نصوص

ننشر “نص بينهما لا يلتقيان” مسرحية للكاتب الجزائري: محمد بويش


المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص

ـ

محمد بويش| الجزائر

كلمة لابد منها:

لم أرد أن أصادر على ذائقة وتلقي ورأي قارئي العزيز بكتابة مقدمة لهذا النص الموغل في لعبة الكتابة .. كتابة الروح والحبر المداد على جسد الوقت.. اكتفيت فقط بنشر النص وأترك لكم حرية التلقي. 

مؤسس ومدير الموقع: الكاتبة صفاء البيلي

نص بينهما لا يلتقيان

 

أن تضرب بقلمك النص

برزخ بينهما لا يلتقيان

مجرم وفنان..

يلتقيان على كتابة نص ويتقمصان الأدوار…

من يكتب من…؟

من يتقمص من؟

هو فعل التناقض في مصب الرهبة والخوف…

هي ذات بوجهين ومرآة عابسة

وليلة تختزن كل الاحتمالات…

02

محمد بويش

صوت آلة راقنة… واختلاط الريح

وعويل ليلة ماطرة…

لا وجود للسكون في ليلة معراج الموت

ونص يولد من نهايته…

يتأبط الظلام فاجعة قادمة

وتزداد دقات ساعة من الممكن أن تكون معلقة على جدار غرفة منعزلة في النص….

تتوقف عقاربها مع شروق صبح جديد….

عود ثقاب ينير بداية العرض

كمن أراد إحراق المكان….

كاتب يتأبط نصه…

رواية في اختطاف الوقت معلقة لنهاية

أراد لها اليوم نهاية بحبره…

معطفه المبلل يشير إلى ولوجه الغرفة من شارع ثائر…

يلتقط مكانا للشمعة على الطاولة الوحيدة في الغرفة

وينزع عنه معطفه لينسحب إلى الكرسي المقابل لطاولة فارغة إلا من روايته وآلة راقنة عتيقة صوت رعد يثير الخوف في المكان….

يخترق غليونه شفاه داكنة أرادها أن تمتص من التبغ ليلته الأخيرة…

ليلة نص ماطر بالموت كما هطول البرق في الخارج…

يتصاعد الدخان من غليونه كستارة على نظاراته فيحرك أصابع على الآلة الراقنة إيذانا بوجوده…

يتحرك الصوت فيه متابعا حركات أصابعه على الآلة الراقنة…

 الكاتب:

وتنكسر على بوابة الرضوخ مشيئة الأجل معلق على جوانب غرفته…

عبد الله… الرجل المخفي في سترة النص يفتح أزرار موته النهائي ويعانق حبل التجلي في قبوه… فنان سقط في فشل الساعة على الجدار… فنان لا يسمعه صوته أباح لعقله النزوح خارجا من المقاومة…

عبد الله… عبد الله… فاجعة الموت تزيد في عرجون الميقات على قبره ويستسلم للحبل قبل أن تقرأ عقارب الساعة صبحه …………………..الصراخ…

في هذه الأثناء ودقات الآلة الراقنة تزداد حدة ودخان غليون الكاتب يغلق متاهة المرور لضحكة كادت أن تخرج من فمه… يسمع صوتا قادما من نهاية الغرفة…

 الفنان:

لن أستسلم….. لن أستسلم

لن أموت بهذه السهولة

لن أبايع نهاية الرواية بانتحاري…

لن أقذف بجسدي إلى محراب شهرتك…

يضاء مكان الفنان رويدا رويدا يتقدم إلى الطاولة…

الفنان:

لن أموت ورواية تحمل مجازر من الانتهازيين واللصوص والغارقين في وحل القرود….

اعتقلهم في نهاية نصك…

لست ضحية جريمة يرتكبها حرفك…..

(الكاتب من فجيعة التمرد يقف من كرسيه يطفئ شمعته)

 الكاتب:

لابد أن تموت….

نهاية الجري على أوراقي تدفنك كوجع النص الأخير….

لن تعرف أكثر مني… أنت حقير… مذموم….. وجاهل….. لم تغير ما بنفسك حتى تغير أحوال الناس…. روايتي هكذا تقول…. أنا هكذا أقول….

 الفنان:

روايتك هكذا تقول…..

أما أنا فالصراخ علمني أن أقول العكس…

الكاتب:

لا يهم ما تقول أو ما تفكر فيه…

تهم النهاية التي رسمتها لك…

فنان لا يقاوم….

فنان مهزوم…..

 الفنان:

لكن… أنا لن أموت على يدك…

 الكاتب: ضاحكا

ومن قال انك ستموت على يدي…

أنت ستعلن فيشلك وتنتحر…

 الفنان:

إن كنت أنت قدري…

فأنا هارب من هذا القدر…

إلى نص آخر أرسم فيه محبتي ومقاومتي من أجل السلام…

الكاتب: متقدما أكثر إلى وجه الفنان يكاد يرى حبات العرق على وجهه…

لقد أغلقت كل البوابات خارج الرواية…

سلاسل حول النص ومساحتك مصدرة في التجلي…

كن أو لا تكون هكذا أصيغ أوامري….

رسمت ضعفك وبقيت موشوما بسقوط…

أقتلك إن لم تجاري دم النص في نهايته…

آخر النص هكذا يمطر بدمك ليكون الختام….

الفنان يبتعد عن المواجهة وجه كاتب يعيده إلى نهاية النص…

الفنان:

غريب أن أسقط في فخك…

وفي قبو قلمك المسموم…

اتركني أغادر صفحة النهاية منك….

 الكاتب: صارخا

قلت تموت…

الفنان:

لن أموت..

 الكاتب:

قلت تموت..

الفنان:

لن أموت..

الكاتب:

قلت تموت..

الفنان:

لن أموت..

 الكاتب يعود إلى طاولته وكرسيه يعدل من نظراته وجلسته أمام رواية لا تنتهي كما أراد…

الكاتب:

أنت مذبوح بالصمت هكذا علقت في الرواية جسدك…

04

تنتحر حين لا يراك الآخرون….

لن تخون روايتي…

لابد أن تطيع جرة القلم الأخيرة ويستوي النص…

كما حلمت به…

 الفنان:

من يطيعك مجنون…

لا ترسمني آلة راقنة وحبل عتيق لأكون دون لسان وصراخ…

 الكاتب:

أنا صاحب القلم… وأنا من اخترت نهايتك….

صحيح… أنا من أمرتك أن تنافق… أن تكذب…. أن تأكل لحم أخيك وهو حي….

أنا من رسمت خطوات فصلك دون مطر ودون أزهار…

لكن في الحقيقة… أنا لا أريد أن تكون هكذا…

فقط هذه الرواية كنز….

أريد أن أصعد بمعاناتك إلى السماء….

أعصر النجوم والقمر في كاسي…

وتفيض الكنوز أمام أقدامي…

وأصبح مشرقا قبل الشمس في تدافع الفصول…

 يخاطبه:

ألا تريدني أن أكون كاتبا مشهورا…

تتوقف عقارب الوقت عند ساعة نصوصه…

 الفنان:

لكن… أين ذنبي وأنا عاصرت مشاكل الرواية فيك واتخذت مني ضحية لجنونك…

الكاتب:

12

 

لكنك تمردت في النهاية…

أحتاج إلى موتك أكثر من حياتك…

 الفنان:

لم أتمرد… لم أك قادرا على الكذب….

لم أك قادرا على النفاق….

لم أك قادرا على الانتحار…

 الكاتب: يعيد إشعال غليونه ويمتص منه كثبان دخان كثيف…

باستطاعتك أن تنتحر إن قبلت بالواقع…

ألا ترى عيناك أن الفنان لا يغير…

ألا ترى أن الفنان ضعيف…

ألا ترى أن الريح أقوى من نافذتك….

ألا ترى أن لا أحد يسمع لك…

جمعتك للنهاية عند كأسي هذا…

فاجعلني أثمل بانتصاري…

 الفنان: صارخا

في النهاية أنت من يوزع نطاف حبرك على وجه النص…

لن أباغت كأسك…

أنسحب من شهوة قتلك لفحولة الحرف…

وأبايع انتصاري…

 الكاتب: يتأبط روايته يقف وغليونه منتصبا أمام عينيه…

يواجه مصير النهاية التي لا بد منها…

 يقتفي تمرد الفنان الذي لم يتوقعه في نصه…

 يخاطبه:

عبد الله… لن أتأبط روايتي عبثا…

أنا أجدد أنفاسك الأخيرة فيها…

لا تنتحر كما أردت لك…

لابد من نهاية تتبعك حتى تسقط وحدك…

معلق أنت بين الحروف…

لا فكاك لك الليلة من عقارب ساعة تتوقف مع نهاية أنفاسك…

 الفنان:

تعبت…. تعبت من نصك…

روايتك سجن بين الحقيقة والوهم…

أنا الحقيقة وحبرك الوهم الواقف على رموش التجلي…

الكاتب:

أنت ضعيف…

 الفنان:

وأنت انتهازي….

 الكاتب:

أنت خائف….

 الفنان:

و أنت مجرم…

 الكاتب:

لن تفهم أبدا…

أنا خلقتك بنصي لتضحي في النهاية….

ويعرف الجميع حقيقة وجودك…

وعبث الصوت الذي أعادك إلى خشبة الحياة لتمثل موتك وانتحارك…

الفنان:

حقيقة وجودي لا معنى لها في رواية تقود الوهم…

تفرض الوهم…

تزرع الشك في الصراخ…

كم ناديت في أعالي نصك…

لم يسمعني أحد…

الصدأ عشش بصوتي…

أصبحت لا أسمع حتى صراخي…

 الكاتب: يضحك

وتريد أن يسمعك الناس..

حبال صوتك معلقة بنصي…

كأجراس لا تدق إلا بموعد الدفن…

 الفنان:

الحقيقة أريدني أبكم…

أعدني إلى معارج نصك بلا لسان…

بمقدورك قص لساني…

 الكاتب:

أنت فنان…

لا بد من مرآة تراك….

وصوت يخرج من ثورتك…

فقط لا بد من ثورة أقودها بقلمي…

لا حرية لك إلا ما أرسمه في نصي…

 الفنان:

كل البدايات عندك انتحار…

فمن أين نبدأ وهذه المتاريس في نصك تغلق العبور…

 الكاتب: يفتح صفحات الرواية يعدل هندامه على الطاولة ثم يتكلم:

عبد الله… فنان… يحب أن يتكلم…

أن يفجر كبت السنين في أعماقه…

يحب أن يقول…

 الفنان:

وما يقول…

 الكاتب: يعيد التحرر من غطرسته ليثير منابيع الأوامر من أنفاسه

يقول الحق…

يحرر العالم من قبضة الجوع الأبدية…

يقتل الطمع في القلوب الخبيثة…

وينشر السلام في كل جهة…

الفنان فصل ماطر لمعنى الخير…

محتم عليه ليرحل…

ليقطع بحور الألم فقط لينير الحقيقة…

أنت بدأت ولا بد أن تفهم…

الفنان: يصفق

لم أفهم شيء…

أنت من يقول هذا…

و نحن نرسم بأوجاعنا عرجونا للبقاء وتمرة للعيش…

 الكاتب:

لا بد أن تجرب معنى الخطاب…

أن تستوعب المعنى في جلباب النص…

أن تتعرى من بهتك لتقول عكس ما نقول…

 الفنان:

ربحت الفراغ من نصوصك…

واقتفيت آثار دالية يابسة…

تنبت في نهاية الأمر دون ماء…

الكاتب:

مشكاة في رهبة السؤال أنت…

لهذا لا بد أن تقول…

 الفنان:

و ما أقول…

حروفك مقصلة…

تعبت من لغتي.. من لساني.. من الحق الذي تراه ولا أراه…

 الكاتب يصفعه بكل قوة… ليخترق السؤال المهيمن فيه.. لا يراه في ملامح الليلة الباقية.. إلا نهاية محتومة تأتي بسرعة البرق لتخدم الرواية وتنتظر فيه شهوة المهمش القادر على كبح حركات شخصياته….

يخاطبه:

أنا من يكتب الحق ولست أنت…

أنا المنتصر القادم على خلقك…

وأنت المأمور لتقول ما أريده منك…

 الفنان: يعود بخطواته إلى الوراء…

 يستنزف صراخه ومهب الحروف التي تحاول وخيانته…

تعبت من كل كلمة أقولها الآن…

مسجون أنا بشهقة الروح…

أنادي لوحدي..

أحمل حنجرتي إلى سدرة الريح…

أوقفوا عنا ظلمكم…

أوقفوا سفن الحريق التي تحملنا إلى ماء شبيه بدمنا…

ننطفئ نحن وتبقى البحار مشتعلة…

لتحرق القادمين…

 الكاتب: بهدوء

نعرف هذه الأشياء أكثر منك…

 الفنان:

لكن هو السكوت في أفواه القلم وذل الحروف…

من شرق النص أنت مأمور…

ومن غرب النص أنت مأمور…

وفي نهاية النص أنت مأمور…

 الكاتب: يعود أدراجه إلى الطاولة يعرف أن هذه الليلة الماطرة خارجا لن تمطر بنهاية يرضاها في الغرفة…

يخاطب نفسه…

شخصية مجنونة.. كتبتها لأرسم معنى الرضوخ ولكن…

 يخاطبه:

انهض الآن…

لا بد أن ننتهي… هروبك هذا عكس خريطتي يؤدي بك إلى الضياع…

 الفنان:

لست هاربا…

أنا أقاوم لذتك…

اخترع في نصك شخصية أخرى وإلا حاول أن تكتب رواية جديدة…

نهاية روايتك لا تساعد وجودي…

 الكاتب:

أنت بلا وعي…

ولا مبدأ…

هل تعرف لو أني غيرت نهاية النص كما تقول..

أصبح مثلك….. يضحك….

لكن استطيع أن أساعدك وهذه خدمة مني…

 الفنان:

وكيف تساعدوني وأنت تريد موتي….

 الكاتب:

سنلعب معا…

 الفنان:

سبحان الله… من الموت إلى اللعب…

23

 الكاتب:

أنت لم تفهمني…

لا تكن أحمقا فأنت تحمل كل هموم نصي..

أريدك أن تلعب على موتك أو حياتك…

لا بد من تجدد الفصول في الطبيعة دوما…

الفنان: باستغراب

لم أفهم…

 الكاتب يضع أمامه لعبة شطرنج…. تجربة في مزاد الموت…

 هكذا يفكر هو في استدراجه إلى الضعف..

 يكلمه:

العب… العب معي…

اللعبة أمامك وأنت متورط في اللعبة…

الفنان:

لن ألعب…

لا أعرف هذه اللعبة…

 الكاتب:

لا يهم…

المهم هو أن نلعب وأحس بك…

أنت تقرر عدم اللعب إذن

دعني أعيد ترتيب وجهك من جديد لأحاول رسم مرآة لا تراك

الفنان:

اغتصاب الوجه ساعة الحقيقة …

سلطة زائفة في ضوء المرآة…

 الكاتب : (يضع أمامه مرآة كبيرة)

تقدم لتراك المرآة …

الوقت يزاحم الفراغ الذي أنت فيه….

الفنان :

قبيح هذا الوجه الذي أراه…

الكاتب :

انه وجهك …

أنت تكتشف نفسك الآن…

الفنان :        

 

أراني أعصر خمرا …

ورأسي تحتضنه امرأة كانت في النص …

الكاتب :

هل تخدعني؟؟؟

الفنان :

المرآة من تخدعك ..

أنا أراها الآن و أنت ترسم جدارا بيني و بينها …

أرى سيوفا و دخانا وأحصنة تجري في المتاهة …

الكاتب :

هذيان رجل ينتهي على وسادة ليلة أريدها لي …

الفنان :

أعدني إلى نصف الرواية …… علي أن اسمع لك

الكاتب :

الوقت لا يكفي والمداد يقدر انتحارك فقط…

الفنان :

اجمعني معها مرة أخرى لأسوق إليك النهاية كما تشتهي…

الكاتب  يفكر يعيد الأوراق في الرواية إلى المنتصف

الكاتب :

هل تسمعني الآن…

حدق جيدا في المرآة…

* تخرج من منفى النص امرأة كان الكاتب رسمها حبيبة للفنان ثم أقام جدارا بينهما …يقبض حتى الشعور في لحظة التجلي و يمنع الحب.

الفنان:  يصرخ :

أي عالم يمنع الحب

أية سلطة لك لتقيم الجدار

الكاتب :

سلطة القلم و ما يسطر مني على البياض

تراها فقط لتحس بوجودك في لحظة تراكم الذاكرة…

وتعيد لي سمو النص وسلطتي الأبدية…

يكلم المرآة :

تعالي مجدلية نصي…

تعالي إلى أروقة النص…

لأزرعك من جديد في الرواية…

جري إليك جسد الوقت واحتمي….

بصفحتي الأخيرة … حبيبك يأبى الرضوخ..

المجدلية : (صارخة)

لا..لا.. لست ريشة تلتقف جرك أو تعاقر أوراق روايتك الشاحبة

الفنان : (يصفق)

المجدلية :

أنا احترقت في روايتك…

متخطية بلون الخوف…

فلا تجعلني أعود إليك…

الفنان :

عادت المجدلية من نصف روايتك رغم جدارك…

(إلى المجدلية)

تعالي وردفي … لا تورقي خارجي ولا تمكثي بعيدا…

فأنا الغريق المرافق لأبجدية القرصان…

اخرجي الآن من النص ..

وتمردي على سلطة المقصلة….

المجدلية :

آه .. خائفة أنا ..

ملغم هذا الجدار

و أنا أناديك من عمق الرواية … اسحبيني إليك ..

يتململ الكاتب في مكانه .. تشده لحظة التمرد يستصرخ النص بدواخله

الكاتب :

جسد اللغة يهتز ..

و حروقي تتصبب عرقا ..

هل أكسر المرآة لأحذفك من قلبه ..

أيتها الحمقاء.. عودي إلى الرواية ولا تعاندي قلمي وسطري الأخير ..

الفنان :

لا..لا تسمعي إليه…

هزي جذع حبك لي…

و لا تمكثي بعيدا…

المجدلية :

أيها المتمرد الثائر …

أخرج من سطوة الرواية…

فحبنا لن يورق من خلف الجدار….

الفنان :

كوني بقربي …

دعيني ألثم قارعة النص لأناديك بعمقي ..

تداركني حرف القرصان في نهاية النص و يريد انتظاري …

المجدلية  :

قاوم حدود ريشته المسمومة…

فأنا دوما أكرر رسم وجهك لحظة اختفاء الهمس فيك…

 

الفنان :

أنا الليلة أتحداه .. وأتحدى هذا الجدار…

الكاتب يعاود الصراخ من جديد :

من أنت …

من أنت لتعاندني ميلاد النص في نهاية الرواية …

من أنت .. لترفض حلمي الأخير …

المجدلية :

أنا من ينتحب أمام بوابة وطن يغرقني خلف الجدار …

لا أريد أن أغفو ساعة غروب لتظلم فيه الدنيا بقلمك …

الفنان :

هكذا يغادرني الصمت .. لأصرخ في وجه الجلاء..

(يخاطب الكاتب)

أنت جبان و فاشل و قاتل .. تمنع الحب .. و تقيم ولائم الانتصار على جثتي ..

الليل فيك قمر ممتد على وجع المسافات …

و الصمت فيك درجة العويل قاتل أنت…

تمارس إرهابك بسطوة القلم..

وأمارس حريتي بسطوة الحب ..

المجدلية :

لا تعاقر نصه .. فأأأا

أنا  أحجمت عن الصمت لأجلك…

الكاتب : (مزمجرا)

هكذا إذن … أعدتك إلى المنتصف لتثير التمرد فيها…

أرى أنه لا بد أن اعتلي النهاية الآن ولا بد من موتكما خلف الجدار

المجدلية: (إلى الفنان)

أيها الخارج من النهاية …

القناص ما زال يحاصر النص فينا…

دعني أحرق حمل هذه المسافات لأنشر رماد النص خارج مقصلة  الجدار…

لا بد من لقاء يعيدنا لبداية الصراخ…

لا بد أن نتحرر من هذا الحب الزائف…

الكاتب :

انشر عصافير الروح الهاربة من الرواية…

الفنان :

لست الإله الذي نقدسه…

الكاتب :

خلقتكم (يضحك)

وأنا من زرع الحب فيكما…

و أقمت الجدار لتتعذبا أكثر ..

المجدلية:  (تتقدم إلى الفنان)

الزمن ساعة مهمشة و هذا الجدار … دعني ألقاك ..

الكاتب:

لا… لن أعيد ترتيب النص الآن ..

لكما الهروب مني …

و لي ساعة السجان…

لن احتمل صراخ الحبر في مقام الجدار..

أريدكما الآن …

أريدكما الآن …

الفنان :

لن ننتمي لقبو روايتك… وأنا هنا متحرر من حبر الجدار..

لن أعود إليك مكبلا بنهايتي..

لن أعود …

لن أعود …

المجدلية :

أيها السجان لن تشطرنا في متاهة نصك…

أو تعيد رسم أيامنا على الورق..

جسدينا كوكبان متلاطمان…

والسماء في نصك ساعة انفجار…

الفنان :

هو حبرك يشتهي رسم الجدار…

وأوطانا بلا حب وخرائط من سجون…

الكاتب :

أحمق من يتبع جنونكما…

الفنان :

تعالي فجري الآن الجدار….

الكاتب: (ضاحكا)

لن يخرج من سماكة الجدار اسمها…

هي مسافة فقط بين حبري والبياض …

يعود إلى آلته الراقنة…يظهر الفنان و المجدلية في سجن وأمامهما الكاتب يحاول تغيير الرواية

المجدلية :

خائفة أنا… لا سرج لي لأعرب من لجامه ..

الفنان :

لا تخافي .. ارتمي على ناصية الاقتراب مني لنغلق النهاية معا ..

الكاتب :

أيها المعتقل بنصي..

أيتها السجينة حبري…

احتموا بالقضبان لأنسج البدء في ارتجافي …

الصمت …

الصمت …

أريد الصمت الآن…

الآلة الراقنة بصوتها تشد المكان …

المجدلية :

أيها القرصان ..

لن نستسلم … ولن تأكلنا فواصل الانقراض ..

الكاتب يقف في مكانه يشد على القضبان يكلم المجدلية..

 الكاتب :

تستخرج أنفاسك في منتصف الرواية…

لن يولد النمل خارج مغارتي …

لا أريد الحب ..

لا أريد امرأة في النص ..

أنت سليلة الحبر الذي يرسم ارتفاع صوتي إلى الأبدية …

ذوبي في نصي …

عودي إلى المرآة حتى لا أراك ..

الفنان :

لا …لا ..

لن تموت في يومك ولن يقف الجدار من جديد …

الكاتب يجر المجدلية  إلى المرآة من جديد..

الكاتب :

أنا … أنا من خلق الحروف لاستنتج عشقكما ..

وفي عقلي نهاية أريدها ..

في حبري سر الموت على عتبة النص ..

لا حب في نصي الآن …

لا حب في نصي الآن …

تختفي المجدلية بعد وصولها إلى المرآة… الكاتب بعد سقوط الفنان يخرجه من السجن و يقابله من جديد..

الكاتب :

الآن اكتب ما يمليه النص ..

عدنا إلى النهاية  نزعت عنك الحب و الجدار …

هل فهمتني الآن …

أنت لا تمتلك الوقت … أنا أضع وقتك .. وحبيبتك .. واعرف تفكيرك..

الفنان :

اوووف … إذن لا عقارب وقت تمحي زمني فيك ..

الكاتب : (يرتب لعبة الشطرنج من جديد)

تعال لنكمل اللعبة … قد تنجو من موتك…

الفنان :

قاتل أنت … لست ذا الإنسان إلا الذي تخثر دمه بالقهر …

الكاتب :

أكون قابض روحك الآن ..

الفنان :

كما قتلت حبيبتي وأخرجتها من النص …

هل تريد لي نهاية رواية لن يقبل بها أحد..

الكاتب :

الواقع يقبل كل النهايات لأنه يعرفك جيدا …

أنت حشرة خطيرة على المجتمع…

أنت شخصية مآلها الانتحار …

الفنان :

لست ذاك الذي أعاد الحبر المعطى إليه … أنا فنان ..

أنا فنان رسمت الفقر … الظلم … و قلت الحق …

أريد أن أقاوم …

أريد أن أقاوم ….

الكاتب : (ضاحكا)

تقاوم … اخبرني بما تقاوم …

بهذه الفوضى التي تعيق عقلك…

موتك أفضل من الحياة …

الفنان :

إذن هذا تفكيرك الآن…

الكاتب : (بهدوء)

هذا هو تفكيري … الأول والأخير …

أريد عودتك إلى الرواية…

لأختم بجرحك كل المآسي التي بدأتها بك…

من أول نقطة حبر على البياض …

الفنان :

اتركني أفكر …

الكاتب :  (مشيرا بتناوله سيجارة)

هل تدخن …؟

الفنان:

لا يلزمني ..

الكاتب : (بتناوله كأس ماء)

هل تشرب …؟

الفنان :

لست عطشان … عطشي الوحيد للحرية …

الكاتب :

إذن لم يبقى الوقت الكافي للتفكير…

وقتك محدد على ساعة الجدار …

لا بد أن تقبل بالأمر الواقع …

الفنان :

هل أنا المجرم الوحيد في هذه البوصلة…

التي تقود أنت اتجاهها…

الكاتب :

و من يكون غيرك …

الفنان :

من يقرأ روايتك أليس لهم رأي في ما يحدث …

الكاتب :

يصفونك بالمجنون …

الفنان :

مجنون ..؟

هل لأني وقفت معهم وصرخت بكل الأسماء التي يحملونها…

الكاتب :

اتهموك بقيادتهم إلى المقصلة…

الفنان :

أظنهم خافوا منك …

لأنك تمتلك سلطة القلم…

الكاتب :

ليس هذا … أنا أمتلك الحقيقة أيها الغبي …

يا عبد الله … هم يكذبون عليك …

أنا أردت أن يعترف بك التاريخ…

وتسرد حياتك  كبطل يكتب فوق لحده ..

عبد الله فنان شهيد..

الفنان :

لا … لا… الحقيقة فنان مغتال …

الكاتب :

ومن يقتلك ما دمت تعترف بالأمر الواقع وتنتحر في النهاية لتترك وصيتك للقراء ..

الفنان : (يحرك لعبة الشطرنج)

لماذا أنا اليوم مقيد في هذه المهزلة…

وفي الرواية شخصيات أخرى مأمورة مثلي…

هل لأني فنان لا بد أن انتحر…

الكاتب :

نعم … لأنك فنان وضعيف…

الفنان :

لم افهم …

مسجون في كل كلمة أقولها أو أنوي أن أخرجها من فمي …

الكاتب :

لا تتكلم إذن ..

الفنان :

أصرخ ..

الكاتب :

لا تفعل…

الفنان :

أصرخ …

الكاتب :

تكلم إذن .. أنت مقاوم بالموت سواء صرخت أو لم تفعل ..

الفنان :

لن أصرخ .. مادام صراخي حبيس نصك …

الكاتب :

إذن … عد إلى الرواية ونتفق على نهاية نرضاها معا …

(يناوله كأس ماء)

اشرب.. لتستطيع المقاومة..

الفنان :

أظنه مسموما .. و تريد قتلي..

الكاتب :

لا … لم أفكر في هذا الأمر ..

وأنا أريدك أن تقبل أنت بالموت ..

الفنان :

وإن قبلت..

الكاتب :

يذكرك التاريخ …

الفنان :

يذكرني ..

فنان مهزوم لا يفرق بين الفصول…

بين الحق و الباطل ..

فنان لا يدرك من أين تشرق الشمس ..

تريد انتحاري …

لا بد أن تنتحر كل شخصيات الرواية معي…

الكاتب :

شخصيات الرواية نائمة ومقدرة إلى حين…

وأنت لا يجب أن تكون في مثل هذا التوقيت…

لا بد من خروجك…

الفنان :

ما دام الأمر في يدك …

وفي هذه اللعبة القذرة …

مارس سلطة قتلك وننتهي ..

الكاتب :

لن أقتلك ..

الفنان :

اقتلني..

الكاتب :

لن أقتلك…

تعود إلى بداية الرواية لتعيد لي كل ما منحتك…

الفنان :

وما منحتني إلا الصعود دوما بصخرة فوق كتفي..

الكاتب :

منحتك الأمان …

لأنك ضحية مجتمع لا يفهمك …

حين تنتحر سيتم تكريمك …

الفنان :

لا أحتاج تكريما من أحد …

أريد حريتي …

الكاتب :

رجل مواقف … رجل لم يرتجف للموت لأنه فنان…

هذه مهزلة السقوط في المتاهة من جديد …

و هذا البيدق أمامك لا يحتمل إلا رابحا واحدا …

الفنان :

أنت مجرم و حقير ..أنت شيطان..

الكاتب :

أنا كاتب مغمور أريد الصعود إلى سدرة الوعي…

الفنان : (يقف متحديا له)

لن تظهر بجلدي …

الفنان لا بد أن يقاوم …لا بد أن يحي..

يتصارعان لتسقط لعبة الشطرنج على الأرض و يسقطان معا

نهاية العرض

تظهر شخصية أخرى تعيد ترتيب لعبة الشطرنج من جديد .. لتقول…

المجهول :

وتستمر اللعبة من جديد ..

فقط تتغير الشخصيات و تتبدل الأدوار..

ويبقى الصراع دوما بين البياض والسواد …ولعبة الموت والحياة…

انتهت

محمد بويش


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock