د. علي خليفة يكتب: ثيمات مسرح الطفل في مسرحيات فوزي خضر للطفل

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

الحقيقة أنه لا يوجد تعريف محدد للثيمة، ومع ذلك فالتعريف الشائع عنها هو أنها تعني الفكرة الرئيسة في العمل الأدبي، كما أنها يمكن أن تعني الحكمة التي يرمي إليها ذلك العمل الأدبي، لا سيما تلك الأعمال التي توجه للطفل؛ لأن وجود الحكمة فيها خاصية ترتبط بها.
وأعتقد أنه من الممكن حصر الثيمات التي تبنى عليها مسرحيات الطفل، ويمكن إرجاع مسرحيات الطفل إليها، وسأكتفي هنا بالحديث عن مسرحيات الدكتور فوزي خضر للطفل، وإرجاعها للثيمات التي تشملها، مع ذكر كيفية تعامل الدكتور فوزي خضر مع هذه الثيمات في مسرحياته للطفل، بحيث يبرز أسلوبه الخاص في كتابة مسرحية الطفل؛ حتى خلال سيره على هذه الثيمات في مسرحياته للطفل.
والآن نعرض هذه الثيمات التي سار عليها الدكتور فوزي خضر في كتابة بعض مسرحياته للطفل:
أولا: تحسر الشخص/أو الحيوان لكونه أقل من غيره، ثم اكتشافه قدرات خاصة به؛ مما يجعله يرضى عن نفسه.
والحقيقة أن هذه الثيمة – أو الفكرة الرئيسة أو الحكمة – نراها في كثير من المسرحيات – والقصص – التي تقدم للطفل، ففي كثير من المسرحيات التي تكتب للطفل نرى شخصا – أو حيوانا – غير راضٍ عن نفسه، ويشعر أنه أقل من غيره، ويصبح مكتئبا مقصرا في عمله، ثم يكتشف عن طريق نفسه أو عن طريق غيره ما عنده من قدرات فريدة – قل أن يشركه فيها غيره – لم يكن يراها بوضوح، وعند ذلك تتغير نظرته لنفسه، فيرضى عنها، وتزال كآبته، ويصبح عاملا مفيدا للمجتمع الذي يعيش فيه.
ونرى هذه الثيمة في مسرحية الحمار الحزين لفوزي خضر، ففي هذه المسرحية يظهر الحمار حزينا غير راضٍ عن نفسه، ويقول للحصان: ان سبب حزنه هو أنه يشعر أنه أقل من كل الحيوانات التي يعيش معها في الغابة، فهو ليس جميلا ولا سريعا في جريه كالحصان، وهو أيضا ليس ظريفا ولا يجيد القفز كالقرد، وكذلك هو ليس كالطيور في جمال أشكالها وحلاوة أصواتها.
ومما يحسب للدكتور فوزي خضر في هذه المسرحية أن إعادة الثقة للحمار في نفسه فيها لم يتم بالنقاش والحوار، ولكن عن طريق الفعل؛ ومن هنا تكون قناعة الحمار كبيرة في عودة الثقة لنفسه، وكذلك تكون قناعة الأطفال الذين يقرءون أو يشاهدون هذه المسرحية كبيرة؛ لأنهم رأوْا أن حل مشكلة الحمار جاء عن طريق الفعل الذي يناسب الدراما، ويعمل على سرعة الإيقاع بها، وليس عن طريق الحوار الجدلي الذي يبطئ الإيقاع بها.
ففي نفس هذه اللحظة التي يشكو فيها الحمار للحصان من شعوره بالنقص بين حيوانات الغابة التي يعيش فيها – يتصادف أن تغيب البطة بطوطة عن أمها، فهي لم تحضر إليها منذ الأمس حين ذهبت لزيارة خالتها، وهنا يتقدم الحمار لعرض رأيه في أن يذهب لبيت خالتها للاطمئنان على وجودها هناك، ويقول: إنه قد ذهب لهذا البيت مرة واحدة، ولكنه لا ينسى أي مكان ذهب إليه، ولو مرة واحدة، وعند ذلك يقول الحصان للحمار: وهذه هي الصفة التي تتميز بها عن باقي الحيوانات في الغابة، فيفرح الحمار بنفسه، وتعود الثقة إليه، ويخرج مسرعا ليقوم بالذهاب لبيت خالة البطة بطوطة للاطمئنان عليها، وإعادتها إلى أمها.
ثانيا: التصميم على فعل الخطأ حتى يكتشف من يصمم على فعله أهمية ترك ذلك الخطأ.
ومن الأفكار الأساسية في مسرحيات الطفل أننا نرى في بعضها أشخاصا – أو حيوانات – يصممون على فعل أعمال مضرة، وتتسبب في الضرر لهم ولغيرهم، ولكنهم لا يتراجعون عن فعل هذه الأخطاء إلا حين يرون الأضرار الكبيرة التي تلحق بهم وبغيرهم من وراء ذلك التصميم الذي كان منهم على ارتكاب هذه الأخطاء.
ونرى هذه الثيمة موجودة في مسرحية الكتاب المقلوب لفوزي خضر، ففي هذه المسرحية نرى الحمار مصمما على عدم تعلم القراءة والكتابة، ولا يستمع لنصح أي حيوان في الغابة يوجهه لأهمية تعلمهما، ثم يحدث موقف يجعل ذلك الحمار بغير موقفه تماما من تعلم القراءة والكتابة، فقد كان يسير مع الكتكوت في مكان بالغابة، وحدث أن انحرف الكتكوت عن الطريق الذي كان يسير فيه الحمار، ووقع الحمار في حفرة، وجرح وتألم، وسأل الحمار الكتكوت عن السبب الذي جعله لا يسير معه في ذلك الطريق الذي به هذه الحفرو؟ فأخبره أنه قرأ في أول هذا الطريق إعلانا يحذر من السير في ذلك الطريق لوجود حفرة به، وهنا تراجع الحمار عن تصميمه في عدم تعلم القراءة والكتابة، ورغب في تعلمهما؛ لأنه من خلال التجربة أدرك أهميتهما، وعند ذلك علمه الحصان القراءة والكتابة.
وكما رأينا في هذه المسرحية فقد اقتنع الحمار بأهمية تعلم القراءة والكتابة ليس عن طريق الكلام والنقاش، ولكن من خلال الموقف المرتبط بالأحداث في هذه المسرحية؛ مما يضفي على هذه المسرحية الحركة، ويجعل هدف المسرحية – أو حكمتها – يصل للأطفال من أقرب سبيل.
ثالثا: مخالفة شخص/أو حيوان لأوامر والديه – أو أحدهما – فيخرج من البيت دون إذنهما، ويتعرض لمخاطر، ثم يعود للبيت، وقد استفاد من هذه التجربة.
وهذه الثيمة في خروج طفل – أو حيوان – من بيت والديه دون إذن منهما وتعرضه لمخاطر بعد خروجه منه، ثم عودته للبيت، وحصوله على التجربة من هذا الموقف بأهمية عدم مخالفة أوامر الوالدين – نراها في كثير من مسرحيات الطفل، وقد ضمن فوزي خضر هذه الثيمة في مسرحية عودة بطوط، ففيها نرى بطوط قد رأى فراشة أمام بيته حين غياب والديه عنه، وجرى وراءها، وابتعد عن البيت، وعجز عن الرجوع إليه، وكاد يتعرض لمخاطر كثيرة في قلب الغابة لولا أن الحصان استطاع أن يجده، ويعيده لوالديه.
رابعا: اللعب بالكذب يؤدي لمخاطر كثيرة، ويكون الدرس بعد تجاوز هذه المخاطر بتجنب الكذب مرة أخرى.
وفي كثير من مسرحيات الطفل نرى شخصا – أو حيوانا – يتسلى بالكذب، ولا يرى في هذا ضررا من وجهة نظره، بل هو يبرر كذبه لمن يهاجمه به بأنه يمزح، ولا يقصد إيذاء أحد بكذبه، ولكن ذلك الشخص – أو الحيوان – الذي اعتاد على الكذب للضحك والتسلية حين يؤدي كذبه لوقوع مصائب يدرك مخاطر الكذب، ويصمم على عدم العودة إليه مرة أخرى.
ونرى هذه الثيمة في مسرحيتين من مسرحيات فوزي خضر للطفل، والمسرحية الأولى هي مسرحية القرد ميمون، وفي هذه المسرحية نرى القرد ميمون يتسلى معظم وقته بقول الأكاذيب، ومن أكاذيبه أنه قال للكلب: إن الثعالب قد هجمت على حظيرة الدجاج في غابة قريبة منا، وهنا أسرع الكلب لهذه الغابة؛ لينقذ الدجاج الذي بها من الثعالب التي أعتقد -حسب كلام القرد له – أنها هجمت على الدجاج بها.
ويستغل الثعالب في تلك الغابة التي يعيش فيها ذلك الكلب اختفاءه منها لفترة، فيهجمون على حظيرة الدجاج بتلك الغابة، ويتكاتف كثير من الحيوانات في هذه الغابة لإنقاذ الدجاج من الثعالب، ويعلم الكلب بذلك الهجوم، فيعود مسرعا لغابته، وينقذ مع غيره من الحيوانات في تلك الغابة الدجاج من الثعالب التي كادت تفترسه.
ويدرك عند ذلك القرد خطورة لعبه بالكذب، ويقرر أمام حيوانات الغابة ألا يكذب بعد ذلك أبدا.
وقد جعل المؤلف عقاب القرد في هذه المسرحية عقابا نافعا، فقد أمره الأسد ملك هذه الغابة بأن يرعى صغار الحيوانات في هذه الغابة لمدة شهر، وفي هذا دعوة واضحة لأن يكون عقابنا للأطفال على ما يرتكبونه من أخطاء ليس بالإساءة إليهم، ولكن بطلبنا إليهم أن يزيدوا من أعمالهم النافعة لغيرهم.
وأيضا نرى هذه الثيمة في مسرحية الوعد الأكيد، ففيها نرى الكتكوت يكذب كثيرا، ويفضح كذبه، ويتعهد لوالده الديك بألا يكذب مرة أخرى، ويسر والده بذلك،
والثيمة – أو الحكمة – واضحة في هذه المسرحية، ولكنها جاءت بعيدا عن الصراع، والأحداث المشابكة، بل اهتدى لها الكتكوت بمجرد نصح والده له، ومن ثم فإن الأطفال لن يتجاوبوا مع هذه المسرحية بنفس تجاوبهم العالي مع مسرحية القرد ميمون التي رأينا فيها نفس الثيمة التي في مسرحية الوعد الأكيد، ومنها عولجت بشكل أفضل بكثير.
خامسا: المكافأة تأتي بعد الالتزام بالأوامر التي تكفل السلامة والأمان.
ونرى في بعض مسرحيات الطفل شخصا – أو حيوانا – لا يلتزم بأوامر الكبار خاصة والداه، فيتم عقابه، ولكنه بعد أن يلتزم بتنفيذ هذه الأوامر تكون مكافأته على ذلك، كما نرى هذا في مسرحية نزهة في الغابة التي كان الكتكوت يخالف فيها أوامر والده، ويتجول في الغابة وحده؛ مما كان يعرضه لبعض المخاطر، وكذلك كان يعرض نفسه لغضب والده الديك عليه، ولكنه حين استمع لأوامر والده الديك رضي عنه، وكافأه بأنه أخذه معه في جولة للتنزه في الغابة.
وهذه هي بعض الثيمات التي رأيناها في بعض مسرحيات الدكتور فوزي خضر للطفل، وقد رأينا براعة الدكتور فوزي خضر في كتابة مسرحياته للطفل عبر هذه الثيمات، فكان يستعين في سيره على هذه الثيمات في مسرحياته للطفل بالحركة والصراع، والإقناع عن طريق الفغل، وليس النقاش والحوار- باستثناء مسرحيات قليلة له – ومن ثم بدت مسرحياته للطفل ذات جاذبية كبيرة للأطفال عند قراءتها ومشاهدتها.
قد تكون صورة لـ ‏‏‎Drfawzi Khedr‎‏‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock