فعاليات ثقافية ومسرحية تشدد على ضرورة تفعيل السياسة الثقافية على المستوى الجهوي اليوم الثاني من مهرجان فاس الدولي للمسرح الإحترافي أكتوبر 2016

المسرح نيوز ـ فاس | خاص

ـ

شهد اليوم الثاني(18 أكتوبر) من فعاليات مهرجان فاس الدولي للمسرح الإحترافي المنظم من قبل النقابة المغربية لمحترفي المسرح بفاس تحت شعار”فاس فضاء رحب المسرح” والذي كرّم في حفل افتتاحه الفنانة المغربية “نعيمة إلياس”، عقد ندوة فكرية بعنوان “السياسة الثقافية الجهوية وآفاق الممارسة المسرحية الاحترافية”، شارك في تأطيرها كل من الدكتور حسن المنيعي، والدكتور مسعود بوحسين، وذ.الحسين الشعبي، والفنان حسن صابر، والدكتور سعيد الناجي سلّطت الضوء على جوانب مختلفة مرتبطة بالموضوع.

وتحدث “مسعود بوحسين” رئيس النقابة المغربية لمهن الفنون الدرامية عن قانون الفنان الذي صدر حديثا وكذلك القوانين التنظيمية المرتبطة بالجهوية، مشيرا إلى أن هذه الترسانة القانونية أعطت للثقافة أهمية كبرى في الإصلاح الجديد للجهوية المتقدمة سواء من حيث الإختصاصات الذاتية أو المشتركة أو المنقولة، ويضيف في ذات السياق ويقول أن الدل التي تمركز الثقافة لا تعطي المعنى الحقيقي للثقافة، واعتبر كذلك ذات المتحدث بشكل صريح أن أصحاب مهنة المسرح لم يستطيعوا إيصال رسائلهم بشكل صحيح للمسؤولين مما انعكس بشكل أو بآخر على السياسة الثقافية.

وتساءل ذات المتحدث عن إمكانية أصحاب الثقافة التفكير بمنطق من خلال تقديم عرض يساهم في إغناء السياسة الثقافية أو الإقتصار على تقديم عمل فني من أجل الحصول على الدعم المالي، داعيا إلى ضرورة قلب هذه المعادلة، مشدّدا في ذات الإطار على ضرورة تغيير خطاب المثقفين مع السياسيين، ليقول أن دور الفنان ليس مقتصرا على إنتاج الأعمال الفنية، بل يتعدى دوره ذلك في المساهمة في التنمية البشرية وأنشطة مجتمعية وهو توجه يوجد حاليا في مجموعة من الدول الأوربية، موصيا بضرورة استخدام آليات الضغط/اللوبيين من أجل خدمة القضايا الكبرى للفنانين وليس عن طريق الوقفات الإحتجاحية.

وقال الصحفي والمسرحي “الحسين الشعبي” بأن للثقافة بعد عرضاني الشيء الذي يتطلب تدخل كافة المؤسسات، مستعرضا مجموعة من التعريفات للسياسة العمومية باعتبارها مجموعة من التوجهات والأهداف، في حين أن السياسة الثقافية هي كل سياسة تجعل من الثقافة موضوعا لها وتتعامل معها كقطاع وظيفي، ليقول بأنه على المستوى المغربي يوجد تأخر كبير في تبني سياسة قطاعية في المجال الثقافي الشيء الذي أدّى إلى هشاشة كبيرة، واضعا سؤالا عريضا : هل هناك في المغرب سياسة استراتيجية ثقافية واضحة المعالم مبنية على التنمية البشرية، ليضيف ويقول أن الجواب بكل بساطة :لا، ليعود ويشير إلى مجموعة من المخططات(المغرب الأخضر، إصلاح التعليم…) معتبرا أنها مخططات تظهر فعليا معالم حقيقية لسياسة عمومية في مجموعة من القطاعات الإقتصادية الكبرى.

وعاد “الحسين الشعبي” بالذاكرة إلى سنة 2011، متحدثا عن الدستور المغربي، ليقول أن الدستور الحالي ذكر الثقافة أكثر من 20 مرة عكس الدساتير السابقة، مشيرا إلى الجهوية المتقدمة باعتبارها مجال ترابي يتضمن سكان، يعيشون في فضاء مشترك، مؤكدا أن مفهوم الجهوية في الأصل مفهوم ثقافي، كما أن المجال الترابي الجهوي هو الأكثر إلحاحية وانتصارا للممارسة الثقافية، مؤكدا من جديد على أن الثقافة لا تدخل ضمن أوليات صناع القرار، مشيرا في ذات الوقت للنظرة الدونية للمواطن فيما يتعلق بالفضاءات الثقافية باعتبارها ليست أولوية مثل المستشفى والتي تأتي لغياب سياسة عمومية واضحة في هذا الإطار، مؤكدا أنه بدون وجود إرادة سياسية للدولة لن تعرف السياسة الثقافية طريقها للوجود، مشيرا إلى أن في ظل عهد الملك محمد السادس استشعروا اهتمام بالثقافة والمسرح والفن، وهو ما يتجلى في بناء مسارح كبرى بمناطق مختلفة بالمغرب، مؤكدا أن رئيس الدولة يأخذ موضوع الثقافة بشكل جدي، مضيفا أن رعاية رئيس الدولة للشأن الثقافي ضرورية، وعندما تتوفر يتم تعبئة إمكانيات وموارد كبيرة، مؤكدا أن السياسة الثقافية لا يمكن أن تكون إلا جهوية.

وتأسست أرضية الندوة حسب المسرحي د.”سعيد الناجي”، باعتبار المسرح المغربي يلخص تطور المشهد الثقافي برمته منذ الاستقلال إلى الآن، فهو أول شكل ثقافي حديث برز قبل الأشكال الأخرى، سواء كانت أدبية مثل الشعر الحديث والرواية والقصة وغيرها، أو فرجوية مثل السينما وما يدور في فلكها. ولهذا وقع المسرح في قلب الصناعة الثقافية بالمغرب الحديث، إذا جاز لنا أن نتحدث عن صناعة ثقافية، لأن الدولة الحديثة الناشئة لم تمتلك، وربما لحد الآن مشروعا ثقافيا واضح المعالم.

ليقتصر  وفق ذات المصدر تصور الدولة للثقافة في الوظيفة المنوطة بوزارة الثقافة، المتمثل في دعم الإنتاج الثقافي وحمايته، دون أن تتحول الوزارة إلا  قليلا، إلى منتج ثقافي يطرح منتوجه للتداول، ليهيمن مفهوم “الدعم” على عمل وزارة الثقافة أكثر من الإنتاج، وهو أمر بقدر ما سمح للفاعل الثقافي بالاستقلال عن الدولة وعن طواحينها الفكرية والإيديولوجية، ترك المنتوج الثقافي مرهونا بمبادرات فردية أو جمعوية، وربما مؤسساتية في بعض الحالات، دون أن يمتلك صناعة إنتاج حقيقية، فبقيت السوق الثقافية تشتكي من غياب التمويل الحقيقي، وغياب الإنتاج الحقيقي الكفيل بتوفير منتوج ثقافي يلبي حاجة المواطن للثقافة.

ويقول كذلك “الناجي” بأنه ربما مع نهاية القرن العشرين، وحين خفت الصراع المفتوح حول السلطة وحول تدبير المجتمع بين مكونات اليسار والدولة، وبدت علامات الاتفاق حول حد أدني من التدبير من خلال المؤسسات المنتخبة وما يؤطرها، ومع ما عرفه المجتمع المغربي من تطورات ديمغرافية وثقافية، وبروز أجيال جديدة متفاعلة مع ثورة التكنولوجيا، بدأت الدولة تدرك مسؤوليتها في دعم الثقافة والمسرح، وضرورة توجيه “الجماعات المنتخبة” والجهات إلى القيام بدور ثقافي ما، لتحتفظ وزارة الثقافة باستقلالها عن الإنتاج الثقافي، مكتفية بدعمه وتشجيعه وحمايته.

ويضيف ذات المتحدث بأنه سيقع المسرح من جديد في صلب هذه التحولات، من خلال تفاعل الملك المرحوم الحسن الثاثي مع مطالب المسرحيين، واستقبالهم، كان يعبر بامتياز عن هذا التوجه نحو توريط المجالس الجماعية والجهوية في مسؤولية دعم وإنتاج الثقافة، وسيكون وعده بتخصيص نسبة من الضرائب لصالح المسرح وتخصيص كل جهة بفرقتين مسرحيتين جهويتين تعبيرا متقدما عن تصور ناضج للإنتاج المسرحي.

ورغم ذلك لا أحد كان في الموعد، إذ فشلت الدولة – أو لم ترد أصلا- في تطبيق قانوني لتخصيص نسبة الضرائب لصالح المسرح، ولم يبلغ اقتراح وزارة الثقافة أكثر من تخصيص دعم للإنتاج والترويج المسرحيين، دعم بقي يراوح مكانه من حيث الإمكانات المالية، ولكن راوح مكانه أكثر على صعيد المقترحات الإبداعية والفنية.

وقدم مساء ذات اليوم عرضين مسرحيين داخل المسابقة الرسمية، الأول لفرقة من فرسنا بعنوان FUGUEUSES أخرجه فرنسوا كراغورسكي، والعرض الثاني لفرقة مسرح الشامات، مكناس / المغرب بعنوان : ” كل شيء عن أبي”، والذي يتحدث عن قضايا اجتماعية معاصرة يعيشها المغرب، كالبطالة والأزمات السياسية والهوية الثقافية، حيث تشير إلى أثر التحولات الكبرى على هوية المجتمع، و يحضر التاريخ في هذه المسرحية، من خلال عرض في البداية أسلوب سردها و طريقة تقديم مادتها و توثيق أحداثها التاريخية، التي و إن كانت مستقلة من واقع مضى، إلا أنها ستعمل على إنتاج تاريخ تخييلي، تاريخ آخر لا يدمن سلطة الوقائع، في شكل سردي جديد، يتمثل تقنيات ما وراء الرواية التي تنبع من مقولات ما بعد الحداثة فيضيء كاتب الرواية المؤطرة أو الدخيلة…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock