مسرحية “سوناتا اليّبابْ” للكاتب العراقي.. عبد الله جدعان 

المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

مسرحية [ سوناتا اليّبابْ]              

 

تأليف: عبد الله جدعان    

                             

 

  الشخصيات :

1/ أيوب ( متوسط العمر ،زعيم المتسولين )

2/ سامي   ( شاب متسول  )

3/ طاهر   ( شاب متسول  )

4/ سليم    ( شاب متسول )

5/ فريد     ( متوسط العمر، معلم الموسيقى )

المنظر [ بقايا بيت مُهدم ،تطل منه نافذة صغيرة ، كوم من الحجارة وعدد من

اكياس من النايلون والجنفاص وعلب بلاستيكية  ]

{ بقعة ضوء بداخلها كل من سامي وسليم وطاهر يرتدون ملابس رثه غير نظيفة

وهم ممددين على فراش النوم البسيط }

أيوب [ يدخل البقعة يرتدي معطفاً ممزقاً يئن من شدة الألم في بطنه ]

لا. أصدق عيني ! هل نمتم ؟ هيا انهضوا؟

[ يقترب من سامي ليضربه بقدمه] من جاء بالطعام ؟

سامي / لا علم لي

أيوب [ يضرب سليم بقدمه ] قل لي من جاء بالطعام ؟

سليم  / طاهر هو من جاء به

أيوب [ يضرب طاهر بقدمه بقوه ] هيا إ نهض وأخبرني الحقيقة

طاهر / أية حقيقة . دعني أنام يا زعيم فأنا متعب جداً

أيوب /أشعر كأن سكيناً تقطع بأمعائي . قل لي من أين أتيت بالطعام ؟

طاهر / في طريق عودتي ( ينادي) معاق .. صدقه يا محسنين

أيوب / وماذا حصل بعد ؟

طاهر / خرج رجل من المطعم ثم توقف ورمقني بنظرات لؤم وأعطاني الطعام

أيوب / فقط ؟

طاهر / وهل هناك من سبب أخر

أيوب / كلا . كنت جائعاً فالتهمت الطعام كله بمفردي

طاهر /هنيئاً لك على كل لقمة التهمتها دون مضغ

{ الجميع يضحكون }

أيوب [ يتألم ] أخ . بطني تؤلمني ،ما سبب ذلك ؟

سامي / أنا أعرف السبب

أيوب /لا تمزح يا عاشق الموسيقى

سامي / على ما يبدو إنك كبرت و معدتك قد هرمت وكسلت عن العمل

سليم [ يضحك ساخراً] أو ربما لم تتعود معدتك على مثل هذا الطعام

أيوب [ بانزعاج ] اخرس

طاهر /عدت سريعاً وفي غاية السرور لأن الجميع سينعم بطعام شهي لكن!

أيوب / من يسمعك يقول :جلبت لنا كباباً مشوياً ،لكنني لم أجد سوى

قطعة لحم واحدة،أي باختصار واحد كباب وعشره مقبلات

سليم / ونحن ألم نكن جياع ؟

طاهر / كلا.لقد شبعنا من الدوران والتسكع بين الطرقات . هذه هي هويتنا

متسولون نصطنع العاهات والعوز والحرمان

سليم / أجلس على الرصيف أمد يدي مثل أي قرد في حديقة الحيوانات

سامي / لكن القرد  تطور وأصبح إنسان

سليم / فكيف بنا نعيش ونحن فقدنا أدميتنا و إنسانيتنا

سامي / هذا هو قدر المتسولين .نتقاسم الخراب فيما بيننا

سليم / لا أحد يستطيع أن يلومنا

طاهر / لأننا ضحايا قبل أن نكون شيء أخر

سامي / نحن متسللين من قافلة التشرد .كأننا نعيش عيشة الضفادع في هذا

المكان

سليم / كان نصيبي الشارع .لم يقل لي أي شخص : هذا عيب ! لا يصح أن تفعل

هذا وذاك حلال أم  حرام

طاهر / قال لي أحدهم : ويحك شاب  وتتسول ؟جد لك عملاً خير من أن تتسول

ثم أعطاني الطعام ومشى . كم شعرت بالخجل وقتها يا زعيمنا

أيوب[ يصفق باستهزاء ] أحسنت أيها الشاب الخجول .ألم يكن هذا اتفاقنا؟

طاهر / إي اتفاق يا زعيم. انتشلتنا من ملاذات أكثر بؤساً وخوفاً ووحشة

سليم / ملاذاتنا هي الآن في مواقف السيارات وقرب المطاعم وعلى الأرصفة وفي

الحدائق العامة

سامي / التشرد كان قدرنا في الحياة

أيوب / وقدري أن أكون زعيمكم

سامي / حقاً . لم أجد يداً تمسك بي غير يدك يا زعيم

طاهر / ثأر عشائري ومشاحنات تافهة إلتهمت أفراد أسرتي وبعضاً من عشيرتي

ما بين السجن والموت . أصبحت حيث لا أحد .لا مكان يأويني سوى هذا

المكان

سليم /الطلاق.كلمة بسيطة .دخلت بيتنا فغيرت خارطته .أبي طلق أمي وتزوج

بأخرى وزوجة خالي زوجت أمي لرجل متزوج من ثلاث نساء لديه سرية

من الأولاد .فأصبحت فاقد الأبوة ،عملت عند صاحب كراج يحتسي الخمر

بدلاً من ماء الشرب .وفي يوم من الأيام كنت أسترق السمع لحديث دار بينة

وبين مجموعة أغرته بالنقود ليبيع لهم إحدى كليتاي لكنة رفض فأشبعوه

ضرباً مبرحاً .فرحت كثيراً لأنني إعتقدت بأنه هو الذي سيعوضني الحنان

الذي فقدته لكنني كنت واهماً لأنه أراد أن يعبث بجسدي ليروي شذوذه

الوسخ .فهربت منه وهربت حتى قادتني قدماي الى هذا المكان

طاهر [ مع سامي ] لماذا يناديك بعاشق الموسيقى؟

سامي /لأن الموسيقى بالنسبة لي مثل قنديل يتحرر بالضوء باعثاً فيّ الأمل

طاهر /وهل تربطك به أية قرابة ؟

سامي / كلا

أيوب[ يضحك كأنه يتذكر ] سامي منذ أن كان صغيراً وهو يحمل بيده آلة الكمان

وكثيراً ما كنت أمازحه وأقول له : كيف حالك يا عاشق الموسيقى ؟

طاهر /هل لازلت تحبها ؟

سامي / احترقت بنيران البارود التهم الحجارة وكل البشر الساكنين في العمارة .

لم يبق منهم سوى الرائحة ! فهم من كل المذاهب لكنهم يتكلمون بلغة

واحدة ! هي لغة الحب

سليم / إنه محب للعزلة كيف استطعت العيش معه قبل أن ننظم اليكما

سامي / بعد الفاجعة التي حلت بالمدينة أصبحت وحيدا. في خضم  لسعات البرد

القارص منذ ساعات الصباح الأولى تقودني قدماي الى مكان الطمر

الصحي أو مكب النفايات وأتدفأ بنيران أدخنتها المتصاعدة جراء

الحرق وأنا أشق أنهر بأكوام القمامة .أبحث عن بقايا ما جادت به

موائد الأغنياء والميسورين عن علبة معدنية أو بلاستيكية أو سلك

نحاسي لأستبدلهم بلقمة خبز وبضع صمونات تشبع جوعي وجوع

أيوب حتى عرفت حينها ما سيلحق عيناي وصدري من ضرر

طاهر / ولهذا السبب انظممت الى القافلة

سامي / نعم . لأن التسول أكثر اناقةً ووقاراً من هذا البؤس والحرمان والجوع

أيوب / ههه. كفاكما ثرثرة

سامي / على ما  يبدو ذهب الألم من معدتك ؟

أيوب [ خجلاً بعض الشيء]نعم .. نعم كانت بطني ممتلئة بريح فاسدة وخرج

منها بعض الشيء دون سيطرتي

{ الجميع يضحكون }

أيوب [منزعجاً ] إ صمتوا ، هيا إ خلدوا  للنوم

سليم / حقاً يا زعيم يجب أن أنام وعليّ الاستيقاظ باكراً مثل ديك نشيط

طاهر / كيف ننام وأيوبيوبأ زعيم الشخير

أيوب / إ غلق فمك وإلا , فأنا أنام خلف العلب البلاستيكية وعلى بعد أمتار منكم

وتنعتني بزعيم الشخير أيها المتسول الثرثار

سامي /لا تغضب ،يقصد إن شخيرك يقطع علينا متعة النوم الهادىء يا زعيم

المتسولين

أيوب [بانزعاج يردد ما قاله سامي ويهم للخروج ] يقطع علينا متعة النوم

الهادي ء. ههه من يسمعكم يتصور إنكم بفندق خمسة نجوم  (يخرج )

{ سامي يستلقي على فراش نومه وكذلك طاهر وسليم }

سليم / ننام على فراش الأحلام

سامي / لنغمض عيوننا ونحلق فوق الظلام ، فلاشيء ينيره سوى الحب

طاهر / من أين لك هذا الكلام ؟

سامي / من سحر الموسيقى .إ سمع ( يدندن بفمه نغمات موسيقية )

سليم [ منزعجاً ] إ غلق فمك أريد أن أنام

طاهر[ مع سليم ] نم أنت ما شأنك بنا

[ مع سامي ] وكيف أحببت الموسيقى ؟

سامي /من خلال معلم النشيد في المدرسة . بعدها أدركت إن سحر الموسيقى

هو مفتاح لكل الأحلام

طاهر / لكن أحلامنا يبست وأصبحت كعود ضعيف

سامي / سيأتي يوم ويخضر فيه العود وتورق أوراقه التي سترقص على أنغامي

طاهر / هيهات. إنك حالم يا صديقي فالبؤوساء والمتسولين ليس لديهم أحلام

سامي / إ طرد من قلبك اليأس والخوف واحلم بيوم جميل

طاهر / قد أكون مثلك أو مختلفاً عنك لكنني أحمد الله على إنني في مملكة أيوب

وليس في مملكة اخرى .فقد تعددت أغراض وأهداف التسول عندهم

سامي /حالنا لابد أن يتغير يا صديقي . كم تمنيت أن أعزف

طاهر/ الآن؟

سامي / كلا .ليس الآن

طاهر / متى إذن ؟

سامي / لم يبق إلا القليل  حتى أسدد ثمنها للأستاذ فريد معلم الموسيقى

طاهر / كم ثمنها ؟

سامي / ستون ألف دينار

طاهر / إنني خبأت مبلغا من المال بعيداً عن أنظار أيوب

سليم [ يتظاهر بالنوم العميق ويعلو شخيره ]

طاهر[ساخرا من سليم ] إنه أصبح ينام على خطى زعيمنا أيوب [ يتجه صوب

المكان الذي خبا فيه النقود الورقية ليعطيها لسامي ] خذ

سامي /إنني أشكرك . هل يمكن أن يكون أصدقاء بهذا الوفاء ( يأخذ منه النقود )

طاهر /وأنا أيضا كنت أحلم بصديق مثلك قلبه مليء بالحب

سامي / إن القوة الحقيقية هي في الصحبة يا صديقي

سليم [ ينحنح أثناء نومه ]

{ طاهر وسامي على الفور يضعان الأغطية فوق  رؤوسهم }      ـــــ  إظلام ـــــ

ــ [ إضاءة منبعثة من النافذة الصغيرة فقط ] ـــ

أيوب[ يفتش بين الأغطية وتحت وسائد النوم وبين الحجارة وأسفل العلب

البلاستيكية ] لم أجد شيئاً ! ربما خبئوا النقود في مكان أخر ؟ كيف لي

السبيل لمعرفة ذلك ( لحظات صمت )  ماذا أفعل لو لم يكونوا معي ؟

كيف سأقض على هذه الوحدة والوحشة . فهم أصبحوا سلوتي لأنني هارب

من العالم كله ومن حضارته الزائفة [ يجلس على السلم مقهقهاً منتشياً ]

لأنني الزعيم ! عليكم إطاعتي . قلت لهم : حتى تعيشوا وتناموا في مملكتي

وجب عليكم أن تعملوا ، عفواً تتسولوا فأنا لا أطالبكم بان تحبوني أو

تحترموني . ما أريده منكم هو النقود ( يضحك ) النقود .. النقود

{ يسمع صوت دوي ممزوج بأصوات منبهات سيارات الشرطة والأسعاف

خارج المسرح ــ  إظلام ـــ يلتقط الفانوس ليضيء المكان قليلاً}

أصبحت أختبيء من دون أي صوت فكيف بي وأنا أسمع تلك الأصوات !

قصفت أمانينا . فلازالت حبال صفراء تطوقنا .إنني أتأرجح كالقشة وسط

هذه الفوضى .طويت مكاني ورميت مفاتيح صبري بعيداً بعيداً فأجراس

الخوف تدق .. تدق ( يغفو وينام في مكانه )       ــــ إظلام ـــــ

{ بقعة ضوء على نغمات السلم الموسيقي :كروش،دبل كروش، كوارتبل كروش ومفتاح صول.  جميعهم تتدلى من أعلى المسرح}

سامي [ ممسك بقبضة يده اليسرى من بداية الزند الصندوق الصوتي الذي على

كتفه الأيسر ويمسك القوس بيده اليمنى ]

فريد{ يرتدي ملابس بيضاء اللون وأمامه [ستاند] حاملة أوراق النوتات

الموسيقية }

سامي /  هل يوجد أي خطأ ؟

فريد / كلا . إنك تحمل الآلة بشكل جيد ومتقن ولكن خذ إنحناءه بسيطة  من

رأسك الى جهة اليسار

سامي [ يميل برأسه الى جهة اليسار قليلاً ] هكذا ؟

فريد / نعم . هيا لنبدأ بالدوزان

سامي [ يردد عبارات مع العزف ] صول.. ري .. صول

فريد [ هو الأخر يردد العبارة بعد سامي ] صول.. ري .. صول

سامي [ يبدأ بالعزف ]

فريد/ أأحسنت . هنيئاً لك بهذه الموهبة

سامي[ غير مصدق ]صحيح ما تقوله ؟ وأي من القوالب أستطيع العزف عليها

فريد/ السوناتا

سامي / ماذا تعني بالسوناتا يامعلمي ؟

فريد/ هي مقطوعة موسيقية تعزفها أما على آلة واحدة كاملة الهارمونية كالبيانو

أوآلة أوأخرى ميلودي كالكمان وتعزف بأربع حركات

سامي [يردد مع نفسة ] سوناتا.. سوناتا..وماذا توصيني أيضاً

فريد/ أن تكون متذوقاً للموسيقى لأنها تساعدك بشكل واضح وملموس في السمو

والذوق كما تعتبر أداة التعبير عن الوجدان البشري

سامي /أشكرك من كل قلبي .وهل بأ ستطاعتي عزف هذة المقطوعة أقصد السوناتا

فريد/نعم .لأنك موهوب بارع في العزف وكما قلت لك سابقاً:

إذا تطور الأنسان أصبح فنان

سامي/ وإذا تطور الفنان أصبح موسيقياً.سأعمل على تأليف مقطوعة  موسيقيةً

أقصد سوناتا

فريد/لا تنسى أن تختار لها إ سماً

سامي [ يحمل آلة الكمان ليضعها داخل الحافظة ويهم للخروج] أعدك بذلك

 

ــــــــ( إظلام )ــــــ

{ ضوء خفيف ينبعث من الفانوس ليضيء المكان قليلاً}

طاهر [ أثناء دخوله يسقط على السلم ]

أيوب [ يفز من نومه ينادي ] من هناك ؟ من القادم ؟[ ينهض حاملاً الفانوس بيده

حتى يقترب من طاهر ] طاهر ؟

طاهر / نعم يا زعيم

أيوب / هل أصابك مكروه؟

طاهر / لا. المكان مظلم فكدت أسقط

أيوب / لماذا تأخرت؟

طاهر / هذا حال المتسول يا زعيم

أيوب / سمعت منذ الصباح أصوات دوي

طاهر / لا شك إنك عجوز خواف ، الخوافون يعمرون طويلاً

أيوب/ دعك من هذا الكلام ، هيا قل أين سامي ونوفل؟

طاهر / لا علم لي بهما

أيوب / أخشى أن يكون قد أصابهما سوء

طاهر / لا تخف لقد تعودت أذاننا على سماع تلك الأصوات بدلاً من زقزقة العصافير

وكركرات الأطفال وهم عائدين من المدرسة . حتى صرير الأبواب صار

يفزعنا .أصبحنا نقشر الصخوربأ صابعنا نبحث عن يد توقف أجراس

الخوف التي كلما دقت لتعلن عن ولادة قصة .قصصنا كثرت . ففي كل شارع

دارت قصة وفي كل منزل وحتى المدرسة التي تركتها مرغماً أصبحت فيها

قصة

أيوب / ليس من عادتهم أن يتأخروا الى مثل هذا الوقت (لازال يحمل الفانوس)

طاهر / احترس يا زعيم .أ لا يسقط من يدك الفانوس فالمكان فيه نفط

أيوب / كثيراً ما يحسدوننا علية . لكنني أقول لهم :انقلب السحر على الساحر

وابتلع الأخضر واليابس. كم تمنيت أن يكون ترابنا تراب فقط

طاهر / ملعون فهو سحرٌ وضوءٌ في العيون

سليم [ يدخل متالماً يعرج أثناء مشيته ]

ايوب / ماذا بك يا سليم؟ لماذا تمشي هكذا ؟

سليم/ ألم بسيط في قدمي

أيوب / هل اصطدمت بسيارة

سليم / كلا. بل اصطدم بي سامي

أيوب / كنتما تمزحان كالعادة فحدث مالا تحمد عقباه

سامي /كلا. لأنة أخذ مني نصف النقود التي استجديتها

ايوب/ هل أصابك مس من الجنون أم إنك تخفي عني شيئاً

سليم / طاهر يجيبك بدلاً عني

طاهر/ وما علاقتي بما حدث بينكما

سليم [ بثعلبية ] ليلة البارحة وقبل أن ننام

طاهر /إنه يهذي يا زعيم

سليم / صحيح تؤلمني قدمي لكن عقلي سليم

طاهر / هيا قل ولا تكثر من الكلام

سليم / قال طاهر: إنني أنام على خطى زعيمي أيوب ثم أعطى لسامي نقوداً

كان قد خبأها تحت الأحجار

أيوب[ مع سليم ] كيف  استطعت أن تخفي عني ذلك ؟

[ بانزعاج مع طاهر] صحيح ما يقوله سليم ؟

طاهر/إنه يكذب ،لأن سامي خير صديق لي

سليم / وأكثر من ذلك أخذ ينصاع لأوامره

أيوب [ يحاصر طاهر ] لقد وقعت في المحظور أنت وصديقك

{ يسمع صوت عزف على آلة الكمان من خارج المسرح ثم يقترب الصوت شيئاً

فشيئاً .يسود الصمت بين الجميع }

سامي [ يدخل وهو ممسك بآلة الكمان ليعزف عليها]

طاهر وسليم[ يرقصان بحركات تعبيريه ]

أيوب[ منزعجاً يدور حول نفسه يضع راحة يديه على إذنيه يصرخ بأعلى

صوته ] لا. كفى.

سامي [ يتوقف عن العزف ]

طاهر [ يقترب من سامي يحدق بالنظر على آلة الكمان ويتلمسها]

سامي [ يعطي آلة الكمان لطاهر ] خذ إ نظر ا ليها

طاهر / دعك منه . أجبني على سؤالي

سامي / أنا طوع أمرك

أيوب / حدثني عما جرى بينك وبين سليم

سامي/ أعطيته درساً

أيوب / في الموسيقى ؟

سامي / كلا. في الآداب والسلوك

أيوب / في مملكتي محذوف منها تلك الأفعال!

[ مع سليم ]هيا أخرج النقود من جيبك

سليم[ يعطيه النقود على مضض]

أيوب [ مع سامي ]وأنت كذلك

سامي/ ماذا تقصد ؟

أيوب / مثل كل مساء . هيا إ عطني النقود هذه هي قوانيني

سامي / تباُ لقوانينك التي هرمت . نحن ليس سوى شركاء نتقاسم الخراب

أيوب / ماذا قلت ؟

سامي / أنت تعرفني منذ صغري وأنا اعشق الموسيقى.   انتظرت هذه

اللحظة يوم بيوم وساعة بساعة حتى استطعت أن أمسك بمفتاح

حلمي [ يعزف على آلة الكمان قليلاً ]

أيوب / لا. موسيقاك توخز أذاني . توقظني من سباتي . تنبش في ذاكرتي

صور جميلة محفورة في عقلي وقلبي قد تكسرت . كفى وإلا كسرتها

سامي /ماذا ؟ تريد أن تكسر حلمي؟ويحك يا صاحب القبعة

أيوب / اصمت ولا تقلها مرةً ثانية[ يحتمي خلف العلبة البلاستيكية ]

سليم [ باستغراب ] صاحب القبعة؟

سامي / أجل كنيته واسمه فيما مضى

طاهر[ باستغراب ] أيوب صاحب القبعة

سامي / أجل. فقد ورثها عن أبيه الذي ورثها بدورة وهكذا فهي تعود لجد جدة

سليم/[ساخراً] جد جدة الذي عاش في زمن اختراع المعول

طاهر / لأهميتها ربما كان يلبسها أثناء الأكل والشرب وفي الشارع والمقهى

والى  أبعد من ذلك

سامي / اعتاد الجميع على أن يراه بالقبعة ومن هنا جاء لقبه ووصل صيته

الى المناطق المجاورة ، كما صار إ سمه يتردد على كل لسان

طاهر [ يقترب من أيوب ] وهل فيها ألوان ؟

أيوب / الرمز والعنوان . الشرف والعفة .كما تفوح منها رائحة الأصالة

الممزوجة بعبق التاريخ

سليم / هل رأيت صاحب القبعة عندما فعل ذلك؟

طاهر/ هل سمعت صاحب القبعة عندما قال هذا ؟

سليم / هل رأيت صاحب القبعة عندما فعل ذلك ؟

سامي [ بألم ] كانت هي جزأً من شخصه وطباعه وكبرياءه

أيوب [ بزهو تام ] أجل فعندما أرتديها ! كنت أرى نفسي في القمة

سامي / القمة شيء كبير أيها الزعيم . وأكبر منها أن تصعد إليها بقدميك

لا على أكتاف الآخرين

أيوب / الفساد لوث الأرض والطيبين . فهل سيسمح لنا المبعثرون أن نخيط

قبعةً من جديد

طاهر / أجل.  فنحن بحاجة الى الغضب كي تحرك فينا نخوة التغيير

أيوب[ كأنة تذكر ] كنت جالساً في المقهى أحتسي الشاي وأسمع أغنية.ً

فجأةً حاصروني  وأخذ أحدهم القبعة من على رأسي ثم رماها

على الأرض !داسوها بأقدامهم ثم مزقوها إرباً إربا وطارت في الهواء .

ركضت ألملم بقاياها الممزقة المتطايرة وأنا أصرخ بأعلى صوتي :

لماذا؟ لماذا؟ فهي العنوان والهوية

سامي / دعك من الماضي . هيا لنفتش لنا عن أسماء جديدة؟!!

[ ينزع عن جسده الجاكيت ]

أيوب /لا. أنا ميت منذ زمن

سليم / أوقف الحزن وأقلع جذور الخوف من داخلك [ ينزع عن جسده المعطف ]

أيوب / لا أستطيع .إنني أسير على الحافة

طاهر / كسرّ مرآة الماضي وأحتجز الحاضر وأرتد قبعة المستقبل

[ ينزع عن جسده المعطف ]

أيوب /لأكون ما أريد أن أكون علية . إ سخروا مني كما تشاؤون فأنني لا

أستطيع

سليم / لا بد أن تغادر هذه العتمة

أيوب / لكننا أصبحنا أصدقاء دائمين لها

سامي / سأعزف لك مقطوعة موسيقية اسمها سوناتا اليباب!

فالأرض يباب والمنازل يباب وحتى هذه المملكة يباب[ يعزف قليلاً ]

أيوب[ يدفع سامي بكل قوته لتسقط آلة الكمان من يده على الأرض] لا.

لا أريد سماعها .فأذناي لم تعد تسمع الأصوات الجميلة

سامي /  لأنك أصبحت عجوزاً يا عقرب الساعة

أيوب [ ينتفض ] انتشلتكم صغاراً مشردين في الشوارع قبل سنوات. والآن

اشتد عودكم وهبت معها ريح التغيير . لم أعد بحاجة أليكم [ تثور ثورته]

هيا اخرجوا من مملكتي . لقد غيرتم الحروف والألوان وحتى عقارب

الساعة

سامي / لأننا نعيش بين ثنايا الخوف والظلمة

طاهر / يومياً نسير بين حقول الموت المزروعة هنا وهناك

أيوب [ يعود لحالته الطبيعية ] أأستطيع؟

سامي/ نعم . انطلق بجناحيك من العتمة  نحو الضوء وكلنا سنكون معك

أيوب [ متردداً فرحاً ينزع عن جسده المعطف ]

سامي/ أظن إن السماء استجابت لدعائي[ يبدأ بعزف مقطوعة موسيقية

(السوناتا )]

أيوب [  يتجه صوب درجات السلالم ليعتليها ببطْ حتى يختفي ]

سليم + طاهر [ يرقصان بحركات تعبيريه على أنغام الموسيقى التي يعزفها سامي

على آلة الكمان]

 

 

{   تسدل الستارة   }

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock