د. علي خليفة يحلل مسرحية الساقي الأخرس لمؤلفها هارولد بنتر

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

كثير من مسرحيات هارولد بنتر تجري أحداثها داخل غرف مغلقة، كما نرى في مسرحية الحجرة، ومسرحية حفلة عيد الميلاد، ومسرحية الساقي الأخرس، وأغلب الظن أن بنتر قصد بذلك أن يصور إنسان هذا العصر محاصرا بمخاطر كثيرة تحاصره في الخارج، وهو لا يجد قدرة على مواجهتها، سوى بالهروب منها، والانزواء في أماكن مغلقة.
كما أن هذه الأماكن المغلقة في مسرحيات بنتر تعبر عن عدم قدرة الإنسان في هذا العصر على التواصل الحميمي بالناس خارج الأماكن المغلقة التي يحتمي بها، فهذه الأماكن المغلقة تؤكد أيضا عدم قدرته على التواصل، إلى جانب أنها تشير إلى عدم إحساسه بالأمان، ومع ذلك فإن هذه الأماكن المغلقة قد لا توفر الحماية الكاملة لشخصيات بنتر في مسرحياته، فقد تأتيهم المخاطر داخلها، كما سوف نرى في مسرحية الساقي الأخرس.
ومسرحية الساقي الأخرس من مسرحيات بنتر القصيرة، والسائق الأخرس المقصود به هنا مصعد صغير ينقل الطعام من المكان الذي يعد فيه إلى المكان الذي يجلس فيه الزبائن في المطاعم ليتناولوا فيه طعامهم.
ونرى في مسرحية الساقي الأخرس شخصين في بدروم تحت الأرض، لا نوافذ فيه، وهذان الشخصان هما جاس، وبن، ونعرف من حوارهما أنهما منضمان لمنظمة غير معروف هويتها، وهما يقومان بعمليات قتل تبع هذه المنظمة، ويعد بن رئيسا لجاس.
ويظهر جاس كثير الأسئلة، وأكثر أسئلته الغرض منها تمضية الوقت حتى يأتيهما الأمر من تلك المنظمة بتنفيذ عمليتها القادمة التي جاءا لهذا المكان من أجل تنفيذها.
وفي بداية هذه المسرحية يتصرف جاس بطريقة تذكرنا باستراجون في مسرحية في انتظار جودو لصمويل بيكيت، فهو كثير خلع حذائه، ولبسه، وربطه، ثم فكه، والنظر فيه، ثم يكرر نفس الأمر، وخلال ذلك ينهمك بن بقراءة جريدة، وتستلفته أخبار غريبة لا توجد تفاصيل تفسرها، ومن ذلك أن رجلا في السابعة والثمانين من عمره اضطر أن يعبر من أسفل عربة نقل لازدحام المرور في ذلك الطريق الذي كانت تمر فيه هذه العربة، وأيضا من هذه الأخبار الغريبة أن طفلة قتلت قطا، وأبلغ أخوها الذي يبلغ الحادية عشرة عنها.
ولا توجد أي تفاصيل عن هذين الخبرين، وغيرهما من الأخبار الغريبة التي يقرؤها بن في جريدته؛ مما يوحي بغرابة ذلك العالم الخارجي خارج هذا البدروم، وكذلك يوحي هذا بأن ما يحدث في الخارج يصعب تفسيره.
والأمر في الداخل لا يقل غرابة عما يحدث في الخارج، فهذان الشخصان يفاجآن بأن مصعدا صغيرا مما ينقل عليه الطعام يهبط لأسفل، وفيه ورقة مكتوب فيها وجبة معينة، ويظنان أن هذا البدروم هو مطبخ أو مقهى صغير تعد فيه بعض الأطعمة، فيقدمان ما لديهما من أطعمة ومشروبات؛ حتى لا يعرف من في الأعلى أمرهما، ولا يثيران شبهات لديهم.
ومع نهاية المسرحية يسمع طرقات على باب الخروج، ويتواصل بن عبر بوق مع من في المكان الذي يصل إليه ذلك المصعد الصغير، ويقول: إنه سينفذ المهمة، وعند ذلك يقتل رفيقه جاس.
وهكذا نرى أن هذا المكان المغلق لم يأتِ بالحماية، كما أن هذين الشخصين اللذين يتآمران معا ليس بغريب أن يتآمر أحدهما على الآخر فجأة إذا جاءته الأوامر بذلك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock