إصدارات

ملخص كتاب “مسرح الدمى” دلالات سيميائية تربوية ـ لمؤلفته العراقية د. زينب عبد الأمير


المسرح نيوز ـ العراق| عبد الله جدعان
ـ
صدر للدكتورة زينب عبد الأمير كتابها الهام تحت عنوان “مسرح الدمى” دلالات سيميائية تربوية. ونظرا لأهمية الكتاب يقدم موقع “المسرح نيوز” ملخص الكتاب لتعم الفائدة للمهتمين.

غلاف الكتاب
“كان وما يزال المسرح من أهم أشكال التجسيد الفني لتمظهرات الحياة وإفرازاتها في الواقع الاجتماعي، والبيئي، والسياسي، والثقافي عبر سيرورته الإبلاغية التي تحمل في ثناياها أبعاداً معرفية، وأخلاقية، وتربوية، وجمالية، وإمتاعية… في إطار العلاقة الحية المباشرة والآنية بين منظومة العرض المسرحي على خشبة المسرح وبين المتلقي من جهة، وفي إطار طبيعته الشمولية التي تجعل منه مرتعاً لالتقاء العديد من الفنون المكانية، والزمانية، والزمكانية معاً من جهة أخرى. وهذا بدوره يسهم في تنمية الخبرات النفسية، والحركية، والوجدانية، والمعرفية لدى المتلقي لاسيما الطفل، ذلك الكائن الذي يُعد من أهم شرائح المجتمع، والذي يُعنى مسرح الطفل بوصفه وسيطاً تربوياً تعليمياً ببنائه، وترسيخ القيم الأخلاقية النبيلة، والمضامين التربوية، والتعليمية، والجمالية لديه عبر دلالات تربوية تنتجها المنظومة العلاماتية للعرض المسرحي بشقيها البصري والسمعي في جو يسوده الإمتاع، والإقناع، والتأثير البعيد عن أسلوب الوعظ المباشر.
ومع أن العروض المسرحية المقدَّمة للطفل بطبيعتها زاخرة بكل ما من شأنه أن يخلق عالماً بهيجاً متألقاً ممتعاً بقيمه التربوية والجمالية التي تتجسد دلالاتها عبر أنساق العلامات البصرية والسمعية التي تشمل (الشخصية، والإضاءة، والأزياء، والمنظر المسرحي، والماكياج، والحوار، والموسيقى والأغاني، والمؤثرات الصوتية)، إلاَّ أن هذه الأنساق المشتغلة داخل العرض المسرحي لا تنتج دلالاتها بوصفها أنساقاً منفصلة لكل منها دلالاتها القصدية فحسب، وإنما بوصفها أنساقاً علاماتية مركبة متفاعلة مع غيرها من الأنساق، إذ تستمد قوتها الإبلاغية والدلالية على وفق قواعد اشتغال المسرح، وضمن سياق درامي علاماتي موحَّد. يُعد مسرح الدمى من الأشكال الفاعلة والمؤثرة والمهمة في المسرح بشكل عام ومسرح الطفل بشكل خاص، وله مكانة كبيرة حظي بها لدى العديد من الدول العربية والأجنبية. فلعروضه المسرحية تأثير كبير على الطفل بما تحتويه من عناصر جذب تأتي الدمية في مقدمتها كونها تلازم مخيلة الطفل في مختلف مراحله العمرية، فهو يقضي معها أوقات طويلة منذ مراحل طفولته الأولى، وعندما يراها في المسرح كائناً حياً يتحرك ويتكلم ويرقص، فنجده يتعامل معها على هذا الأساس، ويقبل ما يقال على لسانها برضى بالغ سواء أكانت دمية قفاز، أم دمية عصي، أم دمية ماريونيت، أم دمية خيال الظل، أم دمية ممثل، أم أي نوع آخر تبعاً للإمكانات المادية المتوافرة، لذا فهي من أهم الأنساق العلاماتية الباثة، وأكثرها فاعلية مع مدركات المتلقي (الطفل) من خلال تضافرها ضمن المسار السيميائي مع الأنساق العلاماتية الأخرى لمنظومة العرض المسرحي. وعلى الرغم من أهمية وخطورة الدور الوظيفي لمسرح الدمى،
إلاَّ أن عملية ترجمة نصوصه المسرحية ترجمة إخراجية سيميائية عبر تحويلها إلى منظومة علاماتية (بصرية، وسمعية) على خشبة المسرح، تُعد من المهمات المعقدة التي تتطلب من المنتج الدلالي المتمثل بالمخرج والمصممين، خبرة ومهارة عالية في التوظيف للمفهوم السيميائي-الدلالي في المسرح عند انتقاله من نظام العلامات اللغوية (اللسانية) في النص إلى نظام علاماتي بصري-سمعي في العرض يراعى فيه مستوى مدركات المتلقي (الطفل) ومعجم شفراته لتشكيل أنساق علاماتية بصرية وسمعية تمتلك دوالها طاقة تحفيزية عالية لاستدعاء المدلولات المقصودة في ذهن المتلقي، فتنتج دلالات تربوية بخصوصيتها القصدية الموجَّهة، ومن دون هذه الخبرة قد يلجأ المنتج الدلالي إلى تشكيل دلالات غير تربوية عبر أنساق علاماتية ذات طاقة تحفيزية منخفضة على مستوى الدوال، تُحيل إلى مرجعيات معرفية وثقافية لا تتلاءم ومستوى النمو العقلي واللغوي للمتلقي،
وهذا بدوره يُحدث خللاً في المسار السيميائي بين الباحث والمتلقي بوصفهما الأساس في العملية التواصلية، فالتدليل المسرحي الموجَّه للمتلقي (الطفل) لاسيما في عروض مسرح الدمى هو عملية مركبة ومعقدة لا يمكن الإمساك بها بسهولة، فهو إلى جانب استناده إلى العناصر الأساسية التي توفرها العلامة بوصفها مادة تقوم بوظيفتها في الإبلاغ وإنتاج الدلالات، يفترض ذاتاً خاصة (المخرج أو المنتج الدلالي) تقوم بإنجازه، وهذا يعني استحضار مخزون ثقافي آخر (مخزون المتلقي الطفل) تأتي به هذه الذات في أفق تحقيق الدلالة المقصودة الخاصة. ولأجل تحقيق ذلك، تناولنا حقلاً خاصاً بعلم السيمياء سُمي بـ(المقاربات السيميائية) اعتمدنا فيه على الأسس النظرية السيميائية للعديد من المنظرين في هذا المجال لاسيما (بيرس) و(بارت) و(إيكو) وغيرهم، فضلاً عن أسس النموذج السيميائي لـ(موريس) والذي جمع فيه بين ثلاث مكونات أساسية في علم العلامة وهي:
1- المكون التركيبي: ويشمل العلاقة الشكلية بين حاملي العلامات (الدوال)،
وقد أطلقنا عليه بـ(المستوى التركيبي لدوال النسق العلاماتي).
2- المكون الدلالي: ويشمل العلاقة بين الدوال ومدلولاتها في النسق العلاماتي. 3- المكون التداولي: ويشمل العلاقة بين النسق العلاماتي والمؤول (المتلقي) في ضوء السياق المولد له.
كما أفرزنا ضمن هذا الكتاب حقلاً معرفياً يُعنى بسيميائيات نص العرض المسرحي، وقد أطلقنا عليه اسم (سيميائيات المسرح)، إذ يمثل المحور الأساس الذي انطلقنا منه في تعرّف الخصائص الرئيسة للعلامة المسرحية ووظائفها واصنافها داخل العرض المسرحي والذي أسهم في بناء مسارات معرفية ومنهجية ضمنت فهم أغلب مكنونات العرض المسرحي عامة. ومن ضمن ما تعرَّضنا إليه أيضاً في متن هذا الكتاب، الخصائص النمائية (المعرفية واللغوية) للطفل في حقل سُمِّي بـ(مقاربات تربوية – تأسيسية)، ذلك أن إدراك دلالات الأنساق العلاماتية –ضمن السيرورة العلاماتية لنص العرض المسرحي الموجَّه للمتلقي (الطفل)- يرتبط بسلسلة من العمليات العقلية غير المرئية التي يمارسها المتلقي (الطفل) بوصفه محوراً أساساً في عملية تشكيل سيرورة التدليل الإبلاغية (البصرية والسمعية) التي يضطلع بها المنتج الدلالي المتمثل بالمخرج إلى جانب مصممي عناصر العرض المسرحي.
ولأن صلب موضوع هذا الكتاب يتمحور حول مسرح الدمى لاسيما عروضه بشقيها البصري والسمعي، فقد أفردنا حقلاً معرفياً في هذا الجانب أطلقنا عليه اسم (مسرح الدمى-أهدافه، ومقوماته، وعناصره) نظراً للخصوصية التي يتمتع بها هذا النوع من المسرح على مستوى مقوماته وعناصره (البصرية والسمعية) المسرحية. كما أفردنا حقلاً معرفياً آخر تحت مسمى (الأنساق العلاماتية في عروض مسرح الدمى ومعاييرها التربوية) والذي مثَّل خلاصة ما تمَّ التوصل إليه من تصورات في ضوء سياق الحقول المعرفية التي سبقته، إذ تصدينا فيه للعناصر الفنية البصرية والسمعية في عروض مسرح الدمى (بوصفها أنساقاً علاماتية مسرحية) وفقاً للمنهج السيميائي، في محاولة لتسليط الضوء على البنية العلاماتية لتلك الأنساق، واستخراج معاييرها التربوية على وفق الخصائص النمائية (العقلية واللغوية) التوافقية للمتلقي (الطفل).
وقد عضدنا هذا الكتاب بتحليل معمق لنموذجين تطبيقيين من عروض (المهرجان العالمي لفن العرائس بنابل-تونس) بدورتيه الأولى والثانية على وفق المنهج السيميائي في حقل سمي بـ(تطبيقات سيميائية)، وذلك نظراً لأهمية هذا المهرجان في كونه أحد المهرجانات المهمة والنادرة في تخصصها على المستوى العربي، والعالمي، إلى جانب كونه مهرجاناً نوعياً ينطوي على عروض مسرح دمى متنوعة في أشكالها ومضامينها، وذات مستوى فني احترافي متقدم، ذلك أنها كانت قد خضعت للفحص والمعاينة الفنية قبل انعقاد المهرجان من قبل لجنة مشاهدة مختصة في مجال مسرح الدمى، وهذا بحد ذاته يعد من أهم المسوغات لاختيار هذا المهرجان بدورتيه الأولى والثانية. كما أردنا من خلال كتابنا هذا أن نكشف عن مدى تحقق الدلالات التربوية في سياق المنظومة العلاماتية المسرحية (البصرية والسمعية) لعروض هذا المهرجان على وفق المنهج السيميائي من خلال تصميمها لثمان أدوات تحليلية خاصة بعروض مسرح الدمى،
وهذا بدوره يفيد في رسم وتحديد سياقات منهجية تحليلية وأكاديمية لعمل اللجان التحكيمية في المهرجانات المسرحية –لاسيما تلك التي تختص بعروض مسرح الدمى- بما يسهم في تطويرها على مستوى الإعداد والتنفيذ، فضلاً عن إفادة العاملين في مجال مسرح الدمى من مخرجين وتقنيين ومصممي دمى، إذ يقف هذا الكتاب وقفة منهجية تحليلية من منظور علم العلامات أمام نتاج قراءات المخرجين والمصممين لنصوص مسرحية والمتمثلة بعروض مسرح الدمى، وهو بدوره يسهم في تشخيص مكامن الضعف والقوة في بناء الأنساق العلاماتية للصورة البصرية والسمعية على خشبة المسرح، كما يفيد المؤسسات الحكومية المعنية بتربية وثقافة الطفل فيما يتعلق بكيفية إنتاج دلالات تربوية للطفل لا على صعيد العرض المسرحي فحسب، وإنما على صُعُد فنية أدائية أخرى مثل السينما، والرسم، والموسيقى… انطلاقاً من شمولية علم العلامات بوصفه علماً معنياً بدراسة جميع أنظمة التواصل، لغوية كانت أم غير لغوية.
وأخيراً، نود أن نعرِّج على موضوعة مهمة واساسية لها جذورها العميقة الممتدة منذ آلاف القرون ألا وهي (الدُمية) بوصفها إحدى مبتكرات العقل الإنساني وإحدى مرتكزات الإنتاج الوجداني والثقافة الشعبية للشعوب. ولعل أبرز التحولات الوظيفية والدلالية للدمية هو التوظيف الدرامي والمسرحي لها فيما يُعرَف بـ(مسرح الدمى) وهو فن أدائي قائم بذاته له أصوله وقواعده وطرقه الخاصة في إنتاج الدلالات التربوية. وبهذا نكون قد أفصحنا عن أهم المسوغات التي دفعتنا لتأليف هذا الكتاب، والذي نرجو من خلاله أن نكون قد وُفِقنا في تسليط الضوء على مسرح الدمى بوصفه وسيطاً فنياً-تربوياً والأكثر جذباً للأطفال، لأنه يوظف الدمية بطريقة مشوقة وممتعة، تلك الدمية التي تمثل الشخصية الدرامية بوصفها نسقاً علاماتياً مركباً (ببعديها المادي والفكري) إلى جانب الأنساق العلاماتية الأخرى والتي تتظافر معاً لإنتاج دلالاتها ضمن سياق علاماتي موحد، ألا وهو العرض المسرحي.
 

 


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock