الناقد أحمد جبار غرب يكتب عن عرض “مانيكانات لفاروق صبري”: القيم الجمالية وإنفعالات الدهشة جدوى العرض المسرحي

المسرح نيوز ـ بغداد | أحمد جبار غرب*
ناقد عراقي
ـ
في البدابة هناك سؤال حيوي يجب أن نطرحه دائما ماذا يريد المتلقي او المشاهد من العرض المسرحي او الجدوى ألمسرحية من العرض ؟ قطعا هو يبحث عن صور جمالية وقيم وانفعالات متمثلة بالدهشة والشد والجذب وان يكون هناك حوار وتخاطب بين الممثل والمشاهد تتجسد بالحركة والمشهد والفعل وإجابات يبحث عنها بشكل جمالي وان يكون المشاهد هو موضوع العرض حتى يتفاعل مع العرض وينسجم مع الابطال او الضحايا
واعتقد ان ما شاهدته في مسرحية مانيكانات قد توفر على تلك الشروط وقد حاز على نسبة من النجاح لا اريد ان اخوض بالفكر او الرؤية الشخصية للمخرج. ولا اريد ان ادخل في اعماق ذاته وأفتش عما يخبئه وما يريده المؤلف من وراء هذا العرض لكني ايقنت ان العرض قريب جدا من الواقع وان كانت هناك رمزية دلالية توخى منها المخرج والمؤلف لكي يخرج من دائرة الاستنطاق والتحقق وما وراء تلك الشخصيات في سلبياتها وايجابياتها ولاسيما ونحن نعيش واقعا قلقا لا يستأمن فيه المثقف والمواطن عموما وهناك دائرة رعب تحيط بنا من كل جانب والعرض الذي تفاعلنا معه عرض جريء وطموح يبحث عن استلاب الانسان وقهره ومحاولة تدجينه أفكاره وشخصيته وهو لا يخضع لحركة الزمان والمكان ابدا انما استشراق ما هو واقع في البيئة الانسانية مع اشارات حاول المخرج دسها ترمز لواقعنا المفعم بالسوداوية والقهرية لكني اراها في كل المجتمعات وربما يوصم هذا العرض بالسلبية والخروج عن المألوف من جهات كثيرة وحتى نخبوية ترى رؤية معينة تجاه العرض في دلالاته ومعطياته هذا فقط استهلال في فهم العرض المسرحي.
وقد عقدت جلسة لمناقشة العرض المسرحي (المانيكانات) وهو من إخراج فاروق صبري وتأليف صباح الانباري وتمثل ميلاد سري وطه المشهداني وحقيقة ان اي رأي سلبي او ايجابي يصب في مصلحة العرض المسرحي لأنه يثير جدلا وتساؤلات وهذا يعني انه ذا قيمة , البعض ينظر لها من خلال تلسكوبه الخاص والآخر من رؤيته المغايرة لتلك القيمة ومما يلفت الانتباه هناك من تكلموا حاولوا الخروج من دائرة العرض الى شواغل اخرى ىتتعلق بثقافة المتلقي ووعيه اتجاه العرض المسرحي لكن هذا لا يؤدي الى تكسير العمل وإجهاضه فالإعلام عليه مسؤولية اخلاقية كبيرة في نقل التجربة المسرحية للقارئ .
التقاط صور واعتقد ان (جقجقة )الهواتف لالتقاط الصور لا تفسد العرض المسرحي في ان ينقل بالصورة ما يريد ان يدونه كتجربة مسرحية ولا يمكن لأحد مصادرتها طالما ان العرض قائم ومجسد ومتابع من قبل الجمهور والبعض تكلم بأنصاف انه علينا ان نترك الشخصنة في نقدنا وان نشجع التجربة حتى وان لاحت فيها بعض الجوانب السلبية ووعي الفنان اكبر من ان يحاول امتصاص نجاح العمل بتخريجات تنسحب عليه لان العمل المسرحي ليس ملكا للمخرج والمؤلف بل هو ثراء فني تعود ملكيته للمسرح العراقي عموما الذي يشهد نجاحات متحققة على الساحة العربية والدولية وأيضا لجمهوره العريق, المسرحية هي جزء من ذاكرة الجمهور فنحن لا ننسى اعمالا عراقية عظيمة لازالت تتألق في ذاكرتنا ولا يمكن ان تمحوها السنين لأنها تشكل جزءا من وعينا وثقافتنا والبعض يريد ان يتصيد في دائرة ضيقة لتسفيه العمل كونه لا يمثلنا او لا يمثل الانموذج العراقي
وقد اشار المخرج وحسب ما اوحى لنا العرض المسرحي ان المخرج قد ابتعد عن الزمان والمكان وهو ما صرح به في الندوة وان حكاية الجلاد والضحية هي حكاية الطغاة مع شعوبهم المقهورة بفعل ساديتهم في اللذة في تعذيبها وشعبنا جزء من هذا العالم والبعض لازال يعيش المقدس والمدنس في دواخله وان اختلفت الصورة من انعطافة روحية او ميثولوجية الى صورة رمزية
فالشعب دائما هو المقدس ولا يمكن ان يمسه احد بسوء وتلك رؤية لها الاحترام والتقدير وأنا هنا اتساءل ومن حقي فالشعب كلمة فضفاضة ينسحب عليها الغث والسمين وحركة نضال الشعوب دائما تقودها النخب الثورية والوطنية الواعية بمستقبلها وتطلعاتها او ما يسميه البعض الطلائع الشعبية وهي القوى السياسية الفاعلة فيه هي من تحدث التغيير الجذري بتحريك الشارع وتحريض المجتمعات لتكون المحصلة للشعب والشعب فيه اللصوص والدجالين والبغي والمجرمون وقطعا هذه الفئات هي اقلية لكنها من صلب الشعب شئنا ام ابينا وكلنا يتذكر ان اغلبية الشعب العراقي قد صفقت للطغاة سواء بقناعة او بإكراه لكن الفعل قد حصل ولا ننسى العملية المخجلة والتي قامت بها شراذم محسوبة على الشعب العراقي بسرقة ممتلكات الدولة ومؤسساتها وما سميت تلك العملية (بالحوا سم)ابان عملية التغيير التي حصلت بالفعل الخارجي وليس بالفعل الشعبي وهناك من نظر للعملية الجنسية العنيفة من قبل السادي للضحية فيه تضخيم ومبالغة كونه خارجا عن المألوف
وهذا انطباع خاطئ كان يجب ان تقتحم تلك الابواب ان نفتح النوافذ لا ان نوصدها وهنا الفعل الجنسي ذو رمزية دلالية تثبت لنا ان الطغاة المتجبرين ساديون في قهر شعوبهم وإذلالها. قوى سوداء وهناك حقيقة يجب ان نؤمن بها اذا كنا نخشى التابوات فلا يمكن ان ننجح يجب اختراق كل ما هو غير مألوف في حياتنا وهذا ما يجرنا للمقدس والمدنس والذي يعطي المبررات للقوى السود ان تلعب لعبتها في تمرير افكارها والسيطرة على شعوبها وليس كل فعل جنسي حتى وان كان غير رمزي الدلالة هو مدنس ومنبوذ كون مجتمعاتنا وتقاليدنا تدينها وعلينا احترامها اذن من هو صاحب التغيير ومن يغير الواقع اذا كنا انهزاميين امام تلك الموجات او التابوات المقفلة ومن يتذكر الممثلة العالمية فانساريد كريف عندما ظهرت عارية في عملية جنسية في فلم الانفجار في اوائل الستينات لم يكن الهدف جنسيا محضا وإنما النظر لقضية الكبت والحرمان الجنسي وما يترتب عنها من احباط وتآكل ذاتي في النفس البشرية رغم ان العملية الجنسية هي عملية مقدسة بحد ذاتها لحفظ النوع والاستمتاع كضرورة حياتية وانسانية.
ولكن ان نستغل الجنس لأجل اهداف تجارية والاثارة هو العيب وهو السلبي في العملية لا نحط منها ومن حسيتها و حيويتها عموما الندوة التي جرت على مسرح الرافدين وشارك فيها مسرحيون ومثقفون وإعلاميون قد اثرت العمل وسلطت الاضواء على جوانب العمل السلبية والايجابية ومن وجهة نظر المتحدثين وهذا بحد ذاته نجاح للمسرح العراقي وللمخرج لأنه اثار جدلا في ان تناقش تجربة مسرحية لمخرج عراقي طموح اتى من بلاد بعيدة ليمتعنا بتجربته وعلينا ان نحفزه لعمل المزيد من الابداع وان نشجعه وان ننتقد بموضوعية وليس وضع العصا في الدواليب.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock