف المكان ح مع ملفي هذا من إشارات ؛ ثم التعامل معه بالتمزيق أو الكتابة الجديدة لمصير سوف يكون أو تمزيق ماضي كان ؛ ولكن ربما يكون قد غالى بعض الشيء في هذه الأحجام الهائلة التي نزلت من سقف المسرح ؛ صحيح أن المخرج قد استغلها كستار تختفي وراءه الشخصيات حينما ولكن ربما كان واحدا فقط يكفي للتأكيد على الحالة المراد توصيلها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock