مقالات ودراسات

د. علي خليفة يكتب عن.. مسرحية هرقل فوق جبل أويتا للشاعر والفيلسوف الروماني سينيكا


المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

عارض سينيكا في مسرحية هرقل فوق جبل أويتا مسرحية بنات تراخيس لسوفوكليس، والحقيقة أن مسرحية هرقل فوق جبل أويتا أقل بكثير في مستواها الفني من مسرحية بنات تراخيس لسوفوكليس، فمسرحية هرقل فوق جبل أويتا تكثر فيها المونولوجات الطويلة من بعض الشخصيات فيها، وهي لا تساعد كثيرا على التطور الدرامي للأحداث فيها، كما أن حوارات الجوقة وأناشيدها لا تؤثر بشكل ملموس في أحداث هذه المسرحية، ويضاف لهذا أن هذه المسرحية فيها استطرادات كثيرة، كان هدف سينيكا منها أن يعرض جوانب من فلسفته الرواقية التي تدعو للفضيلة، وتنبذ الرزائل.
ومما تختلف فيه هذه المسرحية أيضا عن مسرحية بنات تراخيس أننا نرى نهايتها طويلة جدا، وقد قصد سينيكا من ذلك الاحتفال بخاتمة هرقل على الأرض قبل أن يتحول لإله وثني في السماء بعد موته – حسب أسطورة هرقل، واعتقاد الإغريق والرومان فيها – وقد وضح أن سينيكا بإطالته في هذه النهاية كأنه يحتفي بهرقل، ويهيئ المتلقين للمصير المجيد الذي آلِ إليه بعد موته.
وفي بداية هذه المسرحية نرى هرقل يشعر بالرضا ويشكر الآلهة الوثنية التي أيدته في مغامراته البطولية العجيبة التي خاضها في الدنيا بما في ذلك أنه ذهب لعالم الموتى لأداء بعض المهمات فيه وعاد منه، وكان آخر عمل قام به أنه دمر مملكة أويخاليا، وقتل ملكها وأبناءه، وكثيرا من أهلها، وكان كل ذلك من أجل أن ملك تلك البلاد قد رفض أن يزوجه ابنته يولي، وقد استطاع هرقل بعد أن دمر هذه المملكة أن يحصل على يولي.
وحين علمت ديانيرا أن هرقل قد هاجم مملكة أويخاليا من أجل يولي، وأنه حصل عليها في النهاية، وأنه سيتخذها زوجة له – ثار غضبها، وهاجت غيرتها، وحدثت مربيتها عن رغبتها في قتل هرقل، وحذرتها مربيتها من مغبة هذا الفعل، ثم نرى ديانيرا تتراجع عن قرارها بقتل هرقل، وأنها رأت أن تستخدم دم نيسوس – وهو مخلوق فيه من طبيعة البشر والوحوش، وكان هرقل قد قتله بسهم من قوسه – الذي كان قد نصحها وهو يموت بأن تجمع دمه في قارورة، وألا تعرضها للشمس، وقال لها: إنها حين ترى أن هرقل قد مال لامرأة أخرى فما عليها عند ذلك غير أن تصبغ ثوبا له بهذا الدم، وتقدمه له ليلبسه، وعند ذلك سيعود لها، ويهجر أي امرأة فكر فيها غيرها.
وتعمل ديانيرا بهذه النصيحة، وتختار ثوبا حسنا لهرقل وتصبغه بدم ذلك المخلوق، وترسله لهرقل ليلبسه احتفالا لذلك النصر الذي حققه أخيرا.
وتكتشف ديانيرا أن نيسوس قد خدعها حين ترى بعض قطرات من هذا الدم قد أصابت قطعة من الصوف، وأصابها التلف حين تعرضت للشمس، وتدرك هذا الأمر في الوقت الذي تكون متأكدة أن الثوب قد وصل لهرقل، وأنه ارتداه، وعند ذلك تجأر بالشكوى، وتسعى للتخلص من حياتها، وتحاول مربيتها أن تمنعها من ذلك.
ويصل ابنها هيللوس، وتعرف منه أن هرقل يحترق بعد لبسه ذلك الثوب، وأنه يتألم، ولا يستطيع أن يتخلص من ألمه، ويعرف هيللوس أن أمه لم تشأ الإضرار بأبيه هرقل حين أرسلت له هذا الثوب، فيحاول صرفها عن أن تقتل نفسها – على خلاف ما نراه في مسرحية بنات تراخيس من أن هيللوس كان يدعو أمه لتموت بعد أن تسببت في المصاب الذي حدث لأبيه – وتقتل ديانيرا نفسها، ويظهر هرقل وهو يعاني ويتألم، ويتمنى من جوبيتر أن يعجل له بالموت؛ ليتخلص من تلك الآلام الشديدة.
ويطلب هرقل أن تقطع له أشجار كثيرة، وتشعل النار فيها؛ ليدخلها، فيحترق، ويموت ويتخلص من آلامه، وينفذ له أتباعه مشيئته، ويظل في النار فترة طويلة كأعجوبة أخرى من أعاجيبه، وينتهي الأمر، باحتراقه، وتأخذ أمه ألكمينا – التي أنجبته من جوبيتر (زيوس عند الإغريق) رماده، وتنتحب لموته وتعول، فيأتيها صوت هرقل من السماء، أنها ببكائها ونحيبها بهذا الشكل تقلل من قدره.
ثم تعرف ألكمينا، ويعرف أيضا فيلوكتيتس صديق هرقل وأتباع هرقل أن هرقل قد صار إلها بين الآلهة – الوثنية – فيسعد الجميع بذلك.
والملاحظ أن بعض بطولات هرقل ليست سوى اعتداء على الآخرين وقتلهم بدون وجه حق، ومن ثم فهرقل ليس البطل النبيل أو الشخص العادل، ولكنه يمثل البطل الخارق عند الإغريق والرومان، ومن أجل قوته هذه الهائلة صار أعجوبة عندهم حتى رأو في أساطيرهم أنه صار الها وثنيا بعد موته.
وأعتقد أن عرض سينيكا لديانيرا في أنها كانت ترغب في قتل هرقل حين عرفت أنه سيتخذ يولي زوجة له – كان خطأ منه، ولم يفعل سوفوكليس هذا الأمر في مسرحية بنات تراخيس، فلم تفكر ديانيرا فيها أبدا في قتل هرقل، بل كان كل تفكيرها في إبعاد يولي عنه من خلال دم نيسوس الذي ظنت أنه سيأتي بمفعول طيب في ذلك، كما حدثها هو في ذلك قبل موته،
وكان مخادعا لها.
ومما يؤكد قولي بأن سينيكا قد وقع في الخطأ في ذلك أننا نرى ديانيرا حين علمت أن هرقل يتألم ويقترب من الموت بسبب الثوب الملطخ بدم نيسوس الذي أرسلته له – لم تسامح نفسها فيما فعلته، وأَخَذْت تتألم كثيرا قبل أن تنهي حياتها بيدها.
ومن الملاحظات الأخرى على هذه المسرحية أن سينيكا يقارن فيها على لسان الجوقة بين الحياة البسيطة الهانئة بعيدا عن القصور، وبين الحياة بين القصور التي لا يعيش فيها المرء بحريته بسبب مراعاة مراسيم تغل حريته وتقيد حركته، وقد رأينا سينيكا يتعرض لهذه المقارنة في مواضع أخرى من بعض مسرحياته،
كما نرى في مسرحية ثيستيس، ومسرحية فايدرا، ومن الواضح أن سينيكا كان يؤثر العيش بعيدا عن القصور والأباطرة الرومان الذين كان مستشارا لبعضهم خاصة نيرون، واكتوى بتقلباتهم، لا سيما نيرون الذي لم يشفع لسينيكا عنده تعليمه له، وحسن مشورته إياه حين كان مستشارا له، فقد انقلب عليه، وأجبره على أن ينتحر؛ لأنه صدق وشايات بعض الواشين فيه.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock