نصوص

نص مسرحية “فستانٌ أحمر البياض” للكاتب العراقي حيدر عبد الرحيم الطيب


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

مسرحية

فستانٌ أحمر البياض 

                            

تأليف

حيدر عبد الرحيم الطيب

 

المكان: بيت قديم. على الجهة اليمنى نافذة صغيرة، وفي اليسار, يوجد سرير قرب باب البيت، نرى باب غرفة في اليمين، في الوسط وضعت ماكنة خياطة تعمل عليها المرأة العجوز المسنّة…

العجوز:           (تجلس على ماكنة الخياطة، تقوم بخياطة فستان زفاف، تضع العجوز نظارة طبية، تنظر للفستان، تتحدث معه) ما أجملك أيها الفستان.. أوووف.. في زمن مضى كان الطقس في مثل هذا الشهر بارداً، أما الان تحمل الرياح نسائم ساخنة ومزعجة.. فتجعلني في مزاج لا يروق لي أن افعل شيئاً، لا أعرف لماذا تغير كل شيء! (تنظر من النافذة) رغم انزعاجي من التيار الساخن.. ليس بمقدوري غلق هذه النافذة، إنها أنيستي الوحيدة، انتظر حتى يحلّ الليل لكي أرى القمر الذي يملأ  فتحة هذه النافذة الصغيرة، وأيضا عند غيابة تدريجياً، أنا عندي اجمل قمر في بيتي، وحيدي.. سيأتي الى البيت من عملة الذي أجهله! يراودني إحساس قوي جداً، وفي كل ليلة يتحوّل ذلك الإحساس الى يقين في داخلي.. أن كل شيء قد تغيّر، وإلا لماذا تغير المناخ وأصبح رطباً ولزجاً وأشم رائحة دماء فيه! (تبتسم) حتى ابني يتهرّب من الاجابة أين يعمل! (تتكلم مع الفستان) الله كم اصبحت جميلاً، اسمع.. سوف ابيعك الى فتاة جميلة بحجم جمالك، لا تخف.. لن أفرط بك بثمن رخيص اطمئن… (تنحني على الفستان) ماذا؟ لم اسمع… (فترة صمت قصيرة تم تضحك) انا ارتديك؟ لالا.. لا يمكن. (فترة صمت. ثم تدلعه) يا صنيعتي. ياذوقي. ياجمال ذوقي، قد فات زمن لبسك بالنسبة لي، ولكن سوف تلبسك أجمل الأميرات، اتمناك لعروس ابني المُضرب عن الزواج…

(طرقات قوية على باب البيت وباستمرار)

العجوز :     انتظر حتى انهض (تصرخ) كفاك.. لا تطرق الباب هكذا.

صوت  :     آسف.. افتحي بسرعة، أرجوك…

العجوز  :      (مع نفسها) هذا ليس صوت ولدي، لن افتح (تصيح) ماذا تريد؟

الجندي  :      افتحي الباب ارجوك، لا وقت للنقاش الان.

العجوز  :      لن افتح.. اذهب، انا عجوز وحيدة هنا وولدي لم يأتِ بعد.

الجندي  :      بضع دقائق في الداخل وأرحل.. ارجوك.

العجوز :      ها، بضع دقائق؟ انتظر…  (تفتح الباب)

الجندي  :    (يدخل رجل في الأربعين من عمرة يرتدي بدلة عسكرية وبسطال، يبدو مرتبكاً وخائفاً) شكرا لك.. لا تخافي، ارجوك.. بضع دقائق وسأرحل، لن اضايقك يا أمي.. كانوا على مقربة من الوصول إليَّ. ولولاك لا أعرف ماذا كان سيحصل لي…! (بابتسامه للعجوز) هل تسمحي لي بكأس من الماء؟

العجوز  :     لا تخف، اعتدت على سماع أزيز الرصاص… (تشير له) هناك.. قم وشرب ما تشاء.

الجندي   :       (ينهض، يشرب الماء من كأس) ما أطيبه.

العجوز  :       لا تجامل.. الماء مليء بالشوائب… (تنظر إلية) ما بك؟ ومن أين انت؟ ولــمَ تهرب؟ (تجلس على الاريكة)

الجندي   :       يا أمي.. أنا جندي في الجيش.

العجوز  :      وكيف يهرب الجندي؟ ما الذي حدث؟ لا أعرف شيئاً خارج بيتي.. ولكنني أجزم الآن أن خطأ ما قد حصل!

الجندي   :      كيف لم تطلعي؟ نشرات الأخبار التي تبث سمومها في كل بيت، تحولت المدينة الى بركة من دماء…

العجوز  :      أنا عجوز.. ماذا يمكن أن يحصل لو عرفت؟ المهم أن يرجع ابني سالماً… (تنظر له وتبتسم) أنا أعد الأيام لنهاية رحلتي من الحياة التي لم أرى منها غير المتاعب والمصائب والعوز، لا شيء سوى الأمنيات.

الجندي  : (ينظر للفستان) أيتها الأم.. ماذا تفعلين في هذا الفستان؟ ولمن هو؟ انا أفضّل أن ترتاحي بدلاً من هذا الإرهاق، انت امرأة كبيرة في السن، ألا يوجد أحد هنا لمساعدتك؟

العجوز :  عندي ولد واحد.. هو وحيدي الوسيم، أو كان وسيماً…

الجندي  :  (بفرح) وأين هو؟

العجوز :   خرج للعمل.. وسيأتي قريباً!

الجندي  :   سيأتي متعباً، وما هو عملة؟

العجوز :   لا أدري، ولكن كل ما يأتي أشعر بالخوف ويتحدث برطانة مبهمة عن حربٍ ودماء وتدمير وخراب!

الجندي  :   هو مقاتل إذاً (بفرح) هذا مذهل.

العجوز :    (تنظر ألية) مقاتل؟ لالا، لا أعتقد ذلك. هو لا يرتدي ثياباً كما ترتدي أنت الان.

الجندي  :    وماذا يرتدي ابنك من ثياب؟

العجوز :   (تضحك) انظر الى هذه الدمية…(دمية صغيرة لها شعر طويل وحزام على بطنها ولحية كثة وشارب) أقول له دائماً إن هيأتك تشبه هذه الدمية تماما.

الجندي :     (يستغرب، يمسك الدمية) أ هو حقا يشبه في هيأته هذه الدمية؟

العجوز :    نعم…

الجندي  :    (مع نفسة) أنا أتيت هنا لأكون في مأمن…

العجوز  :   (تشير للبدلة) انظر.. هنا أكملت الجزء العلوي من الفستان.

الجندي   :    (مع نفسه) عليَّ أن أرحل من هنا فوراً.

العجوز  :    (مستمرة…) لدي الكثير من العمل عليه.. حتى يصبح كما رسمته في مخيلتي.

الجندي   :    (مع نفسه) لا زفاف ولا أعراس، لربما هذه الأم المسكينة لا تستوعب ما حدث في المدينة.

العجوز  :     سأنتهي منه وسأبيعه بثمن كبير.

الجندي   :     (مع نفسه) ربما أكون قد دخلت للمكان الخطأ!

العجوز  :     أأأأ…… متى تخرج؟

الجندي   :     بعد قليل يا أمي.. أنتظر أن يهدأ الرصاص!

العجوز  :     (تنظر له بريبة) الرصاص؟ ما بك؟

الجندي   :    لا عليك.. متى سينتهي هذا الفستان؟ منذ قدومي وانا اراك منشغلة البال به.

العجوز :     ليس بعد، هذا الفستان أجمل ما صنعت، خيوط جماله تكتمل عند الانتهاء               منه تقريبا.

الجندي  :     عفواً للسؤال.. هل ستلبسينه؟

العجوز :     أنا؟! (تضحك) تريدني أن أرتديه في مثل هذه السن، حقا شيء مضحك للغاية. قبل خمس وثلاثين عاماً تزوجت، كانت حياتنا جميلة، تسودها البساطة بكل شيء، كنتُ شابة جميلة في العشرينيات من عمري. بعد وفاة والدي.. تقدم لي شاب وسيم كما قالت لي أمي، قالت لي: ذو خلق رفيع ووسيم. تزوّجت بعد الاتفاق باسبوع ولكني لم أره، كان الجميع على عجاله من أمرهم، في صباح اليوم السابع كنت أتخيّل أن ألبس  فستان زفافي الذي يليق بجمالي آنذاك، ولكنني فوجئت بثوب باهت اللون، وعباءة رأس سوداء وبعض الملابس البسيطة. قالت لي أمي ستكونين في بيت زوجك هذه الليلة. لذلك لم ارتدي الفستان وكنت أتمناه. قررت أن أصبح خياطة ماهرة، وبالفعل نجحت بالكثير من فساتين الزفاف التي كانت من صنيعة يدي. اما هذا الفستان (تشير لفستان الزفاف) فله طعم خاص في روحي.

الجندي    :   (يتفحصه) جميل بالفعل.

العجوز   :   إنه العاشر، كلما أنتهيت من واحد لعروس تنتظره ليلة زفافها.. تتحول تلك الليلة الى حزن وفقدان وموت، لالا.. ليس موتاً، إنه القتل! ولكن هذا الفستان سيكون لعروس ابني! اتمنى ذلك…

الجندي    :   لماذا؟ أعنى لماذا لا تبيعينه وتحصلي على المال لسد حاجتك؟ ألم تخبريني قبل حين أنك ستبيعينه.

العجوز   :  تغيّر رأيي؟ ستكون لولدي، تعرف لماذا؟

الجندي    :  لا…

العجوز   :  حتى أعرف ذلك اللغز الذي يشغلني ويحفر برأسي منذ سنوات.

الجندي    :  لغز؟ عن أي لغز تتحدثين؟

العجوز   :  لغز البدلات التي لا ترتديها العرائس ليلة زفافها.

الجندي    :  (يبتسم) ربما هي صدفة.

العجوز   :  صدفة لتسع مرات ومنها فستان زفافي؟

الجندي    :  (يبتسم ويهز راسة) ماذا برأيك؟

العجوز   :  في كل مرة يرجع لي الفستان بعد أسبوع من بيعه، العروس تعيده لي بعد أن يتوقف الفرح في روحها، لذلك أريد معرفة هذا اللغز.

(طرقات على الباب الرئيس، تنهض العجوز)

الجندي :   (مرتبكا) الى اين؟ انتظري.

العجوز:   ما بك؟ ألا تسمع طرقات الباب؟ سأذهب لكي افتحه (تبتسم) لا تقلق هذا ولدي، لا تخف.

الجندي :   لا أخاف؟ كيف؟ علي الاختباء.

(طرقات الباب تتواصل…)

العجوز:   لا تختبئ.. إنه أبني.. وحيدي.

الجندي :  (بتوسل) لا.. أرجوك يا أمي، لابدَّ أن أختبئ، للضرورة أحكام، فالمدينة الآن غارقة بالدماء وهي تغلي وقد دخلها الشر كله… (يتلفت) ولكن أين؟ اين يمكنني ان أختبئ؟

العجوز:   كما تشاء.. (تنظر خلفها) هناك.. في غرفتي…

الجندي:  لا تخبريه بوجودي.

العجوز:  سأفعل.. غريب أمرك أيها الجندي…

(يذهب الجندي مسرعاً باتجاه الغرفة، يفتح بابها ويدخل.. تذهب العجوز باتجاه الباب الرئيس، تفتحه، يدخل الابن وهو يحمل كيساً كبيراً)

العجوز : (الى الابن) لقد تأخرت؟

الابن   :  لم أتأخر، ما بكِ يا أمي؟ طرقت الباب كثيراً، أين كنتِ؟

العجوز :  هنا في البيت، لم أسمع طرقاتك (صمت…) لم تجبني؟

الابن :    (بتذمر) ماذا؟

العجوز :  لماذا تأخرت؟

الابن    :  لا يعنيك.. اهتمي بخياطتك فقط ولا تسألي، لم أعد أتحمل سؤالك نفسه في كل ليلة، هذا يزعجني… (صمت…) أين عشائي؟ هل نسيتني مثل ليلة البارحة؟

العجوز :  نسيت؟ ماذا؟

الابن    : الطعام.

العجوز :  يا لك من ابن وقح . انا انسى الطعام؟ انت من قال لي ليلة البارحة قد تناولت الطعام مع أصدقائك. (صمت) خلفك الطعام.. مازال ساخناً، يمكنك تناوله.

الابن   : (يجلس، يأكل بشراسة، يشير لها للكيس) أمي.. هذا الكيس فيه بعض من الاقمشة أريد أن تصنعي لي أربعة بدلات وستة رايات وثلاثة عمائم…(يشير لها بصبعه) أريدها غدا قبل الظهر (يشير لها في أصابعه دلاله على النقود) يكون طلبي قد تم. وسأعطيك حق عملك.

العجوز : بدلات؟ (تشير الى فستان العرس) أشبه بهذا؟

الابن    : (يضحك) يا لك من عجوز خرفة.

العجوز : (تصرخ به) أيها الوقح.. كيف تجرأ ان تكلمني بمثل هذا الطريقة الوقحة؟

الابن    : (متذمراً) لم أقصد شيئاً، ما بك؟ اتركي هذا الفستان. وباشري بعملي.

العجوز :  ابن عاق… (صمت) ساعة وابدأ بعملك.

الابن    :  لالا.. الان ولا تزعجيني، لقد لاحظت بأنك تثرثري كثيراً هذه الأيام.

العجوز  : (تصرخ به) احترم نفسك… (ترفع كأس الماء وترميه بوجهه) احذر غضبي عليك أيها الوقح، أبوك كان عكسك تماما، كان لا ينادينني باسمي أبدا. ثلاثة وثلاثون عاماً وهو يناديني بحشاشة القلب، ويُشبهني بالبلابل المغردة، سنوات طويلة لم يرفع صوته حتى ولو لمره واحدة، كان لطيفا معي، ودوداً، لم يتركني ليلة واحدة.. في نومي تكون ذراعه وساده لرأسي…

الابن    :  (ينهض) كفاك ترهات يا أمي، واتركي هذا الفستان…

العجوز  : لا لن اتركها.. لا علاقة لك بها، نم واتركني بحالي، اذهب لغيري هنالك الكثير من يعمل لك ويتمنى ذلك الثمن الذي ستدفعه.

الابن     : أين أذهب.. ستعملين ما أريد، هذا واجبك أمام الله (يصرخ بها) أنا لم أطلب شيئاً منك مجاناً، سأدفع لك.

العجوز :  الله؟! لا اريد مالك، اذهب.. لن أعمل لك بعد الان، هل فهمت؟

الابن    :  (يغير طريقته) ما بك يا أمي؟ انا لا اثق بأحد غيرك (أكثر صراخاً) هذا واجبك تجاه الـ… (يتوقف) النقود ليست مني، إنها منهم.. من اجل ان احقق لك رغبتك.

العجوز  :  رغبتي بماذا؟

الابن     : بزواجي.. ألم تقولي لي مراراً تزوّج، أريد ان أرى أطفالك.

العجوز  : نعم . وهذا الفستان ستكون لعروسك يا بني.. وحين تكتمل سأبدأ بما تريد، الان أخبرني كيف تريد تصاميم الثياب؟

الابن    : (يشرح لها) أريد سروالاً طويلاً أسود اللون، أما القميص أريده ان يكون طويلاً يصل الى نهاية الركبتين…!

العجوز  : الان فقط فقد عرفت ماذا تعمل!

الابن     : كيف يا امي؟

العجوز   : عرفت ما هو طبيعة عملك.

الابن     : كيف عرفتي؟ أنت طوال اليوم جالسه في البيت ولا تخرجي ولم يزورك أحد فكيف عرفتي؟

العجوز : من شرحك لتصميم البدلات.

الابن    : (مرتبكاً) ماذا عرفتي؟ أخبريني يا أمي؟

العجوز : انك تعمل بدلات بابا نوئيل حتى ترسم البسمة على شفاه الاطفال كما أعتقد، كم هذا مذهل يا بني، انا سعيدة لعملك، أحسنت يا قرة عيني، ولكن كيف يمكن لبابا نوئيل يمشي في الشوارع مع أزيز الرصاص؟

الابن   :  بابا نوئيل؟

العجوز : (تعود الى الفستان) انظر كم سيكون جميلا…

الابن    : نعم، نعم.. أما الرايات السود أريد منها عشرة.

العجوز : (تقبل الابن) الله ما أجملك، بوجودك لن انظر للقمر لأنك قمري الذي تركه والدك ورحل، سأجري بعض التعديلات على فستان عروسك.

الابن    : أي فستان يا أمي؟

العجوز : إنه فستان عروسك، تخيّل في بعض الأحيان يراودني إحساس كبير حين أكلمه وأحضنه.. أقول: إنه لابنتي.. فقد شاء الله أن لا أرزق ببنتٍ سواك يا وحيدي، وعندما أبيعه أحزن كثيراً وأبداً مباشرة بأخر.

الابن    :  انت مجنونة يا أمي وخرفة أيضاً.

العجوز :  (بغضب) أيها اللعين.. ان تكلمت معي بهذه الطريقة مرة أخرى.. عاقبتك.

الابن   :  (يسحب الفستان منها) اتركيه…

العجوز : (تحاول استرجاعه) اعطنِ فستان عروسك.

الابن    : (يضع الفستان على الأرض ويسحقها) اللعنة على كل عروس…

العجوز: (تقوم وتجثو على ركبتيها، تكلم الفستان) انهض ايها الاحلام والأمنيات، هيا انهض يا ونيسي، لن يدنسك أي أحد ما دمت بين يديَّ، حلمت كثيراً في بنت وها أنت ستزرعين في هذا البيت حناناً وسلاماً، فالرب يعطي لعبادة ما يشاء، وانا خلقتك انت، صنعتك… (ترفع الفستان) انهضي يا ابنتي، ستكونين بخير.. (بصوت عالٍ للابن) لن يجرؤ أي أحد على قتل أحلامي. اتركني وارحل، لم أعد أطيق سماع صوتك، هذا الفستان أحنُّ عليَّ منك، ارحل من بيتي….

الابن    :   من يرحل من البيت.. هو أنتِ أيتها الخرفة، تفضلين قطعة قماش على ولدك، أيعقل هذا ايتها العجوز.

العجوز : (تصرخ به)  اخرج من بيتي، لا أريد أن تضع قدمك هنا بعد اليوم.

الابن    : أنت من عليها الخروج.. لقد مللت منك.

العجوز : (تعانق الفستان) لا تخافي سيخرج الان .

الابن    : (يمسك مقصاً) سأمزق قطعة القماش هذه.

العجوز  : (تضعه خلفها) ليس بمقدورك فعل ذلك.

الابن     : أريد أن أنهي هذه الفوضى واخلصك من خرافاتك التي أصبحت من الواجبات علينا في هذا البيت (يصرخ بها) أعطني الفستان…

العجوز:     (تصفعه) ابن عاق…

الابن:       (يدفع العجوز بيديه فتقع أرضا) وأنتِ أم مجنونة…

(يرفع الفستان ويهم يقطعه بالمقص، ولكن الجندي يخرج من الغرفة، يرفع مسدساً بوجه الابن)

الابن    :  من انت؟

الجندي  :  ارمِ المقص من يدك.

الابن    : قلت لك من أنت أيها الجندي؟ وماذا تفعل في بيتي؟

الجندي  : وانا اقولها لك للمرة الثانية.. ارمِ المقص من يدك.

الابن    : (يلتفت للعجوز) من هذا؟ تكلمي…

العجوز : هذا ضيفي.. ما شأنك انت.

الابن    : ومن سمح لك ان تستضيفي في بيتي جندياً.. ألا تعلمين بأنه من الأعداء.

العجوز : أعداء؟ كيف يكون من يدافع عن روحي عدواً لها، وهذا بيتي أضيِّف فيه ما أشاء.

الابن   : ولكن ليس جندياً في الجيش، هذا غير مسموحٍ به أبداً، سأقتل بسببك ويفجر هذا البيت على رأسك.

العجوز :  لماذا؟

الجندي:  عرفتك الآن…

الابن   : (يتلعثم، للأم) أنت لا تعرفين شيئاً، هذا غير مسموح به وكفى.

العجوز : انظر أيها الجندي، يريد ان يمزق فستان ابنتي، يريد قتل أحلامي التي ألهو بها كي أسدّ عليَّ وحشتي في هذا البيت الموحش.

الابن   : (للجندي) كيف دخلت الى هنا؟ ولماذا لم تُقتل الى الآن؟ أخبرني كيف نجوت؟

الجندي : هربت ودخلت هنا، استقبلتني هذا الأم وفيها عطر أمي، ولولاها لقتلت على يدك انت وامثالك من الجرذان.. الذين يريدون سفك دماء الأبرياء.

العجوز:   سفك دماء؟ وما علاقة ابني بسفك الدماء؟

الجندي:   ابنك منهم يا أم.. أولئك الذين يقتلون على الأسماء والهويات.

العجوز:   منهم؟ ابني…؟

الابن   :  (ينظر له) جندي وفي بيتي؟ لماذا هربت ايها الجندي البطل؟ ألست حامياً للوطن كما تدعون؟

الجندي : إنه الغدر والخيانات يا رجل، فلم أجد سبيلاً سوى الهروب بعد أن اصبحت وحيداً، كل رفاقي قتلوا، هربت لكي أدخل وطناً آمناً يحتويني.. هذه الأم هي أجمل وطن أيها الابن العاق.

العجوز:  ماذا أسمع؟ ابني قاتل مع أولئك القتلة؟!

الجندي : (للابن) قل لها من تكون؟ ومع من تعمل أو تقاتل؟

العجوز : (للابن) هل أنت منهم يا بني؟

الابن   :  أمي لا تصغي ألية، سيخرج حالاً (يتحايل عليها) لا تهتمي لهذا الأمر، لا عليك أيتها العجوز، لا تدعيه يخدعك، أنا ابنك…

العجوز : (تباغت الجندي وتأخذ المسدس وتشهره بوجه الابن) تكلم، عن أي شيء يشير له هذا الجندي.

الجندي:    إنه سلاحي يا أمي.

العجوز:  لا تخف.. انت في بيتي وتحت حمايتي.

الابن   : لست خائفاً.. سأحكي، ولكن عليك أن تفهمي إنها قناعتي التي أومن بها، قناعتي التي تقربني من الله.

العجوز:  قناعتك؟ أنت تقتل الناس دون ذنب؟ تسفك الدماء كأنها ماءً ترمى في الطرقات.

الابن   :  ليس مهما أن يكون هناك ذنب ما! القتل لا يحتاج الى ذنوب، نحن ننظف هذا العالم من القمامة.

الجندي :  لا شيء في رؤوسهم يا أمي سوى القتل والقتل والقتل…

العجوز:  (تصرخ بالابن) أنا أسمعك، أكمل…

الابن   :  أنا منهم.. أولئك الأبطال الذين يجتاحون المدينة الآن ويصرخون الله أكبر، ومع كل الله اكبر هناك أزيز رصاص يطلق باتجاه البيوت الخائنة.

الجندي:  أنت هو الخائن.

العجوز : الله أكبر؟ (تقاطعه) وهل قتلتَ أنت؟

الابن    :  أجل.. الذين خرجوا عن الدين.

العجوز :  الدين؟ وما علاقتك أنت بالدين؟ (تصرخ به) وكم مرة قتلت؟

الابن    :  العشرات.. إنها البطولة يا أمي، وكل رجل قتلته أضمن من خلاله الجنة.

العجوز  : الجنة؟ أنت تدخل الجنة؟ (تصرخ) كيف تدخلها وثيابك اختلطت فيها دماء الأبرياء؟

الجندي  : دعيه يكمل يا أم.

العجوز:   ليتني كنت عاقراً، مجدبة…

الابن    : كنا نقتل الرجال ونغتصب النساء من أجلكم، من أجل أن يستقيم الحق ونعيد للدين وجهه الأول، وكنا نبيع النساء بعد اغتصابهن حتى لا نبيع شرف العقيدة يا أمي…

العجوز:   وهل تقبل أن تغتصب أمك؟

الابن   :   إن خرجتي.. خرجنا عليك!

العجوز :  أريد أن يقول لي أحدهم بأن هذا الابن ليس ابني.

الجندي :  لا يمكن لقلبك الطيب أن يلتقي مع سواد قلبه.

العجوز:  حقاً أن عجوز بائسة.. أنجبت الجريمة.

الابن   : لستُ جريمة.. أنا الحقيقة الوحيدة في هذا البيت، والمخالف لكم لأنكم خرجتم عن دين الله وكان حرياً بنا أن نعيدكم بالدم لدينه، وها انت الآن تخوني هذا البيت فتدخلين له جندياً هو عدو من أعداء الله، ولو كنت أملك سلاحاً الآن لقتلتك أيتها العجوز وقتلته…

الجندي:  تقتل أمك؟

الابن:    لم تعد أمي بعد أن تحالفت معك أيها الجندي!

الجندي:   انا ابنها ايضاً، نحن نعيش في قلب وطن واحد وروح واحدة…

الابن:     شعارات سخيفة.

الجندي:  قلبك ميت.

الابن:     قلبي حي بـ الله أكبر، وبه أقتل.

العجوز:  أين أبني؟

الابن:     كنت ابنك.

العجوز: لالا.. لا ابن لي، لن أدعك تُكمل مسيرة الدم وقتل الناس، وتشوّه اسم هذه العائلة الشريفة، لن اسمح لك أن تستمر لتخلع عني عباءتي وفوطة رأسي وتصنع من بيتي عاراً الى الأبد، لالا.. سأطرد من البيت ومن قلبي والحياة معاً، سأطردك الى جهنم أيها الابن الملعون… (تطلق عليه الرصاص، يقع جثة هامدة) مت الى الأبد… لا بأس.. سأكمل خياطة فستان الزفاف لإحدى البنات الجميلات… (تبدأ بخياطة الفستان، نسمع بوضوح صوت ماكينة الخياطة وهو يجتاح المكان بشكل كبير…)

انتهت

2020 الناصرية -العراق

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock