الجزائري ياسين سليماني يكتب: الـ “وان مان شو” : ليس كل ممثل نجم عرض

المسرح نيوز ـ القاهرة| مقالات ودراسات

ـ

ياسين سليماني-الجزائر

ليلتان متتابعتان في رمضان الحالي نشاهد فيهما وان مان شو. الأول للممثل أحسن عزازني في عرض “الأستاذ” والثاني نبيل رحماني في عرض “غابتلي”. نجح الأول في جلب الانتباه وإثارة الاهتمام والكثير الكثير من الضحك. وفشل الثاني بشكل محزن في استدرار الضحك ولم تتوقف القاعة عن الحديث بعدما لم يستطع الممثل الإبقاء على تركيز الحضور أكثر من ربع ساعة.

ما الذي يجعل عرضا ناجحا وآخر فاشلا؟

الإجابة ليس بالبساطة التي تظهر عند البعض. نحن أمام عرض تقع مهمته الكاملة على كاهل الممثل. في العروض المسرحية العادية نجد المسرحية تتوزع على كافة أبطالها. حتى عندما يضعف أحدهم يمكن أن يعوض زميله النقص. لكن ما العمل عندما يكون الممثل الوحيد على الخشبة ضعيفا؟

يبدأ النجاح في الأصل من اختيار النص الذي يحوز على ميزات التأليف، من رسم الشخصية ووجود حكاية وأحداث تتابع وتتصاعد، ليست الكوميديا شرطا أساسيا لنجاح الوان مان شو، قد تكون العروض الدرامية غير الكوميدية ناجحة أيضا إذا توافرت شروط الكتابة الجيدة والتمثيل المقنع، غير أنّ العادة سارت على أننا نرى العروض الفردية كوميدية.

في عرض “الأستاذ” هناك حكاية، هناك معالم للنص، رجل كهل جاء ليعمل أستاذا في مدرسة لكنه يتعرض للعديد من المواقف، والسخرية من هذه المواقف هي ما صنع اللحظات الكوميدية شديدة الطرافة والتي لم تمنع الجمهور طيلة الساعة إلا ربع من الانشداد للممثل على الخشبة. اعتمد الممثل على حضوره وحده متكئا على نص مكتوب باحترافية. في المقابل فإن عرض “غابتلي” حضرت فيه فكرة لطيفة لم يستطع أصحابها تطويرها لتظهر في نص له معالم واضحة. إننا لم نعرف الشخصية التي أمامنا، قد تكون مواطنا جزائريا، فلنقل هذا، لكن ما مهنتها؟ ما ميزاتها؟ ما أبعادها في التاريخ والمكان؟ لم نعرف شيئا عن الشخصية التي بدأت بالاحتفاء بالشخصيات التاريخية في الجزائر والعالم، والتعقيب عليها مرة بعد مرة. يأتي بصورة لسانت أوغستين ليشكو له حال البلاد والعباد اليوم، ثم يأتي بصورة أم كلثوم وشطر من أغنيتها ثم يعلق عليها بأنّ الحب الذي تتحدث عنه في أغنياتها غائب من زمن طويل. لا صدق فني، لا طرافة في الموضوع، لا بهجة، وظل هذا القفز من شخصية إلى أخرى ومن زمن إلى آخر دون خط درامي واضح ولا حدث. وكان يمكن أن يظل الممثل يعرض صور شخصيات دون توقف كما كان يمكن أن ينتهي العرض في أي لحظة.

في “الأستاذ” يمتلك الممثل قدرة كبيرة على التقمص، والسخرية الرقيقة من كل طبقات المجتمع وسلوكياتهم، استطاع أن يجسد دور الأستاذ والمدير والحارس المصاب بعلة في قدمه والأستاذ المتقاعد الذي ضاع صوته، والمرأة في المطعم وزوجها، كما استطاع أن يجعلنا نتخيل وجود أطفال في الحفلة التي أقيمت لتكريم الأستاذ المتقاعد، وفي كل مرة كان يجيد إقناعنا بأننا أمام الشخصية التي يسوّق لها. في “غابتلي” كل الشخصيات متساوية، وكل الحوارات معها مستنسخة عن بعض. عندما لبس رداء بابا عروج أو شعر وحلق أم كلثوم أو لباس ياسر عرفات بقي الممثل هو نفسه، لم يقدم مواقف كوميدية كما كان يحاول خائبا، ولكنه قدم نقدا سياسيا لا يختلف عن الذي يقال في المقاهي والشوارع. حضرت المباشرة والخطابة وغاب الفن.

قد تكون للمفردات الإخراجية المتنوعة وظيفتها في إنجاح العرض. الموسيقى، الديكورات، وبالفعل تم استخدامها في العرضين، الموسيقى في الأول متّنت المواقف ونجح المخرج في توظيفها فساهمت في إنجاح العرض، وفي الثاني كانت ملئا للفراغات الطويلة التي كنا نحس بها.

استخدم العرضان سينوغرافيا متقشفة، في “الأستاذ” لا نجد إلا مكتبا يعلوه مجسم للكرة الأرضية وبعض الكتب التي يدخل بها الأستاذ. وفي “غابتلي” كراتين كثيرة حاول العرض أن يقول أنها تجميعة للآثار التي استعادتها البلاد بعد نهبها مع أنّ لا شيء يوحي بفكرة الآثار. ويبدو من الجيد أن هذا النوع من العروض لا يعوّل على سينوغرافيا باذخة تحاول أن تكون غنية بينما هي تُفقر المسرح من قيمته.

النص المكتوب جيدا واختيار ممثل قادر على تحمل مشاق عرض كامل لوحده ليستا بالمهمة السهلة، ليس الوان مان شو تجميع للنكات وإلقائها تباعا أمام المشاهدين، إنه عرض مسرحي متكامل البنية، فيه كل مميزات وجزئيات العرض مع اختصار الممثلين في واحد. إما يصيب وإما يخيب. ولقد أصاب عرض “الأستاذ” بينما خاب “غابتلي” بدرجة قاسية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock