ننشر مسرحية ” Get out” للكاتب العراقي حيدر عبدالله الشطري

المسرح نيوز ـ القاهرة| نصوص مسرحية

ـ

مسرحية

      Get out

شخصيات المسرحية:-

جندي 1

جندي 2

جندي 3

المرأة

مجموعة جنود        

 

                    

ديباجة

في واحدة من تلك الحروب…

التي تغسل وجوه الجنود بغبار الانتظار.

ومن بقايا رماد يتطاير في سماء الخنادق.

كانت هناك حكايا  ترسم ملامحاً للموت…

الموت المؤجل الى حين انتصار زائف يلف وجوه مشعلوا النيران…

وخرائب تؤرشف لحرائق لا تنطفئ .

صور عن زمن يسير باتجاه دائري مركزه في اللامكان…

حيث لا فرق بين الداخل والخارج.

هناك حيث الهجير, الرمال ,العطش….

ورائحة البارود التي تزكم انوف من صاروا وقودا لمعارك تطحن حتى الهواء…

وما تبقى من اصوات مبحوحة تصرخ :

اه…اه…ا

(تدل موجودات المكان على انه خندق عسكري…الاشياء متناثرة في كل مكان…

جندي1 نائم وجندي2 يتحرك في المكان طولاً وعرضاً )

جندي2 / يا الهي…لم اعد اعرف ماذا افعل …متى ستنقضي ساعات مناوبتي التي بدت وكأنها  دهر طويل

( يتناول بندقيته ويتجه للأعلى ثم يقوم بأطلاق صف من الرصاص…ينزل )

هذا رغم علمي ان ليس هناك عدو امامي…انها رصاصات في الهواء

( يضحك )

يبدو انني قتلت الهواء….!

( يشغل المذياع…لكنه لا يلتقط اي اشارة )

حتى انت ايها اللعين….الهي…اريد شيئاً اتكلم معه…اسمعه…احس به

( يتفحص السلاح الموجود  )

كيف اعرف اين صنعت هذه البندقية …اووووه….انها اسئلة تزيد من محنتي في هذه الساعة  …لم يتبقَّ لي شيء من صبر

( يتجه نحو جندي1 ويحاول إيقاظه )

انهض…وسوف اجلس معك في ساعات مناوبتك…ارجوك انهض لا احتمل بعد اكثر من هذا….

جندي 1 / (ينهض بتثاقل ثم يخرج علبة تبغ صغيرة ويقوم بلف سيكارة ويشعلها ويبدأ بالتدخين ينفث الدخان الى الاعلى محاولا تشكيل دوائر وخطوط متداخلة من الدخان المنبعث)

وماذا تريد مني ان افعل…؟

جندي2 / مجرد ان احس بأني لست وحدي

جندي1 / وماذا أضيف لك….؟

جندي 2 / لا اطيق هذا الصمت  والترقب  الذي بدأ يحتلني …ألا تكف من التدخين , لقد ملأت  المكان بالدخان حتى بدى كأنه مرجل حرق طابوق

جندي 1 / ومن قال لك اننا لسنا طابوقاً مرصوصاً بأيدي بناء غبي….!

جندي 2 / وهل يعني هذا اننا مجرد جدار…؟

جندي 1 / وهل كنت تظن غير ذلك….؟

( يأخذ نفسا عميقا من سيكارته, ويستلقي بكامل جسده على الارض )

اعتقد اننا سنشيخ قبل ان نفارق هذا الخندق….

جندي 2 / ولكن الجدران لا تشيخ

جندي 1 / ( يضحك بصوت عال )

بل وتتآكل وتتهدم , وحتى تزال من مواقعها

جندي 2 / انا فقط اقبل ان نُزال من موقعنا وسوف لن اقبل بأن نتآكل او نتهدم

جندي 1 / وهذا ما يحدده غيرك ولست انت يا رفيقي ..الاخرون من يقوم بذلك

جندي 2 / ايــــــــــــــــه….هناك الكثيرون غيرنا من الذين يعيشون خلف الجدران

جندي 1 / (يرمي سيكارته على الارض ويسحقها بقدمه

نعم…. لأننا من يقوم بتأدية دور السور الذي يحيط بهم من كل جانب والسد الذي يمنع عنه السيول الجارفة

جندي 2 / لماذا يكون دائما من في الخارج اكثر خطرا من الذي في الداخل

جندي 1 / ومن يقول ذلك يا رفيقي…… الداخل والخارج كلاهما ظرف لمكان وهمي….

الخطر لا يفرق بين الاثنين هو حال تحكمه الصدفة مرة وأخرى لا يحكمه اي شيء

..فالأفعى تعض من يمد يده الى جحرها وكذلك من تصادفه في الخارج….

ثم ان عمرك سينقضي وأنت لا تعرف سوى الخوف من شعور تعاشره في كل وقت….؟

جندي 2 / ليس في الحذر من حيف اذا ما كان الخطر رفيقا لك على الدوام…

انسيت رفيقنا  الثالث الذي كان لا يطيق المكوث هنا وكان يخرج كل حين الى خارج  الخندق …وكيف ان رصاصة القناص كانت في انتظاره وفلقت رأسه الى نصفين

جندي 1 /   وأنا اعرف طفلا كان نائما في فراشه وقد اخترقت شظية من قصف عشوائي قلبه

الصغير ومات…مات دونما وداع……الموت ليس له اوان ….انه يأتي بغتة ويختار من يريد….!

جندي 2 / كان يمكن ان تكون رفيقنا الذي مات

جندي 1 / وكان يمكن ان تكون ذلك الطفل

( يقومان بتمثيل دور الرجل والطفل اللذان ماتا…بعد ان تتغير ملامح المكان من  خلال الاضاءة)

جندي 2 / اه …اه…امي…امي…قلبي يؤلمني…

(يتألم ويصرخ بشدة)

ماذا حدث ..احس بحرارة تسيل على جسدي

( يبدأ صوته بالذبول)

كلا انها برودة يا اماه , نعم برود ة… برود…برو…

جندي 1 / الهي…

(يحاول ان يتعلق بخيوط وهمية)

الهي…شهيق واحد هو كل ما احتاجه وبعدها حتى لو زفرت روحي , وما بين الشهقة والزفرة لحظة تكفيني ان ارى فيها شريط حياتي …

( يبدأ وكأنه لا يستطيع التنفس ويستسلم للسقوط )

أ هكذا وبكل هذه السهولة…..؟

جندي 2 / (يرجع الى وضعه السابق…وترجع ملامح المكان الى وضعها الاول )

انهض هيا…لا اعتقد انه وقت يصلح لهذا الهذيان

جندي 1 / نحن نهذي ونغرق في هذياننا حينما لا يكون هناك شيء نفعله او نقوله …انها لحظة   استراحة في ساحة معركة

( يقاطعهما صوت سقوط قذيفة قريبة من خندقهم )

جندي 2 / حمدا لله….ليست هناك شظية اخترقت قلبي

جندي 1 / وها أنذا اسحب شهيقا بحجم الكون وان كان كله دخان وغبار…اسمع ايها الرفيق

جندي2/ ماذا تريد…..؟

جندي1/ غني لي اغنية…!

جندي2/ ( مستغربا )

وهل هذا وقت غناء…ثم لماذا تريدني ان اغني

جندي1 / ( يضحك بصوت عال )

حتى اكتشف ان صوتك اكثر بشاعة من هذه الحرب…وعندها سأضحك واضحك  حتى اتعب من الضحك وانام

جندي2 / يبدو ان الحرب بدأت تستنفذك

جندي1/ كلا يا رفيقي…فأنا لا احلم بعالم بلا حرب فهذا شيء مستحيل…ولكني احلم بعالم لا يمكن فيه تبريرها

(يدخل الجندي 3)

جندي 3 / اين انتم…لماذا لم تخرجوا من الخندق….هل تعرفون ما الذي حدث

جندي 2 / وما الذي حدث

جندي 3 / الم تسمعوا القذيفة التي سقطت قبل هذه الاخيرة

جندي 1 / نعم…نحن نسمع كل شيء ..ونحرص على ان نسمع كل اصوات القذائف التي تسقط

جندي 2 / حتى نتأكد من اننا لسنا من ضحاياها الم يقولوا ان الرصاصة التي تسمع صوتها

لا تقتلك …سمعناها ايها الرفيق…ولكننا لا نعرف اين سقطت

جندي 3 / انها سقطت على الخندق الذي يتواجد فيه قائد مجموعتنا…وقد استشهد هو وثلاثة  من الجنود الذين كانوا معه

جندي 2 / وكيف حال المجموعة المتبقية من الجنود

جندي 3 / انهم يقبعون في خنادقهم ..وقبل قليل اجتمعنا جميعا لنختار قائدا لنا بعد  استشهاد  القائد

جندي 1 / ومن الذي حل محله

جندي 3 / ان الذي سيحل محله…هو واحد منكم….

(يشير الى جندي 1 )

اما أنت …

(يشير الى جندي 2)

وأما انت…فأنتم اقدم جنديين في هذه المجموعة ويجب ان يكون القائد احدكما…وقد  جئت لأعرف من منكما سيكون حتى ابلغ بقية المجموعة وحتى يعرفوا من هو قائدهم   وممن يستلموا الاوامر

جندي 1 / (بدون تردد)

انا سأكون القائد

جندي 2 / (بسرعة)

ولماذا لا اكون انا……؟

جندي 1 / لقد مضى على خدمتي في الجيش اكثر من عشر سنين

جندي 2 / ولم تكن خدمتي بأقل منها

جندي 1 / وقد اشتركت بأكثر من دورة تطويرية في قيادة الرهط العسكري

جندي 2 / وأنت تعلم اننا كنا سوية في كل هذه الدورات

جندي 3 / اسمعوا. يبدوا ان الامور ليست بالسهولة التي تصورناها…سأذهب وأبلغ المجموعة  ان أحدكما سيأتي بعد قليل ويعلن قيادته لهم…اتفقا على اختيار احدكما …ونحن ننتظر النتيجة وأتمنى ان لا تتأخروا بإعلان اتفاقكما

جندي 1 / نعم اذهب انت الان …

(يخرج الجندي 3)

اسمع يا رفيقي يبدوا ان ليس هناك حل لهذا الموضوع سوى بالاتفاق بيننا حتى

نخرج اليهم بقائد واحد

جندي 2 / اعتقد بأنك تعني المساومة بما اسميته بالاتفاق

جندي 1 / سمه ما شئت…فأن اي نتيجة ستؤول اليها الامور هي تعني ما يقدمه احدنا الى

الاخر من تنازلات

جندي 2 / اذا فلنبدأ بما اقدمه انا من امتيازات لك مقابل تخليك عن حقك في القيادة

جندي 1 / ( يضحك)

امتيازات…اصبح اسمها امتيازات …ها نحن ندخل في حلقة المسميات  المتعددة  للشيء الواحد

جندي 2 / وهذه اولى علامات الاتفاق مع تعدد زوايا النظر

( صوت قذيفة تسقط. يرتبك الاثنان…ثم يرجعان الى وضعهما الطبيعي )

جندي 1 / ماذا لو كانت هذه القذيفة قد سقطت هنا على خندقنا هذا

جندي 2 / اعتقد انهم سينشغلون باختيار قائداً لهم

جندي 1 / واحتمال ان يخرج واحد منا قائدا

جندي 2 / هذا اذا ما استشهد احدنا وبقي الاخر ..ان هذا المكان اصغر من ان يحمي احد

ولا يحمي الآخر يا رفيقي…فإذا ما سقطت القذيفة هنا ستقتلنا نحن الاثنين…مصيرنا

واحد ما دمنا نعيش في هذا الجحر…سأنظر ماذا يحدث في الخارج

(يصعد الى الاعلى وينظر الى الخارج )

يا الهي …انها سبعة الوان….او اظنها كذلك

جندي 1 / وهل هناك غير السواد…يا رفيقي …ام ان عيونك ذات الفصوص الزرقاء صارت

توحي لك بألوان غير موجودة

جندي 2 / تعال وانظر…انه قوس قزح يرتسم على كبد السماء

جندي 1 / ( يصعد الى الاعلى )

نعم انه قوس قزح…وإنها السبع الوان ..يا للمفارقة .. هنا.. و ألآن

جندي 2 / الاحمر والبرتقالي والأصفر والأخضر والأزرق والرمادي والبنفسجي

جندي 1 / كلا …ليس هناك لوناً رمادياً بينهما…وان اللون السادس في ترتيبهما هو النيلي

جندي 2 / بل انه الرمادي

جندي 1 / النيلي….

جندي 2 / الرمادي…

(ينهمكان بالنقاش الحاد )

جندي 1 / لابد وانك تعاني من عمى الالوان …وإلا لما قلت بان اللون السادس هو الرمادي

جندي 2 / انا اعرف الالوان جيدا….وهذا هو اللون الرمادي

جندي 1 / وماذا تسمي لون بدلتك الوسخة هذه

جندي 2/ كان لونها خاكيا اول ما دخلنا الى هذا الخندق ….لكنها الان تحمل اكثر من لون

جندي 1 / وهل هي قوس قزح

( يضحك )

جندي 2 / ان لا اقبل استهزائك …ثم ان بدلتك لا تختلف كثيرا عن بدلتي

جندي 1 / اسمع يا رفيقي…ان اللون الرمادي هو من صنع الانسان …وليس هناك لون في الطبيعة اسمه رمادي…انه جاء نتيجة تجارب الانسان والتفاعلات الكيميائية التي  يقوم   بها …انه لون صناعي وليس بواضح

جندي 2 / ليس بالضرورة ان تكون الالوان واضحة

جندي 1 / بل واضحة

جندي 2 / وماذا تسمي الاسود….؟

جندي 1 / انه لون واضح جدا …

جندي 2 / وأين الوضوح عندما يحل الليل علينا …ولا نستطيع حتى تلمس اصابعنا

جندي 1 / ضوء شمعة واحدة كفيل بتبديد ذلك الظلام

جندي 2 / وكيف نستطيع ان نشعل شمعة…ونحن امام عدو يتربص بنا… بل انه يرى حتى

بالظلام

جندي 1 / وهذا خارج موضوع اللون

جندي 2 / انك لم تقدر الى الان ان تقنعني ان اللون السادس هو ليس الرمادي

جندي 1 / ليس اسهل من هذا شيء ….ولكن عندما نكون هناك بعيدا خارج هذا الخندق

وعندها تعرف ان السماء لا تنتج اللون الرمادي

جندي 2 / هل تعني انني اذا ما كنت خارج هذا الخندق فأنني سأرى هذا اللون نيلياً

جندي 1 / ربما…. فهناك الضوء

جندي 2 / وهنا الظلمة …اليس كذلك …..يا الهي… نحن هنا ننتظر دورنا كما رفاقنا السابقون …ان نعود الى اهلنا اما بقفص خشبي , او نعود محملين بقصص حرب تنهش

ذاكرتنا في كل حين مع فقدان احد اعضائنا…فربما اعود بدون يدي اليمنى

(يقوم التمثيل وهو فاقد يده اليمنى ..ثم يتحسسها)

كلا…كلا…ليست اليمنى…فأنا اقوم بكل الاعمال مستخدماً اياها…حينما اعود بدون  يد…فستكون اليسرى…نعم اليسرى.

( يمثل وكأن يده اليسرى مبتورة )

ولكني كيف سأصفق…؟

( يضحك )

وكيف سأحك يدي اليمنى….؟ او ربما اعود بلا رجل…

(يحرك رجليه كلتيهما…يمثل دور الاعرج مرة برجله اليمنى وأخرى برجله اليسرى )

اليمنى…اليسرى….اليمنى… اليسرى…لا اعتقد ان فقدان احداهما دون الاخرى

يختلف ..الامر سيان…فلتكن اي منهما .

(ينتبه ويتحسس رأسه ويصرخ)

كلا ..كلا…الرأس كلا …لا اريد ان افقد رأسي

جندي 1 / وأن كنا هناك ايضا….سننتظر

جندي 2 / وماذا ننتظر هناك

جندي 1 / ان ندفن تحت ركام يسقط على رؤوسنا في اي لحظة

جندي 2 / هذا يعني ان الخيارات متشابهة في الظرفين

(محاولا تغيير الموضوع )

ماذا يفرق الرمادي عن النيلي هنا…

جندي 1 / هناك يفرق الكثير…ولكن هنا لا يفرق شيئاً….

( يضحك)

هنا الحرب يا رفيقي…نعم الحرب التي لا تعرف سوى لونين

جندي 2 / وما هما

جندي 1 / في الحرب لا ترى سوى اللون الاحمر والأسود

جندي 2 / هيه …لقد اطلت الكلام في هذا الموضوع …هل كنت رساما يوما ما

جندي 1 / كلا انا لست رساما ولكني كنت امارسه كلما ارى ان الوان الطبيعة بدأت تتلاشى

وتضمحل

جندي 2 / ( يضحك)

وهل كنت تريد تلوين الطبيعة على هواك…

جندي 1 / المهم انني كنت اريد ان ارى الحياة ملونة بألوان زاهية , ان كانت هي كذلك , او   عندما اقوم بتزويقها أنا …..

جندي 2 / ولكنك لا تريد ان تراها هكذا ..هنا

جندي 1 / لأنها …هي التي لا تريد ….اسمع… ما بين الـ هنا و الـ هناك….مسافة لا تستطيع ان تقطعها دون ان تقدم خسارات…الانتقال بينهما يحتاج الى دفع ضريبة كبيرة

(ينتبه الى شيء ما )

الم تنتبه الى اننا نسينا موضوعنا الرئيسي…هيا علينا ان نختار احدنا

جندي 2 / كلا …..لم انس ولكنني انتظر ان انهي معك كل موضوع تطرحه

جندي 1 / اذن علينا الاتفاق

جندي 2 / وما الذي يمنعنا من ذلك

جندي 1 / انت تعرف انني اذا ما احلت الامر لاختيار بقية المجموعة من رفاقنا فأنهم

سيختارونني انا ..فعليك القبول بالتفاوض فيما بيننا لاختياري لأكون انا

القائد…ودعنا نبحث بما تسميه امتيازات و ما هو حجم ما تطمع به

جندي 2 / وها هو مصطلح آخر …يخترق نقاشنا وكل منا ينظر اليه من زاوية تختلف…فما  تسميه بالأطماع ..انا اسميه حق شرعي

جندي 1 / وليكن حق شرعي… المهم ماذا تريد

جندي 2 / انا اقترح…ان نتناوب على القيادة

جندي 1 / وهذا ما لا يصح في العرف العسكري…انا اقترح ان اكون انا القائد وأنت نائبا لي

جندي 2 / ولكنك تعرف ان حظوظنا متساوية…و الامر يتعلق بما يقدمه احدنا الى الاخر

(يدخل جندي 3)

جندي 3 / هيه ..اين انتما…الم تتوصلا الى اتفاق…لقد طال انتظارنا…وان طال اكثر من  ذلك بكثير فأننا سنلجأ الى اختيار احد غيركما

جندي 1 / امهلنا بعض الوقت وابلغ المجموعة ..اننا بعد قليل سنخرج اليكم ونحن على اتفاق

جندي 3 / وهذه آخر مهلة… ووضعنا لا يحتمل اكثر من ذلك

جندي 2 / اطمئن …فلن يطول الوقت كثيرا

جندي 3 /   وعليكم ان لا تدعونا ننتظر…كالذي يقف على احر من الجمر امام باب الغرفة  ليطلق الهلاهل  والزغاريد…فنحن في ساحة حرب

( يخرج ضاحكا )

جندي 1 / لا ادري لماذا هم يستعجلون ان يختاروا قائداً عليهم

( يبحث في احد الصناديق ويخرج قنينة ماء…ويشرب)

اعتقد انها آخر قنينة ماء , وعلينا ان نعمل حسابنا لذلك الى الصباح حتى تأتينا المؤن

جندي 2 / ولكن كيف لقنينة ماء واحدة ان تكفينا من الان حتى الصباح

جندي 1 / عليك ان تتذكر ماذا تفعل النملة في هكذا مواقف يا رفيقي

جندي 2 / انا لست بنملة …والى متى علينا دائما ان نتذكر ماذا يفعل غيرنا حتى نفعل مثله

( بغضب )

لقد مللت من تذكر كل الاشياء

جندي 1 / كثيرون من يستطيع الاجابة على هذا السؤال…إلا نحن ومن معنا في هذه  الجبهة…فنحن خلقنا حتى نتذكر…وعلينا دائما ان لا ننسى ان علينا ان نتذكر…وان  نسينا ذلك فهناك الكثير ممن يذكرنا…

( بهدوء )

النسيان يا رفيقي…لعبة يلعبها غيرنا ..ونحن   من يقوم بلعبها في الخفاء ,لا يحق لنا النسيان ما دمنا نحن من يحمل السلاح …

( يصعد الى الاعلى …ينظر باتجاه العدو)

عليك  ان لا تنسى ان هناك عدو امامك ان رأيته قبل ان يراك قتلته , وان رآك قبل ان

تراه قتلك

( يخرج صورة من جيبه ويتمعن بها )

وعليك ايضا ان لا تنس وجوه اهلك الذين فارقتهم وهم يودعونك بالبكاء على امل  ان تراهم ويروك مرة اخرى… وربما لا

( يسترسل )

وكذلك وجوه المارة الذين رأيتهم آخر مرة وأنت ذاهب لبيتك… لأنك ستحتاج ان

تستحضرهم وان تتحدث معهم هنا… تسألهم ويجيبونك…تنهرهم ويغفرون لك  ..تصرخ بوجوههم ويبتسمون بوجهك…

( بيأس)

تطلب منهم ان يأتوا معك الى هنا …فيرفضون …فليس على الجميع ان يأتوا الى هنا

( يتغير المشهد…بحيث يظهر جندي1 مع امرأة ترتدي بدلة زفاف…وفي نفس المكان )

جندي1 / حنان…من اي الدروب اتيت…هذا المكان لا يليق بلقاء حبيبين

المرأة / كل الامكنة تتحول الى حدائق بحضور الاحبة

جندي1 / ولكن…

المرأة / ولكن ماذا تنتظر من حبيبة انهكها الانتظار…حتى خَفَتَ بريق عينيها ويبست نظارة  خدودها

( تقترب منه اكثر )

هل ستقبلني بهذه التجاعيد…ام ان الحرب زادت من عشقك لامرأة نظِرة…انا اعرف

يا حبيبي ان كل هذا الجدب الذي يحيط بك قد يغير الكثير من قناعاتك

جندي1 / حنان…انا لم اطلب منك ان تنتظريني …كنت دائما ما ادربك على لعبة النسيان …فأنا اعلم انني جندي في حرب طاحنة…لم اكن اريد ان افجعك بي …او حتى اجعل من الانتظار ان يأسرك وانت لا تستحقين كل هذا

المرأة / انا احب ايها الوغد…اتعرف ماذا يعني ان تحب المرأة رجلا

جندي1/ وانا ايضاً احبك يا حنان …لذلك لم ارد لك ان تتعلقي بمصير جندي صارت البندقية خليلته

( يتناول بندقيته )

تصوري يا حنان …انني لا انام دون ان احتضنها

المرأة / كلا لا تقل لي ذلك…انا امرأة …لا تنسى اني امرأة اغار عليك حتى من الهواء الذي  يمر عليك …هيا لنرجع سوية

جندي1 / الى اين

المرأة / الى حيث نزرع ثمار حبنا قبل ان يشيخ

جندي1 / الحب لا يشيخ يا حنان…ولكنها الحرب التي يتجدد شبابها كل يوم

المرأة / ما لنا ولها ….؟

جندي1 / بل ما لها ولنا…لا نستطيع الفرار من براثنها …وهي تركض ورائنا دائما

المرأة / ( بيأس )

ربما سيشيب رأسي…ولم اعد اكون عروسا تليق بك

جندي1 / وربما اعود محمولا في صندوق خشبي  لا اعني شيئاً الا في الذكرى

المرأة / ( تغني وهي ترقص رقصاً تعبيرياً )

( حبيتك تنسيت النوم و يا خوفي تنساني… حابسني برات النوم وتاركني سهرانة… أنا حبيتك حبيتك أنا حبيتك حبيتك.)

( يبتعد صوتها تدريجياً…وتختفي معه…يرجع المشهد الى شكله الاول )

جندي 2 / ولكن الخيارات هذه المرة لا تتشابه

جندي 1 / ( بعد ان يحاول استرجاع حالته الاولى )

وهذا لأن ظرف المكان تحول الى حال

(يتناول قنينة الماء ويشرب منها )

لقد شربت نصفها ….

جندي 2 / وسيكون نصفها الثاني من حصتي

جندي 1 / ولكني احس بأن احشائي تشتعل من العطش ,لنقتسم هذا النصف

جندي 2 / وعندها ستكون حصتك ثلاثة ارباع القنينة وأنا الربع…اي قسمة هذه يا رفيقي

جندي 1/ ( يبحث في الصندوق)

سأقايضك…ربع قنينة الماء…بـ…..بـ …علبة سردين

جندي 2/ كلا ..لا اقبل

جندي 1 / قطعة الجبن هذه…

جندي 2 / كلا….

جندي 1 / ( يقوم بنزع ساعة من معصمه)

انها هدية من اعز انسان…

(يقدم له الساعة)

جندي 2 / الوقت هنا لا يعني شيئاً  فالظلمة تعلن عن الليل  او النور يعلن عن النهار…

جندي 1 / ( ينتزع خاتما من يده اليسرى )

انه اعز ما املك…

جندي 2 / وهذا لا يعني شيء سوى عند زوجتك

جندي 1 / لا املك سوى سلاحي وخوذتي

جندي 2 / ( يشير الى الخوذة)

جندي 1 / ( مستغربا )

ماذا…؟ هل تريد ان تقايضني الماء بخوذتي…

جندي 2 / انت تعرف ان خوذتي قد ثقبتها رصاصة كانت موجهة نحوي البارحة…ولكن الله

شاء ان لا تثقب رأسي ايضا…لكني اخاف ان تمر رصاصة أخرى من هذا الثقب

وفي هذه المرة اعتقد انها ستثقب رأسي لذلك من حقي ان اخشى على نفسي

وأستبدل خوذتي المثقوبة بخوذتك السليمة ….ومن ثم نقتسم الماء بيننا

جندي 1 / ولكن هذا غير منطقي

جندي 2 / ( يضحك بهستيريا )

وما المنطق في حرب اعرف متى بدأت ولا اعرف متى تنتهي…ها….؟…اعرف انني وقود لها …ولا اعرف لماذا اشتعلت

( بألم )

وأين المنطق من رصاصة لا تعرف طريقا …إلا الطريق المؤدي الى راسي

انها الحرب…يا رفيقي…الم تقل انت ذلك…..نعم الحرب التي يكون كل شيء فيها ميتاً إلا الموت … فهو الوحيد هنا الذي يستطيع ان يحل في اي مكان وفي اي زمان  انه رأس واحد…

( يشير الى رأسه )

وليس لدي غيره واحتاج جدا ان يبقى منتصبا فوق رقبتي…

جندي 1 / ( بعد تردد )

اوافق…!

(يقومان باستبدال خوذتيهما…ثم يقتسمان الماء )

جندي 2 / (يجرب لبسها عدة مرات)

حتى وان كانت اكبر من رأسي…فإنها ستحميه من رصاص قادم لا محالة

جندي 1 / (يفتش عن الثقب الموجود في الخوذة)

لا اتصور ان هناك رصاصة حتى وان كانت مرسلة من قناص ماهر سوف تأتي

مباشرة الى هذا الثقب لتخترق رأسي بسهولة…ليس هناك فرق كبير بين خوذة

مثقوبة وأخرى سليمة… في حين ان صدرك مشرع للرصاص بدون درع يقيه

اسمع لقد بدأت احس بأن الوقت يمضي سريعا دون ان نتوصل الى اتفاق

جندي 2 / لدي اقتراح وأعتقد انك سوف لن ترفضه

جندي 1 / وما هو

جندي 2 / اذا ما تنازلت لي ….سأدعك تذهب الى بيتك دون ان اسجلك هاربا من

المعركة…وتستطيع ان تمارس حياتك بعيدا عن الموت

جندي 1/ هذا يعني ان اذهب انا للخارج وتبقى انت في الداخل

جندي 2 / نعم اكون انا هنا وأنت هناك

جندي 1 / ( يضحك )

أ تدري بأننا ونحن هنا فسوف نسمي الـ هناك ..هناك .. وان كنا هناك فسوف

يصير الـ هناك… هنا

جندي 2 / ( يحاول ان يحسبها ويفهم ما قيل من خلال التأشير بيديه )

الـ هنا…هناك , الـ هناك…هناك ثم تصبح بعد حين هنا…كلا …كلا

انك تثير في رأسي الكثير من الاشياء التي تسلمه الى صداع موجع

جندي 1 / اسمع جيدا…. ان تكون قائدا في حرب خير من ان تكون مأموراً في مكان اكثر اماناً…انا ارفض هذا الاقتراح

( يقترب منه )

انا سأجعلك بطلا وأنت جالس في بيتك

جندي 2 / وكيف ذلك

جندي 1 / ما عليك سوى ان تتظاهر بأنك اصبت في رجلك وتمشي اعرجا…وسأبلغ الجهات العليا بأن شظية قد اخترقت رجلك ونقوم بإخلائك من ارض المعركة …ثم تعيش  ايامك بعيدا عن كل هذا العبث

جندي 2 / وعلى من سأمثل دور ألبطل…؟ وكل الذين بقوا في مدينتي هم من الشيوخ والنساء والأطفال…من سيحسدني…؟من سيغبطني…؟من سيغار مني ….؟

جندي 1 / اليس لديك…اب …ام …..حبيبة…..اصدقاء

جندي 2 / ( يروي )

ان ابي…مات في الحرب التي اشتعلت وأنا عمري لم يتجاوز الخمس سنين…

وامي ماتت ورائه كمدا ببضع شهور…وأن نصف اصدقائي استشهدوا في هذه

الحرب اللعينة ونصفهم الآخر يتوزع على ارجاء هذه الجبهة العريضة …

( بحسرة )

ومنذ ان بدأت اعرف ضرورة ان تكون هناك امرأة تحبها وتحبك…وأنا لم اجلس مع  واحدة منهن… اشاهدهن فقط وهن ذاهبات الى المدرسة دون ان تلتفت اي منهن الى هذا  الوجه الشاحب الذي ليست هناك فيه اي علامة تدل على انه يعود لشاب في ريعان  عمره… تصور حتى بنت الجيران التي كنت ارمي لها برسائل اقضي الليل كله                       بكتابتها…تتناولها ثم تقف قبالتي وتمزقها

( بتأكيد )

اعتقد يا رفيقي انني سأكون وسيما وأكثر نظارة …. عندما اكون قائداً

جندي 1 / اذن ليس امامنا سوى حل واحد

جندي 2 / قل ما هو…

جندي 1 / ما دمنا في ساحة حرب …وكل منا يبحث عن قيادة الاخر …دعنا نحسم الامر بلعب الشطرنج ومن يفوز يكون هو القائد

جندي 2 / وهذه الفكرة اكثر انصافا لكلينا من غيرها

(يقومان بإخراج علبة شطرنج من احدى الصناديق…يفترشان الارض…يرتبان البيادق )

جندي 1 / هيا…ابدأ…لابد لك ان تبدأ بتحريك احد الجنود

جندي 2 / ( يضحك )

اعرف ذلك…وهل هناك حرب لا تبدأ بحركة من جندي ولكن من سيكون منهم …

جندي 1 / اختر احدهم…هم جميعا يقفون في المقدمة

( يذكره )

هل تعلم ان المكان الوحيد الذي يتقدم فيه الجنود على القادة هو ساحة الحرب

جندي 2 / نعم انها اللعبة الوحيدة التي يسمحون لنا بمشاركتهم فيها ..ولهذا اريد ان اكون قائداً.  ولكن لا ادري اي الجنود سأختار…هل الذي يقف امام الوزير…ام من يقف امام  الحصان…ام….

جندي 1 / ولماذا لا يكون غير كل هؤلاء

جندي 2 / وهذا يتوقف…على التفكير بمن ستناور انت…بالوزير…ام بالفيل… وكذلك علي ان  اتوقع اسلوبك في اللعب…ومن ثم اختار بمن ابدأ

جندي 1 / وهل ستقضي الوقت بالتفكير بذلك

جندي 2 / كلا سأختار الجندي الذي يقف امام الوزير

(يحركه)

بماذا ترد…..؟

جندي 1 / هذا يعني انك ستستخدم الوزير في غاراتك…فليس امامي سوى ان اختار نفس

الجندي فمن غير المعقول ان اجابه مقدرة الوزير بإمكانيات غيره البسيطة

(يحركه)

ها…..ما هي الخطوة الاخرى

جندي 2 / علي مراجعة الوسائل التي لا تدعك ترد بنفس الاسلوب وتضيق الخناق علي…ثم

قل لي لماذا نحن نلعب بصوت عالي…متى كان لعب الشطرنج بهذا الاسلوب

جندي 1 / الشطرنج يا رفيقي لا يلعب في ساحة معركة انه يلعب قبلها وهو لا يشعل حربا انه

يخطط فقط…ثم انني لا اعتقد بأن اي منا سيقوم بكشف خططه في اللعب امام الآخر

جندي 2 / ( يقوم الجندي 2 بالمشي في المكان جيئة وذهابا مطأطئا رأسه …بينما الاخر يركز  نظره على رقعة الشطرنج)

لماذا لا نؤجل اللعب بالوزير الى آخر المطاف…فالمجازفة الغير محسوبة تؤدي

الى نتائج وخيمة…ودعنا نلعب بالفيل او الحصان

جندي 1 / الاتفاق في هذا الحال سذاجة مطلقة …عليك ان تلعب بالاعتماد على ما تخطط

وتحس بردود فعل العدو ..ان ما تعنيه هو ان نتفق على تساقط بيادقنا الواحد تلو

الاخر حتى نصل الى ان يبقى ملكانا فقط ….ها…وماذا بعد ذلك…سيطارد الملكان

بعضهما الى ما لا نهاية دون ان يلحق احدهما بالآخر

( بتأكيد )

فلابد ان تخسر قلعة عندما اخسر جندي انا…ولابد ان اخسر فيلاً عندما تخسر

حصاناً ..هكذا يمكن ان نصل الى نتائج تتيح لأحدنا النصر على الآخر

جندي 2 / اذن فلنلعب وننتظر النتيجة

( يستمر لعبهما بعض من الوقت )

جندي 1 / لماذا لا تريد ان تقتنع بأني سأفوز عليك

جندي 2 / ومن اين لك كل هذه الثقة …

( يسمع صوت انفجار وسقوط قذيفة قرب الخندق…تتساقط وتتبعثر كل الاشياء

الموجودة…ينبطحون)

جندي 1 / ها نحن ننجو مرة أخرى

 

( ينهض من انبطاحه )

 

لابد وان وراء هذا الكم الهائل من القذائف التي سقطت اليوم …شيء كبير يخطط له العدو…هو ربما مقدمات لــ…

 

جندي 2 / ( ينتبه الى رقعة الشطرنج )

 

هيه ….انتبه لقد تبعثرت بيادق الشطرنج وانقلبت الرقعة رأسا على عقب

 

جندي 1 / ( يضحك)

 

اعتقد بأننا خسرنا نحن الاثنين

 

جندي 2 / بل اننا من انتصر

 

جندي 1 / وكيف

 

جندي 2 / لأننا خرجنا لا منتصرين ولا خاسرين من هذه اللعبة

 

جندي 1 / اجمع البيادق كلها وضعها في صندوقها… فنهاية لعبة الشطرنج  يا رفيقي  تشبه  الموت… وهذه هي الخسارة بعينها…

 

جندي 2 / بل هو النصر

 

جندي 1 / وها نحن نعود  لنعزز اختلافنا دون الوصول الى حل ينهي هذا المأزق الذي  نحن  فيه.

 

جندي 2 / هل نكمل اللعب

 

جندي 1 / كلا…لأني اتوقع ان هناك قذائف أخرى ستسقط …لنبحث عن حل غير هذا

 

جندي 2 / اننا في كل مرة…لا نتأكد من نتيجة سقوط القذيفة في الخارج , مجرد ان نكون

خارج خسائرها وداخل سلامتنا حتى ننسى ما آلت اليه…ربما مات الجنود الذين

في الخارج

 

( يضحك )

 

وعندها سيقود احدنا الاخر فقط…ولا نجد من نقوده

 

جندي 1 / سأخرج وارى ماذا حدث

 

( يدخل جندي 3 وهو ملطخا بالدماء ويعاني من جروح)

 

جندي 3 / هيه اين انتما…لقد خسرنا جنديين وجرح ثلاثة منا وانتم الى حد الان ..تتفاوضون

في من يكون القائد…نحن بحاجة الى قرار عسكري نافذ يساعدنا على كيفية   الخروج من هنا وتلافي سقوط كل هذه القذائف…ربما سنموت جميعا قبل تتوصلا  الى اتفاق علينا ان نترك خنادقنا…ثم اين سنحتمي….احزموا امركم…وإلا كان    كل واحد منا قائد لنفسه وحينها لا استطيع توقع ما يحدث

 

جندي 1 / اسمع علينا ان نتراجع الى الخطوط الخلفية الدفاعية…فهناك توجد خنادق بعيدة عن

مرمى العدو

 

جندي 2 / ومن اعطاك الحرية في اصدار الاوامر ايها الرفيق…

 

( يخاطب الجندي 3)

 

اسمع…علينا الصمود والبقاء هنا في مواقعنا حتى الموت …فأننا لا نملك الكثير  من  الحجج لنقولها للقيادات العليا

 

جندي 3 / بل اسمعوا انتم الاثنين…ان هناك وعلى يمين ذلك الساتر الذي يقع امامنا مجموعة

من الخنادق…ان عددها لا يكفي لكل جنودنا ولكننا نستطيع ان نتدبر امورنا واعتقد  ان هذا الحل الامثل

 

( يضحك الجنديان 1 و 2 بصوتِ عالِ   )

 

جندي 1 / وهل تريد الى الانضمام الى قافلة القادة ولعبة الاختيار

 

جندي 2 / اعتقد ان اللعب بثلاثة يكون اكثر اثارة

 

جندي 3 / انا لم اكن سوى جنديا بسيطا ولا انظر الى ابعد من ذلك …ولكن في هذه الحالة

التي اوصلتمونا اليها …لابد من شخص ثالث يكون معكما لتغيير موازين القوى التي  تساوت بينكما وأبعدتنا كثيرا عن الحل الامثل والسريع في هذه اللحظات الحرجة

 

جندي 1 / ولكنك لا تمتلك مقومات القيادة

 

جندي 3 / في زمن الحرب كثيرا ما يكون الابطال من الجنود وليس من القادة…انا … لم  اتعلم الدروس العسكرية مثلكما ولكني استطيع ان ارى العدو

 

جندي 2 / ولكن القادة هم من يرسل الجنود نحو البطولة

 

جندي 3 / كلا… هم من تسجل لهم البطولة دون الجنود

 

جندي 1 / ولكن لا بد من رأس مدبر لذلك

 

جندي 3 / بعد كل هذه السنوات التي عشتها في هذه الحرب الطاحنة والتي لا اظن انها ستنتهي ..استطيع ان اكون رأسا مدبرا للكثير من الخطط

 

جندي 2 / ولكنك لا تستطيع ان تكون منافسا لنا

 

جندي 1 / ولا ان تكون ثالث ثلاثة

 

جندي 3 / بل استطيع

 

جندي 2 / ومن اين اتتك هذه الاستطاعة

 

جندي 1 / وانت جندي ..جندي بسيط

 

جندي 3 / انتم وبعد كل الذي حدث لنا وما خسرناه لم تكونا قريبان من الجنود ولم يكن يهمكما مصيرهم وكنتم بعيدان عنهم هنا في هذا الخندق الذي تحتمون فيه دون التفكير بما

يعاني منه رفاقكم ولا حتى لا تعرفوا من مات ومن بقي حيا …خسرنا قبل ايام ذلك  الجيب الذي كنا نحتمي  ولم تبالوا وانسحبتم كما الجنود الذين لا يعرفون اين ذاهبين   ولا من اين اتوا ,وعندما استولى العدو على مخازن الاسلحة التي كانت على الجانب الاخر من الساتر لم يكن الامر يعنيكما بشيء , وعندما تفجر المرصد الذي كنا نرصد به تحركات العدو حتى لم تفكروا ببناء بديل له….

لذلك سوف لن يهتم احد لأمركما اذا ما تعرضتم لشيء في هذه الحرب الضروس

جندي2/ ولماذا تريدون ان تختاروا احدنا قائدا لكم

جندي3/ ( بغضب )

انها السياقات العسكرية

( يوجه حديثه لكليهما )

اسمعوا جيدا…كنت انا من يؤدي تلك  الادوار بينهم وكنت انا نصيراً  لرفاقنا الجنود وانا من يساعدهم ومن يضمد جراحهم  لذلك استحق   ان اكون ثالثا لكما …أ تعرفون لماذا…

(يعدل من هيأته)

لأني اما ان اكون انا القائد الذي لا يأتمر الجنود إلا بأمره هو….او ان اكون انا من  يقف بصف احدكما لترجح كفته

 

( ينظران اليه بتعجب وغرابة ..وبعد تردد ومناقشة سرية بينهما)

 

جندي 2 / اوافق على انضمامك للتفاوض معنا…اذ لا مناص من ذلك

جندي 1 / وأنا كذلك …

جندي3/  ( يصعد فوق منضدة…يمثل دور بائع المازاد )

نفتتح المازاد…فيما سيقدمه اي منكما لي مقابل ان اقف بصفه على حساب الاخر

جندي2/ اذا ما صرت في صفي ….سأدعك تذهب الى بيتك دون ان اسجلك هاربا من

المعركة…وتستطيع ان تمارس حياتك بعيدا عن الموت

جندي3/ ولكني هنا اؤدي واجبا مقدسا وبقناعتي ولا اريد ان اذهب قبل ان ينتهي

جندي2/ عِش يا حمار…!

جندي1/ اسمع…سأجعلك بطلا وانت جالس في بيتك

جندي3/ ومن قال لك بأني اريد الجلوس في بيتي…

( يغير من طريقته في الكلام )

يبدو ان ليس هناك عرض مغري…سأنهي المازاد…واحد…اثنان…ثلاثة

جندي1/ ( بسرعة )

كلا…هناك عروض اخرى…ربما ستختار احدها

جندي2/ ( محاولا التشبث به )

سأقدم لك ما تريد…كلا لا تنهي ما بدأت به…

جندي3/ ولكن كل عروضكم غير مقنعة …واحد…اثنان…ثلاثة

جندي2/ لم نصل الى نهاية المطاف

جندي1/ ويمكن ان نبحث في اسعار أخرى

( يحاولون ابقاءه على المنصة …ومنعه من النزول )

جندي 3 / ( بصعوبة بالغة )

واحد…اثنان …ثلاثة…لم يتم البيع …وتتحول العملية الى مفاوضات من نوع  آخر

( ينزل من فوق المنصة )

جندي2/ اذن نقبل بك شريكاً ثالثا….

( يتشاور مع جندي1 )

ونقبل ان تكون قائداً…ولكننا سنكون خارج امرتك

جندي3/ ولمن سأصدر اوامري حينها…ثم لماذا تريدون ان تكونا خارج امرتي وممن ستأخذان  الاوامر

 

جندي 1 / لأننا اكثر قِدَما منك في الخدمة العسكرية ..ثم اننا نستطيع ان نتدبر امرنا بدون

قراراتك

 

جندي 3 / ولكني ارفض ذلك

 

جندي 3 / وما هي الطريقة التي سنختار بها احدنا

 

جندي 2 / وهذا ما لم نتوصل اليه …منذ ابلاغك لنا بضرورة اختيار احدنا والى الان

 

جندي 1 / وأعتقد ان انضمامك ثالثا في مسيرة التفاوض سيزيد من طول طريقها

 

جندي 3 / لدي اقتراح

 

جندي 2 / وما هو

 

جندي 3 / نقسم الجنود الى ثلاث مجموعات ويختار كل منا واحدة لقيادتها

 

جندي 1 / وهذا يعني اننا متساوون بإمكانياتنا القيادية…وهذا غير صحيح

 

جندي 2 / ( يضحك )

 

وحينها سيقود كل منا ثلاث جنود او اربعة فقط

 

جندي 3 / ولكن لم يبقى كثير من الوقت

 

جندي 1 / اذن ليس امامنا سوى هذا الحل

 

جندي 2 / وما هو

 

جندي 3 / هيا… قل

 

جندي 1 / ان القائد فينا هو من يستطيع ان يخرج بمجموعة من الجنود بغارة على العدو ويأتي

ولو بأسير واحد منهم

 

جندي 2 / ولتكن انت اولا

 

جندي 1 / ولماذا لا تكون انت

 

جندي 2 / ( مشيرا الى الجندي 3 )

 

انها فرصتك التي لا تعوض

 

جندي 3 / واني اتنازل عن هذه الفرصة الثمينة لك

 

جندي 1 / يبدو ايضا اننا سوف لن نتفق على من يكون الاول

 

جندي 3 / ولماذا لا نقوم وبوقت واحد بالإغارة على العدو من ثلاث محاور ..

 

جندي 2 / وهل نجازف بأرواحنا جميعا …انه رأي غبي ومغامر

 

جندي 3 / ولماذا لا تحسبها صولة موفقة ممكن ان نحقق بها انتصارا كبيرا على العدو وبنفس

 

الوقت نستطيع ان نختار من جرائها احدنا

 

جندي 1 / لقد كنا نعيش هنا ننتظر قدرنا دون ان نبالي بأي شكل سيأتي و لا ننظر الى  الخارج…وكنا نجتر احاديثنا التي اعتدنا ان نكررها في كل مرة من غير ان نفكر

بما سيحدث غدا …بل بما سيحدث بعد سقوط كل قذيفة عندما لا نكون نحن من  ضحاياها…وبعد ان دخلت علينا وأخبرتنا بموت القائد احلت حياتنا الى صراع مرير

يبدو انه سوف لن ينتهي …ثم انك وبعد ان فرضت نفسك منافسا لنا لم تزد صراعنا  إلا ضراوة وصعوبة ..

 

( يفكر )

وعلى ذلك انا انسحب من هذه المنافسة وصعوبة الاختيار…وعليكما انتما ان تختارا  واحدا منكم وبسرعة وتذكروا اننا في ساحة حرب ولا مجال لكل هذه الخلافات التي تحكمنا

 

جندي 3 / لقد اثبت حسن نواياك وإحساسك الكبير بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا ونحن بهذا  الظرف…وان تنازلك هذا خير دليل على رجاحة عقلك ….لذلك اعلن انا ايضا  انسحابي من هذه المنافسة

 

جندي 1 / ( بسرعة وبدون تردد )

 

كلا …لا تنسحب وعليكم ان تستمروا في البحث في طريقة لاختيار واحد منكم

وسأساعدكم في هذه المهمة

 

جندي 2 / ( يتجه نحو جندي1 )

 

انا لم استغرب انسحابك لأنني كنت اشك بأنه مؤامرة ومؤامرة كبرى للتخلص منا

نحن الاثنين ..كنت تريدنا ان نتناحر نحن الاثنين حتى يؤول الامر اليك بكل سهولة

وسلاسة

 

( يوجه كلامه الى الجندي 3 )

 

انه يريد ان نتقاتل انا وأنت على طريقة الكاوبوي ويقف كل منا قبالة الاخر ويوجه مسدسه الى الاخر وفي النهاية نخر صريعين …وإلا ما معنى ان يرفض انسحابك

وعندها سوف تنتهي المشكلة بأن سأبقى الوحيد في المنافسة وعندها سأكون انا

القائد وينتهي كل شيء

 

جندي 3 / أ صحيح كانت هذه هي نواياك …هل كنت تريد تصفيتنا

 

جندي 1 / كلا بل اني اردت ان يكون من يريد قيادتنا هو الاقدر على تحمل المسؤولية ولا يتم

ذلك بسهولة وانما بعد اجتياز اختبار ليس بالسهل

 

جندي 2 / ( بعد تفكير…موجها كلامه الى الجندي 1 )

 

مع انسحابك انت…انا اعلن انسحابي ايضا…وهكذا سيكون رفيقنا الثالث هو القائد

 

جندي 1 / ( يرفض بشدة )

 

ان هذه هي المؤامرة…انك تريد ان تبعدني عن المنافسة ..حتى وان خسرتها انت…  انا ارفض ذلك …ثم لماذا لا تريد ان تفهم ان هذا الذي دخل علينا طارئا كان اكثر منا طمعا وكان يخطط بكل الخبث ليتقلّدها بسهولة

 

جندي 3 / يا إلهي لم اكن اتصور ان المشكلة بهذه الدرجة من الصعوبة وان انانيتكما

وطمعكما اكثر حتى من حرصكم على حياتكما وحياة رفاقكم…اعتقد بأن التفاوض  معكما كمن يعالج جراح جثة هامدة

 

( بحدة وغضب )

 

اسمعا…ان اي واحد منكم هو غير جدير بقيادتنا بهذا الظرف الصعب وأنا لا  استغرب فيما اذا ساومتما بحياتنا على سلامتكما …انا سأخرج الى الجنود الذين

ينتظرونا في الخارج وسأطلب منهم مساندتي بتولي امر قيادتهم وأنا ضامن

لذلك…وسأخبرهم بكل ما دار بينكما

 

جندي 1/ ( ينظر اليه باستغراب…ويدعو جندي2 الى حديث سري ويأخذه الى احد الجوانب

 

ثم يهجم الاثنان عليه ويقومان بشد وثاقه وتكميم فمه…ورميه في احد زوايا الخندق )

 

وهل كنت تتصور اننا سنتنازل لك بسهولة ايها الغبي

 

جندي 2 / وها نحن نرجع الى المربع الاول والى اصل المشكلة ولم نتخلص إلا من مشكلة

كانت طارئة علينا …كيف سنتوصل الى حل

 

جندي 1 / الحل هو….

 

( يفاجئه بسحب مسدسه من خصره وتصويبه نحوه )

 

اسمع ان لم تتنازل لي فرصاصة واحدة في رأسك …

 

(مشيرا الى الجندي 3 )

 

وأخرى في رأسه…تكفيان لحل المشكلة ..ومن ثم اخرج الى الجنود الذين في  الخارج وابلغهم بأنكم تنازعتما على تولي القيادة حتى قتل احدكما الاخر

 

جندي 2 / لا استغرب كل هذا منك فلطالما عرفتك مخادعا

 

( صوت قذيفة تسقط في الخارج يهتز لها كل شيء في الخندق وتتبدل جرائها  المواقف بحيث ينتهي الموقف بأن الجندي 2 هو من يصوب المسدس باتجاه الجندي 1 )

 

أ رأيت ان من الممكن ان تنقلب المواقف المخادعة وترد على اصحابها بلحظة واحدة

 

جندي 1 / لا تقتلني وسأتنازل لك و اؤكد ذلك خطيا …فقد دعني اعيش …فربما لن اعيش

اكثر من دقائق او ساعات او حتى اذا كانت ايام ..فمن غير الممكن ان تسقط هذه القذائف دائماً خارج الخندق وليس هناك واحدة منها يمكن ان تسقط على رؤوسنا وحتى وان سلمت من الموت…فأني لا اضمن ان يبقى جسمي سالما…فدعني أخرج من هنا وارجع الى اهلي حتى ولو بعاهة مستديمة

 

جندي 2 / وهذا الذي فرض نفسه علينا…ماذا نفعل به

 

جندي 1 / انظر انه يتمتم كأنه يريد ان يقول شيئا

 

جندي2/ اذهب اليه وفك فمه

 

( يذهب اليه ويقوم بفك كمامات فمه )

 

جندي 3 / اذا ما اتفقتم على احدكما فأني اول المبايعين له

( صوت اطلاق رصاص شديد في الخارج …يدخل مجموعة من الجنود الغرباء الى الخندق )

 

قائد المجموعة / ( يقوم بإصدار الاوامر للجنود الثلاثة وهم ينفذون )

 

Soldiers … be prepared

turn left

turn right

 

get out

 

( يخرج الجميع )

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock