“هى التي رأت” نص مسرحي للكاتب السوري الكبير عبد الفتاح قلعه جي

المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية

ـ

هى التي رأت

تأليف: عبد الفتاح رواس قلعه جي*

*كاتب سوري

 

ـ

 

 

 

 

هي التي رأَت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مسرحية

 

الشخصيات

 

 

حياة

الرجل الأخضر

الزوج

الحفيد

وجوه:   الابن، الخضري، الكلب، الصديقة، الأخ، الطبيب، المحامي.

    – 1 –
     
    (المسرح معتم، يبدأ عرض سينمائي قصير، فتاة في برية في أوائل العشرينات من عمرها تبحث في الأرض بين الصخور والنباتات البرية عن بعض الزهور والأعشاب، تجمعها في سلة صغيرة تحملها ويتبعها كلبها وهما يتعابثان بين الحين والآخر.

من بعيد وعلى ربوة مطلة يقف رجل كهل بلحية خضراء أنيقة فاتحة اللون، شعر رأسه أخضر فاتح اللون، تحيط به هالة نورانية خضراء، يلبس ثياباً خضراً، ويمسك بيده رمحاً طويلا أخضر بشعب ثلاث يغرسه إلى جانبه في الأرض، يبدو كفارس من القرون القديمة، يراقب الفتاة وهي تقطف الأعشاب والزهور.

الرجل الأخضر يشير برمحه نحو عشبة معينة، ويلتمع من شعب الرمح الثلاث البرق.

الفتاة تعثر بدلالة البرق على عشبة غريبة جداً، تتأملها، تقلبها، كلبها يهجم يختطف قطعة من العشبة ويمضغها، حياة تتذوق العشبة ، تشعر بلذتها، تأكلها وتأتي عليها كلها. تشعر بنشوة غريبة ونشاط، تبدأ الرقص فرحة بعشبتها. الكلب يرقص حولها نشطاً.

 الرجل الأخضر يشاهدها، يحمل رمحه ويدير ظهره ويمضي، الفتاة تحمل سلتها وتمضي عائدة إلى البيت.

(ينتهي العرض ويظلم المسرح)

    – 2 –
     
    (يضاء المسرح، لوحة للعشبة التي أكلت منها معلقة على الجدار، أو يكتفى بظهورها الظلي على الشاشة بين الحين والآخر حسب مقتضى الحديث. طاولة صغيرة عليها تلفون، وكأس مليء بالماء وإبريق زجاجي، ومرآة وبضعة كتب. على الجدار شهادة دكتوراه في علوم النبات بلغة إنجليزية باسم حياة. في الجانب مكتبة صغيرة فيها مجلدات وكتب. كنبة عريضة تستعمل للجلوس وللنوم كسرير.

تخبو الأضواء عدا ضوء الكلوب (مصباح الطاولة) المركز على حياة وهي تبدو ظاهرياً في الخامسة والعشرين من عمرها، تقرأ وتقلب في صفحات كتاب بين يديها)

حياة : منذ صغري أُغرمت بأمرين: المطالعة، والتجول في البراري لجمع الزهور والأعشاب؛ كنت أقرأ في نموِّها وذبولها قصة الحياة، تلك الطاقة التي تمد الكائنات الحية بالوجود والحركة والتفكير، ثم تنطفئ فجأة كضوء لمع في الظلام لحظة ثم اختفى!

لم أصل إلى يقين، وكان لابد لي من الخوض في تجربة ذاتية للمعرفة واستجلاء أكثر الأشياء غموضاً في هذا الوجود، وهكذا تابعت الدراسة والبحث، حتى حصلت على درجة الدكتوراه في علم النبات (بقعة ضوء على الشهادة المعلقة)

قرأت كل شيء عن الروح في الكائنات الحية، وعن خلودها أو فنائها بعد مفارقة الجسد هذه المادةِ الكثيفة، وكانت رسالتي الجامعية تتضمن فصلاً كاملا عن هذا الأمر.

(تنهض وتمسك كأس الماء في يدها وتسير نحو مقدمة المسرح) إذا اعتبرنا زجاج الكأس هو الجسد، والماء فيه هو الروح، فالكأس يتحطم، والماء فيه يسيل ويتبخر، لعله مثال مقارب لفكرة الموت.

ولكن ما هي الروح وهي كينونة الإنسان وأكثر شيء غموضاً في الحياة؟ أ هي كما قال أفلاطون تتكون من ثلاثة أجزاء متناغمة هي:  العقل والنفس أي العواطف والشعور ثم الرغبة وهي المتطلبات الجسدية. كعربة يقودها حصان له قوتان محركتان وهما النفس والرغبة ويأتي العقل ليحفظ التوازن؟

أم هي كما يرى علماء الدين والمتصوفة كائن غامض إلهي لا يدرك، محرك للجسد،كطائر حبيس في القفص ينطلق حراً بعد فناء الجسد؟

(تهرق الماء على الأرض، وتعود فتملؤه من جديد)

ولكن ماذا يحدث لو أن الكأس كان مصنَّعاً بمادة مقوية للغاية فلا ينكسر، والماء فيه باق لا يهرق ولا يتبخر؟ لا شك أن الماء سيفسد ويأسن مع تقادم الزمن.

يقول العامة: إن الخضر شرب من ماء الحياة فلا يموت حتى القيامة، وأنشؤوا له مزارات في بلدان عديدة، وأن جلجامش حصل على عشبة الحياة ولكنه فقدها فكان مصيره الموت. ٍ(بقعة ضوء على العشبة).

(تخف الإنارة بالتدريج، وتتجه نحو السرير لترقد) يبدو أنه لم يبق لي من سلالة الموت إلا النوم..(تتمدد في السرير)  حتى النوم يجافيني فلا أغفو إلا بصعوبة كبيرة. (تتقلب في السرير وتنام، تخبو الإنارة إلا من شعاع خفيف عليها).

    *   *   *
    (تحت إضاءة خفيفة جداً يدخل زوجها وهو في التسعين من عمره، مستعيناً بعكاز، شعره أبيض ولحيته قصيرة محددة وعلى عينيه نظارات. يتأملها فاحصاً، يجس نبض يدها)
الزوج : هل هي نائمة أم لعلها ماتت؟ منذ خمسة أيام وهي هكذا (يضع كفه على صدرها موضع القلب) لا اشعر بوجود نبض (يرفع ذراعها ويتركها فتسقط) هل عليّ أن أخبر الطبيب كي يأتي ويفحصها ويكتب شهادة وفاتها؟ في المرة السابقة غابت عن الحس عشرة أيام كاملة وكتب الطبيب تقريراً بالوفاة، ثم نهضت فجأة واضطر إلى تمزيق التقرير، خرج غاضباً وقال: إنها تمثل عليكم، أنتم تمثلون علي، ولا وقت لي لهذا الهذر. إذا اتصلت به الآن سيرفض المجيء، سأتصل بطبيب آخر كي يفحصها ويعطي تقريره.

(يتصل بالهاتف)

صباح الخير دكتور، لدينا حالة مستعجلة، نوم طويل أو إغماء أو وفاة.. لا أدري، منذ خمسة أيام وهي هكذا لا حس ولا حركة. أرجو التكرم بالمجيء وفحصها وإعطاء تقريرك فيها. نعم.. هي زوجتي.. تسأل عن عمرها؟ أوه.. هذا أمر معقد.. تقول لن تستطيع المجيء اليوم عندك مرضى وأنت مرتبط، لا بأس أتصل بك غداً .. شكراً.

بعد أن يحضر الطبيب غداً ويكتب تقريره عليَّ أن أتصل بمديرية دفن الموتى.

(يجلس إلى الطاولة مديراً ظهره لزوجته ويتناول كتاباً لها ويقلب صفحاته ويستعرض العناوين وبعض العبارات)

الزوج : علاقة الروح بعالم المادة، الجسد وجود مؤقت يحتاج إلى مادة عضوية وهي النطفة ويحتاج إلى مدة يتطور فيها من نطفة إلى أن يصبح إنساناً كاملاً، أما الروح فهي وجود دائم لا يحتاج إلى مدة ولا إلى مادة (يشير إلى ما كتبته الزوجة على هامش الكتاب) هنا كتبت بخط يدها: ماذا يحدث لو أن الجسد لسبب ما صار وجوده دائماً (محدثا نفسه) ملاحظة عجيبة ، أية أفكار لدى هذه المرأة؟

(يقلب صفحة ويقرأ) الروح تجسد مفهوم المادة الأثيرية الأصلية الخاصة بالكائنات الحية. واستناداً إلى بعض الديانات والفلسفات، فإن الروح مخلوقةً من جنسٍ لا نظير له في الوجود مع اعتقاد بعضهم بكونها هي الروح والجسد مجتمعين.

(يقلب صفحات عدّة ويقرأ بعض العناوين) ما الفرق بين الروح والنفس؟ (صفحة أخرى) الروح الإنسانية في الفلسفة وعلم النفس (صفحة أخرى) الروح والجسد والنفس في الفلسفة والأديان (صفحة أخرى) ثنائية الجسد والروح (صفحة أخرى) إشكالية الروح .

(يتابع القراءة وتقليب الصفحات بصمت، زوجته حياة تتقلب في فراشها، تفتح عينيها متطلعة حولها، ترى زوجها يقرأ، تبتسم، تنهض نشطة وتسير بخفة حتى تصير وراءه وهو مستغرق في القراءة، تداعبه من شعره فيلتفت ويراها مفاجَأً ومندهشاً)

الزوج : أووووه.. حياة .. أنت لم تموتي بعد؟
حياة : كلا لم أمت بعد يا حبيبي (تطبع على جبينه قبلة)
الزوج : جميل أنك اكتفيت بقبلة من الجبين ولم تنزلي إلى الشفتين.
حياة :  وما المانع من أن أقبلك من شفتيك؟
الزوج :  أبعد هذا العمر الطويل نقبل بعضنا من الشفاه!؟ تسعون سنة يا حياة، خمس وستون سنة مرت منذ أن كنا معا في الجامعة وخَطَبتُك من أهلك.. ألا تذكرين؟
حياة : ولكنك شاب، أو هكذا أراك من خلال المرآة شاباً جذاباً كما كنا قبل خمسة وستين عاماً..انظر.

(تتناول مرآة من الطاولة وتضعها أمامه فيدير وجهه، تسقط على الشاشة صورة لهما وهما شابان يسيران في حديقة الجامعة) أوه هذه صورتنا في الجامعة (تسلط المرآة على وجهه فقط فتنعكس صورته شاباً) وهذه صورتك الآن وأنت في التسعين، مازلت شاباً.. انظر يا عزيزي.

الزوج : كلا.. لن أنظر.. أنت ساحرة أو مجنونة.
حياة : (تضحك) أو عاشقة.
الزوج : أيكون عشق في هذا السن؟
حياة : (تعيد المرآة إلى مكانها) ولم لا..مادام الجسم شاباً؟
الزوج : هذا بالنسبة لك، أما أنا..!
حياة : أنتَ كما رأيتك في المرآة.. شاباً وسيماً تتخطَّفك عيون الحسان.
الزوج : لم أجد زوجة مخدوعة مثلك. ثم هنالك أمر آخر هو الروح.
حياة : دعنا من الروح يا عزيزي.
الزوج : حسن، هل تعلمين كم مضى عليك وأنت غائبة عن الحس؟
حياة : مجرد إغفاءة بسيطة.
الزوج : يا سيدتي، إغفاءة بسيطة استمرت خمسة أيام بلياليها.
حياة : أوه.. أنت تمزح.
الزوج : انظري إلى الروزنامة وتاريخ اليوم.
حياة : ولماذا لم توقظني حبيبي.
الزوج : مدافع نافارون* لم تكن لتوقظك. ظننتك ميتة فطلبت الطبيب كي يحضر ويعطي تقريراً بالوفاة. وكنت على وشك طلب مديرية دفن الموتى، وقبرك جاهز منذ المرة السابقة.
حياة : أتتحدث هكذا عن الموت والدفن ببساطة وتعلم أنني أحبك، وبحبك صار شبابي متجددا؟
الزوج : تعلمين أنني أحبك أيضاً، ولكن الأمر بات مهزلة، يبدو لي أنه من الأفضل ألاّ أصحبك معي أمام الناس.
حياة : ها.. من الأفضل، ولكن أخالك لن تفعل ذلك.
الزوج : نعم.. وللأسف.
حياة :  ولماذا لا تستطيع؟
الزوج : لأني أحبك.
حياة : أهذا لأني لم أتغير؟
الزوج : يا دكتورة أنت زوجتي وعالمة وفزت بجوائز عديدة لم أستطع أنا الفوز بمثلها، وأنا فخور بك، وفخور بحبي لك، ولكن الأمر من الناحية الاجتماعية لم يعد يحتمل، نحن في وسط اجتماعي ينظر ويلاحظ ويثرثر  ويكثر من الأسئلة.
حياة : وما ذنبي؟ ما يحدث لي خارج عن إرادتي.
الزوج : أعرف، ولكن بودي أن أعرف أيضاً بماذا تحلمين وأنت في سباتك الأسطوري.
حياة : أنا لا أحلم.. أنا أرى .. أرى كل شيء.
الزوج : وماذا ترين؟
حياة : هذا ما لا أستطيع البوح به، ولا أتذكر، إنه يبقى أمام عنيَّ لحظات فقط ثم يختفي كشريط سينمائي تندلع فيه النيران.
الزوج : كلما اقتربت من معرفتك ازددت بعداً وغموضاً.
حياة : هوِّن عليك، سأحضر لك الفطور وفنجاناً من القهوة.

(تخرج، تبدو عليه مظاهر القلق والأسى والحيرة. يتناول المرآة خلسة وينظر إلى وجهه فينعكس على الشاشة رجلاً هرماً. تخبو أنوار المسرح)

    *   *   *
    (يدخل حفيده وهو يرتدي ثوب التخرج الجامعي وعلى رأسه قبعة التخرج)
الحفيد : صباح الخير يا جدي.
الزوج/الجد : أهلاً بحفيدي آخرِ العنقود، من يصدق أنك كبرت وصرت شاباً؟
الحفيد : واليوم أتخرج من الجامعة وأدعوك لحضور الحفل.
الزوج : متى؟
الحفيد : الآن يا جدي ، والسيارة تنتظرنا أمام الباب، ألا تكرمني بحضورك؟
الزوج : بالتأكيد، أنت غال على قلبي فأنت الحفيد المعلوم المجهول.
الحفيد : شكرا.. وجدتي ما أخبارها؟
الزوج : هي في المطبخ تحضر الفطور.
الحفيد : ماذا..هل..!؟
الزوج : لقد أفاقت ثانيةً وعادت إلينا من العالم الآخر.
الحفيد : أمرها عجيب، كأنها حكاية خرافية.
الزوج : فيها يختلط الواقع بالخيال..درستُ علم النفس والفلسفة، وكتبت عشرات المقالات والكتب، وعالجت كثيراً من المرضى ولم تمر بي حالة كهذه.
الحفيد : (ينظر في ساعته) إذن تستطيع جدتي أن تحضر الحفل معنا، سأكون مسروراً جداً.
الزوج : دع جدتك في حالها، لا أريد مزيداً من الثرثرات والفضائح.
الحفيد : ولماذا؟ أتمنى لو تكون لي خطيبة بجمالها وشبابها الدائم، وتحتفظ بهما حتى آخر العمر.
الجد : دعك من هذه التمنيات، ما زلت شاباً لم تعترك الفكر والحياة، الخلود نقمة.
الحفيد : ولكن منذ القديم والإنسان يبحث عن الخلود. هذا يقلقني، وأُسرُّ إليك أنني كي أفهم الحياة والخلود وأدرك أسرارهما سأحضِّر رسالة الدكتوراه عن الروح والخلود، وتكون أنت معيناً لي.
الجد : لن أفيدك بشيء، ولن تصل إلى شيء، الروح من أمر الخالق، ولكن تستطيع أن تعالج هذا الموضوع من وجهة نظر عملية.
الحفيد : وكيف؟
الجد : تستطيع أن تدرس الخلود من خلال ظهوراته وتجسداته في الإبداع الفكري والفني.
الحفيد : أوه.. فكرة جيدة، كم أنت عظيم يا جدي! أنا أفخر بك.
الجد : وجدتك أعظم مني.. لولا..
الحفيد : لولا ماذا..؟
الجد : (ينهض للخروج) دعك من هذا لئلا يفوتنا الاحتفال.

(يخرجان، إظلام)

     
    – 3 –
     
    (المسرح مظلم، إسقاط على الشاشة شريط من المشاهد المتعددة لحياة في أماكن وأوضاع وأزمنة متعددة من حياتها، يرافق ذلك سرد المقطع التالي حيث يحال الصوت إلى آلة تسجيل)
الصوت التسجيلي   عاشت حياة حياتَها منعَّمة بشبابها الدائم، وزوجها يكبر ويشيخ، وأولادها يكبرون ويكتهلون ويهرمون، وأحفادها يتزوجون ويخلفون أبناء.

منذ اللقاء الأخير حيث ذهبت تحضر الإفطار لزوجها وعادت فرأت أنه غادر البيت تمر ثلاث سنوات وحياة كما هي شابة جميلة من ناحية البدن، تنتابها فترات موات سريري بين الحين والآخر ثم تصحو، ليس من علاج لهذه الحالة الفريدة والخاصة جداً. بوجود زوجها إلى جانبها كانت تستمد من حبها له قوة داخلية وتنهض من رقدتها مرحة، لكنها بعد وفاة زوجها استطالت فترات نومها السريري، وبدأت تشعر بالاكتئاب والخراب الروحي وحالات شرود وتهيؤات يخفيها عن الآخرين عقلها المتقد دائماً، هذا مع بقاء جسمها ومظهرها على وضعه حين كانت في العشرينات من عمرها.

    (تظلم الشاشة وإنارة ظلية خفيفة جداً على المسرح)
    (المكان نفسه، وقد أضيفت صورة للزوج المتوفى معلقة وعليها شريط أسود تحت بقعة ضوء. حياة تبدو شاردة صامتة، تجلس إلى الطاولة ثم تنهض وتقف أمام المرآة الكبيرة المعلقة على الجدار.

 تضاء الشاشة وتنعكس عليها صورة حياة الأخرى الداخلية. الشكل هو شكل حياة المادي ولكنه طيفي، إنه الشكل الروحي والنفسي المطابق للشكل الجسماني، غير أنه هرِم تماماً، وفيه تتماوج الألوان المعبرة عن الحالات، من فرح، اكتئاب، قلق، خوف، ضجر، تعب، يأس..الخ،  ويتم التعبير عنها بالضوء واللون: ألوان زاهية خفيفة تمر سريعاً لتحتل بعدها الألوانُ القاتمة جسمَها النجميَّ (الطيفي) مما يدل على بدء خراب روحي في داخلها)

حياة : (حياة تنظر في المرآة إلى جسمها الطيفي المشتعل بالنيران) خراب.. خراب..نيران وخراب..هل أنا من الإنس أم الجن ( تتراجع النيران ويتشكل طيفها باللون الحواري الميت) إنه الخراب يزحف في أعماقي. أوّااااه.! غادرني الربيع (يتشكل جسمها الطيفي من أوراق صفر كأوراق الشجر، وفي أرضية الشاشة من حولها تتناثر أوراق صفر متساقطة)  ها هو الخريف تتداعى أوراقه الصفر فتحتل مساحةَ النفس المعذبة، والشتاءُ يزحف في كياني..رياح..رياح.. برودة قاتلة وصقيع يغطي ترابَ النفس العارية. أنا فصلان ربيع مضى وشتاء قادم تعصف رعوده (الجسم الطيفي يعود مموها ويصطبغ بالأسود) يا لهول هذا الحزن المتراكم في روحي. يا لهذه الآلام التي لا تطاق..(يصطبغ الجسم الطيفي بالأزرق) روحي تملؤها الكدمات والشروخ.. إنها الشيخوخة المتأخرة، لعل هذه المرآة خادعة (تغادر المرآة الكبيرة، تجلس إلى الطاولة وتتابع النظر في المرآة الصغيرة) خوف..قلق..كآبة..ضجر..شيخوخة داخلية.. موت سريري.. واااه..ما كانت روحى هكذا قبل وفاة زوجي، كان بيننا حب لا متناه، كان حبُّه عشبةَ الحياة لي، ما فائدة الحياة بعده؟ عبثٌ هي الحياة.

الأولاد رحل من رحل، وبقي من بقي، والأحفاد يتناسلون، وأنا كما أنا أشيخ ولا أشيخ، أحيا ولا أحيا، أموت ولا أموت. أية عشبة مريرة تلك التي أكلتها؟ كان طعمها مراً، لكنها مرارة لذيذة. ليت الأفعى سرقَتها وأنا نائمة.

(تنظر إلى المرآة، تنعكس صورتها بين صورتين لمريم البتول وليليث) هل أنا قديسة أم رجيم؟

(تشعر بالإرهاق، تتجه نحو السرير تجلس وتضع مسند وراء رأسها، إنها بين اليقظة والنوم، غارقة في تأملاتها الحزينة)

(تخبو الإضاءة المركزة عليها حتى الإظلام)

     
    – 4 –
    (تمر فترة من الزمن على آخر جلسة لها في السرير. إضاءة مركزة على حياة وهي في جالسة في السرير كجلستها السابقة فقد تعودت عليها لتبعد عنها النوم عبثاً. ترهف السمع وقد سمعت صوتً داخلياً كأنه آت من بئر عميقة. الصوت يحال إلى آلة تسجيل، وخلال الصوت تتوالى على مساحة الشاشة خطوط مضيئة مختلفة الألوان والأحجام والقتامة والإضاءة -كما شاشةالتوقف في الكومبيوتر- الخطوط تمر، تتداخل، تحاول الهروب من إطار الشاشة، إنها تمثل الروح في حركة توقها إلى الانفلات)
الصوت التسجيلي : اسمعي يا حياة، يجب أن تسمعيني، فأنا هي أنت، أنا أناك السجينة العليا، أنا الطائر الذي ضاق بقضبان القفص، لقد هرمتُ، وشاب شعري، وانتابتني الأمراض، أنا الروح المفارقة ولا بد من الفراق،  لقد  لجَّ َ بي الشوق إلى الحرية فلماذا تحبسينني في هذا القفص؟

البرودة تُفتِّت أجزائي، ورائحةُ العفونة تضيق بها أنفاسي، وأجراس السجن تهتك مسامعي، لقد غابَ إشراق عينيَّ، وذبل كياني، ورانت على قلبي الوحدةُ والوحشة والكآبة، أنا هنا في هذا الحبس يا حياة كمياه راكدة آسنة، وكنتُ الماء الجاري الذي لا تحبسه السدود. أنا في شوق إلى الحبيب، أريد أن أنطلق وأعود إلى أترابي وخلاني.

ابحثي يا حياة عن عشبة الموت وستعثرين عليها كما عثرت على عشبة الحياة.

(تنطفئ الشاشة، ويسود صمت ثقيل، ويغرق المسرح في الظلام)

    *   *   *
    (تضاء خلفية المسرح لتظهر شاشة سوداء مستطيلة تتخللها كوى تسقط عليها بقع من الضوء وتطل منها الوجوه بالتتالي، وحياة تجلس جلستها المعتادة على السرير، حزينة قلقة صامتة لا تتكلم)
وجه1/الابن : اسمعي يا أمي، لقد كنتِ فألاً سيئاً عليَّ، اكتهلتُ ولم أتزوج حتى الآن، كلما خطبت فتاة ورأتك معي كانت تقطع علاقتها بي وتقول: مادمتَ على علاقة مع هذه الفتاة فلماذا خطبتني؟ لم أكن أستطع أن أقول: إنها أمي، سيكون الأمر مهزلة.

عيشي وحدتَك، ودعيني أتصرف بحياتي، انقطعت عن زيارتكِ قسراً، ولا أستطيع الظهور أمام الناس وأنت معي.

وجه2 /امرأة عجوز : كنا صغاراً نلهو معاً، وكبرنا معاً، تبادلنا الأسرار، حنَّينا خنصرينا* معاً لعشرة تمتد ولا تفنى، لكنك أخفيت عني سر الحياة الأبدية، ها أنا أشيخ وأنت ما زلت شابة.. أنا
    أكرهك.. أكرهك.. ولن أزورك ما عشت..
وجه3 /كلب : أنا كلبك المخلص يا سيدتي، أجلس كل يوم أمام الدار في انتظار أن تفتحي لي الباب، وأنت لا تفتحين، أنا أعلم بما تعانين،  نحن نسمع أصواتاً لا تسمعونها، وندرك أشياء لا تدركونها.

هل تذكرين كلبك يا سيدتي؟ كنا في الحديقة نمرح معاً،نتسابق، نتصارع، نتغالب، وأنت تضحكين، وكنت أقصِّر خطوي وقواي كي تفوزي عليّ.

هل تذكرين وأنت صغيرة والبرد شديد، والرياح تعوي، أنني احتضنك وأدفأتك بجسمي.

اليوم أنا لا أضحك مثلما أنت لا تضحكين، ولا أبكي مثلما أنت تبكين..أنا حزين.. حزين جداً من أجلك يا سيدتي.

وجه4/الأخ : يا أختي اعذريني،  أنا أخوك الأصغر، كيف أسير بجانبك وأنا كهل، شعري شائب، وتملأ وجهي التجاعيد، وأنت في عز صباك؟ مللت من أقاويل الناس وغمزاتهم ولمزاتهم، أنت تستطيعين أن تعيشي وحدك أما أنا فلا أستطيع أن أعيش من غير الناس، إن ما بك مرض غريب، أو سحر ساحر، أو يسكنك جني شرير، وأنا لا أريد أن تصيبني العدوى.

أحبك يا أختي، ولكن الحب لا ينفع في حالة كهذه، مع تمنياتي بالخلاص وراحة البال.

وجه5/خضري : يا سيدتي أنا الخضري صاحب الدكان بجانبك، أغلقتِ بابك ولي عليك حساب، أعرف أنك صادقة وأمينة، ولكن من يدفع لي ما أرسلته لكِ من طلبات: لحم وخضار ومعلبات وفواكه؟ عندي القائمة بمشترياتك، ولكن من يسدد المبلغ وأنا رجل درويش وصاحب عيال.
وجه6 الطبيب : تحية لك يا سيدتي، أنا طبيبك الخاص، أعْيتني حالتك ولم أجد لها تفسيراً، قرأت كتب الطب ولم أجد لها شبيها. كم مرة كتبت شهادة وفاتك ثم مزَّقتها، كنت تنهضين بعد رقاد الموت الغريب المحَيِّر كغزالة تنزو على تل مرتفع، تقولين لي: لا أدري كم لبثت، ولكني رأيتُ كلَّ شيء، ثم لا تذكرين شيئاً كأنه سر تحتفظين به.

بعد وفاة زوجك طلبوا مني أن أكتب لهم شهادة موتك عندما كنت تغرقين في ظلمات النوم الطويل، أو تسافرين -لا أدري- خلالها إلى فضاءات مجهولة، فرفضت لأنني تعودت على حالتك وأنك ما زلت على قيد الحياة، وعندما يئسوا مني طلبوا أن أعطيك حقنةَ الموت بدعوى أنهم يريدون تخليصك من آلامك ومن حالتك هذه، ولكنني علمت أنه طامعون في الميراث، يريدون ثروتك وثروةَ زوجك.

لقد رفضت طلبهم، وهددتهم إن فعلوا ذلك سأرفع الأمر إلى القضاء وأدلي بشهادتي.

أنا طبيب وأحترم قَسم أبقراط.

وجه7 /المحامي : يا سيدتي أنا محامي العائلة، أوصاني المرحوم زوجك قبل وفاته بأن أكون إلى جانبك، وشرح لي عن حالتك. عندما رفض الطبيب إعطاء الورثة شهادة وفاة رفعوا دعوى ضدك بفقدان الأهلية، وبخاصة وأنهم علموا بأنك تتبرعين بجزء من الثروة للجمعيات الخيرية ومكافحة السرطان. وخضت معهم معركة مريرة، شرحت للقاضي حالتك النادرة، وتقارير الطبيب المختص، وأبرزت أمامه مؤلفاتك, وبيانا بمحاضراتك، وأنشطتك الاجتماعية، والجوائز العلمية التي نلتها، وقلت له: إن مثل هؤلاء الورثة هم السرطان المستشري في جسد المجتمع.

خسروا القضية، وأنا لم أفعل سوى ما تقتضيه عليَّ الأمانة وشرف المهنة.

(إظلام)

   
    – 5 –
    (إنارة خفيفة، وحياة راقدة في سباتها المتكرر الطويل، يدخل الحفيد، شاب كما عهدناه في مشهده السابق، يلبس جلباب التخرج ويعتمر قبعته،يقترب من حياة، يلمس جبينها، يضع يده على قلبها، يتناول يدها ويجس النبض في معصمها، يترك يدها فتسقط جانباَ) 
الحفيد : جبينها ساخن وجسمها دافئ. النبض خفيف جداً يكاد لا يدرك، إنها حيَّة. (يخاطبها) أنت تسمعينني يا جدتي، أنا متأكد من ذلك، وما نحن بأسمع منك.

أنا محافظ على وصية جدي، عندما عدنا من حفلة التخرج قال لي، وأكد ذلك ثانية  قبل أن يموت: أي حفيدي الذي لم تلده امرأة، ولم ينجبه رجل، أوصيك بجدتك خيراً بعد وفاتي، ستكون وحيدة من بعدي، فكن لها رفيقاً طيباً.

أحاول أن أساعدكِ لكنك تلتزمين الصمت، شهرٌ كامل مضى عليك وأنت في هذه الحالة، هذه أطول مدة لك في سباتك الكهفي.

(يجلس إلى الطاولة ، يقلب أوراقها، يثير انتباهه موضوع لها كانت تكتبه ولم يكتمل.. يقرأ عبارات منه بصوت حياة وكأنه آت من أعماق الكون)

صوت حياة : أحس بروحي كوناً يتمدد، أشعر بها وهي تكاد تمزق جسدي ولكنها لا تستطيع، كم أنت صلب وقاس أيها الجسد!

يمر شريط حياتي أمام عينيَّ ثم يتلاشىى ويتبدد, وترِين على الروح غيوم سوداء، ويَثقل جسدي تحت جاذبية هائلة فلا أستطيع الحركة حتى رفعَ يدي.

قرأت كتب العلوم والفلسفة والأديان لأعرف الحقيقة وأجد الخلاص ولم أعثر على شيء، قرأت كتب المتصوفة وحالاتهم وشطحاتهم وادعاءاتهم بالمعرفة الاستسرارية ولم تفدني بشيء.

عندما أدركت أنني كون خاص، كونٌ موازٍ أو مخالف لهذا الكون الكبير قررت الصمت.

أي سر ينطوي في هذا الفاني الذي يرفض الفناء!؟

إنها الروح… يا لبؤسنا وهول عجزنا.

(ينهض، يسير جيئة وذهاباً، يقف بجانبها، ينحني ويلمس جبينها ويفحص عينيها)

الحفيد : أعرف أنك تتألمين، كم يؤلمني ذلك (يمسح بمنديل دمعتين من عينيها) أنت صامتة ولكن عينيك  تتكلمان، تقولان كلاما كثيراً، عيناك حزينتان، تبكيان، أي عذاب هذا الذي تقاسينه يا جدتي! يؤلمني أنك تعيشين غربتين: غربة جسدك وغربة روحك.. أوّاااه آما آن لآلامك من نهاية!؟

(يبتعد عن السرير متحيراً، ثم مصمماً، يتناول الكأس المليء بالماء، يشمه، تزخم أنفه رائحة الأسن، فجأة يرمي بالكأس خارجاً ويسمع صوت تكسر الكأس)

اسمعي يا جدتي: لابد من تحطيم هذه الكأس كي تتحرري، لا بد من ذلك.. حاولي.. ولا يستطيع أحد مساعدتك سوى نفسك.

(يخرج. إظلام)

   
    – 6-
     
    (إضاءة رمادية خفيفة، حياة تتقلب في سريرها كأنها تحلم، أو تعاني من ضغط مشاهد بصرية تمر سريعة بين الحلم واليقظة.

يصحب العرض موسيقا ترق عذوبة تارة وتصخب وتشتد تارة أخرى، حسب مكونات المشاهد والصور البصرية.

تتراجع الإنارة عن حياة لتصبح خفيفة جداً، ويغرق المسرح في الظلام، وتنار الشاشة ليعرض عليها صور ومشاهد متلاحقة سريعة بعضها جزء من حياتها وبعضها الآخر رؤى وإرهاصات إنسانية عامة:

حياة تحمل محفظتها المدرسية على ظهرها تحاول أن تقطع الطريق والسيارات تمر مسرعة، حياة في الحقل وكلبها يتبعها، حياة تجمع الزهور والأعشاب في سلتها، وتتوقف أمام عشبة معينة تتأملها، حياة في حفلة عرسها وزوجها شاب يرفع عن وجهها الغطاء الشفاف ليرى وجهها، وجوه تطل من الكوى عابسة والكلب في زاوية الشاشة ينبحهم، عائلة مجتمعة حول جثة ميت مسجى في السرير وأهله غافلون عنه يتناقشون بحدة.

 أمواج بحر عاتية وغرقى يمدون أيديهم خارج الماء،عاصفة مدمرة وفيضان وأشجار متكسرة وبيوت غارقة، شوارع ومنازل متداعية ومتهدمة في قصف مجهول، قوافل من النازحين والمهجَّرين في حالة جوع وبؤس وشقاء، أحد مشوهي الحرب رجله مقطوعة يسير بعكازتين، ثيابه ممزقة،  يتناول كيساً من بين أكياس مصفوفة ويضعه على كتفه، يتناول عكازتيه ويسير، من الواضح أنه حمال في ورشة. مجموعة من الناس تتجمع أمام باب الفرن، صف من الناس ينتظرون دورهم للحصول على ماء للشرب، سجناء في الزنزانات يمسكون بقضبان الباب والنوافذ.

الصورة الأخيرة طائر وقد انطلق من باب القفص محلقاً.

     
    – 7-
     
    (إضاءة

حياة تخرج من المطبخ وهي تحمل صينية صغيرة عليها الشاي والإفطار: قطعة كاتو، لفافة جبنة، تضعها على الطاولة وتجلس منتظرة.

تخبو الأنوار، دخان خفيف في عمق المسرح يظهر خلاله شبح زوجها شاباً)

الزوج : تأخرتِ كثيراً في إحضار الفطور يا حياة.
حياة : (تلتفت فتراه) أنت ذهبت لحفل تخرج حفيدنا ولم تعد.
الزوج : بل عدتُ فوجدتك في سباتك الكوني.
حياة : (تبتسم) حسن، ألست جائعاً الآن.
الزوج : شكراً.. أنا الآن في مكان لا أجوع فيه ولا أظمأ ولا أعرى، نحن كائنات من نور وهواء.
حياة : ليتني أصير مثلك.
الزوج : هذا يحتاج إلى الهمَّة، والهمَّةُ في العشق، والعشق زاد المسافر.
حياة : وما الذي جاء بك الآن، وكيف؟
الزوج : تعلمين أني أحبك، والعشق لا يعرف البرازخ والحواجز. تعالي يا حياة فأنا أشعر بالوحدة والوحشة من دونك. ونِعّم الرب علينا كثيرة، ولكنها لا تمنحني السعادة والرضا إلا بوجودك.
حياة : بودي أن آتيك فقد اشتقت لك (مداعبة) وبخاصة وأنك عدت شاباً.
الزوج : أنا أعيش في مجتمع يعود فيه الشيوخ شباباً، لا وجود لشيخوخة هنا.
حياة : في الروح والجسد؟
الزوج : الروح هواء ونور، لا الهواء يشيخ ولا النور.
حياة : والأطفال المفارقون؟
الزوج : الأطفال المفارقون يبقون أطفالاً، إنهم في مرتبة أعلى منا وأجمل، يتلاعبون، يتضاحكون، يثرثرون بأصوات كالموسيقا.
حياة : شوقتني للرحيل، أتعلم ما أعاني هنا؟
الزوج : أعلم، جسدك في شباب وروحك في شيخوخة، تعالي يا حياة وتجددي، تخلصي من البِلى، إن في العبور الذي يخاف منه المرء لذّة لا تعادلها لذة حيث يشعر المرء بأنه يتخفف من كل أثقاله.

هل أصفُ لك العبور؟ (تهز رأسها أن: نعم)

كان الأطباء في احتضاري يحاولون إنقاذي. كانت روحي تغادر جسدي وتخفق بجناحيها فوقه، خفيفة لطيفة سعيدة، وعندما كان الأطباء يعطونني حقنة الحياة لأستمر ويعود النبض كنت أصرخ: لا.. لا تفعلوا ذلك، أنا سعيد الآن. لكنهم كانوا لا يسمعونني ومع الحقنة تهبط روحي من جديد فيتشبث بها الجسد وأثقُل.

كنت أرى، وروحي مفارقة مرتفعة فوق الجسد، كلَّ شيء: شريطَ حياتي، وأعبر الجدران فأرى ما يحدث في المستشفى، وأرى الممرضة تسرق أدويتي وتخبئها في محفظتها خلف الجدار، وأرى أحداثاً كونية قديمة وأخرى لم تحدث.. يا لتلك اللحظات الرائعة.

تعالي يا حياة وتجددي، هنا عالم آخر حافل بالمباهج.

حياة : كيف ؟ وتعلم أني لا أستطيع. كانت تلك العشبة التي تناولتها لعنة عليّ.
الزوج : بل تستطعين، ابحثي عن عشبة الموت في المكان الذي عثرت فيه على عشبة الحياة.
حياة : وكيف أعرفها؟
الزوج : ستجدين من يدلُّك عليها، أو يهديها إليك.
حياة : أهو أنت؟
الزوج : لا تسألي أكثر من ذلك.. وداعاً وإلى لقاء.

(يختفي شبح الزوج)

    (حياة تحمل صينية الإفطار من غير أن تتناول منها شيئاً وتتجه نحو المطبخ لتعيدها)
حياة : أصبح الصيام أحلى.. يا للعشق! هناك أمل.. أي شعور بهيج يتملكني!؟

(إظلام)

   
    – 8 –

المشهد الأخير

     
    (إضاءة شبه ظلية، أو بين الظلال والنور، المسرح خال. وسط المسرح حياة في ثوب عرسها الأبيض تجلس على ركبتيها وظهرها للجمهور.

تضاء الشاشة ويعرض عليها مشهد حياة بالصورة التي هي عليها في المسرح وكلبها بجانبها باسط ذراعيه على الأرض.

في أعلى التل الرجل الأخضر يظهر من جديد وفي يده رمحه الطويل الأخضر يغرسه بجانبه في الأرض، ، يرفعه ويشير به إليها فيلتمع من شعبه الثلاث البرق.

تنهض حياة ويتبعها كلبها ويبدأان البحث بين الأعشاب. الكلب يتوقف أمام عشبة معينة وينبح، يأخذ قضمة منها، فيترنح ويموت.

الرجل الأخضر يدير ظهره ويعود راجعاً ثم يختفي.

تطفأ شاشة العرض)

    (ترتفع الإنارة في المسرح، حياة تنهض، تلتفت نحو الجمهور وفي يدها بقية عشبة الموت، من الواضح أنها قضمت أوراقها ولم يبق إلا بعض العيدان)
حياة : حان الآن موعد العرس.
    (حياة تبتسم، تتجه نحو السرير وتضطجع، وتموت).
   
    – ستارة النهاية –
     
    حلب

الاثنين 8 صفر 1441

7/10/2919

 

* مدافع نفارون هي رواية من تأليف الكاتب الاسكتلندي ألاستير ماك لين، تدور أحداثها في اليونان خلال الحرب العالمية الثانية. مجموعة من الجنود الإنكليز يحاولون اختراق خطوط الدفاع الألمانية في جزيرة يونانية تسمى نفارون تقع قبالة الساحل التركي، وتتمركز عليها مدفعية ضخمة تهدد سفن الحلفاء.

* بنات العشرة اللواتي تجمعهن صداقة حميمة يحنين رؤوس الخناصر . تقول الأغنية الفولكلورية:

يا ويلي ويل قمّعت** روس الخناصر قمَّعت

صارتلي شيخة وتسمَّعت**نسيت زمان الأولِ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock