مقالات ودراسات

مونودراما الدمية وتمثلاتها في اللعبة المسرحية  قراءة في عرض كوكورونا


المسرح نيوز ـ العراق | مقالات ودراسات

ـ

د. إيمان الكبيسي

 

 

يعتمد اللعب المسرحي المونودرامي على الخيال فهو يبدا من خلال صورة تأملية أو تداعي حر، لينتقل الى لعب فسيولوجي حركة وصوتا، أي تحويل الافكار الى لعب جمالي ابداعي. والمونودراما تمتلك خصائص فنية وتقنية تنفرد بها عن الأشكال المسرحية في حفرها لدواخل الشخصية وغوصها في ماضي الشخصية والمزاوجة مع حاضرها عبر الوعي واللاوعي، الحقيقة والحلم وصولا الى مضمرات الشخصية وعالمها. فكاتب النص المونودرامي لا يعتمد البناء التسلسلي في بناءه للشخصية وانتقالاتها خلال الازمان المختلفة، بل عن طريق البوح  واستظهار انفعالات متنوعة متجهة الى الماضي، كاشفة عوالم تلك الشخصية والشخوص الأخرى التي تسهم في بناء الحكاية وسرديتها.

 

اما كاتب نص(كوكورونا) فقد اعتمد على لعبة ابتكرها للشخصية الاولى حضورا بوصفها الوحيدة على المسرح كون النص مونودرامي لتعليم الطفل الطرائق والاساليب الوقائية للتجنب الاصابة بجائحة كورونا، إذ اتخذ من الارشاد والتعليم صبغة سائدة في كل ثنايا النص، ما اخذ من جرف الدراما الغائبة في النص، فلم نجد حدثا متصاعدا او قوى متصارعة انما كان اشبه ببرنامج ارشادي توجيهي مباشر، رغم ان الكاتب عمد الى انسنة المعقمات، ورسم  شخصيتين شكلت طرفي الحوار الغالب ليبث عبرهما رسالته الصحية في تنوع اسلوبي في الحوار المباشر بين الشخصيتين المؤنستنين او عن طريق  تقديم تلك التعليمات عبر نشرات الأخبار السريعة التي لا يوجد مبرر لإقحامها ضمن سير الاحداث، فنشرات الاخبار قد تعنى بالإحصائيات وايصال بعض القرارات لكنها غير معنية بالارشادات والتوعية بالوسائل الوقائية التي ربما كان لاستعارة فضاء الاعلانات السبيل الانجع واكثر موضوعية وصدق.

 

عرف (سمير عبد الرحيم الجلبي) المونو دراما بأنها ” دراما الممثل الواحد، المسرحية ذات الشخصية الواحدة المتكاملة العناصر التي يؤديها ممثل واحد أو ممثلة واحدة ويقدم فيها دورا واحدا أو يتقمص أدوارا مختلفة”.(1) وهنا لا ضير من ان تدخل ضمن هذا النسق الجمالي عناصر تعضد المشهدية فيه وتعمد الى كسر الرتابة والسردية في المونودراما بوصفها بوح داخلي وحفر في ثنايا الشخصية واستنباط دواخلها، ومن هذه العناصر(الموسيقى، الرقص الكيروكرافي، الجوقة، الدمى) لكن في مسرحية (كوكورونا) كان الوضع مغاير بعد ان جسدت شخصية الاب المبتكر للعبة افتراضية مع مواد التنظيف والمعقمات التي صارت رفيق العائلة في حالة من الحضر البيتي في زمن الجائحة، ما جعلته(الاب) يتعاطى مع  شخصيتي المعقمات بوصفه مؤديا لها على انها شخصيات مؤنسنة ضمن اطار تمثيلي، إذ أعطى المؤلف رسالة مباشرة تعليمية لعملية استخدام المعقمات وطرق الوقاية من المرض وضرورة استخدام هكذا معقمات للتخلص من الفايروسات.

 

اما من حيث الاخراج فقد جسد الممثل في بداية العرض صورة للعب مونودرامي الافتراضي، اتخذ فيه دور اللاعب معتمدا على البانتومايم والكاريكاتير والضجيج الذي احدثه ضمن نسق العرض في مشهد استهلالي كأنه يجسد دمية بشرية  ليخلق فضاء لعبيا تشويقيا حُدد فيه الطفل هدفا يروم الوصول اليه للتعليم والامتاع، ما جعلنا نستبشر خيرا ونسمح للخيال ان يسبح مع هذا الفضاء اللعبي، لكنه مع افتقاره للاضاءة بسبب ظروف العرض وبعد ان اعطى لكل شخصية ابعادها وخصوصيتها من خلال الحركة والتلوين الصوتي، وما ان دخل في فضاء مسرحة الاشياء حتى اصابنا الاحباط من انه غادر العرض المونودرامي الى نوع مسرحي اخر اشبه ما يكون بمسرح الدمى وتحديد العرض باطارٍ خشبي حصرَ الحواريات ضمن فتحت البروسينيوم الخاصة بعروض الدمى، فتحول العرض من عرض مونودرامي الى عرض للدمى، ما ادى الى عزل الشخصية الرئيسة وجعلها خارج الحدث، وظلت التوجيهات والارشادات تدور ضمن هذه الفتحة عبر تلوين بالصوت البشري بين شخصيتي الرجل والمرأة وهذا التحول المتواصل اربك المؤدي (المحرك) ضمن لحظة التحول الادائية التي تستلزم مهارة عقلية عبر أسلوب تقني يعتمده الممثل للتنقل السريع من حالة مشهدية الى أخرى، او من شخصية الى أخرى  وصولا الى حالة التجسيد. إذ تتناسب هذه الانتقالات طرديا مع زمن التحول في اضفاء ابهارا على أداء الممثل. فوقع في الاخطاء اللغوية ومشكلات الالقاء. وهنا لابد من الاشارة الى ان توظيف الدمية ضمن العرض المونودرامي لا يُسقط عنها سمتها في البوح والتفرد شرط ان لا تمتلك خصوصية محددة خارج اطار الشخصية المونودرامية الواحدة، وهذا ما اغفله (المخرج/ المؤدي) في لعبته المقدمة للأطفال بقصدية واضحة ظهرت من خلال تصويره للجمهور الذي تميز بخلوه من المتلقي الكبير في اشارة الى ان هذا العرض مخصص للطفل بعد المشهد الاستهلالي في اشارة الدخول في اللعبة وتهيئة الجو العام.

 

اخيرا ينبغي ان نحدد ان مسرحية (كورونا) وقعت في فخ الاشتباك المفاهيمي بين مونودراما الدمية وبين مسرح الدمى، فضلا عن انه لم يقدم جماليات مسرحية بمستوى ما قدمه من وظيفة تعليمية ارشادية للوقاية من الجائحة.

ايمان الكبيسي

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock