مسرح طفل

حصريا.. الكاتب السوري أحمد اسماعيل اسماعيل يكتب: سلسلة “مملكة المسرح”.. (16) خيال الظل.. ظلالنا تنفصل عنا وتحاكينا


المسرح نيوز ـ القاهرة| مسرح طفل

ـ

الكاتب أحمد اسماعيل اسماعيل

سوري مقيم في ألمانيا

 

خيال الظل

ظلالنا تنفصل عنا وتحاكينا

 

 

ما من شيء في الطبيعة بلا فائدة.

حتى ظلال الأجسام التي قلما تثير انتباهنا، استطاع الإنسان بعقله اليقظ الاستفادة منها بتحويلها إلى فن جميل هو فن خيال الظل.

وهذا الفن هو ظل دمية على شاشة خاصة بعد تسليط الضوء عليها، فيظهر ظل الأشكال المسطحة للدمى الصغيرة: الرأس والجسم والأطراف. يحركها بعصا صغيرة وينطق بدلاً عنها لاعب يدعى المخيال، يكون متوارياً خلف الستارة البيضاء.

وخيال الظل فن قديم، يعود بنشأته الأولى إلى بلاد الهند حوالي القرن الأول قبل الميلاد.

أما الظهور الحقيقي لفن خيال الظل في الوطن العربي فقد كان في بغداد على يد طبيب العيون محمد بن دانيال الموصلي الذي عاش بين عامي 1248-1311 ميلادي، وقد ترك لنا ثلاث مسرحيات من تأليفه.

اشتهر فن خيال الظل باسم (كراكوز وعيواظ)، واتخاذه هذه التسمية يعود إلى الشخصيتين الرئيسيتين فيه: كراكوز وعيواظ، وهما من أصل تركي: كراكوز وتعني بالتركية العين السوداء، وأما عيواظ أو حاجي واط، فتعني الخادم المسؤول عن مطبخ السلطان، وهما شخصيتان مرحتان حقيقيتان ظهرتا في عصر السلطان أورخان (1326-1399) ميلادي. فانتشر أسلوبهما ونمطهما وساد في البلاد العربية والإسلامية، الأمر الذي جعل الأتراك ينالون شرف تطور هذا الفن ونشره.

في القرن التاسعَ عَشَرَ، شهد خيال الظل أوسع انتشار له في بلاد الشام فحظي بجماهيرية واسعة، واستطاع المخيال أو الكراكوزاتي الشامي أن يضيف إليه كثيراً بما كان يقدمه من حكايات وأغان وحكم وأمثال وتسلية لرواد المقاهي في ذلك الزمن، إضافة إلى شخصيات جديدة غير كراكوز وعيواظ مثل: المدلل وقشقو وأم شكروم وشعيط وبعيط.. إلخ.

الحكاية في هذا الفن كانت تسمى بالبابة أو الفصل. يقدم الكراكوزاتي أو المخايل أثناءها لعبة أو مناماً أو طرفة، إضافة إلى الأغاني الشعبية والحكم والأمثال، وهو في كل ذلك يتحكم في شكل الدمية التي يحركها من خلال تقريبها من الشاشة أو إبعادها بقصد إظهار الحجم الطبيعي أو حجمٍ أكبرَ لها حسب ما يتطلبه النص.

لم يبق فن خيال الظل على حاله منذ تاريخ نشوئه، بل تطور مثل بقية الفنون، فأصبح للإضاءة وللموسيقى فيه دور أكثر فاعلية، غير أن التطور الأكثر أهمية كان في إحلال يد المخايل محل الدمية، فمع بدء الموسيقا تبدأ اليد لتُكوَّن أشكالاً وخطوطاً متعددة ومنسجمة مع الإيقاع، ويد الممثل في هذا الفن تمتاز بالليونة والحساسية والقدرة على التعبير السريع والمتعدد.

في الحياة كثير مما يمكن أن نصنع منه ما هو جميل ونافع، نجده حين نبحث عنه.

 

 

 

فن الإيماء

الطفل أستاذه واللبيب تلميذه

 

 

يقال: إنَّ اللبيبَ منَ الإشارة ِيفهمُ.

والإشارة جزء من لغة الصمت التي تتألف من حركات الجسد وتعابير الوجه، مثلما تتألف لغة الكلام من مفردات وجمل منطوقة، وهذه اللغة بالذات هي التي يعتمد عليها فن الإيماء أو (المايم).

انتبه الإنسان منذ أقدم العصور إلى ما تملكه هذه اللغة من صدق وجمال، فاستخدمها في نوع من التمثيل الإيمائي أو الصامت عرف باسم المايم، ويعني في لغة الإغريق: تقليد الحياة، أو محاكاة كل شيء. وإلى جانب هذه التسمية ظهرت تسمية أخرى لهذا الفن هي البانتومايم وهي المسرحية الصامتة التي تكثر فيها الحركات والتهريج، غير أن الكلمتين توحدتا مؤخراً في مصطلح واحد هو المايم.

بدأ هذا النوع على شكل مسرحيات قصيرة تجسد بالحركات والإشارات وتعبيرات الوجه ما كانت ترويه الجوقة من كلام وحوار، وبعد اليونان ومن ثم الرومان الذين استقبلوا هذا الفن ونشروه بشكل واسع، استخدمته “الكوميديا دي لارتي” (الكوميديا المرتجلة التي ظهرت في إيطاليا في القرن السادسَ عَشَرَ الميلادي) وغيرُها من الفرق في عروض شعبية، ولم يحظ هذا الفن بالاحترام ويصبح فناً له أصوله وقواعده إلا في القرن العشرين، وعلى يد الكاتب الفرنسي جاك كوبو، الذي أسس أول مدرسة لتدريسه.

وقد اعتمدت هذه المدرسة التي تأسست سنة 1912على الجسد في التعبير، وألغت دور الوجه الذي أخفته بقناع خال من الملامح.

ساهمت هذه المدرسة في تطوير المايم بفضل تلاميذ نجباء من أمثال إيتيان ديكرو الذي استخدم تقنيات جديدة كعزل أجزاء الجسد، ليتمكن الفنان من استخدام أي جزء من جسمه مثل الورك أو الرقبة أو الصدر بمعزل عن باقي الأجزاء أو الأعضاء.

مثل مارسيل مارسو الذي ركز على الوجه واليدين إضافة إلى الجسد، فكان يدهن وجهه بالأبيض ويتلاعب بوضعية جذعه.. ولمارسو الفضل في تخليص هذا الفن من التهريج والحركات البهلوانية والارتقاء به إلى مصاف الفن الراقي.

قليلة هي المسرحيات التي كُتبت لفن الإيماء، وذلك بسبب طبيعة المسرحية الصامتة التي تجعلها فنَّ عرْضٍ بالدرجة الأولى، يستعاض فيها عن الحوار والكلمات المنطوقة بحركات الممثلين وإشاراتهم وتعبيرات وجوههم، وتعتبر مسرحية فصل بلا كلمات لصموئيل بيكت الرائدة في هذا المجال.

من أبسط الشروط الواجبة توفرها لدى ممثل المايم الحرص على عدم حدوث التناقض بين التعبير بالوجه والتعبير بالجسد، حفاظاً على متابعة المتفرج وعدم وقوعه في التناقض والارتباك، لإيصال فكرة العرض بصورة جميلة ومقنعة وجذابة، وهو ما يتطلب منه تدريباً جسدياً ونفسياً غير هينٍ.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock