الناقد أحمد بلخيري يكتب: الخيبة والشعوذة في مسرحية “خيبانة” بلمسات الإخراج التليفزيوني

مقاربات نقدية للدورة السادسة من مهرجان بلد الصمود الدولي بالعراق 2020

المسرح نيوز ـ  مقالات ودراسات | القاهرة

ـ

أحمد بلخيري
عنوان هذه المسرحية التي عرضت قبل قليل في صفحة مهرجان بلد الصمود الدولي في الفايسبوك هو “خيبانة”. وهي من تأليف وإخراج المخرج المسرحي السوري المرحوم محمد قارصلي. من الناحية اللغوية نلاحظ العلاقة الصوتية الموجودة بين “خيبانة”، و”خاب”، وخيّب”، و”الخيبة”. يشترك الفعلان “خاب” و”خيّب” في كونهما معا يدلان على الحرمان والمنع . ولكن يختلفان في السبب الذي أدى إلى هذا الحرمان والمنع. فعل “خاب” يدل على من يعود عليه الضمير اي “لم ينل ما طلب”، وقد يكون هو السبب في ذلك. أما فعل “خيّب”، فيقتضي وجود طرفين كان أحدهما سببا في خيبة الثاني أي في حرمانه. و”الخيبة” هي عدم تحقيق ما كان يُرجى.
ولا يخرج اسم الشخصية الرئيسية في مسرحية “خيبانة”، وكذلك الأحداث المسرحية، عن هذا المعنى أي الحرمان. المسرحية هي من أداء الممثلة مريانة حداد، وهي الممثلة الوحيدة التي ظهرت على الركح، وقد قدم لها ممثل غير ظاهر على الخشبة المسرحية مساعدة محدودة مثل تقديم إحدى قطع الديكور. إذن نحن أمام مونودراما محورها هو “خيبانة”. لذا، فإنها كانت هي الشخصية الرئيسية في المسرحية من البداية إلى النهاية. لكنها لم تكن الشخصية المسرحية الوحيدة، فقد كانت تحاور عبر التلفون شخصيات أخرى تطلب مساعدتها بمقابل مادي. واستحضرت عبر الذاكرة شخصية أخرى.
هذه الشخصيات الأخرى، عدا الشخصية المسترجعة عبر الذاكرة، يمكن التعرف على حاجاتها من خلال رد خيبانة عليها، كل على حدة، في التلفون. هذه الأخيرة تمارس الشعوذة. لذا، فقد كان أول ما ظهر، وتم تسليط الضوء عليه في المسرحية، هو لوازم الشعوذة الموضوعة فوق طاولة صغيرة توسطت الخشبة المسرحية. من بين ما كان فوق هذه الطاولة المبخرة، والبخور، والشمعة. ثم ظهرت “خيبانة” وهي تتدحرج بلباسها الأسود وأكسسوارته، ومن بينها الخيط المدلى من شعر رأسها. يمكن تقديم تفسير لهذا السواد وهذا التدحرج بناء على أحداث المسرحية برمتها.
خاطبت في بداية الحوار المسرحي “خيبانة” المكنسةَ، وقد كان لهذه الأخيرة صوت. ويُفهم من الحوار أن “خيبانة” تخاطب “الجن” و”مَلَكَ الجن”. في عالم الشعوذة هذا كان الحديث عن رخصة السحر والمساومة والتفاوض حول سعر الخدمة، خدمة الشعوذة. في هذا الإطار، تدخل الأوراق النقدية التي ظهرت مرارا في العرض المسرحي. وبطبيعة الحال، فلهذه المشعودة زبناء منهم موظفون وإداريون…ومنهم “رفيق” بشرته بالنتائج الإيجابية للتحقيق.
ورغم أن الأحداث المسرحية مركزة على الشؤون الذاتية لخيبانة، فقد تم سماع نشرة الأخبار عبر المذياع الذي تم تشغيله. وكان مما تم سماعه الجولان، القانون الدولي، قرارات الأمم المتحدة، التفجيرات في العراق. لكن ما هي العلاقة بين هذه الأخبار والموضوعة Le thème الرئيسة أو الرئيسية في المسرحية؟. وما علاقة المذياع بفضاء الشعوذة؟.
هذا، وقد كان الفضاء الذي جرت فيه الأحداث المسرحية فضاء واحدا داخليا من البداية إلى النهاية. كما أن الديكور كان في ديكورا ثابتا. هذا علما بأن “خيبانة” تعاملت حركيا مع بعض الأكسسورات مثل المكنسة، والأكسسوار الذي قدمه لها ممثل لم يظهر على الخشبة لأنه كان في الكواليس. لكن هذا الفضاء الداخلي كان يُفتح عن طريق باب على فضاء خارجي بعد دق هذا الباب. من خلال هذا الباب الفاصل بين الفضاءين، تلقت “خيبانة” ظرفين في زمنين مختلفين من زمن العرض المسرحي. كانت محتويات الظرفين تتعلق بالمطلوب من “خيبانة” من لدن بعض زبنائها. ومما هو مطلوب ما له علاقة بالزواج والطلاق…مطالب تكشف عن أماني ورغبات، وكذلك عن انكسارات. وقد دعاها أحد زبنائها إلى الغذاء، وهو سلوك قد يُفسر تفسيرا ليست له علاقة بالشعوذة.
الملاحظ هو أن “خيبانة” في المشهد الأول كانت تمارس طقوس الشعوذة وقد وضعت على رأسها غطاء بنفسجيا. لكنها مارست هذه الطقوس بعد نزع هذا الغطاء والرداء الأسود الطويل الذي ظهرت به في المشهد الأول.
هذا اللباس تغير إلى لباس عصري متناسق الألوان بعد أن نزعت عنها الشعر المستعار. وقد رددت مرة بأنها الأحلى في العالم. كما أنها أفصحت عن مشاعرها الداخلية وعنايتها بذاتها. هذا اللباس تغير مرة أخرى وأخيرة. كان هذا التغير مصاحبا للدمية التي أمسكتها بعد أن تدلت هذه الأخيرة.
ويمكن تقسيم هذه المسرحية، إجرائيا، إلى ما قبل الدمية وما بعد الدمية. تتعلق الأحداث المسرحية بما قبل الدمية، بعالم الشعوذة بعد أن بلغت “خيبانة” سنا معينا، وبعد تجربة مريرة في الحياة. أما ما بعد الدمية، في المسرحية، فقد كانت الطفولة وما بعد سن الطفولة هما محور الأحداث المسرحية فيه. وقد كان للذاكرة، ذاكرة “خيبانة”، دور في هذا. إذ عبرها تم استحضار ماضي هذه الشخصية المسرحية.
في هذا الإطار تذكرته، أي ذلك الذي حرك مشاعرها. دقات قلبها جعلتها لم تنم بالليل، وفي الصباح كانت مبسوطة، والجو جو الشعر والقصيدة، وهو يحكي لها عن نفسه وهو يدخن، لكنه اختفى فجأة. فكان الشعور بالألم والبكاء، في المشهد الأخير، والخيبة بعد أن “خيَّب” أمالها. وقد قالت إن الحب هو الذي خرب بيتها، وهو الذي جعلها شريرة لا تهمها “إلا المصاري”.
هكذا قدمت هذه المونودراما حالة شخصية “خيبانة” ومواجعها، وممارستها للشعودة، والتحول الذي طرأ عليها بسبب الخيبة. وقد تخللتها أحداث قليلة جدا لها علاقة بالشأن العام، تبدو مقحمة في العرض المسرحي. وقد تحركت هذه الشخصية المسرحية في يمين، ويسار، ووسط الخشبة المسرحية. وقد كانت في يمين الخشبة قطع ديكور تختلف عن قطع الديكور الموجودة في يمينها. أما وسطها ومقدمتها، حيث تركزت الإضاءة المسرحية، فقد كانا مخصصين لممارسة الشعوذة، فكان البخور، والشمعة، والسبحة، والمبخرة، وحركات الشعوذة وطقوسها. ولم يغب الإخراج التلفزيوني عن هذا العرض المسرحي. فقد تم تقديم لقطة تبدو واضحة فيها لمسات الإخراج التلفزيوني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock